تاريخ علم الكلام | الدرس الأوّل | كليّات (1) تعريف علم <تاريخ الكلام>

by السيد حسن طالقاني | يونيو 11, 2021 5:03 ص

 

أهداف الدرس
في نهاية هذا الدرس سيكون الطالب قادرًا على أن:

– يُعرّف <تاريخ الكلام> بوصفه علمًا مستقلًّا؛

– يوضّح التمايز ما بين علمَي <تاريخ الكلام> و<الكلام>؛

– يُبيّن الهدف من مباحث علم <تاريخ الكلام>؛

– يعرض الطرق المختلفة في دراسة علم <تاريخ الكلام> مع بيان المائز بينها.

 

مدخل

علم <تاريخ الكلام> علمٌ متداخلُ الاختصاص[1][1]، ليس ذا سجلٍّ وتاريخٍ كبيرٍ بوصفه علمًا مستقلًّا، حيث إنّه ليس علم كلام محضًا ولا علم تاريخ محضًا، بل علم يرتبط بكلا العلمَين معًا، وهو فرع من تفرّعات علم التاريخ. فإن من الممكن لموضوع أيّ علم – بالإضافة إلى ارتباطه بمباحث هذا العلم نفسه ومسائله – أن يقع موضوعًا لسلسة من الدراسات والأبحاث التي تشكّل تاريخ هذا العلم، وهي ما يُعرف عادةً بـ <تاريخ العلم>، و<تاريخ الكلام> هو الآخر – كما هو الحال في تاريخ الفلسفة وتاريخ الطب وتاريخ الفنون – فرعٌ من فروع هذا الاختصاص العلميّ، أي تاريخ العلم. وكما ذكرنا فإنّ <تاريخ الكلام>، وعلى الرغم من ذكر بعض مسائله وأبحاثه بصورة مشتّتة في بعض المصادر، إلّا أنّه لا يملك سجلًّا كبيرًا في الثقافة والتراث الإسلاميَّين بما هو علم مستقل.

إنّ الهدف من دراسة <تاريخ الكلام> هو البحث عن هويّة المسائل الاعتقاديّة وعلّتها وكيفيّة ظهورها، أي إنّنا ومن خلال القيام ببحث كلّ واحدة من هذه المعتقدات والأفكار الكلاميّة وتحليلها، لجهة الزمان الذي ظهرت فيه، وعلّة هذه الأفكار وكيفيّتها، ننشغل بتحليل التيّارات والمدارس الكلامية. وبتعبير آخر، فإنّ نتيجة دراسة <تاريخ الكلام> ستكون عبارةً عن التعرّف بشكل كبير على التيّارات والمدارس الكلامية وتحليلها.

 

علاقة <تاريخ الكلام> بعلمَي التاريخ والكلام

أ- علاقة <تاريخ الكلام> بعلم الكلام

بالالتفات إلى موضوع هذَين العلمَين – أي <تاريخ الكلام> و<الكلام> – نجد أنّ موضوعهما واحد ومشترك؛ ذلك أنّه عبارة عن المعتقدات والمسائل الاعتقادية.

ففي علم الكلام يتمّ استخراج المعتقدات من المصادر الأساسيّة، ويُعمل على تبيينها والدفاع عنها في مواجهة الشبهات التي تعرض عليها[2][2]، وكذلك هو الأمر في <تاريخ الكلام>، بمعنى أنّ البحث يدور حول المسائل الاعتقادية أيضًا، وبالتّالي فموضوع <تاريخ الكلام> كموضوع علم الكلام عبارة عن المسائل الاعتقادية.

