قراءة في كتاب “تكملة نهاية الحكمة” لكاتبه الشيخ علي أميني نجاد.

قراءة في كتاب “تكملة نهاية الحكمة” لكاتبه الشيخ علي أميني نجاد.
كتاب  “تكملة نهاية الحكمة” لكاتبه الشيخ علي أميني نجاد[1]، صدر حديثًا -1441 ق- عن انتشارات آل أحمد (ع).  ونظرًا لأهمية الكتاب العلمية، نقدم هذه القراءة، التي تُلقي الضوء عليه، وقد رُتِّبت في ثلاث فقرات:
  1. الفقرة الأولى: ذُكِر فيها تعريفًا مختصرًا بالكاتب وأهم إنجازاته العلمية.
  2. الفقرة الثانية: عُرٍض فيها أهم مضامين الكتاب.
  3. الفقرة الثالثة: وقفةٌ تقييمية سريعة لهذا الكتاب.
 محتويات الكتاب: 
كتاب نهاية الحكمة للعلامة الطباطبائي، كتاب فلسفي مؤلف من اثنتي عشر مرحلة، شامل لأهم الأبحاث الفلسفية في الإلهيات بالمعنى الأعم، والإلهيات بالمعنى الأخص. وهو الكتاب الدراسي المعتمَد في الحوزات العلمية الشيعية كمستوى ثان في الدراسات الفلسفية.
لكن، لمّا كان كتاب نهاية الحكمة غير شامل لدورة فلسفية كاملة، انقدحت في ذهن الشيخ علي أميني نجاد أن يتمّم هذا الكتاب، فيضمّنه الأبحاث الناقصة، وهي: بحوث النفس وملحقاتها. لذا، يُعدّ هذا الكتاب بمثابة المرحلة الثالثة عشرة لكتاب نهاية الحكمة.
وقد كتبه الكاتب، ثم درّسه للمرة الأولى بعد انتهائه من تدريس الدورة الثانية من نهاية الحكمة سنة 2013، وها هو يضعه اليوم بين يدي القرّاء والباحثين. وقد أسّسه على طبق آراء العلامة الطباطبائي المتناثرة في كتبه، واعتمد أيضًا على كتب ابن سينا والسهروردي والسبزواري وصدر المتألهين.
وقد رتّب هذا الكتاب على اثني عشر فصلًا، متناولًا فيها ثلاثة موضوعات، هي:
  1. موضوع النفس: وقد بحثه في الفصول الثمانية الأولى.
  2. موضوع المعاد: وقد بحثه في ثلاثة فصول هي: الفصل التاسع، والعاشر، والحادي عشر.
  3. موضوع النبوة والولاية: وقد بحثه في فصل واحد وهو الفصل الثاني عشر.
فبدأ البحث في الفصل الأول “في المزاج والمواليد الثلاثة”. فالمزاج[2] هو تلك الحقيقة الحاصلة من اندماج الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. والمزاج، بحسب مرتبة اعتداله ونوع تركيبه، يهيئ المحلّ لقبول صورة جوهرية نوعية مركّبة، لها أثر أو آثار أخرى غير ما كانت للأجزاء، وهي بحسب الاستقراء: الصورة المعدنية، والصورة النباتية، والصورة الحيوانية. ثم ذيّل الفصل بخمس نقاط تظهر ممّا تقدم.
وأما الفصل الثاني، فتحدّث فيه الكاتب عن حقيقة النفس وأقسامها. فبيّن علاقتها مع البدن، على حسب رأي جمهور الفلاسفة، ثم بيّن رأي صدر المتألهين المخالف لهم ونقوده عليهم. وختم الفصل بذكر أربعة فروع مستفادة مما بيّنه في هذا الفصل.
وأما الفصل الثالث، فبيّن فيه قوى النفس النباتية والحيوانية والإنسانية. فبدأ بإثبات تعدّد قوى النفس، ثم شرع في بيان أقسام هذه القوى. فقوى النفس النباتية ثلاث، هي: الغاذية والنامية والمولّدة؛ وقوى النفس الحيوانية على قسمين: محرّكة ومدرِكة، والمحرّكة إما باعثة على الحركة أو فاعلة لها، والمدرِكة إما ظاهرة وإما باطنة. والنفس الإنسانية لها، مضافًا إلى القوى النباتية والحيوانية، قوتان: نظرية وهي العقل النظري، وعملية وهي العقل العملي.  وبعد أن عدد القوى، ختم الفصل بذكر أمور ثلاثة مرتبطة بما قدّمه في هذا الفصل.
وأما الفصل الرابع، فتحدث فيه عن القاعدة المشهورة “النفس في وحدتها كل القوى”، فوضّحها وذكر بعض البراهين عليها. ثم ذيّل الفصل أيضًا بعدّة أمور.
