جدليّة النصّ والواقع في تأويليّة الشهيد الصدر

جدليّة النصّ والواقع في تأويليّة الشهيد الصدر

استكمل الشهيد الصدر (قده) تطواف رحلة حياته الرساليّة والعلميّة، وألقى بثقل ما جنى منها عند كتاب الله العزيز.

هناك بين الآيات والسور، اتخذ الشهيد الصدر موطن تأمّلاته وتدبّراته ليصوغ أفكاره ومنهجه التأويليّ الخاص. عاملًا بجد ورويّة على توفير أرضيّة المساكنة المشروعة بين محاصيل جنى العمر في ثماره المعرفيّة التي رصدت الواقع تكوينًا وقيمًا وعلومًا، طاف فيها السؤال النقديّ المستكشف ليوصِل التراث بالمعاصرة مع الخطاب الإلهيّ المتمثّل بالنص الإلهيّ. إنّه الجري القرآني في الزمن. فالقرآن الذي لا يمسّه إلّا المطهرون لم يكن مانعًا من السؤال.

والمقدّس في الإسلام لم يتبنّ شعار “لا مساس”، بل استحضر كلّ شكوك عقل الشر ومزاج ووجدان الحرام والهوى، ليجعل منهما موضوع بحث، ومسارات يُخرج فيها الله الناس من الظلمات إلى النور. إذ بالضدّ السيء يتعرّف المرء لضدّه من الخير.

لقد تنزّل القرآن آيات من عند العزيز الحكيم، فسرى في عالم التزاحمات الدنيويّة، وكما الطين إذا ما نَفَخَتْ فيه الروح صار حياة. كذلك هي دنيا الاغتراب عن مبدئها إذا لاقت آيات ربّها صارت روحًا وحياةَ حضور وشهود حقّ كريم. أمّا المثال المستجمع للكمال بوصال الدنيا والملكوت فهو مستودع الأسرار العاقل الناطق بالأسماء.. إنّه الذي جعله الله سبحانه خليفةً في الأرض، ذاك الذي منه اصطفى سبحانه شهداءه على خلقه. وفيهما كتب الصدر الشهيد رسالته الغرّاء “خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء“. وهي من الرسائل المفيدة في التعرّف إلى الحيّز التطبيقيّ في تأويليّة الشهيد الصدر.

وهنا، من المفيد أن نوضح بعض الأمور المرتبطة بمبحثنا حول جدليّة النص والواقع، وحول تأويليّة الشهيد الصدر.

الأمر الأوّل: إنّ الجدل مفردة يمكن أن تشير إلى حكم قيميّ على أمر من الأمور، أو فكرة من الأفكار، بحيث يكون المقصود منها التعبير عن رغبة إلحاق الهزيمة بخصم نفاوضه، أو ننازعه في مذهب أو أطروحة أو سياسة.

وبكلّ حال من هذه الموارد، فإنّ صيغة الجدل تضعنا أمام موقف أيديولوجيّ لا يطلب الحق لأنّه حق، بل يطلب التفاخر بما نملك والتعريض بالآخر لأنّه آخر.

وعليه، فهو طريق يعتمد على أيّ سبيل لتحقيق مراده.

كما أنّ الجدل قد يعني الحواريّة المنتجة بين أمرين، بإمكاننا أن نولّد منهما عبر مثل هذه الحواريّة الجدليّة موضوعًا جديدًا، اعتقد هيجل أنه جامع لنقيضي طرفي الحوار، وهو بجمعه لهما غيرهما، إلّا أنّه وبسبب هذه الولادة النقائضيّة فإنّه يحمل بذور نقيضه أيضًا، حتّى يصل إلى وضعيات جديدة لا حدود لها. إذ مقتضى هذا النحو المنهجيّ لجدل الوجود والطبيعة وقواعد الحياة أن لا يعرف الهويّات الثابتة، أو السكون المستقر.. ولا نجانب الواقع إذا قلنا: إنّ هذا المنهج كان جديرًا بأن يأخذ موقعه الاستثنائيّ في مسارات العقل الغربيّ وحضارته. فهو ساعد، ومن موقع فلسفيّ، على إنتاج مدرسة معرفيّة ذات تأثير اقتصاديّ واجتماعيّ وسياسيّ واسع، فيما أُطلق عليه اسم المجموعة الاشتراكيّة من بلدان العالم المعاصر. كما أنّها كانت أهم مدرسة نقديّة للمنظومة الرأسماليّة. وقد استفاد السيد الشهيد من هذا الحراك المنهجيّ للجدليّة سواءً بتعبيرها الأيديولوجيّ الكلاميّ منه، أو الماركسيّ. كما أنّه استفاد من نقدياتها النظريّة للواقع المعرفيّ في الفلسفة الغربيّة كما المذهب الاقتصاديّ.

