تسبيحة السيدة الزهراء (ع)
أهمية تسبيح السيدة الزهراء.
يرد تسبيح الزهراء (ع) في حياة كل موال لمحمد وآل محمد (ع)، وهو عمل عبادي يحمل هوية خاصة يُفهم منه أنّه نشأ بظرف خاص، ونحن نمارسه بشكل يومي. لذا من الضروري أن نتعرّف عليه من حيث المنشأ، ومدى أهميته وضرورته، وما هي معانيه التي يحملها، وما هي آثاره المعنوية؟
يرتبط هذا العمل العبادي باسم السيدة الزهراء (ع) وهي موضوعه، والأصل فيه والمدخل إليه. فهي ابنة رسول الله محمد (ص) الذي كان يتحدث عن الزهراء بطريقة خاصة جدًّا، مما يثير فينا السؤال عن الأمور التي لو تعرّفنا عليها يمكن لنا أن نفهم ونقارب أكثر فهمنا للسيدة الزهراء (ع).
من هذه الأمور: ظروف ولادة السيدة فاطمة الزهراء (ع). ويمكننا الاستفادة من خلال قراءتنا للرواية التي تحدّثت حول المقدّمات التي جرت مع رسول الله محمد (ص)، والتي بشرت بولادتها.
في المروي أنّه بينما كان رسول الله محمد (ص) جالسًا بالأبطح، هبط عليه جبرائيل (ع) في صورته العظمى وقد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه “يا محمد، العليّ الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحًا”. فبعث رسول الله عمار ليخبر خديجة بذلك، إلى أن تمت الفترة فهبط جبرائيل وقال: “يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته”. فبينما هو كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى فوضعه بين يدي النبي محمد فأقبل جبريل وقال: “يا محمد يأمرك ربك أن تجعل إفطارك من هذا الطعام”
جبرائيل (ع) هو أمين الوحي والرسول الخاص بالأنبياء، ودوره أن يبلّغ عن أمر ربه، ما يعني أنّه نزل على رسول الله لينبئه بأمر. والأربعون هو رقم، ولكن المسألة فيها تحضير لأمر يتعلق بعبادة ترمز إلى كل الأنبياء الذين قام عندهم الصوم.
أمّا ميكائيل فهو ملاك الرزق. وكلمة (الرزق) أهم من الأكل والشرب؛ وتشمل رزق الحياة، والطعام والشراب والعلم والإيمان. ومفاد الرسالة أنّ هناك رزق خاص من ربك يا محمد يقدّمه إليك، وعنوان هذا الرزق هو ميكائيل الذي يتقدم بكل عظمة ووقار نحو رسول الله، ثم يتحدث جبرائيل عن رزق الله، ليقول لك: يا محمد إياك أن تأكل إلا من هذا الطعام.
“فأكل النبي شبعًا وشرب من الماء ريًّا، فقام رسول الله ليصلي، فأقبل عليه جبرائيل وقال الصلاة محرمة عليك في وقتك هذا يا محمد حتى تأتي منزل خديجة فإنّ الله عز وجل آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة”.
حينما يأتي أمر الله عليه أن ينفذ مباشرة. فأكل وشرب، وقام ليصلي. والصلاة هي ركن كل عبادة، وأصل الدين. ولكنّ الله عز وجل يريد أن يبيّن أمرًا استثنائيًّا بدأ من طبيعة السلام الذي أداه سفير الله الخاص لمحمد، ومن عدد الأيام التي اختصرت كل الرسالات قبله في عباداتهم، ومع ميكائيل عنوان الرزق، الذي يذكرنا بمعنى الكوثر خير الله الكثير، ثم انتهى بأنّ الصلاة محرمة عليك في وقتك. وقد اشترك في التحضير لهذا الأمر أهمّ عظماء ملائكة الباري. وهو لم يقل فاطمة ولم يقل مولودًا، بل قال ذرية طيبة.
وتختصر الذرية الطيبة في واحدة، هي فاطمة الزهراء (ع). ممّا يعني أنّ كل مقدّس، وكل نور، وكلّ سر نبيّ ورسول وإمام معصوم إنّما هو يمثّل حقيقة هذه المرأة العظيمة صاحبة التسبيح.
