هل من رجال دينٍ في الإسلام؟!

هل من رجال دينٍ في الإسلام؟!
يفترض المسلمون، علماء ومثقّفون أن لا وجود لمؤسسة دينية في الإسلام؛ وأن لا مكان للحديث حول رجال دين.
وانطلاقًا من ذلك، أخذ الترويج يتفاعل بشكل خطير لأمرين:
الأمر الأول: أن لا وجود لتفسير وقراءة، أو تفسيرات وقراءات رسمية في الإسلام. وهذا يتيح لكل وارد على الإسلام أن يُقدِّمه بالطريقة والتأويل الذي يناسبه، بحيث بات لا معنى للكلام حول حلال ثابت، أو حرام ثابت. ولا معنى للحديث حول أخلاق إسلامية، أو عقيدة وقيم وشعائر وعلوم إسلامية…
ومن المعلوم أن هذا الانزياح في التعامل مع موضوعة الإسلام إنما تلقّفه الذين يُطلقون على أنفسهم اسم “الحداثيون”؛ إذ اعتبروا أن لا سلطة تعليمية لعلماء الإسلام وفقهائه، وأن الإسلام مفتوح على تعدّد في النظر لا حصر له. بل ذهبوا لما هو أبعد من ذلك؛ إذ اعتبروا أن لكل ثقافة محلية إسلامها الخاص، ولكل زمن إسلامه المغاير للأزمنة الأخرى.
الأمر الثاني: تم الاستفادة من هذه المقولة (أن لا رجال دين، ولا مؤسسة كهنوتية في الإسلام) لشن حملات عنيفة ضد نفس علماء الإسلام ودورهم العلمي، والاجتماعي، والسياسي. واعتبروا أن حصانة هؤلاء إنما أخذوها من هالات القداسة المصطنعة؛ كما أنهم أخذوها من سياسات التجهيل التي مارسوها عبر الإقطاع الديني على الشرائح الشعبية من الناس.
وإني هنا، وإن كنت أرى أن الموضوع يستحق الاستفاضة في الشرح والنقاش، إلا أن المجال في هذه المقالة ليس مجاله..
 ويهمني هنا الإشارة أن مقولة علماء المسلمين ليست ناظرة إلى نفي وجود المؤسّسة العلمية في الإسلام، أو نفي وجود علماء الدين، أو القراءات الرسمية بالمعنى العلمي للدين.
إنما النفي الحاصل هو للتصورات الناشئة من الكنيسة والسلك اللاهوتي المسيحي. إذ لا يخفى أن التصورات المعاصرة والحداثوية لمفردات: الدين، المؤسسة الدينية، الحكم الديني، رجال الدين، التفسير الرسمي للدين… كل ذلك إنما جاء وِفق ما قدّمته الكنيسة ومفكّروا الحداثة الغربيين من مفاهيم وأفكار وتصورات ارتبطت جميعها بصورة الكنيسة الغربية. وعندما ينفي المسلمون أو الحداثيون صلة الإسلام والمسلمين بالطابع الإلهي للقراءة والرجال والمؤسسات، فإنما ينفون هذه الصورة النمطية الغربية – الكنسية واللاهوتية.
أما ما هو منشأ سلطة هذه النمطية من التصورات؟ وما هي مخاطرها؟ وبالتالي كيف يقدّم المسلمون أنفسهم في مجالات تمثيل الإسلام؟ فهو ما ينبغي البحث فيه.
*  رئيس معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، لبنان- بيروت.

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الإسلامرجل دين

المقالات المرتبطة

الإنسان الحَبْريّ والإنسان البروميثيّ

كان للانقلاب البروميثيّ على السماء أثرًا وبيلًا على هذه الحياة الأرضيّة. فالإنسان، في قابليّاته التألّهيّة، محوريّ في هذا العالم، ويؤثّر في تناغمه.

الأبعاد الاعتقادية في الدعاء وأهميتها

  الأبعاد، جمع بُعد، أي المدى واتساع المسألة وأهميتها عمليًّا. والعقيدة، جمع، أو ربط بين أطراف الشيء، وهي القاعدة الفكرية

مصطلحات عرفانية | الجزء 14

لبطون: التجلي بمقام البطون من الأوصاف القدسية، وهو متأخر عن البطون الذي في حضرة الحقيقة الغيبية الأحدية. (مصباح الهداية، خميني، الصفحة 10).

– الباطن: التجلي بمقام الباطن من الأسماء الإلهية والربوبية

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<