قراءة فى رسائل نابليون فى مصر 2
المصري اليوم
بدأت أوامر أو رسائل نابليون إلى مختلف القيادات وأركان الحملة التي قادها لغزو مصر بالرسالة التي تحمل رقم 2284، التي أصدرها من مقر قيادته في باريس يوم 5 يناير 1798، وتنتهي بالرسالة رقم 4769، التي وقعها في باريس أيضًا يوم 15 نوفمبر 1799، بعد عودته إلى بلاده، وهي الفترة التي غطّاها العمل الضخم الذي قام بترجمته الأستاذ الدكتور أحمد يوسف، الأستاذ بالجامعات الفرنسية، عضو المجمع العلمي المصري، وتولى مراجعته الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الشرنوبي، أمين عام المجمع.
وترجمة هذه الرسائل عمل صعب، ولا يقل صعوبة اختيار ما أنشره ليضيف إلى القارئ ويعرّفه بنابليون مباشرةً في حملته على مصر، من خلال أوامره المباشرة، وهو ما جعلني أختار الرسائل التي تسجل أهم أحداث الغزو.
وتسجل الرسالة 2593 بتاريخ 6 يوليو 1798، التي بعث بها نابليون إلى حكومته، تقريرًا يحكي فيه ما حدث منذ وصوله إلى الإسكندرية بعد أن غادر جزيرة مالطة، التي كانت محطة تجمّع تحرّك منها إلى مصر، فيقول: “رحل الجيش من مالطة (في 24 يونيو)، حيث كانت الرياح باردة والبحر هائجًا، وكان الجنرال “مينو” على رأس فرقته أول من نزل على بعد فرسخ ونصف (نحو سبعة كيلومترات) من الإسكندرية. وقد نزلت أنا مع الجنرال “كليبر” وجزء من الجنود فى الساعة 11 صباحًا، وانطلقنا على الفور، وعندها بدأ تشكيل من المماليك والأعراب في المناوشات مع طلائعنا، ولكننا تجاوزناهم بسرعة… وقد اتجه الجنرال “كليبر” من عمود السواري إلى تسلق السور (سور حربي طوله 13 كم كانت الإسكندرية محاطة به)، في الوقت الذى كان الجنرال “بون” يحطم فيه باب مدينة رشيد، وفى هذه الأثناء ذهب الجنرال “مينو” بجزء من قواته لتحطيم السور، وكان أول من دخل إلى المدينة (يقصد الإسكندرية)، وكانت النتيجة أنه تلقى 7 طعنات لم تكن لحسن الحظ خطرة على حياته. أما الجنرال “كليبر”، الذي كان متواجدًا أسفل السور، فقد تلقى رصاصة في جبهته ألقت به على الأرض، رغم أن جرحه ليس خطيرًا ولا مميتًا. وعندها ضاعف جنوده من حاملي القنابل اليدوية من جرأتهم واقتحموا السور ودخلوا المدينة (كل ذلك عن الإسكندرية).
أما جنود الكتيبة الرابعة، بقيادة الجنرال “مارمون”، فقد حطمت باب مدينة رشيد باستخدام البلط، وبعدها دخلت كل قوات الجنرال “بون” إلى المدينة العربية. وقد قتل المواطن “ماس” قائد كتيبة من الفرقة 32، أما الجنرال المساعد “إسكال” فقد جُرح جروحًا خطيرةً. وعندما سيطرنا على الأسوار والمدينة سيطرة كاملة احتمى العدو في القلعة ثلاثية الأضلاع وفي الفنار وفي المدينة الجديدة. وكان كل بيت من بيوت الناس قلعة في حد ذاته. ولكن قبل أن ينتهي النهار كنا قد فرضنا الهدوء وأصبحنا سادة المدينة بقلاعها وميناءيها.
وفى هذه الأثناء كان الأعراب والبدو يطلقون علينا تشكيلات من فرسانهم تتراوح بين 30 و50 رجلًا لمناوشة مؤخرة جيشنا. ولم يكفوا عن التحرش بنا مدة يومين حتى توصلت إلى اتفاق معهم، ليس فقط اتفاق صداقة بل تحالف. وقد حضر عندي أمس 13 من أهم زعمائهم وجلست وسطهم وتبادلنا الحديث مطولًا، وبعد أن اتفقنا على بنود الاتفاق تناولنا الطعام الذي أقسمنا عنده أن يذهب إلى الجحيم من سوف يخالف هذا الاتفاق من طرفنا أو من طرفهم.
وها هي بنود الاتفاق: من طرفهم التوقف عن التحرش بمؤخرة جيشنا، وأن يمدوني بكل أنواع المعونة التي في إمكانهم، وأن يمدوني بالعدد اللازم من الرجال الذي سأطلبه لمقاتلة المماليك. ومن طرفي أنا: عندما أصبح سيدًا على مصر أرد إليهم الأراضي التي كانت في حوزتهم من قبل (يقصد التي استولى عليها المماليك من الأعراب والبدو)، وأن تقام الصلاة في المساجد كالعادة، وأن يكون عندي في البيت كثير من الأئمة والقضاة والأشراف والمفتين وكل الزعماء الدينيين. وتجدون مرفقًا: نسخةً من محضر الجلسة بحضور المفتين وزعماء البلاد، ونسخة من أوامر مختلفة أعطيتها حتى نستطيع أن نضمهم رويدًا رويدًا إلى صفوفنا. إن هذه الأمة هي تمامًا كما توصف في كتب الرحالة وكتابات المسافرين، هادئة ومعتزة بنفسها وشجاعة.
وينهى نابليون بونابرت رسالته لحكومته مقررًا:
– سيصل الأسطول اليوم إلى أبي قير حتى ننتهى من إنزال المدفعية.
– إنني في حاجة أن ترسلوا لي بأقصى سرعة السفن الثلاث المصنوعة في البندقية والمتواجدة في ميناء طولون.
– لقد وصلت فرقة الجنرال “ديزيه” إلى دمنهور متعبة بعد أن عبرت صحراء قاحلة طولها 14 فرسخًا (حوالي 60 كيلومترًا)، وسوف تصل إليها فرقة الجنرال “رينييه” هذا المساء، وفرقة الجنرال “دوجوا” إلى رشيد.
– يقود حاليًا قائد الفرقة الجنرال “بيرييه” أسطولنا الخفيف في النيل، وسوف يرسل جزءً من سفنه للصعود في النهر.
– لقد طلبت منكم الموافقة على منح “جانتوم”، رئيس أركان البحرية بالجيش، رتبة لواء بحري، نظًرا لأنه ضابط عظيم الكفاءة ويتميز بشجاعته وخبرته وثقافته.
– قد بلغ عدد قتلانا عند الاستيلاء على الإسكندرية من 30 إلى 40 رجلًا، وعدد الجرحى من 80 إلى 100 رجل، وأطلب منكم أيضًا منح رتبة قائد أسطول للمواطن “سولكوفيسكي”، وهو ضابط ذو جدارة عالية، وقد سقط مرتين عند فتح الثغرة في سور المدينة.