تقرير لأعمال الندوة: الندوة التخصصية حول السيدة نصرت أمين النموذج والقدوة
باسمة دولاني
عقد معهد المعارف الحكمية ومعاهد سيدة نساء العالمين (ع) الثقافية في بيروت، وبرعاية المستشارية الثقافية الإيرانية في لبنان وعلى مدى يومين متتالين ندوة تخصصية حول “السيدة نصرت أمين النموذج والقدوة”، وذلك في مجمع الإمام المجتبى (ع).
فكان الافتتاح حيث تخلله كلمة للسيدة زهراء مرادي وهي أستاذة جامعية وحوزوية حيث تحدثّت فيها عن السيدة نصرت أمين ووصفتها بأنها حقيقة كانت أمينة؛ ﻷنها قد حفظت الأمانة التي أوكلها الله عز وجل بشكلها الأفضل.
بعد ذلك تم عرض فيلم عن حياة السيدة نصرت أمين من إعداد قناة الصراط. تلاه كلمة المستشار الثقافي للجمهورية الاسلامية في ايران، السيد محمد مهدي شريعتمدار تناول فيها الحقبة التاريخية التي عاشت فيها السيدة نصرت أمين مضافًا إلى الظروف الاجتماعية المحيطة بها. فاعتبر أننا نحن هنا أمام ظاهرة فريدة، فالمحتفى بها لم تكن فريدة عصرها فحسب، بل فريدة على مر العصور، ولهذا كانت جديرة بأن تكون أسوة ومثلًا أعلى.
وأضاف السيد شريعتمدار إلى أن الندوة اليوم بفضل المبادرة من معاهد سيدة نساء العالمين (ع) الثقافية ومعهد المعارف الحكمية قد أعادت إحياء الصلة على الصعيد الفكري والثقافي بين لبنان وإيران، هذه الصلة الممتدة منذ هجرة العلماء من جبل عامل نحو إيران وتأسيس الحوزة العلمية في إيران.
اختتم الافتتاح بكلمة لمدير معهد المعارف الحكمية فضيلة الشيخ شفيق جرادي، عن إلهيات المعرفة. حيث تطرق فيها للبحث عن صاحبة المناسبة السيدة نصرت أمين من خلال مفاصل ثلاث:
- البحث في إلهيات المعرفة.
- هل وجد هذا الطرح في كتابات السيدة نصرت أمين؟
- تقديم نموذج مما كتبته السيدة بيدها الشريفة.
واعتبر سماحة الشيخ شفيق جرادي إلى أن السيدة نصرت أمين هي من الصنف الذين رهنوا أنفسهم لخدمة رسالة صاحب الرسالة الرسول محمد (ص).
وتطرق سماحته في كلامه للإشكالية المطروحة حول المقصود من النص بما هو مصدر ديني، القرآن، الحديث.
وطرح سؤال حول العلاقة بين النص وبين العقل؟ وبين أنه هناك من قال إن الأولوية ﻷحدهما دون الآخر وبين من سعى لايجاد الألفة بينهما، وأنه هناك من قال إن النص عبارة عن عقل كامل، وبين أن العقل فيه نوع من الوحي. وأشار إلى أن هذا هو السجال الحاصل في التاريخ.
وبيّن سماحة الشيخ جرادي أنه بخصوص النص في فهمنا هو عبارة عن آية سواء كان قرآن أو حديث أو دعاء. فالآية هي أمر يرمز إلى حقيقة أخرى فثالثة فرابعة.. والعقل عندما يعمل مع النص يسعى لاكتشاف الحقائق من هذا النص ومن المدى الذي يعمل فيه النص.
واعتبر سماحته أن منهج إلهيات المعرفة يريد أن يتصور المعارف مع الحقائق الكامنة في الآيات.
وأشار سماحة الشيخ شفيق إلى أن أفضل من عبر عنه حتى اليوم هو صاحب الميزان العلامة الطباطبائي. والسيد محمد باقر الصدر في جدلية النص والواقع في كتاب السنن. وأن نصوص ومؤلفات السيدة أمين على اختلاف مواضيعها ومشاربها تتمتع بوحدة متكاملة في فهم الإسلام.
