by الدكتورة ليلى صالح | يوليو 26, 2021 9:27 ص
ينفرد لبنان بموقع جيوسياسي يجعله في قلب كل نزاع أو تصادم دولي- إقليمي، ويحول دون عزله عن محيطه بصراعاته المتجاذبة، فضلًا عن التهديدات الأمنية والعسكرية العدوانية الإسرائلية والإرهابية، إلى جانب خصوصية نظامه السياسي: الطائفي -التوافقي، الذي يدخله بحتمية الأزمات منذ ما قبل 1975(الحرب الأهلية)، التي سويت جميعها بتسويات دولية- إقليمية: المتصرفية(1860)، تسوية(1943)، تسوية(1958)، اتفاق الطائف(1989)، وتسوية الدوحة(2008)، وما نتج عنها من إعادة ترتيب توازنات الحكم وفق الموازين الدولية والإقليمية.
فهو يتعرض لجدلية تاريخية سياسية حكمت مساره السياسي والاجتماعي، بين قوى الخارج المتمثلة بالنظامين الدولي والإقليمي، التي تسعى دائمًا لقهره والسيطرة عليه، وبين قوى الداخل المتمثلة بالتركيبة الطائفية للدولة ومستوى تعاطيها مع مجتمعها المدني، وبقواه السياسية والاجتماعية، المتأرجحة بين السيادة الداخلية والتبعية (الاستقواء بالخارج).
تخضع هذه الجدلية دومًا للمتغيرات الخارجية الدولية والإقليمية، من مخططات ومشاريع سياسية واقتصادية بمحاورها وأحلافها وموازين قواها المختلفة، ومتغيرات داخلية من اصطفافات حزبية وطائفية وسياسية، بكل صراعاتها وتوتراتها وتباين مواقفها حول قضايا مصيرية تتعلق باستقرار وأمن الوطن وسيادته.
كما تدخل هذه الجدلية في علاقة طردية وعكسية مع النظام الطائفي، الذي ارتبطت صيغته الداخلية بنظام الحماية الخارجية، ولا زال التوازن الطائفي فيه يعبر عن توازن القوى صاحبة الحماية والنفوذ، ولم يعرف لبنان بتداعيات هذا التوازن الاستقرار الأمني- الاجتماعي فضلًا عن الاستقلال الاقتصادي في مستويين على الأقل: الخطط الاستراتيجية الاقتصادية الحكومية الداخلية والخارجية، والجهات أو المنظمات الاقتصادية المسموح لها التواصل والدعم ماليًّا واقتصاديًّا، إلّا أنّه مع التحولات المتسارعة والجذرية بشقيها السياسي- الأمني والاقتصادي قد ألقى بظلاله على الداخل اللبناني بموجب السياسة الاقتصادية للحكومات اللبنانية، بحده الأدنى منذ التسعينات، وأفرزت تداعيات هذه السياسية الاقتصادية إلى جانب فساد مالي وإداري، تدهور الأمور المعيشية وصلت لتطال الاحتياجات الحياتية اليومية وتجاوزت الطائفية بطبقاتها الاجتماعية، ودخل لبنان، الدولة والمجتمع، في أتون أزمة اقتصادية تهدد استقراره ومعيشته وبقاءه.
هذه الجدلية (الداخل والخارج) وضعتنا بصدد إشكالية معقدة ومتعددة المستويات في علاقة المجتمع بالدولة بتقاليده الكبرى والصغرى، الأولى التي يقصد بها الموحدات الحضارية والتاريخية كاللغة والدين، ونمط الحياة، والإرث التاريخي المشترك، والقضايا المصيرية، والثانية يُقصد بها المفرقات الثقافية كالتنوعات الطائفية والمذهبية والإقطاعية والطبقية والأقلية والأكثرية. ومع تضييق الخناق الاقتصادي على الشارع اللبناني وعلى أثر الإعلان عن القرار بضريبة تطال وسائل التواصل الاجتماعي، انفجر الشارع اللبناني بحراك اجتماعي مطلبي، فهل بإمكان المطالب المعيشية المحقة حين تصل إلى حد يهدد الاستقرار الاجتماعي أن تتجاوز التناقضات العابرة للطائفية والحزبية والمدنية، في ظل المتشابك المحكم من تركيبة المجتمع اللبناني وعلاقته الجدلية بالخارج؟
وبعد وضع لبنان الدولة والمجتمع أمام عدة مسارات تحكمها العناصر الأساسية لجدلية الداخل والخارج السياسية، استأهل مقاربتها باستخدام منهج توصيفي سياسي اجتماعي يضعنا أمام مسؤولية متواضعة تجنب تداعيات هذه الجدلية على الداخل اللبناني.
تقوم قوى الخارج باستغلال التقاليد الصغرى بتكريسها واستثمارها بإظهار صراعاتها وتوترها التي تؤدي إلى انقسام المجتمع حول قضايا سياسية، كما تعمل على تحجيم التقاليد الكبرى الموحدة للمجتمع، التي تقف عائقًا أمام القوى الخارجية المهيمنة في تنفيذ مخططات مشاريعها السياسية والاقتصادية.
إن ظاهرة الحراك الشعبي المطلبي ببعده الاقتصادي المعيشي (تشرين الأول 2019) في أيامها الأولى، تجاوزت تناقضات التركيبة الاجتماعية السياسية، وما تعكسه من اصطفافات حزبية وطائفية، ووضعت هذا البعد ليتمحور في سياق الموحدات المجتمعية الكبرى.
إن المسار السياسي الذي انتهجته مرجعية المقاومة وحلفائها من السلطة، من تلقف هذا الحراك والدفع به باتجاه العقلانية الموجبة لتحقيق المطالب، حمت الداخل اللبناني من التصادم الشعبي الهدام، بعد تدخل السفارات الأجنبية بشكل مباشر وغير مباشر(ثورة ملونة) في هندسة هذا الحراك (دعم مالي لوجستي، توجيه، وإدارة).
الجدلية بالمعنى اللغوي هي مقابلة الحجة المنطقية بالحجة، وبالمعنى المنهجي هي المنطق الدينامي الذي يقوم على تأثيرات متبادلة لعوامل متداخلة، من الصعب تحديدها دون تفكيك عناصرها في ظل المتشابك المبهم، ما يعطيها قيمة منهجية ومحاولة لتلاقي التضارب الذي ينشأ عن اختلاف قراءة اتجاهات عبر التاريخ، وممكن البناء عليها، وتأخذ سمة توصيف الواقع السياسي الاجتماعي من خلال الكشف في الأعماق عن الملابسات والدوافع والأسباب لتأزم أي واقع-اجتماعي.