هذا لناحية الموضوع، أمّا لناحية الهدف فثمّة تفاوت حقيقيّ بين هذَين العلمَين، إذ إنّ الهدف الأساسيّ من علم الكلام يكمن في العمل على إثبات صحّة المعتقدات أو نفي صحّتها، حيث نسعى في هذا العلم إلى عرض الأدلّة الكافية لإثبات صحّة المعتقدات، ونعمل في مقابل ذلك على تشخيص العقائد الباطلة وبيان الأدلّة على بطلانها. أمّا في <تاريخ الكلام>، فلا تُعدّ صحّة المعتقدات أو عدم صحّتها محلًّا لنظرنا ولا شأن لنا في هذا العلم بذلك، بل نعمل – بعنوان <المؤرّخ> – على إثبات صحّة انتساب فكرة ما إلى شخص أو جماعة بعينها، أي إنّنا نريد أن نبيّن أنّ هذا المعتقد هل ينتسب إلى هذا الشّخص أو هذه الجماعة أو لا؟ وإذا كانت النسبة صحيحةً، فمتى ولماذا طُرح هذا المعتقد من قبل هؤلاء؟

ولكي تتّضح هذه الفكرة نعرض المثال التالي: نحن نبحث في علم الكلام مسألة الصفات الإلهيّة ونسعى إلى إثبات أنّ لله تعالى صفاتٍ، فنبحث عن ماهيّة هذه الصفات وعن علاقتها بالذات الإلهيّة وبسائر صفاته تعالى، وبناءً عليه يكون هدفنا في هذا العلم حين البحث عن مسألة الصفات إثباتها وبيان كيفيّة علاقتها بالذّات. أمّا في <تاريخ الكلام>، فحين البحث عن الصفات الإلهيّة لا ترانا نقيم دليلًا على إثباتها، كما أنّنا وبخلاف علم الكلام لا نبحث في النطريّات المختلفة حول كيفيّة اتّصاف الذات بالصفات، بل نسعى في هذا العلم – فارغين عن صحّة هذه النظريّات أو بطلانها – إلى تبيان من أثبت هذه الصّفات ومن نفاها وتحديد ذلك، فنبحث عن آرائهم وعن حقيقة هذه النظريّات وعلّة اعتقاد أصحابها بها. وبملاحظة هذا، يتبيّن أنّ سعينا في <تاريخ الكلام> يقتصر على عرض ماهيّة الأفكار وعلّتها وكيفيّتها، دون الاهتمام بصحّتها أو عدم صحّتها كما هو الحال في علم الكلام.

 

ب- علاقة <تاريخ الكلام> بعلم التاريخ

موضوع علم التاريخ هو الظواهر الخارجيّة المتحقّقة، فهذا العلم يبحث الحوادث التي تحصل وتقع في الخارج ويدرسها. فمثلًا، نحن نسعى في علم التاريخ إلى معرفة الواصلين إلى زمام السّلطة وتحديدهم، والتعرّف على الحروب التي وقعت بين الحكومات والدول، وأمورٍ من هذا القبيل. وببيان آخر، يقتصر محلّ نظرنا في علم التاريخ على معرفة الظواهر والأحداث التي تقع خارجًا. وبما أننا قد ذكرنا أنّ موضوع علم <تاريخ الكلام> – كموضوع علم الكلام – عبارة عن الأفكار والآراء الاعتقاديّة، فهذا يعني أنّنا نتعامل في هذا العلم مع الظواهر الذهنيّة والنفسيّة لا الخارجيّة.

إنّ التدقيق والمقارنة بين هذَين الموضوعَين يدلّان على وجود تفاوت واختلاف بين موضوع علم التاريخ وموضوع علم <تاريخ الكلام>، فعلى الرغم من أنّ كلا العلمَين يبحث مسألة الظواهر، إلّا أنّ الظواهر التي يبحثها علم التاريخ هي تلك الظواهر الخارجيّة، بمعنى المسائل والأحداث الملموسة القابلة للمشاهدة، في حين أنّ موضوع <تاريخ الكلام> هو موضوعٌ ذهنيٌّ نفسيّ، حيث نتعامل في هذا العلم مع آراء وأفكار ليست من سنخ الظواهر الحسيّة الخارجيّة؛ وبالتالي لن تكون قابلةً للمشاهدة أيضًا. ونتيجةً لذلك، يظهر وجود تفاوت واختلاف بين موضوع كلّ من علم التاريخ و<تاريخ الكلام>.

