قراءة في كتاب ما وراء الشرّ

قراءة في كتاب ما وراء الشرّ

أوّلًا- الكتاب في سطور

اسم الكتاب: ما وراء الشرّ

الكاتب: الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي

ترجمة: علي الهادي مشلب

الطبعة الأولى

دار النشر: دار المعارف الحكميّة

سنة النشر: 2020م

عدد الصفحات: 68 صفحة

ثانيًا- قراءة في الكتاب

طالما انشغل الفكر البشري في تفسير الظواهر الطبيعيّة، والبحث عن جدواها. فمنهم من يراها خيرًا، ومنهم من ينتفض عليها وعلى ما تسبّبه من أضرار وكوارث. وإذا كان الله هو الخير المطلق الذي لا يصدر منه إلّا كلّ خير، فما هو تفسير الكوارث والأمراض وما تسبّبه من ألم وموت ودمع، قد لا يستطيع الفرد أحيانًا أن يلتفت منها إلى جهة خير؛ فيطلق عليها مسمّى الشرّ. فهل الشرّ موجود حقًّا؟ أم أنّه انعدام الخير فحسب؟ وهل الدنيا التي اختارها الله سبحانه وتعالى دار اختبار للنوع الإنساني سنخها البلاء؟ وبالتالي، فإنّ كلّ ما يصدر عنها وفيها هو أمر طبيعي لا غرابة فيه. ويكمن الأمر فقط في نظرة الإنسان إليها، فمن أي جهة وزاوية ينظر؛ فإذا رآها معينًا للتدرّج في سلّم الكمال كانت له جهة خير، وإن وجدها انحدارًا للنفس وأذى للروح كانت شرًّا وألمًا.

وهل يمكن للإنسان حين يرفضها أن يتجنّبها؟ أم هي لصيقته لا تنفكّ عن وجوده في دار سُمّيت بدار البلاء؟ أسئلة كثيرة عرضت للفرد وللجماعة البشريّة، وهو ما استدعى بحثًا في العدالة الإلهيّة وأصل الخلقة والجدوى من هذه الشرور التي تحيط بنا.

فماذا وراء الشرّ؟ وما هي الحكمة وراء وقوع الآفات والبلاءات التي تنتشر أحيانًا، وتشمل كثيرًا من الدول فيبتلى بها حتّى الأطفال ومن لا ذنب لهم؟ كما حصل حين انتشرت جائحة كورونا في الآونة الأخيرة.

هذا الكتاب هو حاصل ثلاث جلسات من المحاضرات والأسئلة والأجوبة لآية الله العلّامة الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي، والتي عُقدت في شهر اسفند من العام 1398ه.ش، الموافق لشهر آذار عام 2020م بعد شيوع وباء كورونا في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.

يقسم الكتاب إلى بحثين. الأوّل عالج الجانب النظري لمسألة الشرور. فمسألة الشرور واحدة من أقدم المباحث التي طرحها البشر في باب معرفة الوجود. فعرض الشيخ اليزدي النظرة الماديّة حول الشرور، والتي رأت فيها لوازم لطبيعة العالم الذي لا يرون له خالقًا حكيمًا مدبّرًا. ويلي ذلك رؤية النظرة الثنائيّة التي ترى للعالم مبدأين: مبدأ الخير ومبدأ الشرّ. أمّا ما تقتضيه تعاليم الاعتقادات التوحيديّة والأديان الإلهيّة – وخاصّة الدين الإسلامي –  فيما يرتبط بهذا الباب بشكل مباشر، فهو أن نقول: إنّ لكلّ الوجود خالقًا واحدًا، وهذا الخالق واجدٌ لجميع الكمالات والصفات الخيّرة، ووجوده منزّه عن كلّ نقص وشرّ، وكلّ الموجودات مخلوقة له، وقد خلق كلّ شيء على أساس الحكمة والمصلحة[1].

وفصّل الشيخ في أنواع الشرور المتحقّقة في هذا العالم، فمنها الشرور الابتدائيّة التي تحدث دون تدخّل الإنسان أو أيّ موجود مختار آخر، وشرور ثانويّة أو انفعاليّة لها علاقة بتدخّل ما. والسؤال الأبرز الذي يطرح هو: لماذا خلق الله الحكيم الشرور التي تسبّب الألم الذي يمكن أن يقف عائقًا أمام الكمال الإنساني؟ والجواب هو أنّ مقتضى الاختيار الإنساني الذي أراد الله من خلاله أن يصل الإنسان إلى كماله هو وجود طريقين: طريق صعود وتكامل، وطريق سقوط وتسافل، وعلى أثر وجود هذين الطريقين تتحقّق أرضية الامتحان والاختيار الواعي، وهو أعمّ حكمة من وجود الشرور والنقائص والآفّات والابتلاءات في هذا العالم، وإنّ وجود هذه الشرور ليس مقصودًا بالذات بل مقصود بالعَرَض[2]. وإنّ وجود هذه الآلام ما هي إلّا مقدّمة ووسيلة لكي يتمكّن الإنسان الذي يحمل من الاستعدادات الكامنة بواسطة الاختيار الصحيح من الظفر بأعلى الفيوضات الإلهيّة.