فهي ليست مقاربة استاتيكية تؤدّي لقراءات جزئية ومتشققة، ما يفقدها الإمكان المعرفي، بل رؤية شمولية لواقع سياسي – اجتماعي- اقتصادي بكل عناصره ومقوماته، حيث إن طرح القضايا المجتمعية على شكل مقولات مطلقة تتصف بحالة ثبوتية، هو طرح يجانبه الصواب ويجافي منطق التاريخ والاجتماع البشري، والأصح أن نطرح المسألة بشكل جدلي مقارن الذي ينظر إلى التاريخ على أنه عملية دينامية متدفقة، مستفيدين من طروحات “سعد الدين إبراهيم” في مقاربته استشراف مستقبل الوطن العربي، الذي توصل فيها إلى أربع جدليات تاريخية حكمت التاريخ السياسي الاجتماعي العربي (إبراهيم، 1996، صفحة 50) هي:
الثابت من الشواهد التاريخية ترابط هذه الجدليات من حيث التأثير والتأثر فيما بينها، وبعيدًا عن مناقشة تداخلها، نرصد جدلية الداخل والخارج في مقاربة الحراك الشعبي المطلبي، ومقتضى هذه الجدلية: تقوم قوى الخارج باستغلال التقاليد الصغرى من خلال تكريسها بقوانين ميثاقية بتسويات دولية-إقليمية من الصعب تغييرها بإرادة القوى الداخلية، واستثمارها من خلال إظهار صراعاتها وتوترها التي تؤدي إلى انقسام المجتمع حول قضايا إشكالية، وتعمل على تحجيم التقاليد الكبرى الموحدة للمجتمع، التي تقف عائقًا أمام القوى الخارجية المهيمنة في تنفيذ أجندتها السياسية الاقتصادية في منطقتنا العربية، وتستثمرها كأدوات منفذة للمخططات والمشاريع.
يبقى أن مجرد وجود مجتمع طائفي تعددي لا يعني بالضرورة أنه سيكون مسرحًا للصراعات والتناقضات، إلا أن هشاشة السلطة المحلية أمام ما تفرضه التحديات الدولية والإقليمية عليها من جهة، واستقواء القوى الداخلية بالتوازنات الخارجية من جهة أخرى، تسمح للتدخل الخارجي باستغلال التركيبة الطائفية لخدمة أجندته السياسية والاقتصادية.
ثانيًا: التقاليد الصغرى والكبرى
هي المفرقات الثقافية كالتنوعات الطائفية والمذهبية والإقطاعية والطبقية والأقلية والأكثرية، وتتعدد عناصر التقاليد الصغرى في المجتمع اللبناني، وقد ساهمت هذه التقاليد في ظل الأزمات السياسية في تكوين الإرث أو الموروث السياسي في العقلية المجتمعية اللبنانية، يتم استثارته واستخدامه داخليًّا وخارجيًّا، أبرز هذه التقاليد في المجتمع اللبناني:
الطائفية بالمعنى اللغوي تعني الطواف والتفاف الجماعة حول بعضها، وبالمفهوم الاجتماعي هي في الأصل جماعات تاريخية تعود جذورها لظهور الأديان والانشقاقات التي حصلت داخلها، تعززت مع الملل العثمانية في ظل التدخلات الأوروبية والصراعات في المنطقة.
والطائفية تدخل في نسيج المجتمع اللبناني الذي يضم أكثر من سبعة عشر طائفة تتوزع بين المسيحية والإسلام، “فشعب لبنان هو عبارة عن مجموعة طوائف دينية وأقليات قومية متساكنة على أرض مشتركة” (شقير، 1992، صفحة 185)، إلّا أن هذه الطوائف بارتكازها ركن أساسي في نظام الحكم اللبناني بانقساماته الطائفية -التوافقية، بفعل سياسة الاستزلام، فالطائفية في النظام السياسي اللبناني تحاصر الفرد منذ ولادته، بدءًا من العائلة بالعائلة، مرورًا بمؤسسات المجتمع، وصولًا لجهاز الدولة، مما سمح لها بهيمنة حكمت المسار السياسي الاجتماعي باصطفاف طائفي، فهي تستمد خطابها السياسي من البنى الطائفية المجتمعية، وتنصب نفسها المدافعة عن حقوقها وتقدم مشروعها السياسي على أساس هذا التنصيب، مع تجاذب مستمر بين الخطاب الطائفي والخطاب الدولتي، الذي غالبًا ما يتم دمجهما، الأمر الذي جعل شعار “تغيير النظام السياسي” خطاب ثابت في عقلية جمهور التنظيمات المدنية ويعول عليه أسباب التأزم الداخلي لكل قضايا المجتمع.
القرار السياسي والاستقواء بالخارج
إن الدول العربية كانت نتاجًا مباشرًا للتدخل الخارجي “معظم هذه الدول خلق مبتورًا بواسطة قوى أجنبية، وإن كان البعض تنبأ لها بعمر قصير، إلّا أن الشاهد هو أن هذه الدول جميعًا قد استمرت في البقاء وقد تكون مشوهة ومحاصرة مأزومة ولكنها وجدت لتبقى، وذلك بفعل قوى خارجية مهيمنة على النظام الدولي ولا مصلحة لها في اختفاء هذه الدول من ناحية، وبفعل قوى داخلية إما أن لها مصلحة فيها أو تعودت واستمرأت وجودها من ناحية أخرى” (قرني، 1978، صفحة 111).
ولبنان أحد هذه الدول العربية الذي ارتبط النظام السياسي اللبناني منذ نشأته بصيغة داخلية (توافقية- طوائفية)، إلى جانب استيلاب قراره السياسي من الدول المهيمنة على المنطقة، التي تدخلت في شؤونه السياسية والاقتصادية فضلًا عن الثقافية، لتكون مولد وأداة لقواه السياسية للتطلع إلى الخارج، والاستقواء بهذا الأخير لتغيير التوازنات الداخلية.
ففي مقاربة التاريخ السياسي اللبناني منذ نشأة الكيان(1943)، نجد انقسام قواه السياسية حول المشاريع الدولية والإقليمية التي تمفصلت بكل تحدياتها وتداعياتها على الداخل اللبناني، لا سيما آخر مشاريعها، “الشرق الأوسط الجديد”[1][1]، و”صفقة القرن”[2][2]، ولفهم أهداف المشاريع الأميركية العصرية أو الحديثة القديمة، نورد ما نشره ضابط أمريكي سابق في الأكاديمية الحربية الوطنية الأميركية الكولونيل “رالف بيترز” في مقال بعنوان: “حدود الدم” وهي جزء من كتابه “لا تترك القتال أبدًا”، يلخّص أسباب بقاء الصراعات في الشرق الأوسط والتوتر الدائم في المنطقة، التي يعتبرها ضرورة ونتيجة منطقية لخلل كبير في الحدود الاعتباطية الحالية، التي وضعها الأوروبيون الانتهازيون، كما يرى بأن المجموعات الإثنية والدينية في الشرق الأوسط مارست الاختلاط والتعايش والتزاوج، لكن لا بدّ من إعادة رسم الحدود لإنصاف الإثنيات الموجودة بحسب تعبيره. (صفقة القرن ، 2019)، لقد استطاع الاختراق الاستعماري الغربي للوطن العربي من رسم الحدود وسياسة منطقنا بما يتلاءم ومشاريعه السياسية والاقتصادية المهيمنة، ونشهد اليوم إعادة رسم للمنطقة وسياستها وفق الرؤية الأميركية بوصفها “سيدة العالم”، وقد تجاوز التأثير الخارجي على لبنان الدولة في تشكيل اقتصادياته وتحديد هامش حركته الدولية والإقليمية لينفذ إلى شبكة علائقية مباشرة وغير مباشرة مع قواه الضاغطة، السياسية، والاقتصادية، والمالية، والثقافية، والإعلامية ما يؤهله لمسك كافة خيوط اللعبة السياسية الداخلية والتحكم بها.
