شرح ومعاني تسبيحة السيدة الزهراء عليها السلام

by الشيخ شفيق جرادي | يناير 16, 2021 7:42 م

كلٌّ يسبح الله.
قبل أن نتحدث عن القسم الأخير من نافلة تسبيح الزهراء (ع)، نود هنا أن نستحضر وإياكم حالة خاصة ينبغي أن نعيشها في أجواء الابتداء بالتسبيح.
ورد في القرآن الكريم ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾[1][1]. كل موجود من الموجودات يعيش في حقيقة وجوده حالة التسبيح لله. وهنا يتحدث القرآن عن عوالم الحيوان والملائكة والجن أنّها “أمم أمثالكم”، ولكنّنا لا نفقه ما يتداولونه فيما بينهم، ولا نطّلع عليه.
حينما نبدأ بتسبيح السيدة الزهراء (ع) ينبغي أن نستحضر:
 أولًا: أنّنا ننضم إلى كل من يسبّح الله من هذه الأمم التي هي أمثالنا. والله يقول ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾[2][2]، وبحسب المرويات أنّ الحصى بيد رسول الله (ص) كانت تسبّح، ولكن في حقيقة الأمر أنّ كل الحصى كانت تسبّح، إلا أنّ رسول الله محمد قد سمع تسبيح الحصى. والنبي في تسبيحه الدائم كان يسمع كل هذا الوجود كيف يسبّح لربّه.
ثانيًا: شعور العبد بأنّه في محضر الله. فالله يتوفى الأنفس في منامها، لذا نحمد الله على عودتنا إلى الحياة في اللحظة التي نستيقظ فيها. وأيضًا يروى أنّ من صلّى لله ركعتان بإخلاص وجب له على الله الجنة، لذا، حين يقف المرء بين يدي ربّه عز وجل لتأدية الصلاة يشعر أنّه في محضر الله.  
انطلاقًا من هذه الحالة النفسية والروحية التي ينبغي أن نكون عليها مع ما يتخلّلها من أمور، ورد التأكيد على أنّ تسبيح الزهراء هو من تعقيبات الصلاة. وقد تحدّث الإمام الخميني في نوعين من النصوص عن هذا الذكر، وهي: التعقيبات عمومًا في كتابه الفقهي تحرير الوسيلة، ليخبرنا عن أهمية هذا التسبيح. وتسبيح السيدة الزهراء على نحو الخصوص، في كتاب الآداب المعنوية للصلاة، والذي ننصح كل إنسان موالي لمحمد وآل محمد، ويريد أن يجعل في قلبه نور من رب العزة، وولاية محمد وآل محمد بقراءته. وأؤكد على أنّه لو وجب عليكم أن تقطعوا السهول والبراري بسفر لتتعلموا هذين الكتابين عند من يتقنهما فافعلوا ذلك لأهميتهما.
يقول الإمام الخميني في كتاب تحرير الوسيلة: “يستحب التعقيب بعد الفراغ من الصلاة ولو نافلة وفي الفريضة آكد خصوصًا في الغداة. ويعتبر في التعقيب أن يكون متصلًا بالفراغ من الصلاة. وكلما كان الإنسان يتصل تعقيبه بفريضته أكثر كان الاستحباب أوضح على وجه لا يشاركه الاشتغال بشيء آخر يذهب بهيئته عند المتشرعة كالصنعة ونحوها”. فالتعقيب أكثر استحبابًا في الفريضة الواجبة، وتجب المباشرة به فورًا بعد الفراغ من الصلاة.