واعتبر أن كتابات السيدة أمين بأكملها حازت على الشروط للدخول في إلهيات المعرفة.
وقال سماحته: إن منهج السيدة أمين هو منهج تربوي بالدرجة الأولى لكي نتعرف كيف نتعلّم.
وختم سماحة الشيخ شفيق جرادي كلمته بالقول: يجب أن نعمق المضمون لكن بشرط أن تبقى الروح فياضة ليستكشف العقل النص.
ثم تابعت الندوة أعمالها لفترة بعد الظهر حيث كان المحور الأول عبارة عن محاضرة تحت عنوان: “المنهج الأخلاقي في كتاب الأربعين الهاشمية للسيدة الفاضلة نصرت أمين الأصفهانية” لسماحة الشيخ أمين ترمس المدير التربوي والثقافي في جامعة المصطفى (ص). فاعتبر أنه لا يبالغ إذا ادّعى أنّ أهمّ مشكلة تعاني منها الإنسانية في هذه الأيام هي تدنّي المستوى الأخلاقي بين الناس.
وأشار سماحته إلى أن الفساد الأخلاقي والرّذيلة وإشاعة الفحشاء والمنكر يشرّع تحت شعار الحرية، وتجويع الناس واستعبادهم يبرر تحت غطاء ضروريات اقتصادية، وأصبح من يعترض أو ينكر ذلك كانّه يسبح عكس التيّار ويقول قولًا منكرًا..
وقال سماحته: ما أحوجنا في هذه الأيّام إلى الأخلاق الفطرية التي جاء الأنبياء لإتمامها خصوصًا من خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله (ص)، فإنه بالأخلاق غيّر ذلك المجتمع، وبالدّعوة إلى الحسنى أخرجهم من ظلمات الجهل، وبخفض الجناح ولين الجانب رفعهم من غياهب الجاهلية، وبنشر الفضيلة بينهم ألّف بين قلوبهم.
ورأى سماحته أنه من هنا كان للكاتبة السيّدة نصرت أمين الأصفهانية هذا الجهد المبارك، فإنها أدركت – وكانت مصيبة في إدراكها – أنّ التّصدي للفساد الذي ينتشر، وابتعاد الناس عن الفضائل وتركهم للمكارم لا يكون إلا بنشر الأخلاق وإعادتهم إلى دينهم وإيمانهم بالله تعالى ويوم القيامة والسير على نهج الأنبياء والرسل، فأخذت على عاتقها مخاطبة جيل الشباب والشابات -الذي هو في عين العاصفة- وسعت جاهدة لإنقاذهم بشتى الوسائل؛ بالتعليم تارة، وبالوعظ والإرشاد تارة أخرى، وبالكتابة ثالثة.
واعتبر سماحة الشيخ ترمس أن هذا الكتاب قد كان من ثمرات تلك الجهود، فالسيدة نصرت أمين أرادت من خلال شرحها لهذه الأحاديث إرشاد ذلك الجيل إلى السعادة الحقيقية في دار الدنيا، والفوز العظيم في يوم القيامة.
ثم تطرّق سماحته إلى أن تركيز الكاتبة في بداية الكتاب على الجانب العقدي، يدرك أن المساحة الأكبر من الكتاب كرّسته الكاتبة للجانب الأخلاقي، وما هذا منها إلا لإدراكها أن الجانب الأخلاقي حتى يكون مؤثرًا ويؤتي ثماره لا بدّ وأن يرتكز على الجانب الإيماني، والإيمان بلا أخلاق كالجسد بلا روح ليس فيه حركة ولا بركة، وهذا ما جاء في العديد من الأحاديث عن النبي (ص) والأئمة عليهم السلام.