وتعرّض في الفصل الخامس لمبحث مشهور عند الحكماء مرتبط بحدوث النفوس وقدّمها. ودافع فيه عن نظرية الملا صدرا المشهورة بأن “النفس الإنسانية جسمانية الحدوث روحانية البقاء”، كما بيّن عددًا من الأسئلة لم يكن لها جواب عند المشائين، وقد حيّرت بعض الناس إلى زماننا هذا، وهي التي دفعت بصدر المتألهين للقول بنظريته الآنفة الذكر. ولأن هذه الأسئلة قد تثير ذهن القارئ، نذكر منها: ما معنى استكمال النفس بالبدن فعلًا مع أنها جوهر عقلي مجرد تام حين الحدوث؟ كيف يجوز لنا أن نقول إن النفوس بحسب ذواتها غير متفاوتة حتى أن نفس البُله والصبيان ونفوس الأنبياء (ع) متحدة بالحقيقة والماهية، وإنما الاختلاف بضمائم خارجية؟ كيف يرتبط جوهران متباينان أحدهما عقل مجرد والثاني جوهر مادي، وكيف يتحقق نوع واحد طبيعي منهما؟ كيف يمكن أن يكون شيء واحد تحت علتين مختلفتين إحداهما علة البدن والثانية علة النفس؟ كيف تتعلق نفس خاصة ببدن خاص من بين الأبدان اللامتناهية فهو ترجيح بلا مرجح؟
وختم الكاتب الفصل هذه المرة أيضًا ببيان سبعة أمور مرتبطة بما قدّمه في هذا الفصل، وبتنبيهين.
وعرّج في الفصل السادس على مبحث مهم في علم النفس وهو تجرّد النفس، وأقسامه. فذكر التجرد المثالي البرزخي، والتجرد العقلي، وبيّن عددًا من البراهين على تجرّد النفس، عدّ برهان استحالة انطباع الكبير في الصغير من أمتنها. وبعد عرض هذه البراهين، نثر لطيفة عرفانية، حيث قال: إن الأولى لسالك طريق الحق في مسألة تجرد النفس، أن يخلع عن نفسه مكدّرات الطبيعة ليشاهد الأمور المجردة كما شاهدها أهل الكشف واليقين بنحو متفق عليه. وألقى لنا هنا، في سطر واحد، مبحثًا معرفيًّا مهمًّا، إن ثبت فإنه يفتح لنا آفاق معرفية، وهو بحث “تواتر الشهود”. حيث يرى بأن اتفاق أهل الكشف في شهود أمر، مع أنهم من ملل مختلفة وفي أزمنة متفاوتة يوجب القطع بما قالوه على نحو التواتر. كما أشار في هذا الفصل إلى بحث مهم وهو بحث “الذكاء الصناعي”؛ ويا ليته فصّل فيه أكثر لأنه بحث معاصر. لكن، أخاله أحال التفصيل على المتصدّي لتدريس هذا الكتاب، فهو كتاب درسي مكتوب بعبارة مكثّفة كما هي العادة في الكتب الدرسية في الحوزة العلمية.
وبحث في الفصل السابع تحوّلات النفس الجوهرية الاستكمالية وحياتها الأخروية بعد مفارقتها للبدن. وختمه ببيان ثمانية أمور، ثامنها هو الحديث عن شبهة الآكل والمأكول المشهورة.
والفصل الأخير في موضوع النفس هو الفصل الثامن، حيث بحث فيه عن مسألة تناسخ النفوس. فبيّن فيه الوجه في بطلان التناسخ. ثم أشار إلى ارتباط هذا البحث ببحث المعاد، وعالج مسألة المسخ. وذكر تتمة في هذا الفصل مرتبطة ببحث الرجوع إلى الحياة الدنيوية بعد الممات، وهو المسمّى عند الشيعة الإمامية بالرجعة، حيث يعتقدون برجوع بعض الموتى بعد ظهور الإمام المهدي (عج). فكشف عن الفرق بينها وبين التناسخ، ثم ذكر رأيه الخاص في هذه المسألة.
إلى هنا نكون قد انتهينا من قراءة الفصول الثمانية الأولى المرتبطة بالنفس، لنشرع في مطالعة الفصل 9 و 10 و 11 المرتبطة بموضوع المعاد.
فبدأ الفصل التاسع بالحديث عن ضرورة المعاد الوجودية لذلك، فيكون رادًّا بذلك على جملة من الإلحاديين والدهريين الذين ينكرون المعاد، ويقولون باستحالة حشر النفوس والأجساد، حيث يزعمون أن الإنسان إذا مات فات. ويشير الكاتب إلى اتفاق المحققين من الفلاسفة على ثبوت المعاد، واختلفوا في كيفيته: هل هو جسماني فقط، أم روحاني فقط، أم جسماني وروحاني؟ ليوكل البحث عنها للفصل العاشر.
فتابع في الفصل العاشر الحديث عن المعاد الجسماني والروحاني للإنسان. وعدّ المؤلف المعاد من أغمض العلوم وأشرفها مرتبة وأدقها سبيلًا، وأنه قلّ من اهتدى إليه. وعرض فيه الأقوال المذكورة في كيفية المعاد، ورأى أن الحق أن المُعاد في المَـعاد هو هذا الشخص بعينه نفسه وبدنًا، بحيث لو رأيته لقلتَ رأيتُه بعينه. وصرّح الكاتب بأنه من أنكر ذلك فهو منكر للشريعة ولكثير من النصوص القرآنية. وبيّن ذلك بالأدلة الفلسفية.