عبادة السيدة الزهراء (ع).
لدينا مشكلة في التزامنا الديني، وفي علاقتنا بالنبي وآله (ع). نعم، نحن نحبهم؛ ولكننا نتعامل معهم كأننا لا نستطيع أن نتأسى بهم وهذا غير صحيح. وقد أوصى الأئمة (ع) أن نتأدب بآدابهم، ونتخلق بأخلاقهم، ونسعى لنكون مثلهم. صحيح أنّنا قد لا نتمكن، ولكن يجب علينا السعي.
معلوم أنّ في الآخرة كلٌّ منّا يحشر مع من يشابهه ويتأسى به ويعمل بعمله. فإذا لم نكن نعمل بعمل الأئمة كيف سنُحشر معهم؟ وإذا قال الواحد منّا لا يمكنني أن أصلي صلاة الإمام زين العابدين، كيف سيكون معه في نفس المقام والمكان؟
لا شك عندنا أنّ رسول الله (ص) هو أعظم أهل العصمة، لقوله تعالى ﴿لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[1]. وقد ورد عن النبي أنّه قال: “أما ابنتي فاطمة فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وهي بضعة مني وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبَيْ متى قامت في محرابها بين يدي ربها جلّ جلاله زَهُرَ نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض فصلّوا على فاطمة وآل فاطمة”. هذا كلام أب فيه اعتزاز خاص بابنته.
من هنا نستنتج أنّ الصلاة هي من الأمور التي كانت تهمّ فاطمة (ع). وكانت تسأل النبي عن أمور تحسب لها الحساب كمسألة التهاون في الصلاة، لا ترك الصلاة. وقد ورد في الروايات عن تارك الصلاة عامدًا متعمدًا بأنه كافر. وهي لا تسأله عن الكافر تارك الصلاة، بل تسأله عمن يتهاون بها. ومن مصاديق التهاون بالصلاة أن يصلي فقط كي لا يقال عنه ليس ملتزمًا. وقد تتمثّل مسألة التهاون عند بعض المتدينين في الوسوسة في الوضوء وصحته، بحيث تجدهم يتوضؤون في نصف ساعة، ثم يصلون في دقيقتين.
وعن هؤلاء المتهاونين سألت فاطمة: “ما لمن تهاون في الصلاة؟” فقال (ص) “من تهاون بصلاته من النساء والرجال ابتلاه الله بخمسة عشرة خصلة ستة في الدنيا، وثلاثة عند موته، وثلاثة في قبره، وثلاثة إذا خرج من قبره. فأما اللواتي تصبه في دار الدنيا يرفع الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله سيماء الصالحين من وجهه وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرفع الله دعاءه إلى السماء، وليس له حظ في دعاء الصالحين له. أما اللواتي تصبه عند موته فأولاهن أنه يموت ذليلًا، والثانية أنّه يموت جائعًا، والثالثة أنّه يموت عطشانًا فلو سقي من أنهار الدنيا لم يُروَ عطشه. وأما اللواتي تصبه في قبره فأولاهنّ يوكل الله به ملكًا يزعجه في قبره، والثانية يُضيَّق عليه في قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره. وأما اللواتي تصبه يوم القيامة إذا خرج من قبره، فأولاهنّ أنّه يوكل الله به ملكًا يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية يُحاسب حسابًا شديدًا، والثالثة لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه وله عذاب أليم”.
لا شكّ في لو أنّ أهل الأرض كل الأرض، وأهل السماء كلّ السماء، كانوا يمتلئون بالذنوب، ووقفوا يوم الحشر ليُحاسبوا، فالتفت إليهم الله بوجهه، لأدخل الله برحمته ولطفه وتطلّعه إليهم كلّهم رغم ذنوبهم إلى جنات النعيم. فالإنسان في يوم الآخرة لا يتأمل إلا رحمة الله، لكنّ المتهاون بالصلاة سيحرم منها.
ومن ضمن عباداتها واهتماماتها (ع) ما روي عن الإمام الحسن (ع)، قال: “رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عامود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسميهم، وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء. فقلت لها يا أماه لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك. فقالت يا بني الجار ثم الدار”.
