العمارة الإسلاميّة في لبنان: سؤال الهويّة والأصالة
جرت العادة أن تتم مقاربة مسألة العمارة في لبنان من باب كونها شأن هندسي، وكجزء من الفنون المحرِّكة للإبداعات، في هذا المقال سوف يتم التعريف بالعمارة “ذات الطابع الإسلامي في لبنان”، كذلك سيتم الإشارة إلى أهميّة مشهديّة المسجد في بناء روح المكان والفرد والجماعة.
مقدمة.
من حيث المنهج، يكمن دور المعماري عند تشييد أي مبنى في تحقيق أو تأمين حاجات ثلاث: الوظيفة النفعيّة، والوظيفة الرمزيّة، والوظيفة الجماليّة[1].
تجيب الوظيفة النفعيّة في المبنى على سؤال الانتفاع الذي يُرضي المستفيد آنيًّا ومستقبليًّا، والمتناسب تمامًا مع حاجة كل الشرائح (الذكور والإناث، الصغار وكبار السن، الأصحاء والعجزة، العاملون وغير العاملين…إلخ)، كذلك تجيب الوظيفة النفعيّة عن سؤال نوع المبنى: سكني، ديني، تجاري، متعدّد الاستعمالات… إلخ، المطلوبة لسدّ الاحتياجات الفرديّة والمجتمعيّة المختلفة.
أما الوظيفة الرمزيّة فتجيب على أسئلة الهويّة ومتطلبات الفرد والجماعة، بحيث تعكس كثرة ووفرة بناء المساجد، الكنائس، المصليات، المجمعات الدينيّة (أو عدمها) الصورة العامة حول المجتمع الذي يمكن أن يعطي انطباعًا عن كونه مجتمعًا متدينًا (أو غير متدين) في الظاهر على الأقل. كذلك تُنبئ الوظيفة الرمزيّة في العمارة عن قوة وسيطرة الأنماط العمرانيّة المختلفة والمتنوعة من الأبنية (المولات، المسارح، الملاعب الرياضيّة…) وحضورها في المشهد المديني، وفي قدرتها على التأثير في الشخصيّة العامة للأفراد والجماعات (التشجيع على الاستهلاك، أو ممارسة الرياضة، أو إقامة الحفلات مثلًا).
أما الوظيفة الجماليّة فتتصف باعتبارها المسؤولة عن الإمتاع البصري بالدرجة الأولى؛ لأن من مهامها الإجابة عما يتعلق بــ “الانتماء” إلى مكان فيه الراحة النفسيّة، مكان تشبه فيه مكونات البناء والزخرفة والأشكال الهندسيّة المعتمدة صورًا مألوفة من ذاكرة الناس وحياتهم المُعاشة، صورًا تشبه تاريخهم وتراثهم وأفكارهم وفلسفتهم حول العمل والحياة وغيرها من الأمور.
[1] رفعة الجادرجي، في سببيّة وجدليّة العمارة، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، أيلول 2006).
لقراءة المزيد:العمارة في لبنان، سؤال الهوية والأصالة المهندسة مها لطف جمّول
المقالات المرتبطة
من الأسرة نبدأ
قصة شهر رمضان في القرآن متعدِّدةُ الآفاق والفصول، ويصحُّ أن نقول بأنّ (المناسبة)، أو (الموسم)، أو (الفصل) الرمضانيّ هو مدرسةُ الزمن الإسلامي المكثَّف، وهو وقت الانعطاف والتغيير،
جدل الدين والحداثة بين العالمين الغربي والعربي
من الكتب المهمّة في فلسفة الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة والحداثة كتاب صلاح سالم “جدل الدين والحداثة”.
البدء التأريخي قراءة في تشكّل روح عالم جديد
يظل من العجيب والمثير للانتباه أن يضحي هيغل أحد أهم الرموز الفكرية للرؤية العولمية كما تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية، فموضوعة “نهاية التأريخ” التي دافع عنها المفكر فرنسيس فوكوياما آخذًا تصور هيغل بعين الاعتبار،