قراءة في كتاب الثورة الإسلامية في إيران مقارنة بالثورتين الفرنسية والروسية

قراءة في كتاب الثورة الإسلامية في إيران مقارنة بالثورتين الفرنسية والروسية

بسم الله الرحمن الرحيم

مناقشة كتاب منوشهر  محمدي

كلية الحقوق والعلوم السياسية

الجامعة اللبنانية

2/2/2010

لعل أمتع ما في قراءة كتاب رصين، عدا التزخيم المعرفي الذي تحدثه إضافةً، أو تذكيرًا، أو انشدادًا إلى فضائه أو انسيابًا فيه، هو استثارتها – تلك القراءة – للذهن والأسئلة من جهة، واستدراج سجال صامت مع فكرة خطرت هنا أو هناك في تضاعيف الكتاب، أو مع رأي أو موقف سنح، استقام عندك أم لم يستقم.

تذاهن متعب هو أحيانًا، إلا أنه – على صمته – صفر من غير ضجيج مستبعث فيك حراكًا وأخيلة هي نظير الارتقاء إلى لحظة/حالة وجدانية هي في الشعر أطرب وأقرب، حتى ولو من غير انتشاء الانفعال… إنه الوصل.. لكنه وصل من نمط مختلف.

وفي الأمر، من بعد أيها الأعزاء، مفارقة: إذ يتحول الكلام أو الكتابة عن هذه القراءةعن الكتاب إلى مستوى آخر تتقدم فيه العقلنة على حميمية الذاتين: ذاتك والكتاب.. وكل عقلنة على جمال، لكنه جمال القسوة.

أقول هذا وقد مسني إبان قراءة هذا الكتاب ذاك الاتصال – الوصل المعرفي، وتلك الشعرية السجالية الفكرية الحجاجية في الإيديولوجيا والتفلسف والتاريخ، والحداثة النقدية، كما في احتمالات ائتلاف الرؤى والمواقف حيثما تنادت واستجابت.

غير أنني، أمامكم والدور، مدفوع بما يتجاوز التطوع إلى الانتقال إلى المستوى الثاني النائي إلى قراءة معقلنة مرتجاة للكتاب:

حقق هذا الكتاب إضافةً معرفيةً في موضوعه ومنهجه:

أ – في موضوعه: لأنه، في حدود اطلاعي، لم يكتب أحدٌ كتابًا متخصّصًا يدرس فيه جوامع ومشتركات ثلاث ثورات، تحولات إنسانية كبرى، كما تبايناتها وتغيراتها. وبخاصة لأن ثورتين منهما (الفرنسية والروسية) صدعتا عن مشروع حضاري واحد هو المشروع الحضاري المادي الدنيوي الذي أبدعه المخلوق-البشر. أما الثورة الثالثة والأحدث فهي الثورة الإسلامية الإيرانية الصاعدة من تولّدات (Genétiques) المشروع الحضاري الإلهي المستتم بالإسلام الذي تنزل عن الخالق (الأوليات علمانيتان، والثالثة دينية). ولا مشروع حضاريًا آخر، أيها الأعزاء، خارج هذين المشروعين من وجهة نظري، وعلى مدى التاريخ الإنساني.

وعلائقية المشروعين المتنافسين ليست اختلافية ببعد واحد ولا هي تواز من غير تلاق قط، وإنما هي تقاطعية يكتفيان فيها على أمور كثيرة، وكذلك تتباينان إلى حدود التدافع، لا الصدام الحتمي كما نظر صامويل هانتنغتون.

ولعل ما توصل إليه الكتاب من مشتركات بين تلكم الثورات الثلاث فيما قبل انتصار كل منها وفيما بعده، هو بعض من جوامع تلك المشتركات، أو هو في أقل الأحوال، ظلٌ من ظلالها وانعكاسٌ من انعكاسات تفاعلاتها وانفعالاتها، وها هنا أضيف، ومن واجبي أن أفعل، ومساجل أنا في ذلك، أن كل سلوكيات البشر، أفرادًا كانوا أم جماعات، منبثقها الأفكار والاعتقادات ومنظومات القيم التي هي قوام وعيهم ومشكّله نظرتهم إلى الوجود كله بما فيه وبمن. وتلك الأفكار فعّالة وولادة وذات حراك دينامي وقابليات لا نهائية للتفاعل.