ويعرض البحث الثاني من الكتاب الجانب العملي لمسألة الشرور، فيطرح بداية السؤال القائل: ما هي الوضعيّة المناسبة التي ينبغي اتخاذها في مقابل الشرور وأيّ سلوك اختياري ينبغي القيام به؟[3] ليجيب بأنّ العامل الأساس في التكامل الإنساني، والذي يوجب استحقاقه لأعلى مراتب الرحمة والفيض الإلهي هو العبادة. ومن لوازمها ترك ما يراه العقل موجبًا لتنزّله وسقوطه، ويؤدّي ما يراه العقل موجبًا لترقّيه وصعوده.

ومن جهة أخرى، فيجب الالتفات إلى أنّ الله تعالى يريد الكمال لجميع الذين يمكنهم أن يتكاملوا باختيارهم، وإنّ كثيرًا من الأمور التي ظاهرها الشرّ هي ألطاف إلهيّة يرسلها الله على شكل بلاءات تدعو إلى التوجّه إليه سبحانه، وهو أمر يساعد على تمهيد أرضيّة أفضل لتقبّل الناس دعوة الأنبياء (ع). كما وأنّ مغريات الدنيا تجعل من الإنسان منشدًّا إليها ومتعلّقًا بها إلى الحدّ الذي يحيده التوجّه السليم لكماله، فيأتي البلاء على شكل نعمة تعيده إلى أصل خلقته. وهذه البلاءات تتفاوت بحسب تفاوت المرء للاستجابة والعودة، وهي جميعها نعم يجب شكر المنعم عليها والاستفادة منها في سلّم الكمال.

وفي الإجابة عن سؤال هل ينبغي أن نرضى في داخلنا عن هذه الأمور التي نسمّيها شرًّا أو ينبغي أن نسخط؟ يجيب الشيخ بأنّ ذلك مرهون باختلاف مراتب المعرفة عند البشر وطبيعة الرؤية التي يحملونها حول الله والعالم[4]. والأهمّ هو مراعاة التكاليف العمليّة والواجبات والمحرّمات الشرعيّة، وأن لا نشغل بالنا بالتقديرات الإلهيّة، وأن نحصّل الرضى القلبي تجاهها؛ لأنّ هذه الساحة من أصعب ساحات العبوديّة لله.

فما وراء الشرّ الذي نراه كذلك، وقبله ومعه يكمن الباري تعالى الذي يحملنا على أكفّ رحمته في لحظات ضعفنا إلى كهف الأمان والطمأنينة التي نرجوها، ولن نجدها إلّا بين يديه سبحانه. أعاننا الله على أداء التكاليف التي يطلبها منّا في أصعب الظروف وأقساها؛ لأنّها الدرب الوحيد الذي يوصل برّ الفيض الإلهي الذي يجبر فينا كلّ نقص وكلّ عيب، وإنّ القلب ليحزن، وإنّ العين لتدمع ولا نقول إلّا ما يرضي الله.

[1]  ما وراء الشرّ، الصفحة 17.

[2]  المصدر نفسه، الصفحة 22.

[3]  المصدر نفسه، الصفحة 29.

[4]  المصدر نفسه، الصفحة 42.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الشيخ اليزديكوروناما وراء الشرالبلاءات

المقالات المرتبطة

المنهج التأويليّ للدكتور حسن حنفي في “النقل والإبداع”

  نحن أمام عمل موسوعيّ مترامي الأطراف يتميّز بالعمق والغزارة والقوّة في التمسك بمنهج إعادة بناء العقل، عبر السفر فيما

قراءة في كتاب موحى الناجي، الإسلاموية: نظام شمولي جديد

يركّز هذا الكتاب بقلم مهدي مظفري، على العلاقة بين الإسلام ومشروع الإسلاموية السياسي. ويناقش فيه تعدد طوائف الإسلام ومدارسه وأنه لا إجماع على إسلامٍ “صحيح”،

صناعة الإسلاموفوبيا: كيف يصنع اليمين أشخاصًا كارهين للمسلمين؟

على غرار ظاهرتَي معاداة السامية ورهاب الأجانب، تزدهر الإسلاموفوبيا في بيئة قومية مشحونة سياسيًّا تخدم أخبث العناصر في الطبيعة البشرية.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<