واستمرّ الشهيد الصدر في حواريته الجدليّة، إلّا أنّه هذه المرة تجاوز الضرورات الأيديولوجيّة والمذهبيّة التي عبّر عنها من خلال كتابَيْه: فلسفتنا واقتصادنا، وأخذ بتناول إشكاليّة معرفيّة تأسيسيّة ترتبط بأصل العلاقة بين الدين والعلم، أو بدقة أكثر، بين الدين وفلسفة العلم. والروح الحاكمة لهذه الإشكاليّة هو البحث في الجدليّة الحواريّة بين الأمرين. وذلك من خلال منهجيّة معاصرة هي “منطق الاستقراء”. ليوَلِّد عنها ما أطلق عليه اسم “التوليد الذاتيّ للمعرفة”. وهي منهجيّة تشير إلى جدليّة تختلف عن تلك التي نشأت ثمّ شاخت في المناخ الفلسفيّ الغربيّ المبنيّ على النقيض، وعلى أصالة الموت والعدميّة التي عبَّر عنها الفكر الغربيّ بموت الإله، ثمّ الإنسان، ثمّ الطبيعة، فالنص والتفسير والمؤلّف والتاريخ…

هذا، في الوقت الذي بدأت فيه مدارس في الفكر والفلسفة الإسلاميّة تشهد تناميًا لمنهجيّة جديدة هي “الجدليّة الإيجاديّة” التي تلحظ موضوعين اثنين والعلاقة الحواريّة بينهما بما يُخرج مكنون كلِّ منهما وانتقالاته الكماليّة من القوّة إلى الفعليّة، هذا ويبقى الانهمام الدائم عند أهل هذه المنهجيّة يرتبط بشبكة العلاقة بين أطراف أيّ مكوِّن من المكوِّنات الوجوديّة أو المعرفيّة أو القيميّة. ومن هذه المدارس “الصدرائيّة الجديدة” نسبة لما تمثله مدرسة الحكمة المتعالية من تطورات حصلت وما تزال على يد العلّامة الطباطبائي وطلّابه، كما هناك مدرسة الشهيد الصدر. والملفت، أن كلتا المدرستين عبّرتا عن نفسيهما بجدليّة البحث الموضوعيّ للقرآن الكريم. وقد أشار بعض الباحثين إلى وجود فارق حسّاس بين مدرسة الصدرائيّة الجديدة، ومدرسة الشهيد الصدر يقع في كون أفق الصدرائيّة الجديدة فلسفيّ، بينما الأفق الذي تصدر عنه مدرسة الشهيد الصدر هو كلاميّ. لذا، استمرّ، حسب هؤلاء، العلّامة الطباطبائي وطلّابه ببحث الأمور على أرضيّة الحكمة المتعالية والمنطق الأرسطي، وإن ببعضٍ من التعديل.. بينما رأى الشهيد الصدر في المنطق الاستقرائيّ نافذةً للدخول إلى المعاصرة من موقع كلاميّ تنامى عمّا كان عليه في مرحلة الجدل الأيديولوجيّ، إلى مرحلة الجدليّة المعرفيّة مع كتابه الأسس المنطقيّة للاستقراء.

