على أعتاب الحبيب
{قُلْ ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ}.
إنّ الحياة الدنيا تقضي بأن يتوجّه الإنسان إلى الأمور المادّيّة شاء أم أبى، لكنّ الواقع هو أنّ الإنسان قد خُلق لأجل التقرّب من الله، وعليه أن يستفيد من جميع أبعاد الحياة لأجل الوصول إلى هذا المقصد. وإنّ من أهم الطرق التي تحقّق هذا الغرض هو أن يجعل كلّ لحظات عمره خالصةً في التوجّه إلى حضرة الحقّ تعالى. ويتجلّى هذا التوجه أكثر شيء في الصلاة. فقد يقرأ المصلّي أدعيةً متعدّدة في حال القنوت وغيرها في أحوال الصّلاة، بالإضافة إلى تلك الرّوايات العديدة التي ذكرت أدعيةً متعلّقةً بما قبل الصّلاة وما بعدها؛ حتى أنّه يمكن عدّ الصلاة نفسها نوعًا من الدعاء. وكما قيل إنّ لفظ “الصّلاة” في أصل اللّغة تعني الدعاء.
إنّ حقيقة الدّعاء هي التوجّه إلى حضرة المعبود، وهي تُعدّ نوعًا من العروج الرّوحيّ والمعنويّ للمؤمنين. فليس الدعاء مجرّد تلفّظٍ بمجموعة من الكلمات مع مراعاة بعض الآداب، بل إنّ حقيقة الدعاء وروحه هو التوجّه القلبيّ إلى حقيقة العالم، وترتبط قوّة هذا التوجّه بمستوى معرفة الإنسان بالله ومحبّته له. من هنا ينبغي التوجّه إلى صفات الله قبل الدعاء وأثنائه.
ليست حقيقة الدعاء شيئًا سوى العبادة، ولعلّه بسبب التوجّه إلى الله أثناء هذه العبادة رُجّحت هذه العبادة على الكثير من العبادات الأخرى. ففي الرّوايات الشّريفة المنقولة عن النبيّ الأكرم (ص): “الدُّعاءُ مُخُّ الْعِبادَةِ”، وقال الله تعالى في كتابه حول قضيّة الاستكبار عن الدعاء: {وقالَ رَبُّكُمْ اُدْعُوني اَسْتَجِبْ لَكُمْ اِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ}.