مطالعات في كتاب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

by الدكتور عفيف عثمان | يونيو 17, 2021 10:54 ص

الكتاب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي

الكاتب: مايكل كوك

ترجم النص وراجعه على المصادر وقدّم له: رضوان السيد وعبد الرحمن السالمي وعمار الجلاصي

الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2009. في 910 ص.

 

يفتتح الدكتور رضوان السيّد هذا العمل الضخم بمقدمة تمهيدية عن “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، ويقول إنه إذا كان ثمة اتفاق بين المفسّرين على المعاني اللغوية لعبارتي “المعروف” و”المنكر” مفردين أو مقترنين، فإن إنزالهما على الواقع اختلف في القرون الهجرية الثلاثة الأولى، إذ حمل الشاميون معنى الأمر على الجهاد، في حين عدّه الحجازيون مستحسنًا أو مندوبًا. وقد استأثرت الدولة بهذا الأخير بدءًا من منتصف القرن الثاني الهجري واعتبرته من واجباتها، وأخذ بعض الأفراد “الأمر بالمعروف” على أنه من مسؤوليتهم. ويجب النظر في رأي السيد إلى دواعي هؤلاء أي “الروح الاحتسابي” الذي يحرّكهم ولو دفعهم إلى الموت، والشواهد التاريخية كثيرة، فالمهم هو المبدأ وليس النتيجة. أما حركات الثورة على السلطة بداعي عدم الشرعية فقد ارتدت طابعًا جمعيًّا.

يأخذ المستشرق الأميركي كوك، الأستاذ في قسم دراسات الشرق الأدنى- جامعة برنستون، والذي يعرّف نفسه كمؤرخ اجتماعي، على عاتقه تقصّي هذا المبدأ في المصنفات الفقهية والكلامية الإسلامية وفي مركز اهتمامه الأفراد دونًا عن السلطات ومحتسبيها.

من واقعة صائغ مرو التاريخية الذي واجه أبو مسلم الخراساني ودفع حياته ثمنًا لذلك، ومن صياغات المذهب الحنفي المبكرة “أن النهي عن المنكر فريضة من الله تعالى”، ولكن الأساس النظري هذا لا يوجب تصدّي كل أحد له. فكما يعبّر الباحث ثمة خط دقيق يفصل بين هذا المبدأ والخروج على السلطان، وبينه وبين التعدي على حرمة الحياة الخاصة.

يلجأ كوك بداية إلى القرآن الكريم متتبعًا، ويتبيّن له من الآيات الواردة في شأن هذه الفريضة عدم وجود دلالة قطعية في من يقوم بها وإلى من تتوجه. ومن ثم يلاحظ في كتب التفسير إبراز المفسرون “أفكار مذاهبهم”، ومن ثم انقسامهم بين من عده “فرض على الكفاية”، و”واجبًا” على عموم المؤمنين، من دون كثير توضيح عن المستهدفين، وقد اعتبرتها التفاسير الأولى تقوم على دعوة الناس إلى الإيمان بالله ورسوله، ويخلص كوك إلى فهم المفسرين للفريضة بتصدي أحاد المؤمنين لها بإزاء بعضهم البعض في الحياة اليومية.