أمّا من حيث الهدف فهذان العلمان متشابهان، إذ كلّ منهما في صدد البحث عن ماهيّة الظواهر وعللها وكيفيّتها. ففي علم التاريخ نبحث عن الحوادث الخارجيّة بالنّحو الذي أشرنا إليه ونسعى على سبيل المثال إلى التعرّف على علّة وصول هذه الفئة إلى الحكم، ونسأل ماذا فعلت في كلّ مرحلة من مراحل حكمها؟ وكيف وُجدت؟ وكيف ضعفت وانتهت؟ فنبحث عن هذه الأمور وعللها. وكذلك هو الأمر في <تاريخ الكلام>، فالهدف في هذا العلم هو البحث عن المعتقدات والآراء الكلاميّة لناحية الماهيّة والعلل والكيفيّات.

وعليه، فإنّ علمَيْ التاريخ و<تاريخ الكلام> متشابهان هدفًا، مختلفان موضوعًا.

 

الطّرق المختلفة في دراسة <تاريخ الكلام>

إنّ التعاطي مع مسائل تاريخ العلم ودراسة <تاريخ الكلام> يمكن له أنّ يتمّ بأشكال مختلفة، ذلك أنّ تحليل الأفكار والآراء الكلاميّة ودراستها قد تحصل بصورة تعتمد على: محوريّة الشخصيّة، أو محوريّة المدرسة، أو محوريّة الموضوع.

 

1- الدراسة من خلال محوريّة الشخصيّة

إذا دارت الدراسة التاريخيّة حول أفكار شخصٍ ما، فالدراسة حينها ستكون قائمةً على <محوريّة الشخصيّة>، فصحيح أنّ الهدف الأساسي من دراسة <تاريخ الكلام> هو البحث عن العقائد والأفكار الكلاميّة لناحية ماهيّتها وعلّتها وكيفيّتها كما ذكرنا، إلّا أنّ هذه الأفكار قد بُيّنت عن طريق أشخاص معيّنين، ومن هنا أمكن توجيه الدراسات والتحقيقات لتتمّ من نافذة الشخصيّات وعن طريق محوريّتهم.

في هذه الطريقة، ستقع شخصيّة ما أو مجموعة من الشخصيّات محورًا للدراسة، وسيُعمد إلى بيان تأثير هذه الشخصيّة أو هذه المجموعة وتأثّرها في ميدان الأفكار الكلاميّة. وعلى سبيل المثال، لو أنّ دراسة <تاريخ الكلام> أُنجزت بطريقة تعتمد على محوريّة الشخصيّة، ولنفرص أنّ هذا الشّخص هو الشيخ المفيد (رحمه الله)، فإنّ الدراسة ستتمحور حينها حول آراء الشيخ المفيد، فنسأل: ما هي المصادر التي اعتمد عليها الشيخ المفيد في آرائه؟ ما هي العلوم والتيّارات الفكريّة التي تأثّر بها؟ في أيّ الأفكار ظهر تأثّر الشيخ المفيد بهذه العلوم والتيّارات؟ ما هي الأفكار الجديدة التي جاء بها الشيخ في المسائل الكلاميّة؟ وفي نهاية المطاف ما هو الأثر الذي تركه الشيخ المفيد في المباحث الكلاميّة؟ أي إنّه إلى أيّ حدّ تأثّرت الشخصيّات والأنظمة الكلاميّة اللاحقة بالشيخ المفيد؟