وختم بحث المعاد في الفصل الحادي عشر بتتمة له، حيث تعرّض لكلام بعض أعاظم تلامذة أرسطو، وهو الإسكندر الأفروديسي حيث يقول: إن النفوس التي لم تبلغ مرتبة العقل بالفعل فهي هالكة غير باقية. ومن الواضح أن هذا القول يقف في قبال الشرائع الإلهية الناصّة على بقاء النفوس كلها. فعالج المصنّف هذا الإشكال. ثم ذكر في هذا الفصل تكملة من الحكمة الإيمانية المحمدية، حيث تعرّض لجملة من الآيات القرآنية المرتبطة ببحث المعاد، وبيّن حقيقة المعاد استنادًا إلى هذه الآيات الشريفة. وأشار المؤلّف في طيّات هذا البحث إلى أن النصوص القرآنية هي الأم والروايات شرح وتفصيل لها، ثم أشار إلى بعض الروايات المرتبطة ببحث المعاد. وألفت إلى مسألة مهمة جدًّا وهي أن لعملية استنباط المعارف الحقيقية الوجودية من النصوص الدينية أصولًا خاصة، فمن لم يلتفت إلى هذه الأصول وأراد استخراج الحقائق التكوينية من أصول مُهّدت لاستنباط أحكام تشريعية، فقد بعُد من الحق بمراحل وبقي في بحر العقائد على الساحل. وأنهى هذا الفصل بتتمة تعرّض فيها لشبهات ذكرها الجاحدون للمعاد الجسماني وأجاب عنها.
وبهذا نكون قد وصلنا إلى الموضوع الثالث والأخير من هذا الكتاب، وهو النبوة والولاية، حيث بحثها في الفصل الثاني عشر. وبيّن فيه الأصول التي بها يُعلَم وجوب إرسال النبي إلى الخلق وهدايتهم إلى سعادتهم القصوى. وذكر أنه يشترط في النبي أن يكون قد استكملت ذاته في كلتا القوتين النظرية والعملية، وهو ممن أفاض الله على قلبه وعقله المفارق فصار وليًّا من أولياء الله وحكيمًا إلهيًّا. وفي ختام هذا الفصل صرّح بأنه يجب على الرئيس الأول وهو النبي، أو من يرضاه أن يأخذ بيده أمر الحكومة وتدبير أمور الناس، وأن يأخذ بأيديهم ليصلوا إلى تلك السعادة القصوى.
 وقفة تقييمية:
يُشكَر المؤلف على هذا المجهود الذي بذله، حيث أغنى المكتبة الإسلامية والعربية بكتاب قيّم في المجال الفلسفي، وساهم في إدخال كتاب جديد إلى المنهج الدراسي الفلسفي في الحوزات العلمية.
ويمكننا أن نعدّ هذا الكتاب حلقة وسيطة –كما ذهب إليه المؤلف- بين الحكمة النظرية والحكمة العملية. وهذا بدوره سيساعد على تحريك عجلة الحكمة العملية التي خمدت بعد ابن سينا، ولعل ذلك لأنه يعتقد بكفاية الشريعة عنها.
فهذه نقاط قوة للكتاب من حيث موضعته في السياق العلمي والتعليمي. وأما من حيث الأسلوب والمضامين، فقد نجح الكاتب في اقتفاء أثر العلامة الطباطبائي، حيث تابع منهجية العلامة في هذا الكتاب من خلال عرض المسألة والدليل عليها وتذييلها بالفروع والنتائج، والحفاظ على العبارة المكثفة المضغوطة التي تناسب المتون الدراسية الحضورية.
وقد أجاد حينما مرّر بعض الأصول النافعة، وأخاله يحاول أن يمرّر للقارئ والطالب أفكارًا يعتقد بها، من قبيل: مسألة تواتر الشهور، وأسس استنباط المعارف الحقيقية الوجودية من النصوص الشرعية، وما شاكل. وقد مرّت هذه الإشارات بنحو عابر، وبأسلوب سلِس.
نعم، قد يُلاحَظ عليه من جهة الأسلوب، إذ فيه رائحة العُجمة؛ لكنه يُشكَر على هذا السعي الذي بذله، لا سيما أنه عاش ويعيش في بيئة غير عربية. ومن جهة أخرى، كنا نتمنى لو أنه أشار إلى بعض المباحث الفلسفية المعاصرة المرتبطة بمحل البحث ولو في بعض الهوامش، أو لو أنه توسّع شيئًا ما في مسألة الذكاء الصناعي وما شابه؛ وإن كنّا نلتمس له عذرًا أنه في صدد كتابة كتاب درسي في الفلسفة الإسلامية، لا الفلسفة المقارنة. فلله درّه وعليه أجره؛ ونسأل الله أن يشدّ على سواعد الباحثين حتى يُثروا المكتبة الإسلامية بمزيد من الأبحاث والدراسات بنحو يساعد هذه الأمة على النهوض والوصول إلى هدفها التي يجب أن تصل إليه. والحمد لله رب العالمين.
 
