الفكر العربي الحديث والمعاصر | حسن حنفي ومشروعه الفكري
- تعريف بحسن حنفي
وُلِد حسن حنفي في العام 1935ميلاديًّا في المعزِّية من منطقة القاهرة القديمة، مكث شهورًا في كتّاب “الشَّيخ سيّد” بحيِّ باب الشعرية لحفظ القرآن الكريم، ثم انتقل إلى مدرسة سليمان جاويش الأوَّلية بجوار باب الفتوح، ومن بعدها التحق بمدرسة السلحدار داخل جامع الحاكم بأمر الله الفاطميّ حيث قضى عامًا واحدًا، ليتوجه بعدها إلى مدرسة باب الشعرية التي قضى فيها خمس سنوات مُنكبًا على تعلم اللغة الإنكليزيّة والتعرّف على آدابها بالإضافة إلى تحصيله العلميّ، وهذا الأمر أتاح له دخول الجامعة عام 1952 ميلاديًا باختصاص فلسفة تخرج منه عام 1956.
عاش حسن حنفي هاجس الدراسة الأكاديمية في فرنسا، لذلك عمل بعد نيله الإجازة للسفر إلى السوربون لمتابعة اختصاصه، ولكنّ الظروف التي رافقت تخرجه كانت تحول دون تنفيذ هذا الأمر، ومع ذلك لم ييأس وعمل بشكل دؤوب عليه، حتى تحقق ما حلم فحصل على التأشيرة في تشرين الثاني من العام 1956ميلاديًا، فسافر إلى فرنسا حيث استمر هناك حتى العام 1966 حيث نال شهادة الدراسة العليا والدكتوراه.
عاد حسن حنفي إلى مصر في نفس العام، وعُيِّنَ مُدرِّسًا بكلية الآداب في جامعة القاهرة، واستمر بها حتى هاجر إلى جامعة تمبل في الفترة الممتدة بين عامي 1971 إلى العام 1975، ثم عاد لمصر حيث عمل في جامعة القاهرة من العام 1976 إلى العام 1981 ميلاديًّا، وفي هذه الفترة ساهم بالعمل السياسيّ من خلال حزب التجمع الوطني التقدّميّ الوحدويّ، حيث ساهم في تأسيس جريدة الأهالي، وهذا الأمر أثار حفيظة السلطة الحاكمة، التي أوعزت إلى إدارة الجامعة بمعاقبته، فاستفادت هذه المؤسسة من امتناع حسن حنفي عن العمل في كنترول الكلية وتصحيح درجات الطلاب، وعُوقِبَ باللوم والإنذار، كما تمّ تأخيره عن الترقية لدرجة الأستاذية حتّى العام 1980 ميلاديًّا، وتوِّجَتْ هذه المرحلة بصدور قرار فصله من الجامعة عام 1981 بسبب معارضته اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيونيّ.
أُعيد الدكتور حنفي إلى التعليم في عام 1982، لكنّه آثر ترك القاهرة والذهاب إلى المغرب حيث عمل بجامعة محمد بن عبد الله بفاس لمدة عامين (1982-1984)، ثم انتقل بعدها إلى جامعة طوكيو في اليابان بين عامي(1984- 1987)، كما عمل مستشارًا لبرامج البحث العلمي لجامعة الأمم المتحدة بالإضافة إلى عمله في جامعة صنعاء لفترة وجيزة.
وصل حنفي إلى القاهرة عام 1987، وبدأ بإصدار الجزء الأول من كتابه “من العقيدة إلى الثورة”، وقام مع آخرين بتأسيس الجمعية الفلسفية المصرية، وأشرف على تفعيل أنشطتها، دون أن يمنعه ذلك من مُتابعة نشاطاته في الكتابة والتأليف.
بدأ الدكتور حسن حنفي مسيرة عطائه الفكريّ بنشر كتاب “المعتمد فى أصول الفقه” لأبي الحسين البصريّ، الذي صدر في جزأين بدمشق، بعد ذلك بدأ سلسلة من الترجمات منها: نماذج من الفلسفة المسيحية 1968 رسالة في اللاهوت والسياسة/اسبينوزا 1973، تربية الجنس البشرى/لسنج1977، تعالي الأنا موجود/سارتر 1977، ثم انتقل للدراسات الإبداعية ويعتبر كتاب التراث والتجديد 1980 الخطوة الأبرز، إذ عُدّ هذا الكتاب مقدمة لمشروعه الفكري الذي تواصل بعد ذلك من خلال مشروعه الفكري، أبرز أعمال حنفي الفكرية: التراث والتجديد، من العقيدة إلى الثورة، حوار الأجيال، من النقل إلى الإبداع (9 مجلدات)، موسوعة الحضارة العربية الإسلامية، مقدمة في علم الاستغراب، في فكرنا المعاصر، في الفكر الغربي المعاصر، حوار المشرق والمغرب، دراسات إسلامية، اليمين واليسار في الفكر الديني، من النص إلى الواقع، من الفناء إلى البقاء، من النقل إلى العقل.
