الرحمات المعنويّة

الرحمات المعنويّة

يَا مَنْ تَحَمَّدَ إِلَى عِبَادِهِ بِالْإِحْسَانِ والْفَضْلِ، وغَمَرَهُمْ بِالْمَنِّ والطَّوْلِ، مَا أَفْشَى فِينَا نِعْمَتَكَ، وأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَّتَكَ، وأَخَصَّنَا بِبِرِّكَ، هَدَيْتَنَا لِدِينِكَ الَّذِي اصْطَفَيْتَ، ومِلَّتِكَ الَّتِي ارْتَضَيْتَ، وسَبِيلِكَ الَّذِي سَهَّلْتَ، وبَصَّرْتَنَا الزُّلْفَةَ لَدَيْكَ، والْوُصُولَ إِلَى كَرَامَتِكَ”.

  1. النعمة المختصّة بالأمّة الإسلاميّة

في هذه الفقرة، يقول الإمام السجّاد (عليه السلام) مُثنيًا على ربّه المتعال: “يا من تعامل مع عباده بالإحسان والفضل، وغمرهم بالنعم والبركات، إلى درجة أنّهم صاروا مجبرين على مدحه”[1]. يقول (عليه السلام): “إلهي، ما أفشى نعمك بيننا، وما أوفر هطولها علينا، وما أعظم الإحسانات التي اختصصتنا بها!”. ويبدو أنّ المراد من هذه الفقرة أنّ الله تعالى وهب للأمّة الإسلاميّة نعمًا لم يهبها للأمم الأخرى. وهنا، قد يُواجهنا التساؤل التالي: وما هي هذه النعمة إذًا؟ في هذا المقام، يقول الإمام (عليه السلام): “إلهي، لقد هديتنا إلى الدين الذي اصطفيته”، فالإسلام هو الدين المختار الذي يعلو على كافّة الأديان؛ ولهذا، يقول (عليه السلام): “لقد شرّفتنا بدين الإسلام الذي خصصتنا به من دون الأمم السابقة”. ولا يخفى أنّه بحسب أحد المعاني، فإنّ الدين الحقّ في كلّ زمان هو الإسلام بمعنى التسليم لله تعالى؛ لكن، أحيانًا، يُطلق الدين على الشريعة، فتقع حينئذ الشريعة الإسلاميّة في مقابل شريعتي اليهود والنصارى، حيث يُراد من الشريعة: الدين باعتبار أحكامه ومميّزاته الخاصّة التي يتميّز بها عن بقيّة الأديان. يقول الإمام (عليه السلام): “إنّ هذا دينٌ ارتضيته كثيرًا، وسبيلٌ إليك سهّلته لنا؛ ولقد بصّرتنا بطريق قربك، أي منحتنا البصيرة لكي نُدرك كيفيّة التقرّب إليك، ونعرف ماذا نعمل حتّى نبلغ تلك الكرامة التي ادّخرتها لأوليائك”.

ولا يخفى أنّ بقيّة الأديان هي أيضًا طرق للوصول إلى الله تعالى، غير أنّ الإسلام – وفي عين كماله – يتميّز بخلوّه عن العسر والحرج والتكاليف الشاقّة، حيث رُوي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): “لَمْ يُرْسِلْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّةِ وَلَكِنْ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَة”[2]. وفي المقابل، فقد توفّرت الشرائع السابقة على بعض الأحكام الشاقّة، إذ جاء في القرآن الكريم أنّ الله تعالى أنزل على بني إسرائيل بشكل خاصّ بعض هذه الأحكام، نظير قوله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ‏ مِنَ الَّذينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ كَثيرًا﴾[3]. فبعض الأشياء كانت محلّلة على الناس قبل نزول شريعة النبيّ موسى (عليه السلام)، وكانت تُعدّ من الطيّبات، لكنّ الله تعالى حرّمها بعد ذلك على بني إسرائيل عقابًا لهم على عنادهم. هذا، وإنّ من الصفات التي وُصف بها الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في القرآن الكريم، والتي استخدمها الأنبياء السابقون للتبشير بقدومه قبل بعثته أنّه سيضع عن الناس ثقلًا عظيمًا، كما جاء في الكتاب العزيز: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ‏ الرَّسُولَ‏ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِم‏﴾[4]، حيث إنّ المراد في هذه الآية الكريمة من وضع الإصر والأغلال إنزال شريعة سهلة جدًّا، وفي الوقت ذاته كاملة.