وأشار سماحة الشيخ ترمس إلى أن الكاتبة رحمها الله اعتمدت منهجًا أخلاقيًّا متكاملًا اعتمادًا على الآيات المباركة والأحاديث الشريفة التي نقلت لنا سنّة النبي (ص) والأئمة عليهم السلام القولية والفعلية.
وأضاف سماحته إلى أن السيدة أمين تعرّضت للعديد من الصفات الأخلاقيّة بالشرح والتوضيح اعتمادًا على أهم المصادر التفسيرية والحديثية واللغوية والعرفانية والفلسفية، حتى الجوانب الفقهية تعرّضت لها بما يناسب المقام، فلا تخرج من الموضوع حتى تستوفيه بحثًا وتوضيحًا مع تزيينه بما يتناسب من الأشعار باللغتين العربية والفارسية. وبذلك يفتتن القارئ بهذا الأسلوب من العرض وبسهولة اللغة بعيدًا عن التكلّف والتعقيد وهذا -في تقديري- من أهم العوامل بعد إخلاصها لله تعالى في إقبال القرّاء على الاستفادة من كتاباتها.
ثم ذكر سماحته مثال على ذلك وهو موضوع ( الصبر)، حيث قال: إن السيدة الفاضلة خبرته جيدًا فهي لم تكتب الصبر بالحبر على الورق، بل جسدته بإيمانها الراسخ على أرض الواقع فهي أنجبت ثمانية أولاد، خطف الموت منهم سبعة، فكان ذلك ابتلاءً عظيمًا لها، وامتحانًا إلهيًّا لإيمانها، فلم تنثن عن مواصلة دراستها فلله درّها وعلى الله أجرها.
وبهذا الخصوص أشار سماحته إلى ما ذكره أستاذها السيد علي النجف آبادي، حيث إنه بلغه وفاة طفل لها فظن أنها سوف تنقطع عن درسها الراتب لفترة طويلة، كما هو مقتضى العرف والعادة، لكنه فوجىء ـ بعد يومين فقط ـ بطلبها حضوره للتدريس لئلا تتأخر.
ورأى سماحة الشيخ أمين ترمس أن السيدة نصرت أمين الصابرة المحتسبة لولا بلوغها درجات عليا من الإيمان لما تحمّلت كل هذا، ولا استطاعت أن تكمل حياتها بهذا النجاح .من هنا نجد أن ما كتبته عن الصبر كان في غاية الروعة .
وفي اليوم الثاني للندوة التخصصية حول “السيدة نصرت أمين النموذج والقدوة” ، كان الحضور على موعد مع المحور الثاني والذي كان عبارة عن محاضرتين للأستاذة الدكتورة دلال عباس، وللسيدة المجتهدة زهره صفاتي.
وتحت عنوان: السيّدة نصرت أمين بانو إيراني عالمة عاملة، تحدثت الدكتورة دلال عباس (كاتبة وأستاذة جامعية) عن سيرة حياة السيدة أمين وعن أهم كتاباتها.
فذكرت الدكتورة دلال عباس أن السيدة نصرت أمين قد ولدت في إحدى اللّحظات الحرجة والخطيرة من تاريخ إيران في زمن السلالة الملكية القاجارية.
وأشارت الدكتورة عباس إلى أن اسم “بانو إيراني” ومعناه السّيدة الإيرانيّة، أو سيّدة إيرانيّة، وهو اللّقب الّذي استخدمتْه في مقالةٍ صحافيّة لها، فاشتُهرت به – من بعد – في حياتها وبعد مماتها.
