قانون الحرب في الإسلام: علله وأحكامه
ترجمة: ملاك بسام.
يسعى المؤلف إلى سد فجوة في الدراسات حول قانون الحرب في الإسلام. بغض النظر عن الأعمال الجدلية، التي يفتقر كثير منها إلى المعلومات الوافية، يزعم الداوودي أنه يقدم عملًا متكاملًا أكثر من أعمال غيره من المؤلفين. فعلى سبيل المثال، تتسم دراسات مجيد خدوري، التي تعدّ من الأعمال المرجعية في هذا المجال، باقتصارها في معظمها على أحكام الفقهاء الحنفيين. فيما عالج آخرون الأحكام وفق المذهب المالكي. وما يهدف إليه الداوودي هو تقديم عمل يشمل مدارس الفقه السنية الأربعة. كما يرغب في التعرض للأعلام السابقين (يعني بهذا الوصف أحكام قبل عام 1875م). والمعاصرين (منذ عام 1875 حتى يومنا هذا).
وعمومًا، نجح الداوودي في سعيه؛ إذ يقدم كثيرًا من المواد، مظهرًا مواضع إجماع فقهاء مختلف المدارس واختلافاتهم. وبأسلوب واضح، كان هدف المؤلف النهائي مفيدًا، فقد هدف إلى إثبات أن شريعة الحرب تقدم مصادر يمكن من خلالها إثراء القانون الدولي المعاصر. في رأيي، رغم أن الداوودي يشتّت فكر القارئ بانتقادات مطولة جدًّا لعلماء آخرين، قد تكون غير منصفة بحقهم إلى حد ما، فإنه مع ذلك يقدّم عرضًا جيدًا لما جاء في مصادر الفقه مقدّمًا بذلك مساهمة مهمّة.
يتألف العمل من خمسة فصول. في الفصل الأول، الذي يعالج مسألة الحرب التي جاءت في سير النبي، يقدم الداوودي برهانًا قويًّا وواضحًا على أن اللجوء إلى الحرب كان مسألة دفاع. وتشير مصادرنا إلى أن النبي وصحابته كانوا يرَون أنهم معرّضون لهجوم قريش وحلفائها؛ لم يلجأ المؤمنون إلى الحرب إلّا بعدما صار جليًّا لهم أن استمرار مجتمعهم أصبح على المحك.
ويتطرق الداوودي في فصله الثاني إلى القرآن. وفيه يطرح عرضًا جيدًا للآيات ذات الصلة بالموضوع. كما يقدم براهين مقنعة على أن التفسير الذي يعطي مفهومُ الإلغاءِ بموجبه شرعية أعظم للنصوص اللاحقة (المتسمة أحيانًا بحدّة أكبر أو بتساهل أكبر في الإلغاء) ليس ذا أساس متين. ومن مصاديق هذا الأمر مزاعم بعض الجماعات المعاصرة المنخرطة في المقاومة المسلحة، لا سيما تنظيما القاعدة وداعش.
وتعدّ مسألة المقاربة الصحيحة لفهم القرآن أيضًا مهمّة ضمن معالجة الداوودي لـ “المبرّرات الفقهية للحرب” في الفصل الثالث. إذ يشير إلى أن بعض الخلافات بين الشافعي وغيره من الفقهاء السابقين تبيّن حكم الأخير القائل بأن الآيات 5 و29 من سورة التوبة يجب اعتبارها حاكمة، بمعنى أن جميع النصوص الأخرى التي تتطرق إلى موضوع القتال تفسّر وفقها. كذلك، تختلف وجهة نظر الشافعي عن “الاتجاه المتزايد بين غالبية علماء العصر الحديث”، الذين يعتقدون أن هذه الآيات يجب أن تُقرأ في سياق “مجمل الرسالة الإسلامية” (ص 82).
الفصل الرابع لـ”القانون الإسلامي الإنساني الدولي”. ويهدف الداوودي فيه إلى وصف الطرائق التي عالج فيها العلماء مسائل إدارة الحرب. فالأمر النبوي بتحريم الاستهداف المباشر للمدنيين، والأمر بتجنب جيوش المسلمين استخدام الوسائل المشينة، كان ولا يزال أساسًا في هذه المسألة. ومع ذلك، فإن فكرة النصر مهمة أيضًا. وبعض أهم الأسئلة التي يجدر الإجابة عليها تتطرق إلى الحالات التي وجد فيها الفقهاء تعارضًا بين النصر وبين سلوك الحرب الصحيح.
نجد مثالًا على ذلك في الحالات الشهيرة التي ناقش فيها الفقهاء ما يجب فعله إذا استخدم العدو المدنيين كدروع بشرية؛ أو شن غارات ليلية مثلًا. وفي حالات أخرى، كان النقاش حول “استخدام أسلحة عشوائية الأثر”، وفي هذه الحالة، ووفقًا للداوودي فإن “العامل الأساس لدى العلماء المسلمين التقليديين والمعاصرين في تحديد جواز امتلاك ’أي سلاح من هذا القبيل أو استخدامه’، هو ’إذا ما امتلكه الأعداء أو استخدموه’” (ص 126). وبالتالي، يبرر مفهوم المعاملة بالمثل تجاوز بعض القيود المفروضة على الأسلحة.
أما الفصل التالي فيتحدث عن مسألة الإرهاب المشحونة سياسيًّا. يبدأ الداوودي بمناقشة فقهية حول الاعتداءات “الداخلية” على أراضي الإسلام: محاربة المتمردين وقطاع الطرق والمرتدين والمتطرفين. ويبني نقاشه حول هذا الموضوع على عمل خالد أبو الفضل ويوسعه. ثم ينتقل الداوودي للحديث عن مناقشات الإرهاب المعاصرة. وهنا يكمن قلقه في أن يُلام الإسلام على سلوك بعض الأشخاص والجماعات، حيث يعتبر هذه المقاربة تبسيطيّة للغاية.
كما يسعى ليبيّن القول إنه ثمة فائدة في الطريقة التي فضّل الفقهاء التقليديون الحديث بها عن أنواع مشخّصة من الأفعال، بدلًا من الاعتماد على المفاهيم العامة التي قد تكون تعاريفها بعيدة المنال.
تشكل هذه الخطوة خاتمة البحث، وبالتالي فإن عمل الداوودي هو مساهمة مرحب بها في البحث العلمي حول موضوع الإسلام والتنظيم الحضاري للقوة المسلحة. ويستحق كتابه هذا أن يُقرأ ويناقش على نطاق واسع.
جون كلساي
جامعة ولاية فلوريدا
17 تشرين الأول، 2015
المقالات المرتبطة
مشاريع فكرية 18 | آية الله السيد يد الله يزدان پناه
المواليد: (1963 م) في مدينة مازندران الإيرانيّة. الدراسة: بدأ دروسه الحوزية عام 1982م، فأتمّ المقدّمات، ثم التحق بالدرس الخارج فقهًا
نهج الاقتدار عند الإمام علي (ع)
هناك اتجاهان سادا في تقديم الإسلام. الاتجاه الأول: وهو اتجاه العزلة النصوصية أو الروحية الذي عمل على أن يتفاعل مع
أصالة الوجود وعينيّة الماهيّة
تعتبر مسألة أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة من أهمّ مباحث الفلسفة الإسلاميّة، ونجد هذا الموضوع في آثار فلسفة الفارابي،