ويقول الإمام السجّاد (عليه السلام) في هذه الفقرة أيضًا: “إلهي، لقد بصّرتنا قربك، ووهبتنا البصيرة لنُدرك كيفيّة التقرّب إليك، ونعرف ماذا نعمل حتّى نبلغ تلك الكرامة التي ادّخرتها لأوليائك”.

فحينما نُقارن بين هذه الفقرة من الدعاء، وبين العبارات السابقة، نجد هناك فارقًا واضحًا بينها؛ ببيان أنّ الحديث في العبارات السابقة – التي استعرضت ثلّة من خصائص النعم الإلهيّة – كان يدور بأجمعه حول وصف نعم عينيّة، مثل مسألة أنّ المؤمن يحصل على سبعمئة ضعف من الثواب جزاءً لإنفاقه، وأنّه يحصل على عشرة أضعاف الأجر في مقابل كلّ عمل حسن يقوم به؛ وأمّا في هذه الفقرة، فإنّ الكلام يدور حول النعم المعنويّة. وبعبارة أخرى، فإنّ النعم هناك تكوينيّة، وهنا تشريعيّة، حيث يتحدّث الإمام (عليه السلام) عن نعم أرقى اختصّت بها الأمّة الإسلاميّة.

  1. نعمة العقل

عندما يجري الحديث عن النعم، فإنّ ما يلفت نظرنا نحن البشر – بمقتضى فهمنا الطبيعيّ وحياتنا المادّية – هي المأكولات والمشروبات والملبوسات وكلّ ما يُساهم في راحتنا المادّية، وقلّما نتساءل عن قيمة بعض الأمور كالفهم والشعور والهداية والعقل. مع أنّنا إذا دقّقنا النظر، فإنّنا سنكتشف أنّ جميع النعم المادّية تبدو تافهة في مقابل النعم المعنويّة، بحيث لو أنّ هذه النعم لم تكن موجودة، لما جلبت النعم المادّية أيّ نفع للإنسان، بل ولأدّت إلى خسارته في بعض الأحيان، إذ لا يُمكن لهذه النعم المادّية أن تحظى بمكانتها الحقيقيّة، أو بعبارة أخرى: أن تحقق النفع للإنسان، إلّا إذا أفادته في حياته الأبديّة؛ وإلّا، فإنّ المتع الدنيويّة قد تتسبّب في الإضرار بحياة الإنسان الأخرويّة. فالشيء الذي يجلب اللذّة لعدّة أيّام، ثمّ يستتبع الحزن والعذاب لا يُمكننا عدّه نعمة حقيقيّة. أجل، يبقى أنّ البارئ عزّ وجلّ لم يمنحنا هذه النعم لكي نتعذّب، بل إنّ بعض الناس يُسيؤون استخدامها، كما ورد في القرآن الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ‏ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوار﴾[5]؛ ففي الحقيقة، قد نحوّل نحن البشر أحيانًا نعم الله تعالى إلى نقم، إذ لن تؤول هذه النعم إلى مصلحتنا، إلّا إذا استخدمناها في طريق رضى الله تعالى، ممّا يعني أنّ الإنسان يحتاج في استفادته من النعم إلى الهداية. ومن هنا، إذا تحقّقت هداية الله تعالى، فإنّ جميع المواهب الإلهيّة تصير في ظلّها نعمًا؛ وأمّا إذا لم تتحقّق، فإنّ هذه المواهب قد تُفضي إلى خسارة الإنسان.