وبعد الانتهاء من تأدية الصلاة، إمّا أن يفصل فيقوم بعمل ما ثم يبدأ بالتعقيبات، وبهذه الطريقة يكون قد خرج من محضر الصلاة؛ لأنّ أهمية هذا التعقيب في استحبابه العظيم أن يكون متصلًا في هذا الأمر الفرائضي الواجب، أو أن يشرع بالتعقيبات فور انتهائه من الصلاة. وهنا يكمل الإمام الخميني في زبدة الأحكام قوله: “والأولى فيه الجلوس في مكانه الذي صلّى فيه والاستقبال ولعل أفضلها تسبيح الزهراء (ع). وكيفيته على الأحوط أربع وثلاثون تكبيرة، ثم ثلاث وثلاثون تحميدة، ثم ثلاث وثلاثون تسبيحة. ولو شك في عددها يبني على الأقل إن لم يتجاوز المحل، فلو سها فزاد على عدد التكبير أو غيره رفع اليد عن الزائد، ويبني على الأربع والثلاثون، والأولى أن يبني على نقص واحدة ثم يكمل العدد بها في التكبير والتحميد دون التسبيح”. وهذا دليل على أنّ التسبيح له خصوصية الحكم الشرعي. ويلفت إلى أنّ المصلي حال التسبيح يبني على الأقل دون الأكثر في التكبير والتحميد فقط، أما في التسبيح فلا.
من جهة أخرى، يقول الإمام الخميني في كتاب الآداب المعنوية للصلاة: “إنّ التعقيب من المستحبات المؤكدة، بل إنّ تركه مكروه، ويشتد تأكيده في صلاتي الصبح والعصر”. ولا يخفى على أحد استحباب الكثير من الأمور العبادية عند الفجر والسحر، لما لها من خصوصية كبيرة جدًّا، بل إنّ أقدار العباد تُحدّد في هذا الوقت بالتحديد. وأما صلاة العصر فهي الصلاة الوسطى، كأنّما يؤكّد الإمام أنّ صلاة العصر هي الصلاة الوسطى الواردة في الآية القرآنية ويحصنها بالأمور المستحبة وهي التعقيبات المعنوية.
لذا، فروح الأدب في مثل هذه القراءات أن تعيش معنى ما تذكر، وعندما تقول “الله أكبر” ينبغي أن تلتفت إلى عجزك وفقرك وغنى ربك وقدرته. ومنطق العبودية في تأدية الصلاة والنافلة والعبادة هو روحها، ومن أهم التعقيبات في هذا المورد تسبيح الزهراء (ع)، وتسبيحها تكبير وتنزيه عن قيام العبد بحق العبودية.
وهنا لا بدّ من فهم حقيقة التكبير والتنزيه قبل البدء بأي أمر عبادي. كما ينبغي وجود الرجاء في حياة الإنسان المسلم، ولكن ينبغي التفريق بين رجاء الله والأمن من مكره؛ فالأمن من مكر الله يكون على مبدأ (سودت صحيفة أعمالي ووكلت الأمر إلى حيدر)، بينما ينبّه الإمام الخميني “ويل لمن كان شفيعه هو خصمه يوم القيامة”. لذلك ينبغي أن أعيش حالة الثقة بالله، ولكن لا يمكنني أن أفي حق الباري عليّ.
التعاليم التربوية لتسبيح السيدة الزهراء (ع).
من ضمن التعاليم التربوية لتسبيح السيدة الزهراء (ع) التي يؤكد عليها الإمام الخميني أنّ العبد مهما فعل لا يفي الله حق العبودية. فالمنهزمون الضعاف اليائسون يتراجعون ويقفون في نفس المكان. أما الشجعان أهل التولي لمحمد وآل محمد كلما شعروا بتقصير ما التزموا جهاد أنفسهم، واجتهدوا ليؤدوا العمل والكدح حتى يحققوا ولو بعضًا من حق العبودية الإلهية عليهم. وبعد ذلك يشعرون بأنّهم يسبّحون مع الكون، ومع الملائكة، ثم يصلون إلى وقت يشعرون فيه أنّهم يسبّحون بلسان ومع المعصوم من محمد وآل محمد (ص).
“بل تنزيه وتكبير عن لياقة العبد للعبادة في المحضر المقدس”. فيبذل قصارى جهده كي يؤدي حق العبادة، مع الالتفات إلى عدم الظن أنّ بإمكانه الوصول وحده إلى هذا المستوى، وعليه أن يستعين بربه وبشفاعة الشفعاء من محمد وآل محمد.