“إن لبنان هو البلد الوحيد الذي نجد فيه رئيسًا سابقًا لجمهورية لا يزال على قيد لحياة، إلّا أن ذلك التمييز لم يمنع لبنان من أن يكون شديد التأثير بما يجري في محيطه الإقليمي والدولي الذي يلعب دورًا مباشرًا في حفظ واستقرار توازناته الداخلية أو عدم استقرارها، وتهديد النظام العام”. (عتريسي، 2005). فقد شهد لبنان منذ استقلاله (1943) حروب متقطعة ساخنة حينًا وباردة حينًا آخر بين اللبنانيين، كان للتحولات الإقليمية والدولية دورًا في إذكائها أو منع انفجارها، كما كانت الطوائف نفسها تتفاعل مع تلك التحولات لاعتقادها فرصة سانحة لتعديل التوازن الداخلي لمصلحتها، فتذهب باتجاه التحالف مع الأقوى إقليميًّا في حين كانت طوائف أخرى ترفض ذلك التعديل وتقاوم تلك التحولات بتحالفات إقليمية أخرى، وهكذا انقسم اللبنانيون مثلًا على خلفية التحاقهم بأحلاف غربية أو عربية، أو على أساس تأييد المقاومة الفلسطينية أو التعامل معها كغرباء، وكذلك حول ارتباط لبنان بالصراع العربي -الإسرائيلي، أو عزله عن هذا الصراع. (عتريسي، 2005)، فضلًا عن موقفهم من محاربة الجماعات التكفيرية خارج لبنان وداخله.
وبإيجاز نقول: إن عوامل وأسباب استغلال الخارج للقوى الداخلية يعود لمستويين علائقيين: المستوى الأول علاقة الدولة مع القاعدة الاجتماعية من حيث الآلية والكفاءة وتوزيع العائدات، فكفاءة الدولة وقدرتها على تنمية مطالب المجتمع والتوزيع العادل لهذه التنمية، وقدرتها على تأمين الأمن والاستقرار يشكل محورية مشروعيتها في نظر مجتمعها وقواه السياسية، أما المستوى الثاني وهو علاقة الدولة بقرارها السياسي السيادي مع النظامين الدولي والإقليمي بمتساقطاته الخارجية بالحد الأدنى من مشاريع وقرارات دولية، وبتدخلات داخلية على شكل نصائح سياسية، وضغوطات اقتصادية ومقايضات وقروض مشروطة، فضلًا عن العمليات العسكرية وغيرها التي تتناقض بأغلبيتها مع احتياجات المجتمع الاقتصادية والتنموية، بل تهدد أمنه الاقتصادي والاجتماعي، فإنها تشكل عاملًا أساسيًّا لفقدان ثقة المجتمع بقواه السياسية لهذه الدولة برموزها المؤسساتية، والدافع لاستقواء بعض قوى الداخل بالهيمنة الخارجية لإعادة توازن تموضعهم في السياسة الداخلية اللبنانية.
التقاليد الكبرى يقصد بها الموحدات الحضارية والتاريخية المجتمعية، كالدين واللغة، ونمط الحياة، والإرث التاريخي المشترك، والقضايا المصيرية بشكل عام. إلّا أننا نجد أن لبنان لم يولد نتيجة إرادة القوى المجتمعية التاريخية وانعكاسًا لتطلعاتها السياسية والانتمائية، بل أتى مبتورًا نتيجة تدخل قوى أجنبية ليلبي حاجاتها الاقتصادية الاستعمارية، مما انعكس على بعض هذه التقاليد واحتاجت وقتًا مليئًا بالصراعات والأزمات والحروب الداخلية والخارجية هددت أمنه واستقراره، وساهمت في إذكاء أو إخفاء هذه الموحدات الكبرى بفعل عدة عوامل ذاتية وموضوعية، فبرزت عدة موحدات كبرى:
الديمقراطية مفهوم مجتمعي سياسي، والمفاهيم المجتمعية تتعدد فيها الآراء، ونتيجة الاستخدامات المتعددة لمفهوم الديمقراطية لا ندّعي وجود تحديد مانع جامع، إلّا أنه لا يلغي نقطة الانطلاق من اعتبار مفهوم الديمقراطية يتعاطى مع مسألة انبثاق السلطة من الشعب على ضوء العلاقة بين الحاكمين والمحكومين يتعلق بإنتاج السلطة في نموذج سياسي محدد. فالديمقراطية تقوم على طرفين:
الطرف الأول: وحدة السلطة.
والطرف الثاني: مسؤولية مواطني البلاد باختيارهم من يمثلهم في الحكم ومساءلتهم ووعي انتمائهم للجماعة السياسية، فتكمن قوتها في إرادة المواطنين للعمل المسؤول في الحياة العامة، وفي الوعي المواطني: “وعي المرء بأنه مواطن؛ أي رفض الانقياد والإذعان، وعي الانتماء إلى جماعة لا يتعارض مواطنيها، فالمواطنية ارتبطت فيما مضى بالدولة القومية، ومن ثم بالأمة وأصبحت فيما بعد أحد مقومات الجمهورية التي لا غنى عنها”. (تورين، 2001، صفحة 92).
يبقى أن الديمقراطية التوافقية- الطوائفية اللبنانية لا تعني إنشاء نظام جديد بقدر ما تعني تعويمًا متفاهمًا عليه لروح الدستور اللبناني، وتوصيفًا لواقع سياسي يوازن بين حسن تمثيل الطوائف والمشاركة الفعالة، يشير في هذا الصدد رئيس الحكومة السابق رشيد كرامة إلى “أن في النظام الديمقراطي البرلماني الذي يعيش لبنان في ظله ويتمسك به نواقص قد تكون السبب فيما نشكو منه، ذلك لأننا على تعدد الحكومات وتعاقبها، وكلما مررنا بالتكليف والتأليف وبيان الثقة، نسمع نفس الكلام ونوجه نفس الانتقادات، لماذا؟ لأنني أعتقد بسبب وجود الأحزاب التي يجب أن تتألف منها الحكومة، فعندما تكون مسنودة من حزب يملك الأكثرية ويكون له برنامج يحدد أهدافه ويضع أسس عمله ويستلم الحكم من أجل تنفيذها، عندها يمكن محاكمة الحكومة على ما تحقق من برنامجها وعلى ما لم يتحقق منه” (خوري ، 1986، صفحة ح). إلاّ أننا نجد أنه في ظل التجربة الديمقراطية التوافقية الطوائفية وما أنتجته من تعددية حزبية داخل طوائفها قد تسمح للمجتمع اللبناني بأن يتجاوز المجتمع الأهلي باتجاه المجتمع المدني، إذا ما قامت سياسة أحزابه على مواثيق وطنية تعزز الانتماء الوطني والثقة بالدولة بمرتكزيها السيادة والمحاسبة، فـ”العلة الأساسية لأي نظام تكمن في عدم التصميم ونقص الإرادة، فقوة الحكم والحاكم تؤدي كما هو معروف إلى استقرار النظام الاجتماعي، وانعدام هذه القوة يؤدي إلى الفوضى واختلال الأوضاع” (لوبون، 1991، صفحة 18).