واعتبرت الدكتورة عباس أنه إن كان من غير المستغرَب أن نقرأ في التّاريخ الإسلامي أسماء نساء كان لهن أدوارٌ حاسمة في مجالات عديدة، فإن سماع اسم امرأة عالِمة فقيهة مجتهدةٍ، أقر بعلمها واجتهادِها وفقاهتِها وتفوّقها العلماء الأعلام من معاصريها، أمر مثير للدّهشةِ،وربّما للاستغراب لدى البعض؛ لا سيّما وأنّها وُلدت في أواخر القرن التّاسع عشر الميلاديّ، والأمّيّة متفشّية في أوساط الغالبيّة العظمى من أبناء الشّعب الإيراني رجالًا ونساءً [كحال الشّرق بمعظمه]، وبمختلف دوله وإثنيّاتِه، والعرب من ضمنهم. أمّا المدينة الّتي وُلدت فيهافهي إصفهان، الّتي قيل عنها: “إصفهان نصف العالم” لمّا جعلها الشّاه عبّاس الأوّل الصّفوي عاصمة لملكه، فصارت عروس الشّرق وموئِل العلماء الأعلام القادمين إليها من مختلِف الأقطار، لا سيّما من جبل عامل.
ثم ذكرت الدكتورة عباس تاريخ ولادتها والذي كان في الخامس والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام، من العام 1312 ه، الموافق للعشرين من حزيران من العام 1895 م، حيث إنها ولدت في عائلة تاجر غنيٍّ، سيّد، متديّنٍ من السّادة الأشراف من تجّار إصفهان، وكانقد رُزق قبلها بثلاثة بنين. سمّاها نُصرت[نصرة]، كأنّه كان يستشرف ما سيؤول إليه أمرُها في ما بعد، وتوفّيت ليلة الأوّل من رمضان سنة 1403 ه / 13 حزيران 1983 م، عن عمر يناهز الثّامنة والثّمانين. جد أبيها كان أحد السّادة الأشراف، من علماء إصفهانالأعلام الزّهّاد، ومن أصحاب الكرامات، وأجداد أمّها من السّادة الأشراف، اشتُهر منهم علماء وشعراء وأدباء وخطّاطون في العصرين الصّفوي والقاجاريّ.
تابعت الدكتورة عباس حديثها عن مراحل حياة السيدة أمين بالقول: كبُرت ابنة التّاجر الغني الصّغرى المدلَّلة، وبدأت تنظر إلى ما حولها نظرة تختلف عن نظرة أي فتاة من أترابِها، غنيّة مخدومةٍ، في تلك المرحلة، لأن تديُّن الأبوين عَصَمَها من ولوج حياة الأغنياء، أوبالأحرى حياة نساء الطّبقة الغنيّة، القائمة على التّمظهر والخالية من المعنى… لقد كانت كما قالت في مذكّراتها، تشعر منذ صغرها، بذلك الخيط اللّامرئيّ، الّذي يربطها بالخالق عز وجلّ، وبالعشق الخالص للباري، في حنايا قلبها الصّغير … تكتُب في مذكّراتها: أنّهاكانت تحب أن تعرف عَلاقة الأشياء ببعضِها، وعَلاقَتها بالخالق، وتبحث عن ضالّة لا تعرف كنهها، متعلِّق قلبُها بها، متشوِّق إليها، وتُريد أن تصرف سنوات عمرِها في طلبِها…
وأضافت الدكتورة دلال عباس أنه عندما كانت نصرت أمين في الحادية عشرة من عمرها تسمع في منزل ذويها وتعي ما تسمع أخبار التخبط السياسي والاجتماعي السائد في البلاد، وعن هذه المرحلة تقول: “ولمّا استكملت في العلوم الفارسيّة، وفَرَغت من تحصيل العلومالفرعيّة بطريق التّقليد، وبلغت إلى حد الرّشد اهتم أبواها بأمر زواجها، كانت حريصة على مطالعة الكتب العلميّة، فكأنّها تعلَّق قلبُها بشيء مجهول فاشتاقَت إليه فَصَرَفت عُمرَها في طلبه”.