  1. حدود العقل

يظفر الإنسان بالعديد من المعلومات عن طريق العقل، وهو من النعم المعنويّة التي قلّما يُلتفت إليها. لكن، يعترف عقلاء العالم بأنّ قدرة العقل ومداه محدودان، وأنّه يدلّ الإنسان على ثلّة من الأمور الخاصّة فقط، بحيث لا يستطيع الإنسان الاكتفاء به من أجل التعرّف على كافّة الخيرات والقبائح والطرق المنحرفة. ففي حياتنا الفرديّة، نحتاج إلى أن نعرف ما هي الأشياء التي تُفيد أبداننا، وما هي الأشياء التي تضرّها، وفي الحقيقة، فإنّ سلامة كلّ عضوّ، بل كلّ خليّة من أجسامنا هي نعمة. وحينما نتحدّث عن سلامة البدن، فإنّ المطروح هنا في الواقع هو الملايين من النعم الإلهيّة التي يهبها البارئ عزّ وجلّ لنا في كلّ لحظة؛ فلكي يستمرّ البدن في أداء وظائفه، ينبغي على العين أن تبصر، والأذن أن تسمع، والجهاز العصبيّ أن يقوم بمهامّه على أحسن وجه، و…؛ لكنّ السؤال المطروح هو: كيف يتسنّى لنا – نحن البشر – المحافظة على سلامة هذه الأعضاء؟ لقد بذل كبار العلماء في العالم منذ القدم، وحتى يومنا، جهودًا مضنية في سبيل العثور على طرق لضمان الصحّة والسلامة وعلاج الأمراض، ومع ذلك، فإنّ علاج العديد من الأمراض لا زال مستعصيًا على الإنسان. ومن هنا، فإنّنا نرى أنّ العقل الإنسانيّ لم يتمكّن بعد كلّ هذه الجهود طيلة آلاف السنين من المحافظة على سلامة البدن بنحو تامّ.

والجدير بالذكر أنّ هذه المشاكل ترتبط بأبداننا؛ مع أنّ حقيقة الإنسان وجزأه الوجوديّ الأشرف هو روحه، وهي أيضًا تُعاني من الأمراض؛ فيأتي السؤال حينئذ: هل بوسع العقل التعرّف على جميع ما يلزم لسلامة روح الإنسان وصحّـتها؟ إن عددًا كبيرًا من العلماء ما زال منكرًا وجودَ شيء اسمه الروح، معتبرًا أنّ ما يُطلق عليه هذا الاسم هو مجموعة الوظائف تقوم بها الخلايا الدماغيّة، فإذا كان العقل لم يستطع إثبات جوهر شريف جدًّا ومنسوب إلى الله تعالى اسمه الروح إلّا بعد جهود مضنية، فأنّى له تشخيص أمراض هذه الروح وبيان طرق علاجها؟ فنحن إلى الآن لم نتعرّف بشكل صحيح على أبداننا، ولم نتمكّن بعدُ من علاج كافّة أمراضها، مع أنّ هذه الأبدان في متناولنا، وبوسعنا إخضاع جميع أعضائها للتجربة، فأنّى لنا – والحال هذه – اكتشاف سلامة أو مرض أرواحنا التي ليست لنا بها معرفة صحيحة؟ وكيف يسوَّغ لنا إبراز رأينا بشأن علاجها من الأمراض؟ فنحن لا نشكّ في وجود العقل، لكنّ هذا العقل بحاجة إلى أداة للوصول إلى هكذا معرفة، والتجربة أداة يستعملها العقل من أجل التعرّف على الأمور المادّية؛ لكنّ السؤال هو: أيّ تجربة واضحة من شأنها الكشف لنا عن سلامة الروح أو مرضها؟

وما استعرضناه كان يتعلّق بحياتنا الفرديّة، مع أن حياتنا الاجتماعيّة تشهد الآلاف من المسائل التي تفوق المسائل الفرديّة، والتي ينبغي علينا حلّها، والإجابة عليها. ولنضرب مثالًا على ذلك بالقضاء، حيث توجد العديد من الجامعات ومراكز البحوث المهمّة في العالم التي تُحقّق بشأن الأحكام القضائيّة، كما أُلّفت الآلاف من الكتب بخصوص الجريمة، وما هي حقيقتها؟ وما هو سبب وقوعها؟ وكيف ينبغي التعامل مع المجرمين؟ وهل يتعيّن معاقبة مرتكب الجريمة بصفته مجرمًا، أم يتوجّب عدّه مريضًا، وبالتالي معالجته؟ علاوةً على آلاف الأسئلة الأخرى. ومع ذلك، فإنّنا لا نمتلك نظامًا حقوقيًّا وقضائيًّا يُجمع عليه كلّ العالم. ففي هذا العصر، توجد العشرات من الأنظمة التي تختلف فيما بينها كثيرًا، مع أنّ الذين وضعوها يتوفّرون بأجمعهم على عقول نشطة، وهم غالبًا يضعون القوانين بناءً على مصالح بلدانهم دون أهداف شخصيّة، لكنّ عقولهم لا تتجاوز هذا الحدّ. فتراهم يضعون اليوم قانونًا، ثمّ يُقرّون بعد فترة بخطئهم وبضرورة تغييره، وهذه مسألة تحصل في كافّة الأنظمة الحقوقيّة؛ ما يحكي عن ضعف العقل الإنسانيّ في إدارة أموره الحياتيّة.