تعد “تسوية الطائف 1989” مفصل تحول أساسي في مسار الأزمة اللبنانية بمختلف أبعادها الداخلية والخارجية، وبعيدًا عن مناقشة هذه التسوية، إن من ناحية الظروف الداخلية والخارجية التي أنتجتها، أو من ناحية قدرتها على حل إشكاليات الأزمة المجتمعية السياسية والاقتصادية والأمنية في المجتمع اللبناني إلا أنها استطاعت أن ترسي، إلى جانب عوامل أخرى، جملة من الموحدات الحضارية الكبرى التي ساهمت في استقرار لبنان، ومحاولة بناء دولته المؤسساتية أهمها:
“لبنان وطن سيد حر مستقل لجميع أبنائه، لبنان عربي الهوية والانتماء” (اتفاق الطائف، 1989، الصفحات 21-39-40). فأكدت هويته العربية اللغة والانتماء، والعيش المشترك، الذين شكّلا صمام أمان للاستقرار المجتمعي من العودة إلى بعض شعارات الحرب الأهلية ما قبل الطائف من التعددية القومية السياسية، وأسست مسارًا استراتيجيًّا منفتحًا على العالم العربي.
في سياق بناء مؤسسات الدولة تم توحيد وإعادة بناء المؤسسة العسكرية اللبنانية بموجب “اتفاق الطائف” بإشراف أميركي، فزُوّد بآليات لوجستية للأمن الداخلي فقط، يشير في هذا السياق أحد الخبراء العسكريين في الجيش اللبناني بأن مدافع الهاون قد تم نزعها من ناقلات الجند قبل إرسالها إلى لبنان، فالجيش اللبناني لم يعد لمواجهة تهديدات العدو الإسرائلي (سكرية، 2008)، و”يعتبر عدم قدرة الحكومات المتلاحقة على تجهيز الجيش بالسلاح اللازم من جهة، واستبعاد القرار السياسي في المواجهة من جهة أخرى، سببًا ونتيجة لتصدي مقاومة شعبية مستكملة الخيار المسلح لردء الاعتداءات، وهذه المقاومة سبقت أن أدخلت أسلوب القتال الاستشهادي الذي أدى إلى انسحاب الحلف الأطلسي من لبنان وإلى إسقاط 17 أيار 1983″ (بقردوني، 2010، صفحة 145)، ولاحقًا ما فرضه (تفاهم نيسان 1996)، من تحييد المدنيين، أنتج التفافًا شعبيًّا حول خيار المقاومة، تبلور في مشروع ثقافي اجتماعي سياسي. وحين لم تفرض نفسها خيارًا بديلًا عن الدولة سواء في طرح إشكالية الحكم أو في محاسبة العملاء، بعد إنجاز (تحرير2000) كسابقة في الصراع العربي- الإسرائيلي، التي أفضى إلى انسحاب إسرائيلي بإرادة المقاومة دون قيد أو شرط، وأهدت النصر إلى جميع اللبنانيين، تجاوزت الاعتبارات الطائفية والسياسية لبناء دولة مواطنة حقيقة قائمة على الاقتدار في درء أي عدوان يهدد أمن واستقرار المجتمع اللبناني.
لا شك بأن خيار المقاومة بشفافيته ومصداقيته وانفتاحه على الفرقاء السياسيين قد أنتج “وثيقة تفاهم 2006” بين حزبين جماهيريين (التيار الوطني الحر وحزب الله)، في خضم توتر دولي- إقليمي حول قضايا إقليمية بكل تداعيات القرارات الدولية (1556) مرورًا باغتيال الرئيس الحريري التي وُظفت للتدخل الخارجي مع استغلال قوى داخلية في إقرار قرارات سياسية تتضمن سحب سلاح حزب الله (المقاومة)، وصولًا إلى هزيمة إسرائيل وحلفائها في حرب تموز2006 بعدما شهد لبنان، على صعيد المجتمع وأغلب القوى المتحالفة مع خيار المقاومة، التفافًا شعبيًّا وصمودًا أسطوريًّا، وما تلاها من أزمة (7أيار 2008)، وصولًا إلى (مؤتمر الدوحة 2008) التي أرست المثلث الذهبي: شعب- جيش- مقاومة، وإن التمسك بهذه القاعدة الوحدوية بالرغم من الأزمات المتعثرة دوليًّا وإقليميًّا التي أثقلت تداعيات الداخل اللبناني أمنيًّا واقتصاديًّا، قد استطاعت أن تواجه الإرهاب التكفيري وتهزمه في حرب استنزاف التي كانت التفجيرات من أبرز ركائزها والتي استهدفت المجتمع المدني برمته، (وحرب تحرير جرود عرسال2017).
وفق ما تقدم، يشكّل خيار المقاومة اليوم أحد الموحدات الحضارية الكبرى بحسب القرائن العلمية التي أوضحناها سواء قَبِل البعض بها أم لم يقبل، فهي تشكل اليوم ثقة غالبية الشعب اللبناني بطوائفه المتعددة بثقته بقدراته الذاتية في درء الاعتداءات الخارجية التي تهدف إلى الهيمنة عليه وسلبه سيادته واستقلاله، إلى جانب توفير الأمن والاستقرار الداخلي الذي يؤمن استقرارًا يسمح باستثمار العمليات الاقتصادية والمالية، فضلًا عن أنها تشكل دعمًا ذاتيًّا لدولة مؤسسات قائمة على الإصلاح ومحاربة الفساد المالي والإداري الذي يتقدمه القرار السيادي.
الحراك لغةً هو حرَكَة كلّ مظهر عام من مظاهر النَّشاط، ضدّ السُّكون، يصبح كمفهوم اجتماعي انتقال أشخاص أو جماعة بين الطبقات الاجتماعية عموديًا نحو الطبقة الأعلى أو الأدنى، أو أفقيًا الذي يتم داخل الطبقة، فالحراك الاجتماعي يعبر عن عملية دينامية ينتقل فيها الفرد أو الجماعة من حالة إلى حالة أخرى، ما ربطه البعض بظاهرة التغيير الاجتماعي، إلا أنه من الصعب تطبيق مسار الحراك الاجتماعي بصورتيه العمودية أو الأفقية على الحراك السياسي، فاتجاهات الحراك السياسي أكثر تعقيدًا، حيث يأخذ أشكالًا متعددة: في صورة إبداء الأطروحات والأفكار، والحركات المطلبية، أو يتصاعد في شكل الثورة والعصيان المدني، وقد يستمر لفترات طويلة، وقد ينتهي بغضون فترة قصيرة، كما تختلف دوافعه وأهدافه، التي قد تكون سياسية، اقتصادية، اجتماعية، أو بعضها مجتمعًا أو جملة من هذه الدوافع، وقد برز مؤخرًا في المجتمعات السياسية مساهمة التطور في وسائل الاتصال الحديثة في سرعة وصول المعلومات وانتشارها في تطور ظاهرة الحراك السياسي في أكثر من بلد من جهة، وفي توجيه قوى خارجية من هندسة الحراك السياسي في أكثر من بلد من خلال عمل السفارات، واستخدام تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي من جهة أخرى.