تُعدّ هذه الطريقة نوعًا بسيطًا من أنواع دراسات <تاريخ الكلام>، وبالطّبع يمكن لطريقةِ محوريّة الشخصيّة – كما ذكرنا – أن تُنجز أيضًا بنحو يكون الموضوع المحور مجموعةً من الشخصيّات، فهذا نحو آخر تكون المحوريّة فيه للأشخاص كذلك، حيث يمكن لسلسلة من التلاميذ والأساتذة أن تقع موردًا للبحث والدراسة، أي يقعُ نظامٌ كلاميٌّ ضمن سلسلة متّصلة ببعضها موردًا للبحث والدراسة. وبالتّالي، تكون محوريّة الشخصيّة حاضرةً أيضًا في هذا النّحو، ولكن مع فارق أنّنا سنبحث هنا – إضافةً إلى ما ذكر – مسألة العلاقة بين الأساتذة وتلامذتهم، بمعنى أنّ المحوريّة لن تقتصر على شخص واحد، وإنّما ستشمل سلسلةً من الأفراد المرتبطين ارتباطًا علميًّا ضمن نظام واحد.

 

2- الدراسة من خلال محوريّة المدرسة الكلاميّة

في هذا الطريقة، وخلافًا للطريقة السابقة، لن يكون محور البحث والدرسة أفرادًا وشخصيّات، فعلى الرغم من أنّ آراء الأفراد تقع محلًّا للكلام والبحث في أيّ دراسة ضمن <تاريخ الكلام>، إلّا أنّها تكون في هذه الطريقة قائمةً على أساس إعطاء المحوريّة للمدرسة الكلاميّة، أي إنّ أبناء هذه المدرسة ومتكلّميها لا يُبحث عنهم بما هم شخصيّات مستقلّة بل بما هم ممثّلون لمدرسة كلاميّة محدّدة.

تدور الأبحاث الأساسيّة في هذه الطريقة حول: علل وعوامل ظهور المدرسة الكلاميّة محلّ البحث وتحوّلاتها، مجموعة الأفكار والمعتقدات التي تمّ بيانها والدفاع عنها من قبل هذه المدرسة الكلاميّة، وفي بعض الأحيان تُتناول بالبحث مسألة أفول هذه المدرسة. ووفقًا لذلك، فإنّ ما يُبحث هنا هو آراء وأفكار المنتسبين إلى المدرسة مع تجنّب البحث في الآراء والأفكار التي صدرت من بعض التكلّمين بعنوانهم الخاصّ والمستقلّ، إذ ما يهمّنا هنا هو تلك الأفكار التي وقعت محلّ اتّفاق عند متكلّمي هذه المدرسة إضافةً إلى تحديد التحوّلات التي طرأت داخل هذه المدرسة ودراستها.

 

3- الدراسة من خلال محوريّة الموضوع

تتمحور الدراسة في هذه الطريقة – التي تمتاز بالمزيد من الدقّة والعمق – حول معتقد أو فكرة خاصّة، وبخلاف الطريقتَين السابقتَين فإنّنا في هذا النوع من الدراسات لا نتعامل كثيرًا وبنحو جدّيّ مع الشخصيّات والمدارس بل يكون محور دراستنا الفكرة نفسها وظهور هذا المعتقد.

وكمثال على ذلك مسألة <عصمة الأئمّة عليهم السلام>، حيث تُبحث هذه المسألة من زمان ظهورها وطرحها في المسائل الكلاميّة، ويتمّ تتبّعها عند مختلف الأشخاص والمدارس الكلاميّة، أي إنّ تحوّلات هذه المسألة وما طرأ عليها من تطوّرات في المدارس والتيّارات الكلاميّة من زمان نشوئها وحتّى زماننا الحالي تكون موردًا للبحث والدراسة. إذًا، فنكات البحث ضمن هذه الطريقة ستنصبّ حول موضوع أو مسألة اعتقاديّة واحدة، في حين أنّ المدارس والشخصيّات الكلاميّة ستُدرس في معرض الحديث عن هذا الموضوع، وتبعًا له.