وفي ظنّي، رغم أنّ هذا الرأي يستحقّ الاهتمام، إلّا أنّه بحاجة إلى إثبات مدّعاه بشكل أَبْين وأعمق، لكن ما يسترعي الانتباه أنّ الجدليّة الجديدة في إطارها المعرفيّ عند الشهيد الصدر، عكست واقع التطوّر الفلسفيّ في الغرب، الذي خرج من سلطة أرسطو ومنطقه، كما خرج من نطاق المبحث الماركسي وحراكه النقديّ منه والأيديولوجيّ، وتأثيرات هذا الانعكاس في الفكر العربيّ عمومًا، خاصّة مع الوضعيّة المنطقيّة والتحليليّة الفلسفيّة. ومن المرات النادرة التي عاجل فيها المفكّرون المسلمون لاستقبال هذا التطور بمساهمات جادّة، كانت مع الشهيد الصدر في بعض كتاباته، مثل: كتاب الأسس المنطقيّة للاستقراء، وكتاب المرسِل الرسول الرسالة الذي وعد من خلاله السيد الشهيد بقراءة للعقيدة على أصول من منهجيّة الاستقراء. كما وعد سماحته بقراءة أصول الفقه على نفس المنهج. وهو بذلك أراد أن يبني أسسًا ومرتكزات منهجيّة جديدة للعلوم الإسلاميّة التأسيسيّة منها على وجه الخصوص. وهذا ما فتح الباب عنده (قده) ليدخل إلى النصّ القرآنيّ، ويُجري تأسيسات في تأويله مبنيّة على أصول منهجيّة لقراءة الواقع والمنهجيّة بمحاميله الفلسفيّة والفكريّة والثقافيّة، ومحاصيله العلميّة والمعرفيّة المفتوحة على السؤال النقديّ، مقبلًا بهذه الانهمامات المعرفيّة والوجوديّة على النص القرآنيّ ليسائله حول موقفه ونظرته تجاه ذاك القلق المعرفيّ عند باحث كالشهيد الصدر (رض).

وإقبال الشهيد الصدر على النصّ لم يكن مع الآيات بتراتبها السكونيّ الثابت وتفسيراتها التجزيئيّة، بل اعتمد رصد الشبكة المعرفيّة لكلّ مفهوم وفكرة وقانون أو حكم من خلال مجموع الآيات المبثوثة في نصوص السور المتنوّعة. ليتدبّر في القرآن الكريم على أنّه وحدة متكاملة تنبعث الحياة في كلّ جوانبها، إلّا أنّه في كلّ جانب خصوصيّة تطلّ على أمر من الأمور من خلال إثارة سنّة من السنن أو قيمة من القيم.

الأمر الثاني: هو في تحديد المقصود من الواقع، كما المقصود من النصّ في أدبيّات الشهيد الصدر (رض). فالواقع، حسب التطور الفلسفيّ المعاصر، يرتبط بما هو مادّي ودنيويّ.

أمّا في الفلسفة الإسلاميّة، خاصّة منها الصدرائيّة الجديدة فهو متن الوجود المتحقّق سواءً منه المادّي أو المجرّد، الدنيويّ أو الميتافيزيقي. أمّا الواقع في المدارس النقديّة التي تعاملت مع النصّ فهي تلك الرؤية والنتائج الفكريّة المبنيّة على العلوم والمعارف والتجارب. وحينما تحدّث الشهيد الصدر عن الواقع أو الموضوع في قِبال النص، فقد أراد، حسب الظاهر، هذا المعنى الأخير، وإن كان مورد اهتمامه الأكثر إلحاحًا هو قواعد وقوانين الرؤية والموضوعات التي فرضت نفسها كإشكاليّات حقيقيّة في واقع حياة الناس وشؤونهم.

أمّا النص عنده (قده)، فهو أمرٌ يختلف عن التراث؛ إذ النصّ الدينيّ عند المسلمين هو القرآن الكريم والسنّة المطهّرة. وما التبس في الآونة الأخيرة، بشكل مقصود أو غير مقصود، من اعتبار بعض الباحثين أنّ التراث يضمّ بشكل رئيسيّ النص المقدّس هو إمّا مبنيّ على اعتبارات زمنيّة تفصل الأمور إلى ما هو قديم وما هو جديد، أو مبنيّ على اعتبار النصّ المقدّس ناتج بشريّ، كما عليه المدارس الهرمنوطيقيّة، وبالتالي يمكننا اعتباره مجرّد تراث ونحاكمه بموجب النقد التاريخيّ والفلسفة التاريخانيّة. وهذه النظرة من المعلوم أن السيّد الشهيد لا يرتضيها، وإن كان يعتبر أنّ النصّ على ثبات حقيقته الموضوعيّة، إلّا أنّه قابل لإخراج مكنوناته الذاتيّة عبر الزمن، وعبر مقتضيات الاحتياجات الزمنيّة.