استنادًا إلى ذلك، يجب أن تجعل الزهراء لك شفيعة وأنت تقرأ تسبيحتها، وهي كفيلة بأن ترفعك إلى رتبة من يشاركها في ذكر الله وذكر الحمد لله سبحانه. ومن أجل تحقق ما سبق، يجب أن تكون لديك رغبة دائمة حتى تطلب من الباري عز وجل أن يجعل ما يورده اللسان عبارة عن أمور تدخل إلى القلب، وكأنّما اللسان والفكر والعقل يكتب على صفحة القلب والروح، فإذا قلت (الله أكبر) احفر في قلبك بقلم لسانك معنى أنّ الله هو الأكبر.
شرح معاني تسبيح الزهراء (ع).
عرّف غير أئمتنا معنى (الله أكبر) أنّ الله أكبر من السماوات والأرض والإنسان والموجودات. بينما يقول الإمام الصادق (ع): إنّ “الله أكبر من أن يوصف”. عندما تقارن بين أمرين يجب أن يكون بينهما سنخية. فعندما تقارن الباري عز وجل بغيره تعطل كل معرفة بالله، لأنّ الله لا يُقرن بغيره حتى يقاس بغيره فيقال مثله أو أكبر منه. فالله أكبر من أي فكرة أو صفة تخطر ببالك، وأكبر من أي معنى تقرأه، وكلما فكرت أنّ الله أكبر من كذا يكون الله أكبر مما تفكر. لذلك كل منطقك وعبادتك هو لشأن توحيدي واحد، وقد قيل: لعل في الأديان لا يوجد معنى (الله أكبر) إلا في الإسلام. لأنّ بقية الأديان تحدثت عن مقام التوحيد لله، أما في الإسلام فالقرآن تحدث عن مقام الله أحد، قل هو الله أحد. وعندما أعطى النبي للزهراء هذا التسبيح قالت له ثلاثًا “رضيت عن الله”، وهو دليل أنّه لا شيء يخطر في بالهم قبل الله عز وجل.
وصلنا إلى فقرة “الحمد لله”، وهنا نتحدث عن مستويين من الناس:
المستوى الأول: وهو مقام مقبول ومهم، وفيه يعتبر الإنسان أنّ عليه حمد الباري على كل شيء.
المستوى الثاني: وهو المقام الأعلى،  أنّ الحمد لا يليق إلا لله.
وينبغي أن تعلم أنّ أصل وجودك ورزقك وعمرك، والفرص المتاحة لك هي من صنوف الحمد في الحياة، “إن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها”؛ هذه النعم هي صور الحمد، وعليك أن تشكر الله عليها. كما ينبغي أن تعلم أنّ صاحب الحمد هو الله. وأنّ أصل شكرك لله يستوجب أن تشكره لأنّه أقدرك لقول الحمد لله أو الشكر لله.
صحيح أنّ الله علّم آدم الأسماء كلها إلا أنّ كل الحقائق متعلقة بالحمد. وصاحب لواء الحمد يوم القيامة هو رسول الله محمّد (ص). فالحمد شأن إلهي اختصه الله من بين كل خلقه بذاك المحمود والأحمد الذي اسمه محمد. فأنت بالحمد مرتبط بالله وبمحمد، وإذا شكرت، شكرت باسم الله، وبلسان ذكر محمد بن عبد الله وفاطمة الزهراء بضعة محمد، وثمرة قلبه وروحه ونوره. لذا إذا سبّحت تسبيح الزهراء، وتسبيحها حمد، فعلى أساس أنّها روح محمد وبضعة منه (ص).
هذا التسبيح هو فرصة تؤديها كمقطع عبادي. وواحدة من فرص تسبيح الزهراء أنّه أمانة تضعها عند محمد وفاطمة كأنهما يقرآن التسبيح كي يهدوه إليك إذا صفيت نيتك، وجعلت نفسك في خدمة محمد وآل محمد.
يروى عن النبي (ص) قوله: “آدم ومن دونه تحت لوائي”. لواء رسول الله هو لواء الحمد، وكل شيء في يوم القيامة يطلب الشفاعة ويقول نفسي نفسي، إلا رسول الله يقول يا رب أمتي أمتي؛ حتى أنّ بقية الأمم والشهداء على تلك الأمم ينادون من كل صوب الشفاعة الشفاعة يا محمد. حتى إبليس كما في بعض المرويات يمتد عنقه من بطنان جهنم ويطلب الشفاعة من محمد (ص).