فالذي يعتقد أنّ عمر الإنسان ليست له نهاية، وأنّ بانتظاره ولادة جديدة في عالم آخر، يُطرح عليه هذا التساؤل: ما الذي يجب فعله لأجل تلك الحياة؟ قد يظنّ بعضٌ أنّه يمكن له، كما كان يُدير أموره الحياتيّة في هذا العالم بواسطة علمه وعقله، أن يديرها في ذلك العالم بالنحو ذاته، كما نُقل في القرآن الكريم على لسان ذلك الذي لم يكن معتقدًا بيوم القيامة: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ‏ إِلى‏ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْها مُنْقَلَبًا﴾[6]، حيث يرى هؤلاء أنّهم كما بذلوا الجهد هنا، وهيّؤوا لأنفسهم الإمكانيات، واكتسبوا خبرة بطرق جمع الثروة، وتعلّموا كيفيّة خداع الناس، فإنّهم في العالم الآخر، وباعتبار توفّرهم على عمر أطول هناك، سيتمكّنون من تكديس ثروات أكثر بواسطة الطرق التي تعلّموها، وعند الضرورة، سيعملون على خداع الآخرين، ويُهيّؤوا لأنفسهم وضعًا أحسن من وضعهم في الدنيا. وأمّا بالنسبة للذين يُؤمنون بأنّ الآخرة ليست محلًا للعمل، بل هي محلّ لجني الثمار التي زرعوها أثناء حياتهم في الدنيا لعدّة سنوات، فإنّ السؤال التالي يُطرح عليهم: كيف يتحدّد نوع حياتهم الأخرويّة في هذه الدنيا؟ إنّهم يعلمون أنّ اليوم كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) “عَمَلٌ‏ وَلَا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ”[7]. فبعد الرحيل إلى عالم الآخرة، لا يوجد أيّ طريق للعودة إلى الدنيا، بحيث كلّما ارتجى الناس الرجوع، لم يحصلوا إلّا على عبارة “أبدًا” كجواب؛ كما ورد في الكتاب العزيز: ﴿حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِ‏ ارْجِعُونِ ‏* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحًا فِيما تَرَكْتُ﴾[8]، لكنّ الجواب الذي سيسمعونه هو: ﴿كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ‏﴾[9]. فالذي يتوفّر على هكذا اعتقاد سيكون همّه متعلّقًا بكيفيّة إعمار آخرته. وقد يتمكّن العقل من التعرّف على قبح بعض أنواع الظلم، وإدراك أنّ هذه الأعمال مضرّة بالنسبة للحياة الأخرويّة، غير أنّ هذا الجواب لا يستطيع علاج كافّة الآلام، إذ ينبغي بيان العلاقة القائمة بين أيسر المسائل في حياتنا الفرديّة والاجتماعيّة، وبين حياتنا الأخرويّة، ليتّضح ما هي الأشياء التي ينبغي أن ننظر إليها، والأشياء التي لا ينبغي أن ننظر إليها، وأيّ صوت نسمع، وأيّ صوت لا نسمع، وفي أيّ شيء نُفكّر، وفي أيّ شيء لا نُفكّر؛ وكذلك في نطاق العلاقات الاجتماعيّة: ما هي القوانين التي ينبغي علينا إجراؤها، وما القوانين التي ينبغي أن لا نجريها، والآلاف من الأسئلة الأخرى من هذا القبيل. إنّ من المؤكّد أنّ العقل الإنسانيّ عاجز عن تقديم إجابة على هذه الأسئلة.

