قراءة في كتاب مفاتيح الرحمة

by مهدي عز الدين | يونيو 2, 2021 12:00 م

أولًا-  الكتاب في سطور:

عنوان الكتاب: مفاتيح الرحمة.

الكاتب: السيّد صادق عباس الموسوي.

النّاشر: دار المعارف الحكمية.

مكان النشر: بيروت.

تاريخ الطبعة: 2021 – الطبعة الأولى.

عدد الصفحات: 176.

ثانيًا- قراءة في الكتاب:

الصلاة هي الباب الأعظم لمناجاة الله تعالى والحديث معه، وقد شرّفنا الله بأن وضع في الصلاة آيات محددة، علّمنا أن نرددها بصدق وإخلاص لتفتح طريق العبور إلى الملكوت، وفتح لنا مجالًا أن نشكو إليه بكلماتنا الخاصة ما يعتمل في قلوبنا، وما يختلج في أفئدتنا. فلهذا الكون مفاتيح تفتح أبواب الغيب إلى الغنى والشفاء والصحة والثروة والمنصب والتفوق ودفع الضرر والبلاء. وهذه المفاتيح بيده تعالى، وهي تشبه كلمة السّر، التي تحتاج منك أن تكون دقيقًا في وضع الحروف كي تصل إلى طلبتك.

وحين يحدد لنا الله سورة الفاتحة بكلماتها النّورانيّة، فهذا يدلّ على كون هذه السّورة بكلماتها التّسع عشر بمنزلة كلمة سرٍّ لنصل إلى نتائج عظيمة في حياتنا. فسورة الحمد مدرسةٌ في العقيدة ومنهاجٌ في الحياة، تربط الحاضر بالمستقبل، وتصل المخلوق بالخالق، وتضع ميزانًا في الفكر والمشاعر والسّلوك.

وقد خطّت يدا السّيّد صادق عباس الموسوي هذا الكتاب الذي بين أيدينا، والذي ندخل من خلاله إلى رحاب فاتحة الكتاب تفسيرًا وتدبّرًا، نقف على لطائفها وفوائدها، بالاستعانة بآيات القرآن الأخرى، وروايات المعصومين، والتدبّر العقلاني المضبوط.

يقسم الكتاب إلى عدة فصول، بعد مدخل يطلّ فيه الكاتب سريعًا على أهمية وعظمة سورة الفاتحة، ثم يستفيض في الحديث عن كل آية، فيذكر معاني المفردات ودلالاتها وتـأمّلاته منها.

يفتتح المصلي حديثه مع خالقه بالبسملة، ليظهر بذلك انتساب هذا العمل لرضا الله تعالى، فيدخل ضمن القربة إليه، وليؤكّد أن أعماله حتى لو ارتبطت بالأسباب الماديّة، فإنّها تتّصل بحول الله وقوّته. فيذكر اسم الله، وهو الاسم الوحيد الجامع لكلّ الصّفات والكمالات الإلهيّة، والشّامل لكلّ صفات الجمال والجلال؛ ويصفه برحمته الرّحمانيّة التي تشمل جميع خلقه، سواء كانوا مؤمنين أم كافرين، مطيعين أم عاصين؛ وبرحمته الرّحيميّة التي تشمل خصوص المؤمنين والصّالحين، أملًا أن يشمله الله بها، آخذًا بالأسباب المؤدية إليها.

بعد الابتداء والافتتاح باسم الله الرّحمن الرّحيم، يحمد العبد ربّه على كثير نعمه، الظاهرة منها والمخفية، ويمدحه ويثني على صفاته وكمالاته، فهو أصل كلّ النّعم، وهو مستحقٌ وأهلٌ للحمد من دون أي ارتباط بأحد، وهو المحمود الأحمد في كلّ آن وزمان.

والله هو ربّ العالمين، فهو المربّي والمدبّر لجميع شؤون الموجودات والمخلوقات. وهو الذي فتح لنا الطّريق لعبادته ودعائه، وهو الربّ ذو الصّفات الكاملة والتّدبير العظيم، وهو الذي رافقنا تدبيره وتوفيقه وعنايته في كل محطات حياتنا، فعلينا شكره عند تجدّد النّعمة أو دفع النّقمة، أو التّوفيق لفعل خير، عبر معرفة أن تلك النّعمة منه، والشّعور بعنايته وتدبيره لنا، وحمده عبر ذكره باللّسان، ثمّ العمل بمقتضى الشّكر على نعمه.

