قراءة في كتاب “قوى الشرّ واستراتجيات إقصاء العقل”

by الشيخ حسنين الجمّال | مايو 10, 2021 11:19 ص

لقد عوّدنا الكاتب الشيخ أيمن المصري على التعرّض لمواضيع شيّقة وتقع في سلّم أولويات المطالعة، فيعالجها بمنهج منطقي محكم، وبأسلوب سلس بعيد عن التعقيد والإقفال في العبارات. ويُعَدّ سماحتُه من المروّجين البارزين للحكومة العقلية والمنهج العقلي الذي لا يفقد أصالته ولا يخبو بريقه مهما برزت من محاولات لإطفاء نوره.

وفي هذا الإطار، صدر عن مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقائدية، سنة 2019 م، كتابًا جديدًا للشيخ أيمن المصري تحت عنوان: قوى الشرّ واستراتجيات إقصاء العقل، يقع في 131 صفحة من حجم الرقعي.

والهدف الذي يبتغيه الكاتب في هذا الكتاب هو بيان استراتجيات قوى الشرّ لإقصاء العقل وإبراز خطورة ذلك على الإنسان بما هو إنسان، واقتراح استراتيجيات مقابلة لمواجهة مخطّط هذه القوى المزعومة. وعلى هذا الأساس، رتّب كتابه على مقدمة وستة فصول:

فذكر في المقدّمة أن الصراع بين محورَي الخير والشرّ بدأ عندما هبط آدم (ع) وأعلن الشيطان عن عداوته لآدم (ع) وذريّته إلى يوم القيامة. فكان المستهدَف من الشيطان في هذا الصراع هو الإنسان من حيث هو إنسان. وبما أن الإنسان إنسانٌ بعقله، كان في الحقيقة هدف الشيطان القضاء على العقل الإنساني. فصار هذا الصراع متمحورًا حول العقل: يسعى معسكر الخير لتحكيمه في المجتمع البشري، بينما يسعى معسكر الشيطان للقضاء عليه حتى يسهل توجيه الإنسان في الاتجاه الذي يخدم المصالح الشيطانية.

وشرع في الفصل الأول “انقسامات العقل الفلسفية” لبيان مباحث فلسفية مرتبطة بانقسام العقل إلى: عقل عام مشترك بين الناس، وعقل خاص يتمتع به أهل العلم والتخصّص بعدما قطعوا شوطًا كبيرًا في تقوية عضلاتهم العقلية؛ فالعقل الخاص هو في الحقيقة نفسَ العقل العام لكن بعد تنميته وتطويره بالتربية والتعليم. وينقسم بقسمة أخرى إلى عقل نظري وعملي.

فوظيفة العقل النظري هي التفكير، فيحصل الإنسان من خلاله على رؤية كونية عن الحياة وما ينبغي فعله وتركه من الأفعال الاختيارية. ولهذا العقل قوانين طبيعية مدوّنة في كتب المنطق، كما أن للبدن الإنساني قوانين طبيعية مدوّنة في كتب الطب. وينمو هذا العقل من خلال تعلّم العلوم العقلية البرهانية التي لها مدخلية مباشرة في تكامل الإنسان. وتبتني المنطلقات الفكرية لهذا العقل على المبادئ الفطرية الأولية الصادقة بذاتها والتي تضمن لنا الوصول إلى الواقع.

أما العقل العملي فهو مبدأ الإرادة ووظيفته التدبير والتحكّم بأفعال الإنسان الاختيارية.

والاستفادة من هذين العقلَين يوصلان النفس الإنسانية إلى كمالاتها العلمية والأخلاقية، فالتكامل المعرفي يحصل من خلال العقل النظري الذي يبني المنظومة العقدية والقيمية؛ والتكامل الأخلاقي يحصل من خلال الأفعال الاختيارية كالعبادات والأعمال الصالحة والتي يتولى العقل العملي التحكّم بها.

وتابع الكلام عن أقسام العقل في الفصل الثاني “أقسام العقل العملية”، حيث تحدّث عن العقل الواعي والعقل الباطن كما اكتشفه الأطباء وعلماء النفس المعاصرون، وسلّط الضوء كثيرًا على الدور الخطير لكلّ من هذَين القسمَين. يختص العقل الواعي بالنشاط الفكري التحليلي المنطقي للمعلومات التي ترد إلى ذهن الإنسان أثناء يقظته، وهذا العقل هو المسؤول عن برمجة العقل الباطن. والعقل الباطن هو بمثابة القرص الصلب الذي يحتوي على المعلومات التي ترده من العقل الواعي، فتصدر بعد ذلك الأفعالُ الإنسانية تلقائيًّا على حسب هذه المعلومات. وعلى هذا الأساس، “عقلك الواعي هو بمثابة حارس البوابة، وظيفته الرئيسة حماية عقلك الباطن من الانطباعات المضلّلة”[1][1]. وأشار الكاتب في ذيل هذا الفصل إلى أن قوى الشر تسعى لتخدير العقل الواعي وتلقين العقل الباطن بالمفاهيم المغلوطة والقيم المنحرفة لأجل القضاء على العقل الإنساني، فيمكنها بسهولة استعباد الشعوب بالنحو الذي يخدم مصالحها؛ وهذا هو ما يريده الشيطان في صراعه مع الإنسان.