- تسويغ المشروع الفكري
يعتبر الدكتور حسن حنفي إنّ مشكلة الفلسفة الإسلامية غير منفصلة عن المشكلة العامة للعلوم الإسلامية، وهي ناتجة عن أزمة عامة تعاني منها المجتمعات العربية، وبالتالي فعلى الباحث معالجة أزمة علوم التراث في الحضارة العربية، من أجل جعلها قادرة على تلبية متطلبات العصر، وهذا الأمر لن يتم التوصل إليه إلا من خلال تجديدها وبثّ بذور النهضة فيها عبر النسق الفكريّ الخاص للأمة، أي لا بد من عملية إصلاحية تضع أسسًا جديدة، توائم بين الأصالة والمعاصرة من جهة والتراث من جهة أخرى.
لذلك، عمل حسن حنفي على إعادة قراءة تراث النهضة العربية من أجل الكشف عن المعيقات التي ساهمت في إخفاق التجارب النهضوية، وفي هذا المجال حدد التيارات على الشكل التالي:
- الاتجاه الإصلاحيّ ثم السلفيّ: وهو الاتجاه الذي نشأ مع جمال الدين الأفغانيّ وتواصل مع محمد عبده، وعمل على توطيد دور العقل وإعادة هيكلة الحياة السياسية عبر إشاعة الحرية والديمقراطية فيه، إلا أنّ هذه الحركة قد خبت، واختارت المنهج التربوي الإصلاحي بعد إخفاق الثورة العرابية، ثمّ تراجعت بعد ذلك مع محمد رشيد رضا الذي كرَّس تحويل الحركة الإصلاحية إلى سلفية معلنة، أنتجت حركة الإخوان المسلمين. وهذا الاتجاه مع تحوّله طالب بالرجوع إلى السلف الصالح باعتباره الحل الوحيد للنهضة، وعانى هذا التيار من المشاكل التالية:
- سيادة النظرة الإلهية على الفكر النظريّ، فالحاكمية لله بصرف النظر عن طبيعة الواقع وعن مكوناته، وارتبط التغيير بالدعوة الثيوقراطية، مما يُوجِدُ انفصالًا بين الدين والمجتمع، ويعيد الأمة إلى التجربة الأوروبية عندما ابتُلع العالم داخل الإلهيات، مع العلم بأن العدل أصبح جزءًا من التوحيد في فكرنا الدينيّ المتأخر.
- وقف تطور هذه الدعوة فكريًّا، بل إنَّ هذا التيار قد تخلَّف عبر عزل نفسه عن التراث بشكله المتكامل الكليّ وعدم استثماره للإحياء الاعتزاليّ ونظره إلى استقلال العقل والإرادة. يُضاف إليها عدم نظره إلى كيفية تطور المنظومات الدينيّة للاستفادة منها، فهو لم يعمل على تطوير لاهوت الثورة، ومعالجة قضايا الأرض، وتجنيد الجماهير، وإصلاح التربية والتعليم والقضاء.
- عدم قدرته على تحويل الإلهيات إلى فكر نظريّ، ثم تحويل الفكر النظريّ إلى أيديولوجية سياسية اقتصادية واضحة المعالم.
- سيادة التصور الرأسمالي للدين بسبب التصور الهرميّ للعالم، وهو ما ورثناه قديمًا من نظرية الفيض والصدور.
- تقسيم العالم بشكل حاد بين سردقين أحدهما للإيمان والآخر للكفر.
- معاداته التجديد على المستوى النظريّ.
- جدل الكلّ أو لا شيء عند الممارسة.
- استخدامها للعنف، وتخلفها عن إعداد الجماهير، وحتى عند اقترابها منهم، تعدّهم بشكل مغلق ينقصه الحوار.
- سيادة التصور الجنسيّ للعالم، والفصل الحاد بين النساء والرجال.
- التركيز على الحدود وإصدار قوائم المحرمات دون ذكر المباحات، مما يشوه شخصية الإنسان فتزرع فيه الخوف بدل الشجاعة، والإحجام بدل الإقدام، ويجعل الإنسان متشككًا[1].