إنّ ختام كل أمر من أمورنا بكلمة (الحمد لله)، ومدرسة تسبيح الزهراء تعلمنا كيف تكون حقيقة الحمد. في السراء نقول: الحمد لله المنعم المفضل، وفي الضراء نقول: الحمد لله على كل حال، لأنّه الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه. الأمور المكروهة قياسية، وهي بالنسبة إليك مكروهة، ولكن الباري عز وجل يحوّل هذا الذي أصابك واعتبرته أنت مكروهًا، إلى رزقٍ ونعمة، ويغيّر كل حقيقة وجودك، لذلك يستلزم الحمد منك.
وصلنا إلى المقطع الأخير في التسبيح وهو “سبحان الله”؛ فالتسبيح هو أن تنزّه الله عن كل أمر وسوء. وتسبيح الزهراء في مقاطعه هو تنزيه لله عن كل أمر لا تدركه عقولنا وأرواحنا، فنعتقده سوءًا وهو حمد على كل ما يصدر عن الباري عز وجل، فنلتحق بركب من يسير بسيرة الولاء للإسلام التي هي مسيرة حمد الحامدين، ونكبّر الله عن كل وصف وكل أمر، لنعلن بين يديه حقيقة العبودية له سبحانه.
الآثار الخاصة بتسبيح الزهراء (ع):
  1. أنّه يدخلنا في زمرة أحباب الله.
تسبيح الزهراء أنموذج للذكر الكثير. عن رسول الله محمد (ص) قال: “من أكثر ذكر الله عز وجل أحبه الله، ومن ذكر الله كثيرًا كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق”.
يذكر بعض علماء الشيعة نوعين من النار:
النوع الأول: النار التي تصيب الأجساد؛ وهي التي تحيط بأهل الكفر.
 والنوع الثاني: النار التي تطّلع على الأفئدة؛ وهي النار التي تلهب قلب أهل النفاق، وهي أعلى مستويات النار. فمن يعيش في حضرة تسبيح الزهراء (ع) له براءة من النار، وبراءة من النفاق.
  1. يثقل الميزان ويطرد الشيطان.
عن الإمام الباقر (ع) قال: “من سبّح تسبيح فاطمة ثم استغفر، غفر الله له وهي مئة باللسان وألف بالميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن”. النوافل المستحبة هي السياج الذي يحصّن الواجبات. فحتى تُرفع الواجبات إلى الله حِصْنُها هي النوافل. وتخيّل أنّك في كل مرة تقول فيها مئة مرة ذكر تسبيح الزهراء يوضع في ميزانك ألف ركعة من الفرائض، وتطرد الشيطان وترضي الرحمن.
  1. يوجب الجنة.
عن الإمام الصادق (ع) قال: “من سبّح تسبيح فاطمة في دبر المكتوبة قبل أن يبسط رجليه أوجب الله له الجنة”.
 
في الختام، نتوسل إلى الله بحق فاطمة وأبيها محمد وبعلها أمير المؤمنين، وبحق الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وبحق كل محب لمحمد وآل محمد أن يجعلنا في زمرة الصالحين من أحباب محمد وآل محمد. وأن يؤلف بين أرواحنا حتى لا نخرج من هذه الدنيا إلا وكلّ منّا يقرّ لله بالعبودية وبالولاية للنبي محمد (ص). وأن يربط أرواحنا بولاية القائم من آل محمد (عج) حتى إذا ما خرج في اللحظة التي تأذن له فيها بالخروج إلا جعلتنا من أنصاره وأعوانه ومقوين سلطانه. آمين رب العالمين.
 
[1][3] سورة الإسراء، الآية 44.
[2][4] سورة الإسراء، الآية 44.

Endnotes:
  1. [1]: #_edn1
  2. [2]: #_edn2
  3. [1]: #_ednref1
  4. [2]: #_ednref2

Source URL: https://maarefhekmiya.org/11752/tasbeeh3/