وبعد أن فرغ من بيان انقسامات العقل وذكر وظائفه، تعرّض في الفصل الثالث إلى “أساليب قوى الشرّ في محاربة العقل” لبيان السياسات الكلية التي انتهجتها قوى الشرّ للقضاء على العقل الإنساني النظري والعملي، ولتخدير العقل الواعي وإعادة برمجة العقل الباطن، كل ذلك لأجل الهيمنة على الشعوب والمجتمعات البشرية. فبيّن أن هذه الأساليب على محورين:

المحور الأول: أساليب القضاء على العقل النظري الواعي، لأجل تعطيله عن وظائفه الطبيعية، ثم الاستفراد بالعقل الباطن وبرمجته على طبق مراد هذه القوى الشريرة. فذكر الأساليب التالية:

هذا بالإضافة إلى تسخير الفن من قصة ودراما وسينما ومسرح وشعر وموسيقى، في ترويج ما يخالف العقل وتضخيم القوة الوهمية. فكل ذلك لأجل إبعاد الإنسان عن العلوم العقلية والمباحث الإلهية، حتى صار يُنفَر منها في كثير من الأحيان. فيمتنع الإنسان حينئذ عن التفكير العقلي المستقل، الذي ربما يدعوه إلى اكتشاف المؤامرات التي تُحاك ضدّه فيعيد حسابه من جديد، مما قد يدفعه إلى التمرّد على هذه القوى المستكبرة الشريرة، وهذا ما تخشاه دائمًا.

المحور الثاني: أساليب إضعاف العقل العملي في صراعه مع القوى الشهوية والغضبية، لأجل إضعاف الإرادة الإنسانية. فالوظيفة الأساس للعقل العملي هي السيطرة على الغرائز الحيوانية، وترشيد عملها بنحو منسجم مع أحكام العقل النظري وتعاليم الشريعة الإلهية السمحاء. والعدوّ اللدود لهذا العقل هو القوتان الشهوية والغضبية، فإن خرجت من تحت سيطرته، منعتاه من الوصول إلى كماله وهو تحقيق ملكة العدالة الإنسانية. ومن الأساليب التي تحوكها قوى الشرّ لإضعاف العقل العملي، ذكر الكاتب:

وبعد أن فضح الكاتب مشروعَ قوى الشرّ واستهدافها للعقل الإنساني بهدف السيطرة على كل الشعوب واستعبادها ونهب خيراتها، تعرّض في الفصل الرابع والخامس لـ نماذج لسيطرة قوى الشرّ على الإعلام، ونماذج لسيطرة قوى الشرّ على الاقتصاد العالمي. فبيّن كيف أنهم يستخدمون الإعلام كوسيلة لغسل العقول البشرية، وأشار إلى أنه قلّ أن تجد وسيلة إعلامية لا يوجد في مراكزها القيادية يهود. ومن المفيد أن أنقل عبارة الحاكم اليهودي “راشورون” في خطاب له سنة 1869 م، حيث قال: “إذا كان الذهبُ هو قوتنا الأولى للسيطرة على العالم، فإن الصحافة ينبغي أن تكون قوتنا الثانية”[2][2].

وذكر في الفصل الرابع التغلغل اليهودي في الاقتصاد العالمي وسيطرتهم عليه، فعدّد بعض الشركات الغذائية والإلكترونية.

ولمّا أنهى الكلام عن استراتيجيات قوى الشرّ العالمية للقضاء على العقل الإنساني والسيطرة على الشعوب، عقد الفصل السادس لبيان “استراتيجيات المواجهة والتغيير”. فتعرّض فيه لخمس نقاط:

النقطة الأولى: مواجهة سياسة الإلهاء.

فذكر أنه يمكن مواجهتها من خلال ما يلي:

النقطة الثانية: مواجهة سياسة التعقيد.

ذكر أنه يمكن مواجهة هذا التلقين الخاطئ من خلال ما يلي:

النقطة الثالثة: مواجهة سياسة التشكيك.

يمكن ذلك من خلال الخطوات التالية:

النقطة الرابعة: مواجهة سياسة التهديد.

في مقام مواجهة هذا الأسلوب اللاإنساني وغير المنطقي، ينبغي اعتماد ما يلي:

النقطة الخامسة: مواجهة أساليب القضاء على العقل العملي.

في مقام مواجهة هذه المؤامرة، ينبغي اعتماد برامج التربية العقلية في الأسرة والمدارس والجامعات الأكاديمية والدينية بالنحو التالي:

وبذلك يكون الشيخ أيمن المصري قد كشف عن خطة قوى الشر العالمية ومؤامرتها التي تحوكها للقضاء على العقل الإنساني لأجل استعباد الشعوب والهيمنة على كل الأمم. وقد نجح الكاتب في بيان الخطوط العامة لمواجهة هذه المؤامرة. وهذا بداية طريق النضال والمقاومة لاستعادة الكرامة الإنسانية، وهو ما يحتاج إلى تكاتف الجهود من المفكّرين المخلصين والعلماء الربانيين، والحكومات التي ترجو الخير لشعوبها وسائر المؤسسات والأنظمة والأفراد، فيقفوا كلهم صفًا مرصوصًا في معسكر الخير حتى تتحقق دولة العدل الإلهي، بإذن الله العليّ القدير.

والحمد لله ربّ العالمين.

[1][3] جوزيف ميرفي، قوة عقلك الباطن، الصفحة 33، نقلًا عن: أيمن المصري، قوى الشر واستراتيجيات إقصاء العقل، الصفحة 50.

[2][4] زياد  أبو غنيمة، السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام، نقلًا عن كتاب: قوى الشرّ واستراتيجيات إقصاء العقل، الصفحة 85.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [1]: #_ftnref1
  4. [2]: #_ftnref2

Source URL: https://maarefhekmiya.org/12995/bookreview/