يوجد في التراث الإسلامي الكثير من النماذج من نوع الدراسة المعتمدة على محوريّة المدرسة، ويمكننا في هذا السّياق أن نقارن بين ما يقع تحت عنوان علم الفرق أو علم تاريخ الفرق والمذاهب الإسلاميّة وبين هذا النوع من دراسة <تاريخ الكلام> المتمحور حول المدارس الكلاميّة.

وقد يُتوهّم بنظرة أوّليّة أنّ النسبة بين علمَي <تاريخ الفرق والمذاهب> و<تاريخ الكلام> هي نسبة التساوي، بَيْد أنّ التدقيق في هذَين الاختصاصَين يُرشدنا إلى أنّ حقيقة النسبة الموجودة هي العموم والخصوص من وجه؛ ففي تاريخ الفرق والمذاهب يُبحث عن جميع الفرق ولو خلت من الكلام والأبحاث الكلاميّة، أمّا في <تاريخ الكلام> فلا يوجد مكان لدراسة الفرق التي لا تتناول المسائل الكلاميّة. وكذلك أيضًا، يهتمّ تاريخ الفرق والمذاهب إضافةً إلى بحث المسائل الكلاميّة ببحث العادات والثقافات الموجودة عند هذه الفرق، في حين أنّ البحث في <تاريخ الكلام> ينصبّ صرفًا على المسائل الاعتقاديّة والكلاميّة، وهكذا يتّضح وجود بعض المسائل التي تُبحث في تاريخ الفرق والمذاهب دون <تاريخ الكلام>. وفي المقابل سيصل الحديث في <تاريخ الكلام> إلى بحث بعض المدارس التي لم تُعرف بعنوانها فرقًا مستقلّةً، في حين أنّها لا تقع محلًّا للبحث في تاريخ الفرق والمذاهب على الرغم من كونها مدارس إسلاميّة، بسبب عدم كونها فرقةً أو مذهبًا مستقلًّا. أمّا تلك المدارس الكلاميّة التي عرفت بكونها فرقةً أو مذهبًا مستقلًّا، فإنّها تقع موردًا للبحث في علمَي <تاريخ الكلام> وتاريخ الفرق والمذاهب على السّواء، ومن هذه الجهة نلاحظ وجود قسم مشترك من المباحث بين هذَين العلمَين.

 

الهدف من دراسة <تاريخ الكلام>

النقطة الأخيرة في هذا الدرس هي تحديد الهدف المرتقب من دراسة <تاريخ الكلام>، وعلى الرغم من أنّ هذا العلم مستقلّ ويسعى وراء تحقيق أهداف خاصّة بعيدًا عن علم الكلام، إلّا أنّه يمكن عدّه مقدّمةً ضروريّةً للوصول إلى أهداف علم الكلام، وسيتّضح هذا المطلب ضمن نقطتَين.

يُعدّ التعرّف بشكل أفضل على المتون والمصادر الكلاميّة الأساسيّة أحد نماذج الاستفادة من دراسة <تاريخ الكلام> في المسائل والموضوعات الكلاميّة، إذ تواجهنا في المصادر الكلاميّة بعض المعارف والأفكار التي تعرّضت في تاريخ العلم إلى تحوّلات وتبدّلات على صعيد الاصطلاح أو المفهوم، والشخص الفاقد للاطّلاع الكامل على <تاريخ الكلام> والتحوّلات التاريخيّة للأفكار، لن يكون بمقدوره الاستفادة من هذه المصادر بشكل كامل، أو أنّه سيقع في اشتباهات وأخطاء في مقام استخدامها والاستفادة منها. أمّا الشخص المطّلع على مباحث <تاريخ الكلام> والتحوّلات العارضة على المصطلحات والأفكار، فبإمكانه التمييز بين هذه المصطلحات المختلفة بشكل جيّد، ونتيجةً لاطّلاعه ومعرفته بتاريخها، سيكون قادرًا على فهم هذه الأفكار بشكل أفضل وإدراك التحوّلات التي يُحتمل عروضها على هذه الاصطلاحات.

