الوجدان وأثره في بناء الشخصية الإيمانية
عناصر بناء الشخصية
تأتي نظرة الإسلام إلى الإنسان والتربية في إطار الشخصية المركبة من مجموعة متكاملة من الجوانب، إن الجوانب الشخصية التي نستخلصها من جملة تعاليم الإسلام، تأتي في أربع مجموعات:
المجموعة الفطرية: القضايا الفطرية كالميل نحو الدين، التوحيد… إلخ.
المجموعة الوجدانية: حب، فرح، حزن… إلخ.
المجموعة العقلية: علوم ومعارف، براهين واستدلالات.
المجموعة الإيمانية: الارتباط بالغيب، الوحي…
والمتأمل في سيرة الأئمة عليهم السلام سيجد أن هذه السيرة في أبعادها قد تطابقت مع هذه المجموعات التي تكون الشخصية الإيمانية.
انطلقت مع النبي صلى الله عليه وآله في بناء الشخصية في بعدها الفطري وترسيخ مباني التوحيد من هذه الجهة ليكمل بعدها الامام علي عليه السلام في ترسيخ مبادئ الدين. ثم ياتي العنصر الوجداني مع الإمام الحسين عليه السلام في حفظ الاسلام وبقائه. ثم مدرسة الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام في حفظ الشريعة وإيضاح أحكامها وبعدها مع باقي الأئمة في ترسيخ العقائد. لتكتمل المجموعة مع الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف ليمثل أقصى مراتب الارتباط بالغيب.
وما يهمنا هنا الآن هو الجانب الوجداني فإن الإسلام يدفع المسلم إلى توجيه عنايته لوجداناته، ويدربه على أن يعترف بها، بل ويعتز بها، ولا يرخي عليها أستار الخجل. وهو سبحانه وتعالى يدلنا على أن علاقة عبده به ليست علاقة “معرفة” جافة، بل تربطها العاطفة، وتعمقها، ولذلك أولى الإسلام عناية خاصة بالجانب الوجداني في بناء الشخصية الإيمانية.
والحب هو من أهم تلك العناصر فالفرح والسعادة وكذلك الحزن والبكاء من تجليات الحب ومظاهره إذ يقول سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللَّهَ فاتَّبِعوني يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنوبَكُمْ واللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ}[1]، فالله سبحانه وتعالى يحب أن يكون طرفًا في كل علاقة حب، فتعمق، وتزكو، وتطهر، وتسمو.
وفي الجانب الوجداني يظهر الحزن والبكاء الناتجان عن الحب كعنصر مؤثر أكثر من الفرح. وغالبًا ما يترك الحزن أثرًا طويل الأمد في الإنسان بعكس الفرح الذي يكون عابرًا ومحدودًا. ولعل في قضية نبي الله يعقوب وحزنه على يوسف عليهما السلام خير شاهد ودليل.
إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا
فإذا ما أدركنا أهمية الحزن كعنصر وجداني في حفظ المشاعر واستمرار توقدها فإننا نفهم كيف يمكن لهذا العنصر أن يكون عاملًا هامًا في حفظ الدين واستمرار نبض الحياة فيه.
من هنا يمكن لنا أن نفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وآله: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابداً. فإذا كان الحزن بقوته وضعفه يرتبط بالحب، ضعفًا وقوةً، فإن الحزن على الحسين عليه السلام بما يمثله وبما في الحسين عليه السلام من عناصر مستجمعة، وما جاء فيه من أخبار على لسان النبي صلى الله عليه وآله وربط حب النبي بمودة أهل بيته… إن كل ذلك يجعلنا ندرك السبب الذي جعل لقتل الحسين عليه السلام حرارة لا تبرد أبدًا.
فحرارة الحزن على الإمام الحسين عليه السلام هي الحرارة التي تتغلغل في هذا الدين وتجعله حيًا نابضًا فاعلًا مؤثرًا .وبذلك نفهم معنى القائل إن الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء.
[1] سورة آل عمران، الآية 31.