إنّ الرجل لمّا كتب على نفسه متاخمة الغرب انطلاقًا من خصوصيّته العربيّة والإسلاميّة، كان يدرك أنّ الحداثةَ هي لغةٌ من قبل أن تكون بنيانًا حضاريًّا، وأنّ لغة الغرب هي الوعاء الحضاريّ للشعوب الأوروبيّة والأميركيّة،
توشك كلمة "ما بعد" أن تصير لازمةً مفهوميةً تُمسك بناصية التفكير الغربي، ولا تترك له فسحة من راحة العقل. لكأنما الغرب استحال ظاهرة زمانية، أكثر منه حقيقة واقعية راسخة في جغرافيا ومستقرة فيها. وإلَّا كيف نفسِّر شَغَفَهُ المَرَضِيَّ باليوم التالي، وهو لا ينفك يمكث في جوف الحاضر المستمر لحداثته المهزوزة؟
يهتم هذا البحث ببيان الاختلالات التكوينيّة في الميتافيزيقا منذ الحقبة الأرسطيّة إلى عصور الحداثة وما بعدها. وفي مسعاه إلى هذه الغاية،
لكي يُقرأ نصُّه وَجَبَ التهيؤ لرحلة مشرعة على طبقات شتّى من الفهم. لكن هذا لن يفضي بك إلى الإعراض، بل إلى ما يدعوك لمجاراته بخفرٍ وصمتٍ وانتباه.
يتّخذ هيغل من ديالكتيك التناقض دُربةً لفهم العالم وكشف أحاجيه. إلا أنّه لم يجر في دربته مجرى الحكيم اليوناني هيراقليطس حيث أسس للجدل بوصفه انسجامًا محضًا لا تفاوت فيه.
لقد كشفت تقنية ما بعد الغرب الكلاسيكي عن مسار عام يسير نحو نزع الإنسانيّة، وانحطاط قِيَمِها وتهافُت معاييرها.
الحضارة الغربية حقّقت سيادتها العالمية استنادًا إلى قوّتها المادية، وأن القرنين التاسع عشر والعشرين يشكِّلان سقف الحضارة الغربية، وأنّ نهاية القرن العشرين سوف تكون حافَّة هذا السقف وبداية الانهيار.
تشير صورة المحايدة إلى قوعها في منتصف الطريق بين حيِّزين. ولو عايَّنا هذه الصورة لظهرت لنا قلقة وحائرة بين بداية الطريق ونهايتها.
لم تمُتِ الإيديولوجيا لتُولد مِن جديد. فهي على احتجاب وظهور دائمين. تنحجبُ حين يتوارى أهلها إثر انكفاء، وتنكشفُ في اللحظة عينها لدى أولئك الذين ظهروا في الملأ،
لو كان لنا من توصيف إجماليّ لمعنى المواجهة بين العدوّ الإسرائيليّ والمقاومة، لجاز القول أنّها حرب من أجل استعادة الأسس الأخلاقيّة لمفهوم الحرب. انطلاقًا من ذلك،