وذلك بسبب طبيعة المدى اللامتناهي في النص النابع عن مصدره. كما أنّ هناك تفاعلًا ما بين البعد الذاتيّ في فهم واحتياجات الإنسان من جهة، والموضوعيّة المرتبطة بالنصّ من جهة أخرى. بحيث إنّ ما يتبدّى للناس من خلال النص، وما يظهر لهم منه بعد اجتهاد ورويّة وإخلاص في البحث، يمثّل حجة عليهم. من هنا، أمكن للسيد الصدر أن يفترض في منهجه التوحيديّ الموضوعيّ بتفسير القرآن الكريم، تفسيرًا يقوم على طرح الأسئلة والإشكالات عليه، وترقّب الإجابة منه بعد استنطاقه. ولهذا، فالنصّ وحيٌ إلهيّ تنزّل آيات ساريات في مرائي صفحات الوجود، وما زال مستمرًا في تفاعله المؤثّر بوقائع وعناصر الحياة البشريّة إلى يومنا هذا، بل وإلى يوم القيامة.

وعندما يقوم المؤوِّل بمعرفة هذه العلاقة بين نصّ الوحي والواقع الموضوعيّ للناس والحياة، فإنّه بذلك يسعى لاستكشاف أفق التلاقي بين ما هو إنسانيّ وإلهيّ، وبين ما هو نصّ هادٍ وواقع مسترشد. لذا، فتأويليّة الشهيد الصدر تختلف عن تلك التي تمّ استيرادها من المناخ الغربيّ عبر عناوين الهرمنوطيق النصوصيّة أو الفلسفيّة أو الدينيّة.

إذ مع الأولى نحن أمام جدليّة من إنتاج التجديد الاجتهاديّ للقيم والفقه والفكر الإسلاميّ، بحيث نحفظ الوصال المستكشف لمراحل تكامل دلالات ووظائف النص عبر التاريخ الدينيّ الموحَّد والموحِّد. بينما في الحالة الثانية، نحن مع حداثويّة نصوصيّة تسعى لإيجاد القطيعة بين الماضي والحاضر، وبين التراث والمعاصرة. وتعبير المعاصرة اليوم هو بإيجاد مناخ من السجايا المعرفيّة والسلوكيّة والمعنويّة الخاصّة التي يُطلق عليها اسم الحداثة. والتي أوجدت زحزحة للقيم والدلالات الإنسانيّة والدينيّة. فضلًا عن الأخلاقيّة وتلك المرتبطة بمشروعيّة الإدارة والقوانين والسلطة بمعناها الأوسع.

وإذا كان المناخ الفكريّ الأخير في عالمنا الإسلاميّ قد اجتاحته الحداثويّة أو نزعة الحداثة التي تمظهرت بمظاهر شتّى منها العقليّة الهرمنوطيقيّة، فإنّ موقع الإبداع الصدرائيّ الذي لحظ العلاقة الجدليّة بين النص والواقع، ليلحظ من خلالهما العلاقة الإشكاليّة بين التراث والمعاصرة. وهذا ما ساهم وبشكل واسع في جذب الحركة الفكريّة تجاه نحوٍ من مسعى الاستقلالية في الطرح.

وهو مشروع فكريّ استهدف جملة أمور:

الأمر الأوّل: طرح الآراء والاتجاهات الفكريّة في طيّات إثارة المبحث الإسلاميّ باعتبار انفتاح العقل الإسلاميّ على الآخر من الموقع المعرفيّ، لا بقصد إثارة النزاع والجدل. وهذا يُبرز إحساسًا بالكفاءة الذاتيّة للطرح الإسلامي، الذي تعامل مع كلّ مجهود فكريّ بشريّ سواءً أكان معاصرًا أم تراثيًّا كاستجابة إنسانيّة لحركة الرسالة الإلهيّة في الحياة. وهي استجابة تناوبت بين الموقفين السلبيّ حينًا، أو الإيجابيّ أحيانًا أخرى.

الأمر الثاني: استعادة محوريّة النص كمعياريّة حاكمة على قيم الواقع الذي بات يمثّل في هذه الأطروحة مرجعًا لا معياريًّا في مسار الفكر والمعرفة. وهو الأمر الذي نلحظه من مقدّمة محاضرات الشهيد الصدر حول السنن التاريخيّة في القرآن الكريم. تلك المقدّمة التي اعتبر فيها أنّ الواقع هو الموضوع الذي علينا أن نجليه بمنطقه الخاص أوّلًا، بحيث نعمل على رصده واستقراء كلّ تماوجاته، ثمّ نصيغه سؤالًا إشكاليًّا، نستنطق النص من خلاله، لنحصل على معايير الحكم أو الحكم الخاص بهذه الإشكاليّة أو تلك.