وأشارت الدكتورة عباس، إلى أن السيدة أمين رغم كونها في العشرينات لكنّها طُلعةٌ، ذات قدرة غير عاديّة على فهم ما يجري حولَها، وربط النّتائج بالأسباب. نظرت إلى النّساء من حولها، فهالها أن تراهن على الرَّغم من الذّكاء والمواهب الّتي يتمتّعْن بها، غارقات حتّىالأذقان تحت ركام الخرافات، أو رماد التّحديث الشّكلاني الفوقيّ، فأخذت القرار بأن تتعلَّم علّها تفعل شيئًا، جاؤوها بمعلّم يُدرّسها في المنزل المقدّمات والسّطوح الأولى والصّرف والنّحو، وهي من جهتها بذلت جهودًا جبّارةً لتعلّم العربيّةِ، وكتبت من بعد ثلاثة من كتبهابالعربيّة هي “الأربعون الهاشميّة”، و”النّفحات الرّحمانيّة”، و “جامع الشّتات”.
وأضافت الدكتورة عباس، لمّا بلغ عمرُ السيدة أمين الأربعين سنة حصلت لها قوّة لاستنباط الأحكام الفرعيّة فاستجازت من بعض العلماء الأعلام، وبعد اختبارهم إيّاها في بعض مسائل الأصول والفروع، أجازوا لها العمل ممّا استنبطته من الأحكام على الطّريقة المألوفة بينالأعلام… وحينئذ خرجت نفسُها من حضيض التّقليد إلى أوج الاجتهاد، ومن ذلّ التّبعيّة إلى عز الاستقلال، واجتمعت بين كمالَيْها الممكن في معرفة المبدأ والمعاد. وبعد ذلك اشتاقت إلى إبراز بعض من مكنوناتها الّتي ادّخرت في ذهنها فاشتغلت بالتأليف والتّصنيف.
تتابع الدكتورة دلال عباس سردها لسيرة حياة السيدة أمين، فتقول: في الأربعين تنجز كتابها “الأربعون الهاشميّة“، فيكون هذا الكتاب المرآة الّتي أظهرت وجه السّيّدة الجليلة المهيب للعلماء وللمفكّرين المعاصرين لها، وجعلَهم ينظرون إليها نظرة إجلال وإكبار… وفي الوقتعينه كان متوقّعًا أن تُهاجَم السّيّدة حين خرج أوّل كتبِها هذا إلى الوجود، فمعظم النّاس في عصرها – وربَّما في عصرنا بعد قرن من الزّمان – من المفكّرين وغير المفكّرين، لا يؤمنون أصلًا أن بإمكان المرأة أن تقوم بعمل عظيم يحسدها عليه الرّجال والنّساُء: الحداثيّون ظنًّامنهم أن امرأة محجّبةً، ترتدي العباءة [ التي يكرهونها]، وتلازم بيتها، لا يمكنها أن تُنتج ما أنتجت من دون مساعدة أحد، والمتزمّتون الّذين يَرَوْن إلى المرأة إنسانًا ناقص العقل والدّين… وهذا ما دفع بأستاذها الكبير، آية الله السيد علي نجف آبادي المعروف بشدّة صفائه الباطني، أن يقول بكل إخلاص وصفاء: “كل ما كتبته السيدة أمين في هذا الكتاب إنما هو من رشحات فكرها، وليس مستمدًّا من تعاليمي”.
وتضيف الدكتورة عباس، أنه في الثّالثة والأربعين من عمرها، بعد سنتين من إصدار كتاب “الأربعين الهاشميّة“، وبدء السّيّدة بإلقاء المحاضرات الأسبوعيّة في منزلها، وبالتّدريس لطالبة أوّلاً، ثم لطالبتين… نالت بعد ثلاثة وعشرين سنة من الجهد المستمر والسّعي الدّؤوب لاكتساب العلوم العقليّة والنّقليّة، وبعد امتحانات عديدة وأسئلة فقهيّة وأصوليّة وُجّهت إليها وأجابت عنها إجازات الاجتهاد، على التّوالي.