وعنها أيضًا: “سمعت رسول الله يقول: إنّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز وجل فيها خيرًا إلا أعطاه إياه. قالت (ع) فقلت يا رسول الله أيّ ساعة هي؟ قال: إذا تدلى نصف عين الشمس للغروب”. وروي أنّها (ع) كانت تقول لغلامها كل يوم جمعة: “اصعد على السطح فإن رأيت نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فأعلمني حتى أدعو الله ربي”.
التسبيحة أعظم هدية من الرسول (ص) لفاطمة (ع).
في الرواية أنّ الإمام علي (ع) كان يخاف على السيدة الزهراء (ع) ولما أحس فيها التعب قال لها أن تطلب من النبي أن يوفّر لها من يساعدها في البيت. فدخل النبي وحاول أن يسألهم، فأخبره الإمام علي (ع) بأنّها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها. فقال (ص): “أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربع وثلاثين، وسبّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين”، فقالت: “رضيت عن الله ورسوله” ثلاث مرات.
وتبرز هنا ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى: أنّ التسبيح جاء قبل التحميد، وهذا خلاف ما نعرفه.
المسألة الثانية: أنّنا لو دققنا في موقف النبي (ص) عرفنا أنّه كان يريدها أن تكسب أجر العمل في البيت. حتى إذا أراد أن يتحدث علي (ع) في أمر من الأمور لا يشير إلى حقه.
المسألة الثالثة: أنّه قال قبل النوم، ولم يقل عقب كل صلاة. فتسبيحة الزهراء إذن، من الأمور المستحبة.
ونريد أن نلفت هنا إلى الكيفية التي نعرفها لهذا التسبيح وهي (34 مرة الله أكبر، و33 مرة الحمد لله، و33 مرة سبحان الله). بينما كيفيتها بحسب الرواية أنّ التكبير 34 مرة، ومن بعده التسبيح 33مرة، ثم التحميد 33 مرة.
فلماذا أتت هذه الرواية؟ وهل هي تلغي الرواية القائلة بالتكبير 34 مرة والتحميد 33 مرة والتسبيح 33 مرة؟
ثمّ إنّ شخصية الزهراء (ع) حينما يُعرض عليها أمر يتعلق بالآخرة ترضى، وبحسب الرواية السابقة أنّها قالت رضيت رضيت رضيت عن الله ورسوله. والرضا مقام عالٍ، وقولها رضيت عن الله كأنّما أنّ البلاغ أتى من الله مباشرة إلى فاطمة الزهراء، ومن بعد الله قالت رسول الله. وهذه من المسائل التي نؤكد عليها.
روي عن الباقر (ع) أنّ تسبيح الزهراء قبل النوم وعقيب كل صلاة يقول: ما عُبد الله بشيء منه، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله فاطمة. أي لأهداه النبي إليها.
وتقول الروايات: إنّ أكثر ما يُشعل الشجن والرغبة بالقتال لأخذ ثأر أبي عبد الله الحسين (ع) في قلب قائم آل محمد (عج) هو شدة حبه لفاطمة الزهراء (ع).
[1] سورة الأحزاب، الآية 1.
الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
تسبيح السيدة الزهراءسيدة نساء العالمينالسيدة فاطمةالسيدة الزهراءالرسول الأعظمالمرأة القدوة المقالات المرتبطة
من هو الفيلسوف؟
هناك من يرى أنّ الفيلسوف هو من يستخدم العقل في مقام الثبوت… بينما هناك من يرى أن الفيلسوف هو من يستخدم عقله في مقام الإثبات..
حقيقة مفهوم الأثير
يتردّد على مسامعنا في أروقة الإعلام مصطلح “الأثير”؛ وفي استهلال الحديث في الإذاعات خصوصًا، ويعطونه هالة من التأثير السمعي “الشفاء
آراء في تفسير الوجوب العقلي والأخلاقي
الحَسَن ما ينبغي فعله عند العقلاء؛ أي أنّ العقل عند الكلّ يدرك أنّه ينبغي فعله، والقبيح ما ينبغي تركه عندهم؛ أي أنّ العقل عند الكلّ يدرك أنّه لا ينبغي فعله أو ينبغي تركه.