في إطار الاجتماع السياسي الديمقراطي تحديدًا التي تستند آلية الحكم فيها للشعب، الذي هو جمهور أو مجموعة جماهير وبحسب “علم نفس الجماعي، الذي هو فرع يدرس كفرع أخير من علم النفس الاجتماعي وكأنه ثانوي، إلا أننا نجد في عصر الاقتصاديات الكمية والعددية التي أُسقِطت على النظريات السياسية الاجتماعية وباتت تعبر عن نفسها بواسطة العدد والكمية (الاقتصاد، الدعاية، الإعلان، الأيديولوجيات السياسية والحزبية، والنقابية والدينية، ثم الاضطرابات الاجتماعية التي تقوم بها الجماهير والاضطرابات العمالية والطلابية والثورات)، كلها تندرج في إطار علم النفس الجماعي أو علم نفسية الجماهير، ما يجعل من الصعب استبعادها من ساحة الدراسة العلمية، وفي هذا السياق يصف “لوبون” ظاهرة الجماهير بميزة أساسية تقوم على انصهار أفرادها في روح واحدة وعاطفة مشتركة تقضي على التمايزات الشخصية، وتخفض من مستوى الملكات العقلية، والحشد الكبير يجرف الفرد معه مثلما يجرف السيل الحجارة المفردة التي تعترض طريقه، وقد تكون أحيانًا مجرمة ومدمرة، وأحيانًا أخرى تكون كريمة وبطلة وتضحي بدون مصلحة، وأحيانًا تكون هذا وذاك في نفس الوقت. (لوبون، 1991، صفحة 31). وفق هذا التوصيف قامت عليه نظريات سياسية عدة في توظيف الجماهير في إنتاج الثورات في العالم (الربيع العربي، الثورة البرتقالية..)، ولا يخفى التدخلات الخارجية في أغلب هذه الثورات، ما يهمنا من هذا التوصيف هو الاستراتيجية اللاعنفية التي انفردت بها هذه الثورات، تمهيدًا لتطوير أنواع مختلفة من الاستراتيجيات للتعامل مع مختلف حالات الصراع، “وتكمن أهمية التخطيط الاستراتيجي في النضال اللاعنيف في أنه مفتاح تحويل الحركات الاجتماعية والسياسية إلى أكثر فعالية، وقد لا يضمن أن تحقق حركة ما أهدافها ولكنه يرجح كفة فرص النجاح (شارب، صفحة 12)، ومن أهم عناصر نجاح هذا النضال هو مبدأ أساسي يقوم بالاعتماد على نفسك فقط، “إن الدعم الخارجي مرجحًا عندما تستخدم الشعوب المظلومة النضال اللاعنفي، وتتصرف بطريقة صحيحة بحيث يعتمد النجاح والفشل على جهودها فقط”. (شارب، صفحة 11) نستشهد هنا في مقاربة )اللاعنف( في نجاح الثورة الإسلامية في إيران السلمية المنشأ، فبارتكازها على قوة الجماهير وسلميتها استطاعت أن تغيّر نظام ملكي دكتاتوري وتبعي للغرب، ذلك يؤشر إلى أن الاعتماد على التدخل الخارجي في نجاح النضال أو الثورة يأتي مشروطًا لأجندة خارجية لا محالة، وبالتالي أي ثورة في الداخل بين الجماهير والسلطة لا بدّ لها من قائد أو موجه للتفاوض حول المطالب والشروط، وافتقاد القائد أو الموجه للحراك أو الثورة، مع وجود تدخل ودعم خارجي، يزيد من إمكانية انحراف الحراك عن مساره النضالي باتجاه أجندة الخارج.
وعلى خلفية تأزم الوضع الاقتصادي اللبناني بكل عوامله الذاتية والموضوعية، الخارجية والداخلية، يشهد لبنان لحظة مفصلية في ثبات حراك شعبي واتساعه في مختلف المناطق اللبنانية، فهل جدلية الداخل والخارج عادت لتفرض نفسها في حراك (17تشرين الأول 2019) في ظل معطيات ميدانية يشير إليها البعض[3][3] حول الهندسة الخارجية للحراك بإيعازات مباشرة في بيئة اجتماعية مهيأة للثورة بمطالبها المحقة؟
كما قسّم البعض جمهور الحراك الشعبي إلى فئتين في أول أيامه:
فئة أولى قادتها القوات اللبنانية وحلفاؤها من الحزب الاشتراكي بعد تقديم وزراء القوات استقالتهم من الحكومة، تستهدف من نزولها إلى الشارع وقطع الطرقات أجندة سياسية: تبدأ بالمطالبة بإسقاط العهد (الرئيس عون)، واستبعاد الوزير (جبران باسيل) عن الحكومة، لأسباب داخلية طائفية مسيحية تتعلق باستئثار “التيار الوطني الحر” بالحصة المسيحية وبموقع رئاسة الجمهورية المستقبلية من جهة، وأسباب خارجية: تحالفه مع محور المقاومة المتمثل بحزب الله في الداخل اللبناني، وموقفه من عودة العلاقات السورية اللبنانية وإن كانت تضمر حل أزمة النازحين السوريين التي هي مطالب مسيحية شعبية، إلّا أن هذه السياسة تتناقض والأجندة الأميركية وحلفائها في المنطقة بعد فشل تحقيق أهدافها من الحرب في سوريا من جهة أخرى، وقد تبين بالوقائع الميدانية دعم هذه الفئة لقيادة الحراك الشعبي من السفارات الأميركية ودول إقليمية، فضلًا عن وسائل إعلامية لبنانية في توجيه الخطاب السياسي داخل هذا الحراك. (عتريسي، ما قبل الحراك الشعبي ليس كما بعده، 2019، صفحة 1).
فئة ثانية عظمى من غالبية الناس تشكّلت من الطوائف والمذاهب والمناطق كافة، الذين توافدوا من مختلف المناطق اللبنانية، ونزلوا إلى الشارع بعدما ضاقت بهم السبل وفقدوا الثقة بالسلطة الحاكمة، وهم من طلاب الجامعات، والأساتذة والجنود المهددين برواتبهم الحالية والتقاعدية والعمال الذين يرون بأم العين وبالحقائق نهب الأموال والسرقات العلنية المقوننة، التي مست معيشة الناس الضرورية واحتياجاتهم الحياتية، ولا يتوانى الحكام من إصدار قرارات ضريبية تمتد لجيوب الناس، وحتى الفقراء بالاستخفاف بهم وبدون أدنى رحمة إنسانية بحدها الأدنى، وقد عملت بعض القوى السياسية التي تتحمل مسؤوليتها أمام الناس للمطالبة بالمساءلة ووقف الهدر إلّا أنها اصطدمت بالتركيبة الطائفية التي تحمي زعاماتها السياسية (الخطوط الحمر)، فكان لا بدّ من لحظة ينفجر بها الجماهير وتضع الجميع موضع المحاسبة والمساءلة.
وبعد استقالة الحكومة بعد عدة أيام، وجملة استراتيجيات منظمة بين قطع الطرقات وفرض (خوات) في بعض المناطق، إلى مشهديات شبه منتظمة من الشعارات والمطالب خارج المطالب المعيشية، إلى رفض تلبية أية مبادرات مقدمة من قبل السلطة (رئيس الجمهورية دعا إلى تشكيل لجان من الحراك للتفاوض)، في ظل ضبابية محكمة لقيادة الحراك، وسط جمعنة طائفية مناطقية تحت مظلة الحراك، تحول جمهور الحراك إلى جماهير تتباين بمطالب غير متوافق عليها، فضلًا عن مسار للحراك يتم فيه تسليط الضوء من قبل محطات تلفزيونية بتغطية كاملة من البث يرصد تفاصيل ممنهجة من السلوكيات (ظاهرة السب والشتم لرموز سلطوية: رئاسة الجمهورية والوزير باسيل، ودينية: الأمين العام للمقاومة، سجلها السياسي خارج دائرة الفساد والمفسدين، وإغفال الإعلام عن رموز الفساد، وتظهير الإعلام لصورة مجتزأة عن الحراك تختزله بمركزيات تم دعمها ماليًّا ولوجستيًّا من جهات مجهولة المصدر، دعم نشاط لمنظمات مدنية تنحرف وتتجاوز بمطالبها المزاج الاجتماعي العام- المثليين-وغيرهم). أقل ما يقال فيها هندسة موحدة وموجهة، ما أفقده وحدة المطلب المعيشي في نفس القوة التي أفقدته إمكانية النجاح، بعد ارتفاع المطالب باتجاه إسقاط النظام وتغييره.
