الشهادة ليست محصورة بالميدان العسكري، بل إنّ يوم القيامة يوزن مداد العلماء مع دماء الشهداء فيرجح مداد العلماء. وبحسب ما ورد في الخبر أنّ المجاهدين يدافعون عن أبدان الناس، والعلماء يدافعون عن أديانهم. والكل يسألون الله أن يوفقهم إلى الجمع بين العلم والشهادة.
إنّ مفهوم الشهادة هو من المفاهيم الأساسية التي أسّس لها الإسلام، يُراد منه الموت أو القتل في سبيل الله عز وجل. وخارجًا عن إطار الدين والإسلام يشغل مصطلح الموت بال الجميع.
الحاج قاسم سليماني، كان يبحث على مدى أكثر من أربعين عامًا بين السهول والوديان والجبال، ليلقى هذا العشق الإلهي الذي كان يطلبه دائمًا ويتمنى الوصول إليه.
"إلهي أشكرك أن نقلتني من صلب إلى صلب وسمحت لي بالظهور ومنحتني الوجود حتى أتمكن من إدراك أحد أبرز أوليائك.. فإن لم أحظ بتوفيق صحبة رسولك الأعظم .. فقد جعلتني في نفس المسار".
لقد استطاع الشهيدان قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس أن يمتلكا مفاتيح الخيار، وقرّرا منذ نشأتهما مع وجود الأقدار المناسبة لدخولهما في معترك الجهاد الأصغر باكرًا، فاستطاعا أن يثبتا عشرات السنين في ساحات الجهاد، لأنّهما اختارا الطريق الأقرب.
هل هنالك شهادة ليست بمقام الإلهام لغيرها؟ ولنفترض ذلك، فإذا لم تكن ملهمة فهل ذلك يعني أنّها بنيت على أصول وقواعد لا تتفق مع المفهوم الأصيل للشهادة ومقامها، الذي ورد في الآيات الكريمة وعلى لسان الرسول الأكرم (ص) وأهل بيت النبوة (ع)؟
متى أصبح الشهيد أهلاً للشهادة؟ هل انقلب جوهر الحرّ في يوم عاشوراء فجأة؟ أم كان مرجله يغلي لساعاتٍ وساعات وكان قبلها قد حافظ على جمر فطرته مشتعلاً تحت رماد دنياه؟
كيف تجاوز مخط القلادة حتى أحاط بالموت ولم يحط به. وكيف لابتسامته أن تلهم الصحب. فيبتسموا للموت. وكيف يكون مذاق العسل. وطيب العناق. والأنس بالجوار.
الشهادة والمعرفة هما كالعروة الوثقى لا انفصام لها، فلا تصل النفس إلى مقام الشهادة ما لم يدفعها العلم والمعرفة، ولا تتحقق العبودية التي خُلق الجن والإنس من أجلها دون المعرفة، وكأن الشهادة دليلٌ على الوصول إلى مقاماتٍ عاليةٍ من العلم.
لن يوصل إلى الشهادة إلّا طريق الشهادة، وطريق الشهادة كامن في ثقافة الشهادة، وهذا يعني أن الشهيد ليس مجرّد مقتول، بل هو خصوص المقتول في سبيل الله تعالى.