ورد في سورة الفاتحة تعبير عظيم تكرّر مرّتين، وهو {ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ}، فالرّحمة هي الرّقة والتّعطّف، وهي مبادرةٌ بالعطاء دون مقابل. والرّحمة هي مبدأ الوجود وغايته، وهي منشأ الكون وأصله، وستتجلّى بأبهى صورها في يوم الدّين كما تجلّت بأجمل صورها في بداية الخلق. فالله هو أرحم الرّاحمين الذي أسبغ الرّحمة على عباده، وهو الذي وسعت رحمته كلّ شيء، والذي تدلّنا فطرتنا عليه حين نستوحش، فنرى على صفحة قلوبنا نداءًا محفورًا اسمه: “يا أرحم الرّاحمين”. فهل من رحمَٰن إلّا الله يمهل عاصٍ يعصي ويتوب، ثمّ يعصي ويتوب، ويستمرّ في نقضه الاستغفار، ويستمرّ الرحمَٰن في قبول عذره!

تؤكّد فينا هذه الآية رهبةً وخوفًا مشوبًا بالرّاحة والرّجاء، مجبولًا بالإحساس بالمسؤوليّة. ففي يوم الدين ستتجلّى مظاهر ربوبيّة الله تعالى وتدبيره للإنسان، ومظهر ثبوت الوحدانيّة المطلقة له، وأعظم مظاهر الرّحمة الإلهيّة ستكون يومها، فهو مالكها، يحوزها وله حرّيّة التّصرّف بها، وملكها الذي له السّلطة والسّيطرة عليها. إنّه يوم الدّين، يوم الحكم والقضاء، يوم تخضع وتطيع وتنقاد كلّ النّاس لله تعالى، وهو يوم الجزاء؛ فكما تُدين تُدان، وكما تُجازي تُجازى، فالله لن ينظر إلى صورنا وأشكالنا وأنسابنا وثرواتنا، بل القيمة يومئذٍ لأعمالنا.

كما أنّه ما بعد النّهاية بدايةٌ لعالم جديد يحصد الإنسان فيه نتائج عبوديّته ومسؤوليته في هذا العالم، فنحن نعبده هو فقط ولا نعبد غيره، نحمل رسالة الدين القويم وندعو بها، ونستعين به على الصّعوبات، فهو مسبب الأسباب، الذي لا يستطيع أحد معونتنا بلا حول منه ولا قوة.

ومقام العبودية يحصل حين يطيع الإنسان مولاه ولا يفعل ما يوافق جمعه وهواه، بحيث تصبح صفاته هي صفات الرحمن بحدودها الإنسانيّة، ويمسي سلوكه متوافقًا مع سلوك الله تعالى. وحتى نستمر ونحافظ على العبادة، لا بد من الاستعانة به عز وجل في وجه العقبات، فنأخذ الأسباب كأنّها كلّ شيء، ونتوكل على الله كأنّ الأسباب ليست بشيء، فتكون المرتبة الفضلى للإستعانة عندها في اليقين بأنه تعالى هو المتصرف في كل أرجاء الكون.

بعد كل هذا المدح والثناء من قبل العبد، والإقرار بحاجته إلى ربّ العالمين، يحين الآن وقت الطّلب، فما هو الشيء الذي قد يطلبه أهم من الهداية إلى الصراط المستقيم، الصراط الأقرب الذي لا اعوجاج فيه، فالله هو مصدر الهداية، يري خلقه الطريق الصحيح، ويساعد المؤمنين والصالحين منهم على اجتيازه، ويمنعها عن من اختار الباطل والضلال.

يعتبر الشيطان والهوى من أهم العقبات التي تعترض طريق المؤمن، فعليه بمواجهتها عبر الاعتصام بالله تعالى، والطّاعة والتّسليم له لرسله، والتّمسك بالقرآن الكريم.

يحدد العبد لربّه ماهيّة الصراط المرغوب والمرفوض، فهو يريد صراط من أنعم الله عليه بنعمٍ كثيرة، وأهمّها نعمة الهداية؛ ويرفض أن يكون مع الذي غضب الله عليهم بفعل أعمالهم الفاسدة، ولا مع الذين ضلّوا عن سبيله، وهم أقل سوءًا من المغضوب عليهم، فليس بالضرورة أن يكون الضّال مغضوبًا عليه، لكن جميع المغضوب عليهم لضالّون.

 


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13086/mafatihrahma/