وأضيف بناءً عليه، بأن عقل الغرب وعقلانيته هما في أصل التكوين من عقل الأندلس وعقلانية فلاسفتها اللذين (العقل والعقلانية) جرى تهجيرهما، إلى أوروبا منذ القرون الوسطى، بما فيهما من “اليونانية” المعرّبة والمؤسلمة النقّادتين المرشدتين. فعقلانية الكوجيتو الديكارتي وفكر الأنوار التنويري والنقد البروتستانتي للفكر الكنسي التقليدي…، لمّا تكن لولا الأندلس. وليس هذا من قبيل الرضا الإيديولوجي عن الذات، بل لتأكيد بعض مقولات الكاتب حول بعض مشتركات الثورات الثلاث، ولو جاءت من عوالم اجتماعية مختلفة، وذلك على مستوى الأصول الفكرية أو بعضها بالأقل.

ب-  أما جدة الكتاب في المنهج فمتصلة ومتكاملة مع جدته في الموضوع، لأنه ركب المركب الأحدث إذ درس الثورات الثلاث بمنهج “علم الثورات المقارن”.

صحيح أن علم الثورات المقارن منهجًا وديناميات هو علم معروف في الغرب، وثمة دراسات مرموقة في حقله سواءً على مستوى النظرية والتنظير، أو على المستوى التطبيقي. وأكثر هذه الدراسات المقارنة نصبت على الثورات الثلاث: الفرنسية والروسية والصينية، وكلها تسبح في فضاء فلسفي وحضاري واحد – كما سبق ونوهنا- وقد أفلح الكتاب في مقاربة بعضها أو البناء عليه. غير أن ميزة كتابنا أنه قارن بين الثورتين الأوليين والثورة الإسلامية في إيران ذات الفضاء المغاير.

وليته استكمل إنجازه بإضافة الثورة الرابعة إلى دراسته المقارنة، وهي الثورة الصينية التي هي أيضًا ولو كانت تتمثل ذات المشروع الحضاري المادي للثورتين الفرنسية والروسية، إلا أنها تميّزت بخصوصيات وقراءات من الإنصاف والموضوعية بيانها.

في هذا السياق، أرى، من باب لزوم ما لا يلزم، ضرورة وضع دراسات مقارنةٍ معمّقةٍ عمق هذا الكتاب عن الثورات الحديثة في العالم الإسلامي والعربي. ففي هذا الحقل أيّما فائدةٍ علمية، وبخاصة على فرضية انبثاق هذه الثورات من فضاء مشروع حضاري واحد تتقاطع مع المشروع الحضاري المنافس في شؤون وقواسم كثيرة – كما قلنا –، وقد أفاض الكتاب في عرضها وتحليلها، ولا يتسع المجال لعرضها.



المقالات المرتبطة

الديمقراطيّة في السياق الإسلاميّ (مقاربة أوّليّة)

شكّلت الصدمة الحضارية التي واجهها علماء ومفكري العالم الإسلامي – إثر احتكاكهم بالتطور الأوروبي على الصعد العلمية والانتاجية والعسكرية والحريات وغيرها، في ظل تفكك وانهيار السلطنة العثمانية والحكم الإسلامي

التبصّر الخُلقيّ كعامل مؤسِّس لاستراتيجيّة الانتصار

لو كان لنا من توصيف إجماليّ لمعنى المواجهة بين العدوّ الإسرائيليّ والمقاومة، لجاز القول أنّها حرب من أجل استعادة الأسس الأخلاقيّة لمفهوم الحرب. انطلاقًا من ذلك،

أهمية البحث في الفلسفة والعرفان 2

ثمة علاقة جدلية بين الأبحاث الفلسفية والعرفانية من جهة، وبين الدين من جهة أخرى. ويمكن الحديث في كلّ منها في مرحلتين: قبل إثبات الدين، وبعد إثبات الدين.

تعليق واحد

أكتب تعليقًا
  1. عادل الهاشمي
    عادل الهاشمي 8 فبراير, 2020, 18:31

    التحية والاجلال لمؤلف الكتاب الذي حالفه التوفيق لحدٍّ كبير في تشريح الثورتين الفرنسية والروسية وبيّن محدودية كلا الثورتين لمعطياتٍ بيّنها باقتضاب، كما شرح وافياً أوجه تفرُّد الثورة الإسلامية بقيادة ملهمها روح الله الخميني العظيم، لقد أوفى الثورة الإسلامية حقها وأظرها في ثوبها الحقيقي ألا وهو: لا شرقية ولا غربية، بل ثورة إسلامية، إسلامية بالمعنى الحقيقي للإسلام: روحاً وفكرا ومعنى..تلك الثورة التي نهلت من معين المنهاج الإلهي والوحي اللدني والتلقين الرسالي الرسولي الإمامي

    الردّ على هذا التعليق

أكتب تعليقًا

<