وفي كتاب آخر له، يُضيف مجموعة من المعيقات الملازمة لهذا التيار، منها:
- محاولة تغيير الواقع بالقوة والغلظة واتهام الجماهير بالتخلف عن النصرة، واستعمال العنف ضد الجماعات، ومثل هذه الدعوات التغييريّة أقرب إلى محاولات الانقلابات منها إلى تغيير اجتماعيّ حضاريّ بالفعل؛ لهذا كان السبب في فشلها اصطدامها مع السلطة واتهامها بالمؤامرات لقلب نظام حكمها، خاصة إذا اعتمدت على تنظيمات سرية مسلحة.
- اللجوء إلى تنظيم الجماهير في جماعات مغلقة ترفض الحوار؛ فهم وحدهم على حق والآخرون على باطل، وبالتالي يُظهر هذا التيار التصلب في الممارسة والانغلاق على النفس.
- سرعة انشقاق الجماهير عليها لافتقارها إلى الطابع الديمقراطيّ في التعامل معهم، فهم حوّلوا الجماهير إلى مجرد أدوات لتحقيق وتنفيذ مطالبها[2].
- الاتجاه العلماني: وهو ظهر مع المسيحيّين في الشام كرد فعل على الحركة الإسلامية ودفاعًا عن الأقليات، وقد طرح هذا الاتجاه نفسه كبديل عن النظام الإسلاميّ، فابتعد عن الإسلام باسم المدنية والعصرنة، وأنكر الوحي واعتبره نتاجًا تاريخيًّا، وبالتالي نظر إلى التراث بكل تنوعاته كنتاج واقع تاريخيّ، وعرض حنفي لمسلمات هذا التيار على الشكل التالي:
- إنَّ هذا المنحى يتوقف عند عامل البيئة مع أن الأفكار مستقلة عن الأماكن ولها وجودها الخاص.
- يدعي أنَّ الأشخاص حوامل للأفكار وليسوا مصدرًا لها.
- يدعي أنَّ الإنسان هو خالق الفكر.
- هو يجعل الفكر من تاريخ الفكر، تاريخ حياة المفكرين وأنسابهم، مولدهم وثقافتهم، ميولهم وأهواءهم، مذاهبهم وأفكارهم، وظائفهم ومناصبهم، مع أن الفكر الإسلامي لا يضع أفكارًا بل يعرض طريقة في تفسير النصوص الدينية وتحويلها إلى معان وأبنية نظرية[3].
فهذا التيار لا يمتلك مقومات المشروع النهضوي، ويعود ذلك لأسباب متعددة منها:
- التشدق بألفاظ غير مفهومة، تضفي على القائلين بها صفة التعالم وكأن الإنسان لا يغير واقعه إلا بهذه الجعبة من الألفاظ.
- التبعية لفكر الغرب، والوقوع ضحية عالمية الثقافة، وهو ما أضر بأيديولوجيتهم وبقضيتهم أحيانًا، وهذا التيار وصل في انحطاطه إلى درجة العمالة الفكرية والدفاع عن كل ما نشأ في الواقع الخاص للآخر من أفكار ونظريات نافعة كانت أم ضارة وكأنّها صالحة لكلِّ زمان ومكان على الرغم من أن الفكر أسمى من أن يكون مجرد متاع يُنقلُ من بيئة إلى أخرى دون مراعاة الخصوصية والتراث القومي للجماهير .
- معاداة التراث القومي للجماهير واستبداله بتراث منقول لا تجد فيه الجماهير ذاتها. وهو ما يسهل اتهامهم بأنهم دخلاء.
- ضعف الاندماج مع الواقع ونقصان التنظيم المباشر له. وبالتالي انعدام الرؤية المباشرة له والقدرة على التنظير بما يتلاءم معه، مما يوصِل إلى القطع معه، واعتباره قاصرًا عن فهم النظرية.
- غياب البرنامج الثوري، وتحول هذا الاتجاه إلى أندية فكرية يعلِّم بعضها بعضًا ولا تخرج إلى الجماهير.
- استخدامه العنف للوصول إلى السلطة، وتفضيلها للعمل السري لتحقيق هذا الهدف.
- تفتيت الوحدة الوطنية بتفضيل الصراع الطبقي على الوحدة، وتحويلها إلى نصوصية حرفية للآخر دون ما علم بتطوراتها وتأقلمها لواقع العالم الثالث، الذي كوّنت فيه الأمة أو الجماعة أو الأسرة هذا الأساس الحضاري والنفسي للتغيّر الاجتماعي.
- الفصل بين الأيديولوجية والأخلاق في أمة ما زالت تربط بين الحق والخير، فالانتماء الدينيّ للجماهير مقدم على الانتماء الثوريّ[4].