عناصر الحراك
لا شك بأن الأزمة الاقتصادية في لبنان ليست وليدة هذه المرحلة، بل إنها متجذّرة ومعقدة ويدخل فيها أكثر من مكون سياسي واقتصادي وطائفي داخلي وخارجي.
إذا ما تجاوزنا مرحلة ما قبل (الطائف)، التي أسندت لبنان بلد سياحي خدماتي وأهملت القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، لا يخلو من التأكيد الخارجي لجعل لبنان سوق استهلاكية وحسب، نرصد انطلاق -مشروع النهوض الاقتصادي- الذي بدأ مع الحكومة الحريرية (1992) ضمنيًّا من فرضية مفادها: بأن مجرد إعادة تأهيل مرافق البنى التحتية من شأنه إطلاق عجلة نمو القطاع الخاص وحركة الاستثمار عمومًا، والتجربة بيّنت أن الفرضية لوحدها دون مواكبتها للإصلاحات في السياسة العامة، القطاعية والمالية، والنقدية والتربوية، والصحية… فضلًا عما شهدته هذه المرحلة من تقاسم وتحاصص للسلطة ومؤسسات الدولة بين زعاماتها الطائفية، التي عرفت بـ(الترويكا) (Fayyad, 2008, p. 69)، حتى شملت هذه المحاصصة مؤسسات إنمائية (الإنماء والإعمار، مجلس الجنوب، الهيئة العليا للإغاثة، صندوق المهجرين..) ومؤسسات حيوية (كالإسكان)، فضلًا عن تقاسم المشاريع (سوليدر وإليسار) التي تمس المجتمع الأهلي والتجاوزات على الأملاك البحرية، وتلوث مياه الأنهار والأضرار البيئية (الكسارات، النفايات) وغيرها، وباعتماد هذا المشروع كلفة باهظة من خلال تعزيز دور الوساطة والخدمات في الاقتصاد اللبناني لحساب الخارج مقابل التقليص لدور الدولة الاقتصادي والاجتماعي إلى أدنى مستوياته، نمت الحركة التسويقية المالية والعقارية والمصرفية، فضلًا عن نمو الحركة السياحية والخدماتية التي تعد مرتكز الاقتصاد اللبناني شبه الوحيد، وقد لجأت هذه الحكومات إلى اعتماد السياسات الضريبية على الدخل الأدنى والمتوسط، وخفضت الضريبة على الاستثمارات الكبرى لتشجيع حركتها ولتغطية العجز العام، كما ساهمت سياسة الاستدانة الخارجية من تعميق العجز في المديونية العالية، في ظل إهمال تفعيل القطاع الإنتاجي بتوجيه أو توافق مع السياسات الاقتصادية العالمية التي تبقي لبنان سوق استهلاكية عالمية.
وبالخلاصة بالرغم من فشل سياسة الحكومات المتعاقبة مع كل ما رافقها من فساد إداري ومالي متراكم، وانحصار الخدمات الريعية بالمحاصصة الطائفية، والهدر في المشاريع والاستدانات الخارجية المشبوهة، حتى “بلغت نسبة الهدر الناشئ عن الفساد والمحسوبية حوالي (40%) بحسب تقديرات رسمية وإحصاءات دولية للعام(2003)، وحلّ في المرتبة (97) في العام (2004) بحسب مؤشر الفساد” (روك، 2005). جملة عوامل داخلية وخارجية حالت دون الانهيار الاقتصادي المتوقع، أبرزها تدفق الهبات والمساعدات المالية بعد حرب تموز(2006)، قدرت(2.6 مليار دولار) استثمار خارجي مباشر، و(5.2 مليار دولار) حوالات لاعتماده بصورة أساسية على الموارد الخارجية (شعبان، 2007)، ناهيك عن الأزمات المتتالية من محاربة الإرهاب التكفيري، إلى النزوح السوري واستفادة أزلام سلطوية من تقديمات مالية دولية وإقليمية من وجوده، إلى جانب تداعياته على الواقع الاقتصادي من زيادة العمالة المتضاربة مع العمالة اللبنانية بأسعار متدنية في ظل غياب سياسات حكومة تقونن وتراقب العمالة الأجنبية الوافدة إلى لبنان من مختلف أقطار العالم، ما زاد البطالة في أكثر من ميدان، ولم تتقدم هذه الحكومات باتجاه إيجابي، ولم تلجأ إلى حل أزماتها الاقتصادية، بل إلى مزيد من التصعيد في السياسة الضرائبية. وبالخلاصة سياسة حكومات ما بعد التسعينات ربطت الوضع الاقتصادي بالوضعين الأمني والسياسي لبنانيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، “إن الاعتماد عليه كقطاع مركزي مهيمن في الاقتصاد الوطني أصاب هذا الاقتصاد بتراجعات انحدارية كانت تحصل مع كل أزمة أمنية أو سياسية محلية أو إقليمية (حروب إسرائيل 1993، 1996، 2006، اغتيال الحريري 2005، معركة نهر البارد 2007، أحداث 7 أيار 2008، انقسام حاد بين محوري 8 و14 آذار، انفجار الحرب في سوريا 2011 وتداعياتها على الداخل اللبناني من نزوح سوري شكل أزمة محورية سياسية بين الداخل والخارج، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية الداخلية، – فضلًا عن سلسلة التفجيرات الانتحارية التكفيرية وصولًا لدحرهم عن جرود عرسال2017- كل هذه السلسلة من الأحداث الأمنية والسياسية تركت تأثيرها السلبي على قطاع الخدمات، وبالتالي على الاقتصاد برمته” (مراد، 2019). وبلجوء هذه الحكومات للاستدانة من الداخل ومؤسسات الديْن الدولي، أخذ مسار الديْن العام للدولة مسارًا تراكميًّا خطيًّا ليصل إلى أكثر من 33 مرة عما كان عليه بعد سنوات الحرب الأهلية (1993)، ولما كان الشعب المعني الأول في سداد هذا الديْن مع خدمته على حساب حياته المعيشية ومتطلباته من الغذاء والصحة والتعليم، واستندت الحكومات “على مصادر إيرادات متباينة لتغطية نفقاتها أبرزها:
ضرائب على الأسر والأجور(60.19%).
مصادر مختلفة(9.5%).
ودائع(8.6%).
ملكيات عقارية(6.5%).
شركات(9.5%)” (مراد، 2019).
يتضح بأن الشعب بكل شرائحه شكل المساهم الأكبر في تغطية الإنفاق العام مع مديونية عالية واقتصاد استهلاكي، ومستويات متدنية من التنمية البشرية، وبعد تأزم الوضع المالي في نهاية العام(2019) بعد العقوبات الأمريكية المالية المصرفية على جهات لبنانية، والتزام المصارف اللبنانية سياسة الضغط المالي الأميركي بوجهته وأهدافه السياسية المعلنة، أمام مزيد من الهدر والفساد الجشع المؤسساتي الحكومي وأزلامهم من الداخل والخارج، مع بقاء هذه الحكومات مستمرة بسياستها المالية والاقتصادية الضريبية، الأمر الذي أدى لثورة وحراك جماهيري عابر للطوائف والأحزاب.