وحول كتاب الأربعين الهاشميّة بالعربيّة، تقول الدكتورة دلال عباس: إنه يمثّل خلاصة فكر السّيّدة الفلسفيّ والعرفانيّ، أسلوبه لا يجري على نسق واحد بل يختلف باختلاف الموضوع الّذي يتطرّق إليه، تعتمد فيه على الاستدلال والتّحليل؛ يتضمّن الكتاب مباحث عميقةودقيقة، فلسفيّة وأصوليّة، ومباحث أخلاقيّة تعالج الأخلاق العمليّة والتّربويّة. ويبيّن إلى أي مدى ارتقى مقام هذه السّيّدة في العلوم العقليّة والنّقليّة، وفي الأخلاق وتهذيب النّفس.
ثم تضيف الدكتورة دلال عباس، إلى السيدة انخرطت أيضًا في النّقاش الدّائر في إيران حول موضوع الحجاب، وقد أخذت على عاتقها مهمّة الدّفاع عن الدّين في وجه أعدائه، والحجاب كما ترى إليه واجب شرعيٌّ، ورمز الهُويّة الإسلاميّة…
وتشير الدكتورة عباس إلى مواقفها الجريئة حيث أعلنت على الملأ رفضها لإجراءات الحكومة، أوّلاً من خلال رفضها حضور الاجتماعات الّتي تقيمها الحكومة لكبار الشّخصيّات وزوجها منهم مع زوجاتهم، وإصراِرها على الالتزام بارتداء العباءة، وانتقالها إلى قم مجاوِرةودراسةً، فأظهرت للنّاس وللنّساء اللّواتي يقلّدنها، ويَرَيْنَها مثالًا أعلى لهن موقفَها عمليًّا، وثانيًا توضيح القضيّة والكلام حولها أمام النّساء والشّابات اللّواتي يجتمعن في منزلها – على الرّغم من صعوبة التّنقّل في الطّرقات-، والكتابة عن هذه القضيّة لتبيان أغراض السّاسةأوهدافِهم الشّيطانيّة.
وتذكر الدكتورة عباس أن الكتاب الوحيد الموجّه إلى النّساء، والمسمّى سبيل السّعادة [روش خوشبختى]،
قد مُنع من النّشر، ولم يُنشر ويصل إلى أيدي النّاس إلا بعد أن هَمَد ثوار القضيّة، وحذفت الرّقابة منه المقاطع الّتي تتضمّن نقدًا سياسيًّا. .. حيث إنها تعرّف في الكتاب السّعادة والتّعاسة، والمبدأ والمعاد، وكيفيّة اكتساب الإنسان للمعرفةِ، وأركان الدّين، وأركان الإيمان، وتردعلى الّذين يهاجمون الإسلام ونبي الإسلام، ويدعون إلى التّخلّي عن الهُويّة الإسلاميّة، والحجاب أحد مظاهر تلك الهُويّة…. ويبيّن الكتاب الواجبات المترتّبة على الحياة الزّوجيّة، وتربية الأولاد، وحقوق الوالدين على الأولاد، والأولاد على الوالدين، وغير ذلك من حقوقالأفراد بعضهم على البعض الآخر… وأن الرّجل والمرأة متساويان في الحقوق، وأن كلاًّ منهما يجب أن يُعامل الآخر بالحُسنى ويؤدّي له حقوقَه، وإن قام كل منهما بواجباته المفروضة عليه، انتظمت أمور البشر الاجتماعيّة جيّدًا، فالوطن مؤلّف من العائلات…
وبخصوص كتاب المعاد أو آخر مسيرة البشر تقول الدكتورة دلال عباس: إنه كتاب مهم جدًّا، بالفارسيّة، يستحق أن يُترجم بأكمله، والحديث عنه مجتزءًا يقلّل من أهمّيّته.
