مطالعات في كتاب: الإسلام في أسسه
الكتاب: الإسلام الأسس.
الكاتب: كولين تيرنر.
ترجمة: نجوان نور الدين.
الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2009، بيروت. 360 صفحة.
تعكس العبارات الأولى من مقدّمة الكتاب والمنسوبة إلى المستشرق الإنجليزي مونتغمري وات تلك النظرة الإيجابية، بل المتعاطفة التي حملها بعض الباحثين الغربيين إزاء الإسلام، بحيث تضمنت أيضًا نظرة إلى الأمام رأت في الدين الإسلامي “إطارًا أساسيًّا للدين الواحد في المستقبل” على قول وات. وهذا الأمر في ذاته قد يسوغ ترجمة الكتاب إلى العربية، إذ لا يطمح إلى أكثر من تقديم “أسس الإسلام” إلى القارىء الغربي، ويريد الإيمان كما صوره القرآن الكريم وأوضحه الرسول بالتفصيل. والباحث البريطاني يُدرك جيدًا تشظي الرؤى وتنوع زوايا النظر، فيقر بأن الإسلام “تختلف طرق التعبير عنه وتتعدد باختلاف وتعدد المعبرين عنه”، متوزعة في مذاهب ومدارس فقهية وفرقًا صوفية.
ولا يرى تيرنر في ذلك مثلبة، بل يستحسنه مستشهدًا بقول رسول الإسلام: “اختلاف أمتي رحمة”. وبالتالي، فهو يأخذ هذا التنوع كفرضية أولى يركن إليها، والثانية يفصُل فيها الدين “المنظم” الذي يمارسه الناس بطرائق مختلفة عن الوحي المنزل في القرآن. أما الفرضية الثالثة، فهي استناده في التفسير والشروحات على خبرته الشخصية ودراساته الأكاديمية والتزامه “الرؤية القرآنية للإسلام”.
ونقطة البدء مع “رسول الإسلام” والسؤال عن مصدر وفرة المعلومات عنه، فالقرآن لم يذكره بالاسم إلا أربع مرات فحسب، والباحث إنما يلجأ إلى لعبة الأسئلة البسيطة (التي قد تبدو للمسلم المؤمن في بلادنا بديهية) كي يجيب في سلاسة قارئه الغربي ويوفر له قاعدة معلومات لا يمتلكها. لذا، يسرد تيرنر قصة المصدر الأول: “الحديث” ولا سيما الصحاح: صحيح مسلم وصحيح البخاري. وهو يفهم أن هذه الأحاديث النبوية حجر الزاوية للشريعة الإسلامية من حيث النظرية. والمصدر الثاني “السيرة النبوية”، ويضعها في إطارها الجغرافي أي شبه جزيرة العرب قبل الإسلام، ما يساعد في رأيه التعرف “إلى عقلية محمد”.
وفي إيجاز تام يعيد الباحث تركيب حياة الرسول في بيئته ومجتمعه ودعوته وما رافقها من حوادث. ومن خلالها يُعلق على موقف الإسلام المبدئي من مختلف القضايا مثل الحرب والسلام والمرأة، وفي شرحه يجهد الباحث كي يكون عادلًا في رأيه.
يشدّد الباحث على الدور المحوري للقرآن في حياة المسلمين وفي كونه كتابهم المقدّس بكل المعاني والأبعاد، وهو نفسه يراه كتاب الحكمة والرسالة المقدسة التي أرسلها الله إلى البشرية باللغة العربية. أما بالنسبة إلى القارئ الغربي فقد تواجهه صعوبات جمة في النفاذ إلى قلب معاني القرآن سواء كان مترجمًا أم في لغة نزوله، ومنها “البنية الشكلية” الخاصة به، لذلك يأخذ تيرنر على عاتقه شرح التقسيمات الداخلية من حيث الآيات والسور وأسباب النزول والأسلوب اللغوي وموضوعاته، وحتى قصة جمعه في ما عرف بـ “المصحف العثماني”، ويستطرد لينتقد أولئك الذين يروجون مصطلح “علوم إسلامية” ليفضل عليه “عالم تعلم المسلم”، حيث القرآن حجر الأساس فيه.