العناصر الإقليمية المتغيرة والمتحركة
هزيمة أميركا وأهدافها في الحرب على سوريا، واتفاقيات هائلة يجري تطبيقها وفق برنامج سري مع تقدم محورية السياسة الروسية لملء الفراغ الأمريكي. وصمود اليمن في حرب السعودية وحلفائها لإخضاعها، وتقدم المقاومة في اليمن بدعم إيراني وتأييد المقاومة في لبنان، وتهديد الأمن الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي، فضلًا عن الاستنفار العسكري في الكيان الإسرائيلي تحسبًا لضربة إيرانية ردًّا على محاولة اغتيال (قاسم سليماني) مع عجز (نتنياهو) عن تشكيل الحكومة وتقدم (بيني غانتس)، جملة هذه التداعيات الخارجية نجد لها مسوغات لتوتير الاستقرار الأمني والاقتصادي اللبناني، ناهيك عما يختزن هذا الأخير من تأزم بنيوي إداري ومالي.
يعتبر النفط اليوم المصدر الأساسي للطاقة، وعماد الحضارة المعاصرة، وأهميته الاقتصادية أدخلته كعامل محوري للنزاعات العالمية والحروب، وغدا مادة استراتيجية تنشر لأجله الأساطيل الحربية والقواعد العسكرية، والتنافس عليه يفسر معظم سياسات الدول الغربية تجاه المنطقة العربية والإسلامية، ولبنان تحديدًا بعد اكتشاف إمكانية دخولها في مصافي الدول النفطية، وبمحاذاة الكيان الصهيوني الذي يشترك معه مع آبار جيولوجية، من البديهي أن يكون ضمن الأجندة الاقتصادية السياسية لأمريكا التي لا تتوانى عن إعلان نواياها بالعلن بالسيطرة على النفط في المنطقة.
تداخلت عناصر الحراك بين نتائج الحرب الأمريكية في سوريا التي شارفت على نهايتها، بحتمية تقدم محور المقاومة والممانعة وهزيمة أمريكا وحتمية انسحابها من المنطقة، وصمود اليمن وتقدمها في مواجهة الاعتداءات السعودية، حتى أصبحت قوة اليمن تهدد أمن الكيان الصهيوني، وبين الداخل اللبناني المتأزم بالأزمة الاقتصادية المطلبية المحقة، فلبنان الضعيف المأزوم اقتصاديًّا، يبتز بمشروع للتوطين (الفلسطيني سابقًا، والسوري حاليًّا)، وبالانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لمياهه وسمائه وصولًا لنفطه، فضلًا عن المحاصصة المبنية على العقلية الطائفية على مدى عقود، التي تعزز مميزاتها وفوارقها الثقافية، وباتت كل طائفة تبحث عن أوهام القدرة والسلطة والامتيازات التي تفوقها على الطوائف الأخرى من موازين القوى الإقليمية والدولية، ما يمنعها من البحث عن المشتركات الوطنية مع الطوائف الأخرى.
وبتوصيف أحد المهتمين بالشأن السياسي لدخالة الخارج في الحراك يشير: “وفق معلومات دقيقة، بأن الأمم المتحدة، في حال جنوح الأمور ناحية الفوضى أو المواجهات أو سقوط دماء، فإن هناك من طرح إصدار قرار مستوحى من القرار رقم (1244) الذي أعلن في حزيران عام (1999) في كوسوفو- هذا القرار سمح بوجود عسكري دولي في كوسوفو إلى جانب إنشاء إدارة مؤقتة منبثقة من بعثة الأمم المتحدة لإعادة تنظيم الإدارة في البلاد، وبعبارة أخرى وضع البلاد تحت انتداب الأمم المتحدة- ولأن الأمم المتحدة غير قادرة على تشكيل قوة دولية في هذه المرحلة لأسباب مادية وسياسية فإن القرار يمكن اتخاذه بالتعاون مع الجيش اللبناني الذي أثبت قدرته وتنظيمه وثقة الناس به”. (منير، 2019).
ويطالعنا خطاب (فيلتمان)[4][4] الذي لا يحتاج إلى تحليل سياسي لكشف سياسية التدخل الأميركي في ظاهرة حراك(17 تشرين) اللبناني وضروراته المرحلية من وجهة نظر أمريكية، وأبرز ما جاء فيه:
“لبنان الصغير يؤثر على المصالح الأميركية… تفوق أهمية الاحتجاجات الحالية في لبنان ما جرى في 14 آذار 2005، لأن الشيعة انضموا إليها هذه المرة… وعلى الرغم أن الاحتجاجات لا تتعلق بالولايات المتحدة، فإن التظاهرات وردود الفعل عليها من جانب القادة والمؤسسات اللبنانية تتقاطع مع المصالح الأميركية. لطالما صور حزب الله نفسه على أنه “لا يقهر”، و”نظيف”، “ومناهض للمؤسسة” مقارنة بالأحزاب اللبنانية الأخرى. لقد قوضت خطابات الأمين العام لحزب الله للتشكيك في التظاهرات صورة حزب الله بحيث كان صداها السلبي أكثر فعالية من الجهود الأميركية لتشويه سمعة حزب الله…. إن احتجاجات عام 2005 التي نجحت في إجبار الجيش السوري على مغادرة لبنان تقدم درسًا مهمًّا في المرحلة الحالية. تتمحور حول قيمة المبادرة المحلية المقترنة بالدعم الخارجي. وعلى سبيل المثال، لو كانت الولايات المتحدة وفرنسا قد ضغطتا قبل 14 عامًا كي ينسحب السوريين، ويبقى اللبنانيون في منازلهم، لكان بإمكان الأسد مقاومة الضغوط الخارجبة… يحتاج اللبنانيون الذين عاشوا لفترة طويلة بالرضا مع تناقض الهوية الذاتية مع الغرب بوجود حزب الله السياسي القوي، إلى فهم الآثار المترتبة على المسار الذي يختارونه”. (المنار، 2019). “يبقى الأمر الأهم أننا نقوم بتقويض حجة حزب الله التي تقول بأنه وحده قادر على حماية لبنان، فصواريخ حزب الله تضعه في خطر الحرب. والروس يريدون أن يكونوا هناك وسيذهبون لملء الفراغ في حال لم نكن هناك. هل نريد حقًّا أن يأخذ الروس كامل شرق البحر المتوسط؟ على قدر ما هو لبنان محيط ومحتاج ومعقد، نحن بحاجة الى أن نلعب لعبة طويلة وألّا نسمح لإيران أو سوريا أو الصين أو روسيا باستغلال غيابنا”. (lbc، 2019). فهو باختصار يعتبر لبنان مساحة للتنافس الاستراتيجي العالمي.