وتشير الدكتورة عباس، إلى أنه بعد إنهائها كتاب الأخلاق وطريق السّعادة الّذي هو ترجمة كتاب طهارة الأعراق لابن مسكويه، جاء كتابُها العرفاني “النّفحات الرّحمانيّة في الواردات القلبيّة“ بالعربيّة، سجّلت فيه تلك الحالات الخاصّة العرفانيّة الجميلة الّتي حصّلتها منذالصّبا، وسجّلت معظمها على صفحات الورق، وبعضها لم تصرّح به…لم توافق على أن يُترجم في أثناء حياتها بالفارسيّة، وهو حتّى الآن لم يُترجم،
لعلّها أرادت أن تنحصر قراءته بالّذين واللّواتي يعرفون العربيّة [أي علماء الدّين وطلبة العلوم الدّينيّة] فقط، لعلّها كانت خائفة وهي على قيد الحياة أن يُقال إنّها دوّنت تلك الحالات للتّفاخر…
تضيف الدكتورة عباس أن كتاب مخزن اللآلئ في فضيلة مولى الموالي [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب عليه السلام ، قد رتّبته في مقدّمة وخمسة أبواب وخاتمة، وقالت إنّها أخذت في الحسبان أنْ تكون مباحثة مختصرة وبسيطة ليستفيد منه القرّاء، كل بحسب قدرتهومستواه.
وتشير الدكتورة عباس أيضًا إلى كتاب، تفسير مخزن العرفان: [تفسير للنّص القرآني باللّغة الفارسيّة].
حيث إن السّيّدة في الواحدة والسّتين من عمرها، وقد كتبت ستّة كتب بمواضيع مختلفة؛ وهي تدرس القرآن منذ صغرها، وحتّى تلك اللّحظة، فلم لا تحقّق أمنيتها وتكتب دورة في التّفسير باللّغة الفارسيّة، وتوضّح مقاصد الآيات المنزّلة للنّاس؟ بعد الكثير من التّفكيروالمطالعة، خطت السّيّدة أولى خطواتها في هذا الوادي المقدّس، لتكون أوّل مفسّرة للقرآن في الكون، بعد جدّتها فاطمة الزّهراء. حيث أنهت المجلّد الأول في العام 1957 م وهي في الثّانية والسّتين من عمرها، والمجلّد الخامس عشر والأخير في العام 1975 م.
وتختم الدكتورة عباس كلمتها في الحديث عن كتاب جامع الشّتات بالعربيّة: حيث تذكر أن السيدة نصرت أمين كانت في الواحدة والسّبعين من عمرها وخائفة من أن ينتهي العمر قبل انتهاء التّفسير الّذي سمّته مخزن العرفان، وفي الوقت عينه تفكّر أنّ كل ما وضعتهمن كتاباتها المتفرّقة، والرّسائل والاستفتاءات الّتي وصلتها والّتي أجابت عنها، وكانت تدرك أن كثيرين بعد وفاتها سيكتبون عنها، وربّما لجأ البعض إلى الغُلوّ والمبالغة وهي كانت دائمًا تبحث عن الواقع، ولم تترك في كل ما كتبت مجالًا لأن يُفسّرَ كلامُها بغير ما وُضع له،فاختارت من بين الرّسائل الكثيرة والعديدة الّتي وصلتها من المدن المختلفة رسائل أرسلها إليها مفكّرون وعلماء كبار طالبين منها أجوبة فقهيّة تفسيريّة، لا أصوليّة فلسفيّة، وفكّرت في جمعها ونشرها، وبما أن هذه الرّسائل والكتابات لم تكن بصدد موضوع خاص، سمّتالمجموعة الّتي تتضمّن هذه الكتابات جامع الشّتات، في هذا الكتاب الّذي تزيّنه الإجازات الثّلاث بخط ثلاث شخصيّات من كبار الفقهاء المشهورين، جمعت بانو إيرانى نصوص أسئلة العلماء والأجوبة الّتي وُجهّت إليها منهم وطبعتها.
وكان ختام الندوة كلمة للسيدة المجتهدة زهره صفاتي (تلميذة السيدة نصرت أمين) حول “المنهج الفقهي في رسالة الأربعين هاشمية“، حيث تطرقت فيها إلى أن يوم ولادة السيدة الزهراء هو يوم أعلنه الإمام الراحل الواصل إلى الحق آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني قدس الله نفسه الزكية ومنذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة الإسلامية في إيران يومًا للمرأة.