  1. نعمة التعليم والهداية الإلهيّين

إنّ هذا العجز يبرز أكثر في الأمور التعبّدية التي نعتقد بها. ففي هذا المجال، حتّى لو استخدمنا عقولنا بنحو جيّد، فإنّ غاية ما سنُدركه أنّه يجب علينا الخضوع أمام الله تعالى، لكنّ عقولنا لن تتمكّن من الإجابة عن التساؤلات المطروحة بشأن كيفيّة الخضوع والعبادة، وعدد ركعات الصلاة، ووقت العبادة وحدودها، ومسائل من هذا القبيل. فكيف يُمكن للعقل إدراك أنّه من اللازم بالضرورة أداء سبع عشرة ركعة في الصلوات، وأنّ صلاة الصبح تُؤدّى قضاءً بعد طلوع الشمس، وأنّ كلّ إنسان مكلّف بالصيام من السحر إلى المغرب، وأنّه يتعيّن على كلّ من صار مستطيعًا أثناء حياته الذهاب إلى الحجّ؟ فأيّ عقل يتسنّى له الجواب عن هذه المسائل؟ وبأيّة تجربة وبواسطة أيّة معادلة يُمكنه ذلك؟ فجميع التعبّديات المحضة هي بنحو لا يمكن للعقل البتّ فيها بشكل يقينيّ. ولهذا، توجد بعض العبارات في القرآن الكريم التي تُشير إلى لزوم التعليم الإلهيّ حتّى للأنبياء (عليهم السلام)؛ كما جاء في الآية الكريمة: ﴿وَعَلَّمَكَ‏ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ‏﴾[10]، ويقول البارئ عزّ وجلّ في آية أخرى: ﴿وَيُعَلِّمُكُمْ‏ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾[11]. ومن هنا، فالبشر بحاجة لأن يتعلّموا من الله تعالى الأشياء التي لا سبيل لهم إلى إدراكها، وإذا تمكّن الإنسان من استيعاب هذه الحقيقة، فإنّه سيُدرك حينئذ الدور الذي يُؤدّيه الدين في سعادته؛ إذ هو الذي يُحدّد حكم أصغر وأكبر مسألة من المسائل ذات الصلة بشؤوننا اليوميّة: بدءًا من أسلوب التردّد على الأماكن المختلفة، ومرورًا بالقضايا المرتبطة بالعلاقات الزوجيّة والعائليّة، وانتهاءً ببقيّة المسائل الاجتماعيّة الصغرى والكبرى التي شُحنت بها كتبنا الفقهيّة.

فلو أنّ هذه المسائل لم يكن لها أيّ دخل في سعادتنا وشقائنا، لما كان تحدّث البارئ تعالى عنها أبدًا. والعجيب أنّ هناك انسجامًا بين سعادتنا الأبديّة وسعادتنا الدنيويّة، وأيضًا بين سلامة أرواحنا وسلامة أبداننا، بحيث متى ما عملنا بالأوامر الدينيّة، فإنّنا سنتمكّن من بلوغ كافّة هذه الأمور معًا؛ أي إنّنا سنحصل على جسم سليم، وفي الوقت ذاته على نفس مطمئنّة، وعائلة سليمة، ومجتمع سعيد، وآخرة عامرة، لأنّ هذه الأمور متشابكة مع بعضها. فمع أنّه قد يبدو توفّرُ الأحكام ذات الصلة بالحياة على أقسام مستقلّة، إلّا أنّ الإسلام مزج بينها وربط بعضها ببعض، بحيث لا يُمكن فصل الواحد منها عن الآخر. وفي هذه الحالة، هل يوجد عامل غير العلم والحكمة الإلهيّين بوسعه بيان كافّة هذه الأمور؟ فإذا فرضنا أنّ الإنسان يتمتّع بصحة جسميّة تامّة، وله أولاد متعدّدون، و …، لكنّه لا يعرف كيفيّة التعامل مع هذه النعم، فإنّه سيفقدها بأجمعها، إذ لن يستطيع إنسان كهذا المحافظة حتّى على سلامة بدنه؛ أفلا نُشاهد يوميًّا موت الآلاف من الناس جرّاء إساءة استخدام المواد المخدّرة والسجائر؟ مع أنّهم ليسوا مجانين، ولم يفقدوا عقولهم، بل ونجدهم يبذلون مشقّة بالغة من أجل شراء موادّهم المخدّرة، وقد يلجؤون إلى السرقة أحيانًا في سبيل تمويل هذه النفقات؛ في حين أنّ هؤلاء من أفراد الإنسان، ولهم عقول. وبحقّ، لو لم تكن هناك هداية إلهيّة، فما هي المصائب والويلات التي كانت ستحلّ بالإنسان؟ إنّ التذكير بهذه المسائل كفيل بأن يُشعر الإنسان بأنّ “الهداية” هي تاج على رأس كافّة النعم الإلهيّة.

