by هاشم الضيقة | مايو 8, 2020 11:23 ص
الأزمات الثقافية (الغزو الثقافي).
كانت الثورة الثقافية بنظر الإمام الخميني ضرورة وطنية إسلامية، ويُعدّ الاستخفاف بها خيانة للإسلام والبلاد، وبعد أن فهم الأعداء طبيعة الثورة الإسلامية الثقافية استنتجوا أنه لا طريق لضرْبِ هذا البُنيان المرصوص وهدمه إلّا بإزالة قواعده الفكرية والعقائدية، ولم يخشَ بعضُهم الإفصاحَ عن ذلك: “سوف لا نخوض صراعًا سياسيًّا مع الجمهورية الإسلامية، بل إنّ عملنا يقتصر على الجانب الثقافي، وأساسًا استراتيجيتنا الجديدة قائمة على الحرب الثقافية؛ فعلينا أن نُغيِّر رؤية الناس وثقافتهم؛ حتى تسقط الجمهورية الإسلامية”[1][1]. من هنا قام الأعداء بتنظيم غزو ثقافي ضد النّظام الإسلاميّ مستغلة انشغال الحكومة بإعادة الإعمار بعد الحرب المفروضة؛ فتوفّرت أرضية مناسبة ليحلّ الفكر التكنوقراطي العلماني والإرستقراطي محلَّ الفكر القائم على أساس الزهد، والإخلاص، والتقوى، والإيثار، والقناعة وسائر القيم الإسلامية.
إدراك الإمام الخامنئيّ للأزمة الثقافية منذ بذورها الأولى.
لقد رصد قائد الثورة خطة العدو الثقافية منذ بذورها الأولى، وهذا ما نستفيده من كلمة له مع المسؤولين قال فيها: “لقد تحركت في الوقت الحاضر جبهة ثقافية منظَّمة وعظيمة كالطوفان، مدعومة بالسياسة والصناعة والمال (…) من أجل محاربتنا”[2][2]. ولم يتوقّف القائد عن تحذير المسؤولين وكافة شرائح الشعب من هذا الغزو: “إن ما قلناه مرارًا ونكرّرُه دائمًا من أن المؤامرة الثقافية مستمرة، وما أشاهده أمَامِي عيانًا، هو يرتكز على استدلال، فأنا لا أطلق شعارًا، بل أشاهد هذا بنفسي، فالعدو اليوم يخوضُ معنا حربًا ثقافية داخلية شرسة بأسلوب مخادع جدًّا”[3][3].
سياسات العدو بعد الشهر السادس من عام 1997م.
اتجه العدو في حربه الثقافية إلى الداخل الإيراني، وكانت هذه التحرّكات الهادئة تهدف إلى التغيير التدريجي للهوية الدينية والثقافة الثورية، ويقع الشباب في مقدّمة المستهدفين في هذه الحرب الشّعواء، ومن أكثر أدواتها فتكًا: ترويج الفساد والفحشاء والانحلال الأخلاقي، والتشكيك في المباني الفكرية والقِيم الأخلاقية.
وبناءً على كل ما تقدّم، فقد استعمل العدو في هذه المواجهة نوعين من السياسات:
النوع الأول: “سياسة خلق التوتر”، التي انتهجها الغرب سابقًا مع الاتحاد السوفياتي، وقد تقدّم الحديث عنها في الحلقات السابقة.
النوع الثاني: “سياسة أندلسة إيران الإسلامية” التي تشمل مجال الأخلاق والثقافة والدين، وقد انطوت خطابات قائد الثورة على تشريح وتفصيل لهذه السياسات[4][4].
وفي إطار ارتفاع مستوى الغزو الثقافي، تجدر الإشارة إلى أنّ الجمهورية الإسلامية في عهد السيد خاتمي قد شهدت انفتاحًا كبيرًا على الصعيد الإعلامي والصحفي والنشر والترجمة وغيرها في الكثير من المجالات، إلى حدٍّ دفع البعض[5][5] لوصفه بالانفتاح الليبرالي غير المنضبط.
القائد وإدارة الأزمة الثقافية في العقد الثالث من الثورة.
نظرًا لتعقيد الغزو الثقافي وتشابكه كانت مهمة إدارة هذه الأزمة من أصعب المسؤوليات، وفي هذا المضمار لجأ قائد الثورة إلى جملة من التدابير:
وفي خطبة أخرى: “نحن نؤمن بحرية الرأي (…) الإمام الخميني هو الذي قدّم هذه المفاهيم؛ ]أي الحرّيّة[ هدية للبلد، ودماء الشهداء هي التي منحت هذه القيم للبلد… لكنّ هذه الحريات محدودة. فأين تنتهي حدودها؟ تنتهي حدود هذه الحرية عند الحدود التي عيّنها الإسلام”[8][8].
إنّ أكثر ما يلفت انتباهنا بعد تتبّع خطابات الإمام الخامنئي المـُنصبَّة على الأزمة الثقافية هي اللهجة الشديدة، وهذا ما يُظهِرُ خطورةَ الأمر وحساسيته القصوى، فهي مسألة تضرب عمق الثورة وتعيق وصولها إلى أهدافها، بل تحرفها عن مسارها، ولولا ذلك لما رأينا التدخّلات المباشرة والمتكرّرة من قائد الثورة في ما يتّصل بهذه الأزمة، أو سمعنا تلك الكلمات الحازمة.
[1][12] شجاع الدين شفا، (كاتب مناهض للثورة في الخارج)،كتاب هويت (الهوية)، الصفحة 19.
[2][13] الإمام الخامئني، 28 ربيع الثاني 1410ه.
[3][14] الإمام الخامنئي، 7 ربيع الأول 1412ه.
[4][15] راجع: الإمام الخامئني، 12 محرم 1423ه.
[5][16] بالإمكان الرجوع إلى الصحف المنتشرة آنذاك للنظر في المقالات النقدية.
[6][17] الإمام الخامنئي، 25 رمضان 1418ه.
[7][18] الإمام الخامئني، 13 أيار 1998م.
[8][19] الإمام الخامنئي، 23 جمادى الأولى 1419ه.
[9][20] الإمام الخامنئي، 23 جمادى الأولى 1419ه.
[10][21] الإمام الخامنئي، 14 ديسمبر 1999م.
[11][22] الإمام الخامنئي، 5 آب 2000م.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/10124/thakafa/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.