ويرفد الحديث الشريف مبدأ “النهي عن المنكر” بقول رسول الله: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، وثمة أحاديث مضادة للنهي وهي قليلة تربطه بفتن آخر الزمان. وفي مقارنته لمصادر الأحاديث بين الكوفة والشام يرى كوك إلى غلبة الأبعاد السياسية عليها أيام الحكم الأموي. وفي تقصيه للمبدأ يشير إلى وجوده قبل الإسلام ممارسًا عند الأمم المتقدمة (مثال لقمان الحكيم)، ومن ثم يتعقبه في سيَر المسلمين الأوائل، وقد أحصى ما يقرب من 60 شخصًا يتصل سلوكهم بالنهي عن المنكر، والأمر كما أسلفنا يتعلق بأفراد تقدمهم السير أصحاب شجاعة لا يمكن التنبؤ بعواقب أفعالهم، يقفون في وجه الدولة ممثلة بسلطانها، ونتبين بوضوح من خلال المقابلة ذلك الخط الرفيع بين النهي والخروج (الثورة) الذي شدّد عليه الباحث، ومعبر هو قول سفيان الثوري لما سئل، لماذا لا يدخل على السلطان فيأمره وينهاه”، إذ أجاب “إذا انفتق البحر فمن يسده/يشده”. وبحسب الحسن البصري فإن سيوف الأمراء تسبق ألسنة العلماء، وقد نقل عن أبو ذر الغفاري “أن النهي عن المنكر تركه بلا صديق”. ويقف الناهون أيضًا في مواجهة المجتمع بذريعة المنكرات الكثيرة المختصرة في ثلاثة: الخمر والنساء والغناء. وبين النهي وحرمته (كما أمر بذلك المأمون بعد دخوله بغداد) يقع كوك على منطقة وسطى تحكمها اعتبارات ثلاثة: فالخوف عذر مقبول لترك الفريضة، وألا يُنهى إلا من يُرجى قبوله للنهي، وأخيرًا يجب أن يكون الأمر بلا منكر، وثمة شاغل آخر يسميه “حرمة الحياة الخاصة”. ومع ذلك، فإن كوك يأخذ على مادته الغزيرة المستقاة من السير انتقائيتها وافتقادها إلى الاتساق. في حين يظهر المذهب الحنفي متسقًا في ما يخص المبدأ، ويرسم الباحث لوحة تشمل أنواع المنكرات وأطرها وكيفية الرد عليها والطرف المؤهل والظروف التي تسقط الفريضة مثل الخوف على النفس، ورفض فاعل المنكر النهي، والستر. وما يلاحظه كوك أن الحنابلة الأوائل لم يسعوا لتجاوز محلتهم ولم يرغبوا في التصادم أو التعاون مع السلطة، فابن حنبل وصف نفسه بأنه رجل لم يخالط السلطان، وكان يُعرَف زمنه(ق3) بالقول: “ليس هذا زمان نهي”. والحال، تطور المذهب لاحقًا (خصوصًا في شأن الموادعة والموقف من الخلافة)، وقدم حنابلة بغداد (في القرنين 4و5) نموذجًا آخر وسم بالعنف ضد من يخالفهم. ولإبراز النسق الحنبلي بإزاء “النهي” يُفصل الباحث القول في مخطوط لأبي يعلى الفراء. وفي دراسته لحنابلة دمشق ولابن تيمية يخلص كوك إلى أن هذا الأخير انتهى إلى عد الفريضة مهمة أولي الأمر (العلماء والأمراء) أي السلطة كونهم يملكون القدر الأكبر من التأثير بغية التغيير. وقد ذهب التحول في هذا الاتجاه في منطقة نجد بتحالف الإمام الحنبلي محمد بن عبد الوهاب وأمير الدرعية محمد بن سعود، وبنتيجته قامت الحركة الوهابية والدولة السعودية الأولى. ويتابع الباحث الموقف من الفريضة في الأطوار اللاحقة للدولة.

وخلافًا للحنابلة وانغراسهم في الواقع اليومي، فإن المعتزلة في رأي كوك أنصار العام والمجرد أي “الفكري” ويبدو بالتالي انصرافهم الفعلي لتأدية الفريضة غير ذي بال رغم كونها أحد أصولهم الخمسة. ويتتابع البحث الدقيق في “المنكر” عند الزيدية والإمامية والحنفية والشافعية والمالكية والإباضية وعند الإمام الغزالي، ويرى كوك كذلك إلى التطورات التي طاولت الفريضة في العصر الحديث.

 

 

 

 


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13170/motala3at/