والمفارقة في تقاطع مطالب الداخل والخارج بعدما طالت المطالب تغيير النظام بإسقاطه في الشارع التالي:
إن استراتيجية إسقاط أنظمة الدول بثورات مستمرة على كل الكرة الأرضية لخدمة المشروع الأميركي في قيادة العالم، هذا ما يشير إليه (جورج سوروس) في كتابه أوهام التفوق الأمريكي، “لا يمكن القيام بفرض العولمة الليبرالية إذا لم نُحدث تجديدًا في دائرة المعارف والأصدقاء شمالًا وجنوبًا، وينبغي أن يستبدل بنظام صديق وليبرالي وليس بنظام وطني” (محادين، 2017). “ولا يمكن إحداث فوضى في الشرق إلّا بهدم الدولة، فتغيير الأنظمة في الشرق بهذه الفوضى ستظهر على أنقاضها الفوضى العشائرية والمجتمعات ما قبل الرأسمالية” (محادين، 2017). هذه الاستراتيجية بأحد أبعادها تتقاطع مع مزاج غالبية القوى السياسية في تغيير النظام الطائفي، ما أتاح لبعض القوى تجاوز العقلانية في قراءة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، مخافة عدم تكرار فرصة تغيير النظام.
إلّا أن عقلانية قوى أخرى دفعت بالتزام الأمين العام لحزب الله منذ أيام الحراك الأولى بحماية العهد من السقوط الذي يعتبره مطلبًا سياسيًّا خارجيًّا (أمريكي -سعودي)، وبعد استقالة الحكومة، وضع الرئيس الحريري نفسه في لعبة سياسية خطرة لا يستطيع ربحها بالكامل، فغير مسموح له بالانقلاب على موازين القوى في المنطقة، ولا يمكنه خسارة السياسة الداخلية ما يعني استبعاده عن الحكم، في ظل انهيار اقتصادي محتمل، فإصرار الحريري على الشروط التي يفرضها في تشكيل الحكومة، والامتناع عن التوافق مع أطراف السلطة، يؤكد لقوى الداخل المتمثلة (السلطة وحزب الله)، بأن المطلوب خارجيًّا من الرئيس الحريري أكبر من قدرته على التحمل، وأكبر من قدرة حزب الله على السكوت، فإلى أين يتجه الحراك اليوم في ظل تداخل جدلية الداخل والخارج.
خلاصة
اجتاحت موجة من الحراكات بلدان عربية، وليس من الصدفة بأن جزءًا من مطالب الحراكات ناتجة عن حصار منهجي اقتصادي مورس من قبل دول دولية وإقليمية، أضف أن إعاقة الحلول تذكيه نفس هذه الدول، فضلًا عن أن التنظيمات المنشقة عن سلطة هذه البلدان تتحرك في ضوء تسهيلات وتضامنات من دول تعد السلطة القائمة بسياستها تجاه محور المقاومة خصومًا لها.
إن لبنان الكبير قد تشكل على أساس الضعف السياسي الذاتي، ما يجعل أمنه واستقراره مرتهن لحضور ونفوذ الدول المهيمنة على المنطقة العربية، فهشاشة بنيته الطائفية وحكومته التوافقية تضعه أمام كل أزمة على حافة الانهيار، وبالرغم من أن مطالب حراك (17 تشرين الأول 2019) مقنعة لكل بيت لبناني بكل طوائفه، لا يمكن إغفال حقيقة مفادها بأن لبنان يدفع ضريبة فساد سلطوي مالي واقتصادي، وجزء من الفساد هو عقوبات وحصار مفروض يبتز لبنان في مقاومته. لذا إن حضور عناوين السياسة الإقليمية في مطالب الحراك الاجتماعية والاقتصادية، ومناورات الحكومة في تقديم الحلول الحقيقية، وهي لم تقدمها يومًا، تمثل نموذجًا لحكومات ابتزازية وتوافقات غير توافقية بالمعنى الذي يدفع باتجاه إصلاحات حقيقية مع استخفاف الطبقة السياسية بالشارع، وفي هذا السياق لا يمكن لأي مطالب اقتصادية اجتماعية أن تنجح ما لم تتحرر من الاصطفافات السياسية.
كما أن الانشطار الثقافي بين الطوائف اللبنانية مبني على صراع المكتسبات، لا الحوار أو التصادم الثقافي، بالرغم من وجود الكثير من المشتركات الثقافية والوطنية التي تصنع هوية الأوطان، من قبيل الموحدات الحضارية: الديمقراطية، المقاومة، السيادة في القرار السياسي عن الدول الإقليمية والدولية، فقد أثبتت تجربة مقاومة العدو الصهيوني ودحره دون قيد أو شرط، ومحاربة الإرهاب التكفيري بمثلث الصمود(جيش -شعب-مقاومة) بأن هذا البلد الصغير والضعيف بهشاشة بنيته السياسية بأن يكون قادرًا على حماية أمنه واستقراره، ما يغنيه عن الحماية الخارجية المرتهنة من دول إقليمية ودولية.
ونلخص هنا جدلية الداخل والخارج بطبيعة ارتباط بعض القوى الداخلية بدول إقليمية ودولية التي بات يشبه حال المريض الذي يعيش على جهاز الإنعاش، فمعيشتهم بالكامل مرتهنة بهذا الارتباط، ما جعلهم يرون لبنان القوي بمثلثه المقاوم يقطع تلك الروابط وتنقطع معه معيشتهم.
صحيح بأن لبنان بهشاشة بنيته السياسية الطائفية ضعيفًا، وتعزّز ضعفه بربط اقتصاده بالتبعية للخارج، إلّا أنه بطرح البدائل الاقتصادية المعقولة، في خطة تنموية إصلاحية للفساد الإداري والمالي، تعزز موحداته الحضارية في مواجهة التبعية بكل أشكالها ما يضمن قوته في تغيير بنيته السياسية الهشة.
المراجع والمصادر
باللغة الأجنبية
Fayyad, A. (2008). Fragile State. Beirut: INTR.
باللغة العربية
كتب:
مواقع الكترونية:
[1][5] بعد إفشال المشروع القومي الناصري، وانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية التي أمدّت جبهة المقاومة لتنتصر في تحرير 2000 كسابقة لقوى تحررية في منطقة تسودها سيطرة المشروع الصهيوني الذي طرحته الإدارة الأميركية، الذي عمل على تفرقة الشعوب العربية مناطقيًّا ومذهبيًّا، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية:كونداليزا رايس في حرب تموز 2006 بدء ولادة مشروع الشرق الأوسط الجديد. (ديب، 2016).
[2][6] أورد كتاب “شركة كوشنر المحدودة” لفيكي وارد الأمريكية، خطة كوشنير تضمنت تبادلًا للأراضي بين الأردن والسعودية وفلسطين ومصر لحل أزمة الشرق الأوسط وتصفية القضية الفلسطينية، واستقلال الدولة الكردية، وتقسيم العراق بين دولتين شيعية وسنية، ودولة فارسية تحل محل الدولة الإيرانية الحالية. (صفقة القرن ، 2019).
[3][7] تشير الكثير من الأوساط السياسية الرسمية وغير الرسمية إلى وجود تدخل خارجي للسفارة الأميركية وبعض الدول الإقليمية مع مؤسسات تعليمية كبرى (الجامعة الأميركية كسابقة في تدخلها في الصراعات السياسية الداخلية والخارجية)، إلى جانب دعم مالي لمؤسسات إعلامية موجهة، ودعم وتوجيه قوى سياسية داخلية، والتأثير على قرارات مؤسسة الجيش بوقف الدعم اللوجستي.
[4][8] السفير الأميركي السابق متحدثًا عن رؤيته لثورة لبنان أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب الدولي، التابعة للشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/13437/jadalya/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.