  1. خصائص الدين الإسلاميّ البارزة

بعدما استعرض مجموعةً من تجلّيات الرحمة الإلهيّة، يقول الإمام السجّاد (عليه السلام): “[أمّا النعم التي حبوتنا إياها خاصّةً، فوفيرة جدًّا!] هَدَيْتَنَا لِدِينِكَ الَّذِي اصْطَفَيْتَ”.

فبمعنى من المعاني، بوسعنا عدّ كلمة “الدين” عنوانًا لمضامين الهداية الإلهيّة، حيث نُطالع في القرآن الكريم: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي‏ ورَضيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دينًا﴾[12]، ففي هذه الآية التي ترتبط بيوم عيد الغدير، اعتُبرت ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) كآخر قسم مكمّل للدين، كما قال عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي‏﴾؛ وهنا يقول الإمام السجّاد (عليه السلام): “إلهي، لقد خصصتنا بهذا الدين مع كلّ ما يحمله من مميّزات”.

“ومِلَّتِكَ الَّتِي ارْتَضَيْتَ”؛ ومصطلح “الملّة” يُطلق عادةً على المذهب العمليّ. فالدين يشمل العقائد والأخلاق والأحكام الفرديّة والاجتماعيّة؛ بينما تُطلق الملّة عادةً على المناهج والآداب العمليّة. فحينما يقول البارئ عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ﴿مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفًا﴾[13]، فإنّ مراده من ذلك أفعال نبيّه إبراهيم التي جاءت العديد منها في شريعتنا على شكل سنّة، وتعرّضت الروايات لذكرها أيضًا؛ نظير التنظيف وقصّ الأظافر. ومن الجدير بالذكر أنّ استخدام مصطلح “الملّة” في اللغة العربيّة يختلف عن استعمال شبيهه في اللغة الفارسيّة، أي “ملت” (بمعنى الشعب)؛ والذي يأتي في مقابل “دولت”؛ أي الدولة.

“وسَبِيلِكَ الَّذِي سَهَّلْتَ”؛ لقد أشرنا آنفًا إلى أنّ الشرائع السابقة كانت بدورها طرقًا للوصول إلى الله تعالى، إذ تأتي كلمة “الشريعة” بمعنى المدخل الذي يولَج من خلاله إلى النهر لسقي الماء، وهنا يُراد من الشريعة الطريق الذي يلج منه الإنسان لينال رحمة الله تعالى وفيضه، حيث يصدق هذا المعنى على كافّة الشرائع السماويّة، والتي كانت تُعدّ في عصرها أديانًا حقّة، كما أنّنا نؤمن بها بأجمعها. وقد صُرّح في القرآن الكريم بأنّه: ﴿لا نُفَرِّقُ‏ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾[14]، وعليه فإنّ جميع الأنبياء يحظون باحترامنا وتقديرنا، ونحن على اعتقاد بالدين الأصليّ الذي نزل عليهم، ولا نقول إنّ دينهم كان خاطئًا من الأساس. وعمومًا، فإنّ أيّ واحد من الأديان الإلهيّة لم يكن مجانبًا للصواب، بل كان كلّ واحد منها شريعة وطريقًا إلى الله تعالى. لكن، يبقى أنّ أكمل هذه الطرق بأجمعها، وفي الوقت ذاته أيسرها هي الشريعة الخاتمة. وهذا من المعجزات الإلهيّة المتمثّلة في إيجاد تأليف في هذا الدين يحظى بتأثير أكبر في سعادة الإنسان، ويضمّ شرائع أيسر.