وقالت السيدة صفاتي: إنه في اختيار هذا اليوم رسالة واضحة نحتاج اليوم إلى بيان رأي الأديان الإلهية لا سيما رأي الإسلام حتى تتمكن النساء من الارتقاء إلى المقامات المعنوية الرفيعة.
واعتبرت السيدة صفاتي أن النساء في ظل تعاليم الأنبياء قد تمكنّ من أن يرتقين على مستوى الأبعاد المادية والمعنوية إلى أعلى مدارج الكمال والرفعة. وفي مقدمتهن السيدة خديجة والسيدة فاطمة الزهراء والسيدة زنيب عليهن السلام، وغيرهن من النساء الجليلات في تاريخ الإسلام، حيث إن كل واحدة منهن قد تعلقت في زمانها لدرجة تؤهلها لتكون قدوة بكل ما للكمة من معنى لجميع المجتعات البشرية في عالمنا المعاصر.
وأضافت السيدة زهره صفاتي، أن المرأة في الأديان الإلهية بوصفنا مسلمين فإننا نؤمن بجميع الأديان الإلهية، بل لا يمكن لأحد أن يسلم دون أن يؤمن بأنبياء أولي العزم إبراهيم موسى وعيسى عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
ورأت السيدة صفاتي، أن تشكل المجتمع يعتبر على أساس المساواة بين الرجل والمرأة موضوعًا أساسيًّا في فكر الفعاليات النسائية وحركاتهن.
وأشارات إلى أنه من الواضح أن لهذا النحو من التوجهات الاجتماعية والسياسية جذورًا في المباني الفلسفية والقيمية الخاصة لا تنسجم في أكثرها مع المباني الدينية.
وقالت السيدة صفاتي، إنه لا بد من إيلاء خاص للابحاث الخاصة المرتبطة بالمرأة من وجهة نظر الإسلام وسائر الأديان المختلفة.
واعتبرت السيدة زهره صفاتي، أن العائلة في الإسلام بنية مقدسة وهو يرى أن تشكيلها يهدف إلى كمال الإنسان وإيمانه. “من تزوج أحرز نصف دينه”.
كذلك رأت السيدة صفاتي، أنه من الناحية المعنوية جعل الإسلام العائلة مركزًا للرحمة والمحبة والسكينة والطمأنينة والمودة.
وذكرت السيدة صفاتي، أنه يتم اختيار شريك الحياة في ظل التعاليم الإلهية وفعالية رقابة العائلة ودعمها مع ملاحظة جميع الفروق التي بين الجنسين بما فيها الفروق العاطفية.
وقالت السيدة صفاتي، إن للإسلام فلسفة خاصة بين الرجل والمرأة، حيث إن كلًا منهما هو إنسان من وجهة نظره ويتمتعان بحقوق إنسانية متساوية. كما ويرى الإسلام أن على الرجل والمرأة أن يسير كل منهما على وفق خلقته.
وأضافت السيدة صفاتي، إلى أن العالم المعاصر اليوم يسعى لإيجاد وحدة بين الرجل والمرأة من حيث القوانين والمقررات والتكاليف، وإغفال الفوارق الغريزية والطبيعية بينهما، وهذا هو الفرق بين الرؤية الإسلامية والأنظمة الغربية.
واعتبرت السيدة صفاتي، أن مبدأ العدل هو المبدأ الذي أوجد قانون التطابق بين العقل والشرع في الإسلام.
وقالت السيدة صفاتي إن القرآن الكريم يضم بين دفتيه الأحكام والتاريخ والموعظة بالإضافة إلى آلاف المسائل الأخرى.
كذلك رأت السيدة صفاتي، أن القرآن الكريم يبّين فلسفة الوجود أيضًا ويكشف الأسرار عن كثير من المخلوقات.
وقالت السيدة زهره صفاتي: إن الاسلام لا يرى فرقا بين طينة الرجل وطينة المرأة.