 
[1] ولد الكاتب الشيخ علي أميني نجاد سنة 1972 م في مدينة مازندران الإيرانية. ويُعدّ الآن من أبرز أساتذة الدراسات العليا في الفلسفة والعرفان في الحوزة العلمية لمدينة قم المقدسة.من أبرز إنتاجاته العلمية نذكر: كتاب حكمت عرفانى، وكتاب مجموعه آشنايى با عرفان اسلامى، وآموزش پودمانی مبانى عرفان اسلامى، وكتاب تكملة نهاية الحكمة. هذا مضافًا إلى عدد من المقالات العلمية التخصصية.
[2] هذا المزاج عند ابن سينا، أما عند صدر المتألهين فيمكن تحقق المزاج بعنصر واحد ودون امتزاج.



المقالات المرتبطة

قراءة في كتاب “الموعظة الخالدة”

لم تكن الوصية صكًّا من معصوم لمعصوم يرثه في الخلافة وأمور المسلمين، بل كانت كتاب حياة يُخَطّ بماء من ذهب

“وحدة في التنوّع” لأديب صعب: المسوّغات “الداخل دينيّة”

  وحدة في التنوّع[1] عنوان لكتاب لم يخفِ صاحبه ميادين اهتماماته المتعدّدة المحور والحوار، الموصولة على قاعدة الفكر الدينيّ. وفصول

قراءة في كتاب  “معرفى ونقد منابع عاشورا”

بَحثُ هذا الكتاب يدور حول مصادر واقعة الطف، حيث إن الكاتب “سيد عبد الله حسيني” قام بعملية مقارنة بين النصوص وقيّمها

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<