  1. الدين الأكمل للإنسان الأكمل

قد يُطرح علينا هذا السؤال: أفهل الله تعالى بخيل، حتّى يمنع بقيّة الأمم من شريعة كهذه بخصائص كهذه؟

الجواب الإجماليّ عن هذا السؤال هو: لكي يحظى الإنسان بالشريعة الكاملة، يتعيّن عليه التوفّر على استعداد خاصّ – لا سيّما في مجال العلاقات الاجتماعيّة – يُؤهّله لنزول ملّة خاصّة؛ وأمّا إذا أُنزلت عليه شريعة لا يمتلك الاستعداد المطلوب لها، فإنّه لن يجني منها أيّ نفع. إذ يُشبه حال الإنسان في العالم حال فاكهة قَطَعت مراحلَ نموّها عبر آلاف السنين، بحيث يلزم في تربيتها التعامل معها في كلّ مرحلة بنحو يتناسب مع هذه المرحلة. وقد حكى القرآن الكريم في عدّة مواضع عن عناد بني إسرائيل وتلكّئهم؛ كما في قصة البقرة، التي تعد أول قصة في القرآن، حيث أمر الله بني إسرائيل بذبح بقرة، لكي ينهوا الخلاف القائم بينهم، لكنّهم اتّهموا نبيّهم بدايةً بالسخريّة منهم، واستصغروا هذا الأمر، وحينما ألحّ عليهم نبيّ الله موسى (عليه السلام) بأنّ هذا الأمر صادر من الله تعالى، فإنّ تلكّؤهم استمر بالسؤال عن لون البقرة، وهل ينبغي أن تكون عاملة أم لا؟ وغير ذلك. لقد بلغ هؤلاء القوم درجة من اختلاق الأعذار، بحيث صاروا مشهورين في التاريخ بهذه الصفة، فاعتبر الله تعالى أنّ من الضروريّ أن توضع لهم مجموعة من التكاليف الشاقّة في مقابل عنادهم وتمسّكهم بالأعذار الواهية، حيث جاء في القرآن الكريم بنحو صريح: ﴿فَبِظُلْمٍ‏ مِنَ الَّذينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ كَثيرًا﴾[15].

إن من الخصائص التي اتّسمت بها الشريعة الإسلاميّة أنّها في عين كونها كاملة، فإنّ العمل بها يسير. فنجد الدين الإسلاميّ يهتمّ بالشؤون الفرديّة والاجتماعيّة، والمادّية والمعنويّة، والدنيويّة والأخرويّة، إذ يوجد انسجام تامّ بين أجزاء هذا التركيب، بحيث يُكمّل بعضها بعضًا؛ وفي الوقت ذاته، يكون العمل بأحكامها سهلًا ويسيرًا. ومن الشواهد على ذلك أنّ كلّ تكليف يصل بالإنسان إلى حدّ الحرج والضيق يُرفع في الإسلام، حيث ورد في القرآن الكريم: ﴿ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ‏ حَرَجٍ‏﴾[16]؛ فمن باب المثال، يحظى الصوم بثواب وفضيلة كبيرَين، ويُساهم في سلامة جسم الإنسان وروحه، كما أنّه يُحقّق في الوقت ذاته للمجتمع – لا سيّما الطبقة الفقيرة – بركات كثيرة، ورغم ذلك، إذا تسبّب في إلحاق ضرر بالإنسان، فإنّ الفقهاء لا يُجوّزونه، بحيث لا يُقبل صيام المعذور، بل ويتعيّن عليه القضاء حين شفائه. ونرى أيضًا أنّ الله تعالى أسقط الصوم في السفر أيضًا، والذي يصعب فيه عادةً أداء الصيام، كما ورد في القرآن الكريم: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ‏ ومَنْ كانَ مَريضًا أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[17]، حيث تحكي هذه المسألة عن يسر الشريعة، والذي جاء في الكتاب العزيز على شكل قاعدة عامّة بالنحو الآتي: “يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”. هذا، وقد ورد في أحد النقولات التاريخيّة أنّ راوي الحديث قال: “قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ [الصادق] (عليه السلام): عَثَرْتُ، فَانْقَطَعَ ظُفُرِي، فَجَعَلْتُ عَلَى إِصْبَعِي مَرَارَةً [مرهمًا]، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ؟ قَالَ: يُعْرَفُ هَذَا وأَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ امْسَحْ عَلَيْهِ [أي على المرهم]”[18].

وعليه، فإنّ الإسلام وفي عين كونه دينًا كاملًا يشمل حياة الإنسان بكافّة أبعادها، فإنّه أيسر الشرائع أيضًا.