كمثال على ذلك، توجد أرضيّة ثقافيّة وكلاميّة خاصّة لكلّ من الروايتَين التي تكون إحداهما صادرةً في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) وتلك التي تصدر في زمان إمام متأخّر كالإمام الهادي أو الإمام الجواد (عليهما السلام)، واستخدام اصطلاح أو كلمة مشتركة فيهما قد يكون استعمالًا في معنيَين مختلفَين بالكامل، وهذا التفاوت والاختلاف يُعرف من خلال <تاريخ الكلام>.

النقطة الثانية تكمن في أنّ مقدّميّة <تاريخ الكلام> لعلم الكلام تظهر وتتجلّى في مقام الدفاع عن الأفكار والمعتقدات الكلاميّة؛ إذ إنّ أهمّ الشبهات التي تواجه المعتقدات الدينيّة اليوم تنشأ وتُطرح من طريق تاريخ الأفكار، أي إنّ الشبهات الكلاميّة اليوم هي شبهات تاريخيّة أكثر ممّا هي كلاميّة.

ولكي نجيب عن هذه الشبهات، نحن بحاجة إلى التعرّف على <تاريخ الكلام> والتحوّلات الطارئة على الأفكار، والشخص الذي يفتقد الإحاطة والمعرفة بالتحوّلات الكلاميّة في المراحل المختلفة، ويجهل العلاقة بين التيّارات والأفكار المختلفة سيكون ضعيفًا أو عاجزًا في مقام الدفاع عن المعتقدات. ولذا، سنكون بحاجة إلى التعرّف على <تاريخ الكلام> سواء في مقام معرفة واستنباط المعتقدات أو في مقام الدفاع عنها، وكلا الأمرَين يُعدّ من أهداف علم الكلام، فيكون من شأن <تاريخ الكلام> بذلك أن يشكّل مقدّمةً للوصول إلى الأهداف المرجوّة  في علم الكلام.

 

خلاصة الدرس

– <تاريخ الكلام> علم متداخل الاختصاص، له نحو علاقة بعلمَي التاريخ والكلام. هذا العلم يدرس ظهور ونشوء الأفكار الاعتقادية والكلامية على مرّ التاريخ من حيث الماهيّة والعلّة والكيفيّة.

– على الرغم من أنّ <تاريخ الكلام> يشابه علم الكلام في بحثه عن المعتقدات الدينيّة، إلّا أنّه بخلاف علم الكلام لا يعتني بإثبات صحّة المعتقدات أو عدم صحّتها، بل يسعى وراء بحث ودراسة التحوّلات الاعتقاديّة بين المسلمين.

– دراسة <تاريخ كلام> تتحقق اعتمادًا على إحدى طرق ثلاثة: محوريّة الشخصيّة، محوريّة المدرسة، ومحوريّة الموضوع.

 

أسئلة الدرس (لا تفوّتوا فرصة الحصول على شهادة تحصيل المادّة عند إجابتكم على الأسئلة في نهاية كلّ درس عبر التعليقات)

1- ما هو الاختلاف بين علمَي <تاريخ الكلام> والكلام؟

2- أوضح الطرق المختلفة في دراسة <تاريخ الكلام>.

3- ما أهميّة دراسة <تاريخ الكلام>؟

 

[1][3] وهو ما يُعرف في اللغة الإنجليزيّة بـInterdisciplinary . [المترجم]

[2][4] اُنظر: رضا برنجكار، روش شناسي علم كلام (تهران: انتشارات سمت، 1393 هـ.ش)، الصفحة 11.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [1]: #_ftnref1
  4. [2]: #_ftnref2

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13106/kalam1/