في مقاربته مسألة الإيمان يؤكد تيرنر على كونه نتيجة الاختيار الحر، ولهذا يزيد وينقص بحسب المنظور القرآني ويتحدد في الاعتقاد الكامل “أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله”، والاعتقاد بيوم القيامة والثواب والعقاب. ويوضح متطلبات الإيمان وأركانه ويشدّد على مسألة التوحيد وعلى النبوة. كما أن الإسلام يحث المؤمنين على ترجمة اعتقاداتهم في “العمل الصالح” وتوجيهه في سبيل الله، ولهذا السبب يعتبر الباحث “أركان الإسلام” مجموعة من العبادات العملية والقولية التي تطبق مفهوم الاستسلام لله. ويرى الباحث في الشعائر والمناسك محطات في رحلة طويلة هدفها الوصول إلى الله، لذا يتوجب على الإنسان لتحصيل “معرفة الله” من خلال الإشارات الموجودة في نفسه وفي الكون من حوله. ما يبرز “الروحانية الإسلامية” التي تتجلى في “الصوفية” وطرقها ذات المبدأ الأساس في تطهير النفس والرغبة في الاتصال مع الخالق. ويعطي مثلًا كتابات التركي سعيد النورسي (1876-1960) في “رسائل النور” التي هدفت إلى إحياء الإيمان في مجتمع مهدد من العلمانية المادية، ويندرج الدعاء والابتهال بأسماء الله الحسنى في قلب هذه الروحانية. وفي إطار آخر بعيد من العقيدة، يرفض تيرنر الربط بين أحداث 11 أيلول 2001 والإسلام. ويعود القهقرى في التاريخ القريب ليشرح أوضاع المسلمين وما آلت اليه، فيعرض لما سمي “الأحياء” وبداياته مع الحركة الوهابية وفي شبه القارة الهندية وأفريقيا، وأفريقيا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ويتناول الاستعمار الأوروبي ورد فعل المسلمين عليه ويمر على حركة الإصلاح كما برزت عند محمد عبده، وقد واكب نيل الاستقلالات الوطنية خيبات أمل كثيرة ولدت “أحيائية جديدة” مثّلها الشيخ حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين والمودودي. أما العالم الإسلامي اليوم فيضج بحركات الإسلام السياسي والتي هي أيضًا تؤكد على الهوية الدينية ولكنها تطمح إلى السلطة والحكم. وأخيرًا، يرفض الباحث مقولات ربط الإسلام بالإرهاب ويرى فيها وهمًا وبناءً غربيًّا إعلاميًّا في إطار استراتيجية حربية بعيدة المدى هدفها الهيمنة على مناطق كثيرة من دول العالم الإسلامي.
المقالات المرتبطة
قراءة في كتاب “الغرب: الشباب في معركة المصير”
إنّ ما يُقال عن الإسلام ليس كما يصوّرونه، فالجماعات التكفيريّة لا تمثّل الإٍسلام البتّة. هم لا يعادون الشيعة فقط بل يعادون الإنسانيّة ككلّ. يشوّهون صورة الدين الرحمانيّ الذي أتى به محمّد (ص) “إنّا أرسلناك رحمة للعالمين”.
رواية “سمرقند” لأمين معلوف (الرواية، التاريخ، الالتباس)
أبدأ من القراءة وأعتبرها شديدة الأهمية والخطورة، قد تحطّم القراءة المقروء أو تفسده، وقد تفتق أكمامه وتزيد من خصوميّته وقابليّته على التعدّد والاستمرار. كما أنّه لا بدّ من التحذير من تغلّب بعض تقنيات في قراءات محدودة
شارات المُلك في قصور الحمراء
حدّثنا العلامة ابن خلدون في مقدّمته عن الشارات الخاصة بالملك والسلطان فقال: “أعلم أن للسلطان شارات وأحوالًا تقتضيها الأبهة والبذخ