الأمر الثالث: توسعة نطاق الحراك الاجتهاديّ من موقعه الفقهيّ الصِرف، إلى اجتهاد في النص يوحِّد كلّ النظام الفكريّ الإسلاميّ. وهذا ما سيؤهّل الاجتهاد الفقهيّ للنمو المطرد، كما وسيعكس منهجيّة أصيلة في حركة الفكر والمعرفة.

الأمر الرابع: إنّ من سمات هذا المشروع الفكريّ أنّه وعلى خلاف علم الكلام الجديد الذي نشأ باستيحاء من اللاهوت المسيحيّ، فإنّ الطرح الجديد قد نشأ من حاضنة النصّ الإسلاميّ عينًا..لأنّ واحدًا من أسباب نشوء علم الكلام الجديد كان ضرورة إيجاد أرضيّة فكريّة لمعالجة كلّ علم وفن إسلاميّ، على ما هو الأمر عند اللاهوت المسيحيّ.

وفات أصحاب الطرح أن لا شيء خارج اللاهوت في المسيحيّة، بينما الأمر ليس كذلك في الصيغة الإسلاميّة. إذ النصّ هو الأصل المعياريّ – حسب الإسلام – وليس علم الكلام إلّا واحدًا من التفرّعات التي سعى المتكلّمون لإخراجها من مضامين بعض الآيات في النص الإسلاميّ. أمّا اللاهوت المسيحيّ فهو يمثّل غلبة الهامش التفسيريّ على النص الكتابيّ. وهذا بحدّ ذاته يمثّل فارقًا منهجيًّا ومعياريًّا خطيرًا بين الإسلام والمسيحيّة.

على ضوء ذلك، لو دخلنا إلى النموذج التأويليّ في رسالة “خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء” لألفينا جملة أمور، نذكر منها على سبيل الإيجاز.

أوّلًا: تركيز هذه التأويليّة على حشد الشبكة النصوصيّة من الآيات والتي تقوم على قبليّة سؤال مسبق خاص بالموضوع المحوريّ الذي نرصد بموجبه النص.

ثانيًا: القيام بفرز الآيات على ضوء الأسس المحوريّة للموضوع المبحوث حوله. ومن ذلك قسم “الاستخلاف”، وقسم “الشهادة”، ثمّ الربط بينهما بطريقة الرؤية التكامليّة.

ثالثًا: مناقشة الموضوع كأنّما نعيد مآل الفكر إلى عصر الزمن الذي تتم فيه المعالجة. فلا النصّ يغيب ولا الواقع يُغيَّب، ولا الفقيه يخاصم المفكّر، ولا المفكّر يجحد دور الفقيه. لنتمثّل أخلاقيات بحثيّة جديدة على ضوء هذا النحو من التأويليّة.

وهذا ما يجعلنا نعتقد أن كلّ رسالة أو وجيزة إنّما تمثّل أطروحة قابلة للتوسّع، وهذا ما ندعو إليه في رسالة الشهيد الصدر حول: “الإنسان، والنبي” في خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء.

 

 

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الشيخ شفيق جراديمحمد باقر الصدرالشهيد الصدر

المقالات المرتبطة

الإصلاح الديني بين الارتهان السياسي واعتبارات القداسة

الإصلاح مطلب إنساني واقعي يتناسب طرديًّا مع ميل الإنسان وسعيه نحو الكمال. فالإصلاح والسعي في سبيله هي حركة وعي للذات

لوابس التعددية الدينية ومعاثرها

استدعت فكرة التعددية الدينية من ضوضاء الجدل الفلسفي فوق ما كابَدَه نظراؤها في حقل الأفكار والمفاهيم والنظريات المستحدثة في الغرب.

البنائيّة الوظيفيّة (القضايا، المعالم، والروّاد)

مقدّمة إنّ البنائيّة الوظيفيّة هي من النظريّات المحافظة في علم الاجتماع المعاصر، حيث يمكن عدّها من أكثر الاتّجاهات تعبيرًا عن

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<