عناية الله بالشاكرين

عناية الله بالشاكرين

كيف ينال العباد الشاكرون توفيق الحمد والثناء؟

لا شكّ في أنّ الحمد والثناء بذاتهما نعمةٌ عظيمة لا ينالها جميع الأشخاص. نحن جميعًا مغمورون بالنعم، ولكنّ التوجّه إلى تلك النعم وبيانها ونشرها ليس بالعمل الذي نوفّق إليه جميعنا. وبعبارةٍ أخرى، إنّ نعمة الشكر ليست بالنعمة التي ينالها الجميع، وإذا ما وفّق عبدٌ للشكر، فهذا بذاته علامةٌ على عناية أخرى من الله تعالى لذلك العبد، ولهذا السبب نجد أن العبد المطيع لله؛ أي الإمام السجّاد (ع)، يلتفت في مقام الحمد والثناء إلى هذه المسألة في البداية حيث يقول: إلهي كيف لي أن أشكرك وأحمدك على أنّك تفضّلت علينا بهذه النعمة وشرّفتنا بهذه الفضيلة؟

ثم يلتفت (عليه السلام)، وبالتدقيق في هذا السؤال المهمّ، إلى مطلبٍ أكثر أهميةً ودقةً أيضًا، حيث يبيّن الإمام السجاد (عليه السلام)، وفي مقام الحمد والشكر على النعم الإلهية، ذلك المطلب المهمّ بسؤاله لنفسه: من هو الذي منحنا أساسًا الحمد والشكر على النعم؟ طبعًا فأيدينا قاصرة عن هذا المقام الرفيع والمرتبة السامية، إلا إذا طلبنا ذلك بأنفسنا وقرنّاه بالسعي والجهود الحثيثة، ومع الأمل بأن يوفّقنا الله تعالى للتوجّه إلى هذه الأمور. إن فهم هذه الأمور ودركها، ومن ثمّ القدرة على العمل بها، هو بنفسه نعمةٌ يوفّقنا إليها الله تعالى.

إن لزوم الحمد والشكر الإلهي، والذي يعدّ بذاته حكمًا عقليًا، يحظى بأهمية فائقة إلى حدّ أن الله تعالى قد ذكّرنا به من خلال أشكالٍ متعدّدة:

أولًا: فقد جعل تعالى الحمد أول سورةٍ من سور القرآن الكريم وأشرفها[1].

ثانيًا: ولكي يُظهر عظمة مقام هذه السورة المباركة، فقد جعلها عِدلًا لتمام القرآن الكريم، فقال لنبيّه الأكرم (صلّى الله عليه وآله): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾[2][3].

ومضافًا إلى ذلك، فأوّل آيات القرآن هي كذلك تبدأ بكلمة “الحمد”.

ثالثًا: هناك سورٍ عدّة أُخر من سور القرآن قد بدأت بعبارة: ﴿الحَمْدُ لله﴾[4].

رابعًا: قد تكرّرت في مواضع مختلفة من القرآن التوصية والأمر بالحمد والشكر الإلهي وبعبارات مختلفة؛ من قبيل: ﴿سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك﴾[5].

وبناءً عليه، فالله تعالى قد منّ علينا في البداية بتوفيق فهم الحمد والشكر، ومن ثمّ بتوفيق أدائه والإتيان به.

 

[1]  سورة فاتحة الكتاب.

[2]  سورة الحجر، الآية 87.

[3]  المقصود من {سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} هو سورة فاتحة الكتاب المباركة أو سورة الحمد، وهي السورة الأولى في القرآن الكريم، وقد قالوا في تسميتها إنّ هذه السورة تحتوي على سبع آيات: {سَبْعًا} وبسبب أهمية مضمونها فقد نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مرّتين {الْمَثَانِي}. وعلى أساس القول الآخر، فهذه السورة تحتوي على سبع آيات {سَبْعًا} من قسمين: {الْمَثَانِي}، نصفها حمدٌ وثناء إلهي، والنصف الآخر دعاء وطلبٌ للحاجات.

[4]  السور التي بدأت بـ{الحمد لله} هي: “الحمد”، “الأنعام”، “الكهف”، “سبأ”، و”فاطر”.

[5]  سورة الحجر، الآية 98؛ سورة طه، الآية 130؛ سورة غافر، الآية 55؛ سورة ق، الآية 39؛ سورة الطور، الآية 48؛ سورة النصر، الآية 3؛ وغيرها كثير.

**من كتاب زاد اللقاء الصادر عن دار المعارف الحكمية



المقالات المرتبطة

أهمية مقام القرآن

إن للقرآن عظمةً إلى حدّ أنّ إنسانًا معصومًا مثل حضرة مولى الموحّدين أمير المؤمنين (عليه السلام) يقدّمه على أنّ حقيقته في غاية العمق ولا يمكن إدراكها، كما إنّ له نورانيّةً تنوّر الحروف، والكلمات، والعبارات، وتجعل قلوب غير المسلمين ترتجف وبهذا النحو، نورانيّته عندما تشرق على حرفٍ ما أو على كلمةٍ أو عبارة تجعلها منوّرةً ومقدّسةً بحيث لا يمكن لمسها دون وضوء.

الدعوات الإلهيّة أسباب لبلوغ السعادة

إنّ الالتفات إلى عظمة الله تعالى ورأفته ولطفه يدفع الإنسان إلى الالتذاذ فقط بالخضوع أمام ربّه، وينسى بتاتًا ما كان يريد أن يطلبه منه

أهمية ليلة القدر

فإنّ وجود هذه الليلة في الواقع هو امتيازٌ وتوفيق تفضّل به الله تعالى على نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين حتى يستفيدوا من مزاياه وفضائله..

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<