  1. التعرّف على القرب الإلهيّ نعمة أعلى من كلّ نعمة

“وبَصَّرْتَنَا الزُّلْفَةَ لَدَيْكَ، والْوُصُولَ إِلَى كَرَامَتِكَ”؛ ترجع الهدايات المعنويّة التي ذكرناها لحدّ الآن إلى أمور ظاهرة وواضحة تقريبًا، فهذه الهدايات تتعلّق مثلًا بمسألة كيف نُصلّي، وكيف نصوم، وما شابه ذلك. لكنّ الله تعالى علّمنا أمورًا أكثر معنويّة، غير أنّنا نجهل قدرها؛ بل نحن نجهل حتى قدر هذه الشريعة، ففي صدر الإسلام، حين كان بعض حديثي العهد بالإسلام يمنّون على الرسول إسلامهم، قال الله تعالى مخاطبًا نبيّة الكريم: ﴿قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ﴾[19]، فلو كان لأحد أن يمنّ، فإنّ الله تعالى هو الذي يجب في الحقيقة أن يمنّ علينا بهدايتنا إلى الإسلام. فإذا تمكّنا من الصيام في شهر رمضان المبارك، فلا ينبغي علينا أن نمنّ على الله، بل المنّة له تعالى على أن دعانا للصيام، حتّى يضمن لنا سلامة الجسم والروح، ويُحقّق في الوقت ذاته العديد من المنافع للمجتمع، ومن جملتها أنّ الصوم يُساهم في تعرّف الأغنياء على آلام الفقراء والجوعى؛ بل الأرقى من ذلك أنّه يعلمنا كيفيّة التقرّب إلى الله تعالى، حيث يقول الإمام السجّاد (عليه السلام): “أنت الذي علّمتنا كيف نُدرك أنّنا نحتاج إلى قربك، وعلّمتنا كذلك سبيل الوصول إلى هذا المقام”. وبدورنا، نرجو من العليّ الأعلى أن يُوفّقنا ببركة عباده الصالحين للاستفادة من هدايته، والفوز بكرامته.

 

[1]تَحَمَّدَ إِلَى الناسِ” يعني أنّه قام بعمل يستوجب الحمد؛ وفي الحقيقة، فإنّه دفع الناس من خلال عمله إلى حمده والثناء عليه.

[2] محمد بن يعقوب الكلينيّ، الكافي، الجزء 5، الصفحة 494.

[3] سورة النساء، الآية 160.

[4] سورة الأعراف، الآية 157.

[5] سورة إبراهيم، الآية 28.

[6] سورة الكهف، الآية 36.

[7] عبد الواحد بن محمد التميميّ الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، الصفحة 177.

[8] سورة المؤمنون، الآيتان 99 و100.

[9] سورة المؤمنون، الآية 100.

[10] سورة النساء، الآية 113.

[11] سورة البقرة، الآية 151.

[12] سورة المائدة، الآية 3.

[13] سورة الأنعام، الآية 161.

[14] سورة البقرة، الآية 136.

[15] سورة النساء، الآية 160.

[16] سورة الحجّ، الآية 78.

[17] سورة البقرة، الآية 185.

[18] محمد بن يعقوب الكلينيّ، الكافي، الجزء 3، الصفحة 33.

[19] سورة الحجرات، الآية 17.

**من كتاب وداع الربيع للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي



المقالات المرتبطة

الحمد والشكر

من جملة النعم المعنوية التي يشير إليها الإمام زين العابدين (عليه السلام) في هذا الدعاء ويأتي على حمدها وشكرها: نعمة شهر رمضان المبارك وبَحر النعم التي جعلها الله لعباده في هذا الشهر.

عناية الله بالشاكرين

لا شكّ في أنّ الحمد والثناء بذاتهما نعمةٌ عظيمة لا ينالها جميع الأشخاص. نحن جميعًا مغمورون بالنعم، ولكنّ التوجّه إلى تلك النعم وبيانها ونشرها ليس بالعمل الذي نوفّق إليه جميعنا.

علّة وداع شهر رمضان المبارك وأهمّيته

والوحشة تقع في مقابل الأنس، فحينما يأنس الإنسان بأحد، ثمّ يفترق عنه، فإنّه يشعر بالوحدة، ويُعبّر عن هذا الشعور بالوحدة والغربة الناتج عن فراق المحبوب بواسطة الفعل “أوحش”.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<