- الاتجاه التوفيقي أو التلفيقي: هو الاتجاه التوفيقي بين القديم والجديد، ولعلّ الدكتور حسن حنفي يقصد بها الدولة الوطنية، وهذا الاتجاه يمثل الطبقة المتوسطة، التي حاولت أن تعبر عن نفسها وطموحاتها، وهذا الاتجاه يعاني من المشاكل التالية:
- عدم وجود أساس نظري واضح يمكن قيام التغيير الاجتماعي طبقًا له، وهو انتهى إلى الميوعة الفكرية، أو إلى مجرد إعلان نوايا.
- تقديم مصالح الطبقة على مصالح المجتمع، مما حولها إلى حمالة للشعارات والمؤسسات فارغة المحتوى، (نقابات، اتحادات، منابر، تنظيمات…).
- معاداة أصحاب التغيير الجذري أنصار القديم والجديد.
- تهميش الجماهير ودفعها إلى السلبية المطلقة واتخاذ القرارات عنها.
- الترقيع في عملية التغيير الاجتماعي، وترك الأساس كما هو خاضعًا للأذواق، وتغيير الجزء وترك الكل[5].
وهذه الاتجاهات الثلاثة التي تتعارض فيما بينها، تفتقد إلى مقومات قيادة الأمة، ويقول حنفي: “انتهى فجر النهضة العربية الحديثة، ولم نرَ ضحاها أو ظهرها، وحلَّ ليلها بسرعة”[6]، فالمجتمع العربيّ الإسلاميّ بقي مجرد ساحة للتفتيت، والانتقاء، والأدلجة، فهو ميدان لإسقاط العقائد عليه من وجودية وماركسية، ووضعية، بحيث راحت هذه العقائد المتناقضة إلى حدِّ التصادم تجد في التراث ما يبرر وجودها فتفتت التراث تحت ضربات الوافد. وفي المقابل عملت السلفيات إلى اختيارات مشوهة للتراث تعكس جانبًا منه، وتلغي ما تبقى، والجميع دخل في لعبة الانتقاء النفعي من التراث، كلّ حسب موقفه، وبالتالي بقي التراث كحمال للعقل والذات المفكرة غائبًا عن الأمة.
من هنا، طرح حسن حنفي مشروعه، الذي يقوم على قراءة التراث في شموله وكليته: “لأنّ تحليل التراث هو في نفس الوقت تحليل لعقليتنا المعاصرة وبيان أسباب معوقاتها، وتحليل عقليتنا المعاصرة هو في نفس الوقت تحليل للتراث، لما كان التراث مكونًا رئيسًا في عقليتنا المعاصرة”[7]، على أن يتم التعامل مع التراث بحذر لكي لا يتحول إلى غاية في العملية البحثية، ويقول حنفي في هذا المجال: “تأخذ(بعض التأويلات)، التراث على أنه غاية في ذاته، وليس مجرد وسيلة لتحقيق غاية أخرى هي تقدم الشعوب. ونهضة المجتمعات”[8]، مع العلم أن: “التراث هو نقطة البدء كمسؤولية ثقافية وقومية، والتجديد هو إعادة تفسير طبقًا لحاجات العصر، فالقديم يسبق الجديد، والأصالة أساس المعاصرة، والوسيلة تؤدي إلى غاية. التراث هو الوسيلة والتجديد هو الغاية، وهو الإسهام في تطوير الواقع وحل مشكلاته، والقضاء على أسباب معوقاته وفتح مغاليقه التي تمنع أي محاولة لتطويره، والتراث ليس له قيمة في ذاته إلا بمقدار ما يعطي من نظرية علمية في تفسير الواقع والعمل على تطويره، فهو ليس متحفًا لأفكار نفخر بها وننظر إليها بإعجاب… بل هو نظرية للعمل، وموجه للسلوك، وذخيرة قومية يمكن اكتشافها واستغلالها من أجل إعادة بناء الإنسان وعلاقته بالأرض”[9].
وهكذا بدأ المشروع الفكري لحسن حنفي، بالتكون عبر تحليل العقل والواقع، هذه القراءة التي تسعى: “إلى إبداع الأنا في مقابل تقليد الآخر، وإمكانية تحويل الآخر إلى موضوع للعلم، بدلًا من أن يكون مصدرًا للعلم”[10]، وهذا الأمر دفعه إلى منهج خاص سنتناوله بالتفصيل في هذه الورقة بعد عرض للمصاعد الفكرية لهذا المشروع.
- في المصادر المعرفية لمشروع حنفي
تتعدد المصادر المعرفية عند حسن حنفي بحكم اتساع النطاق الذي يعمل عليه، فهو لم يكتفِ بالتراث العربي/ الإسلامي، إنّما شملت اهتماماته الوظيفية تراث الآخر بكلّ ما فيه من عصر النهضة وصولًا إلى التيارات المعاصرة، ولعلّ هذا ما انعكس في سعة هذا الجانب، حيث نجد.
أولًا:التيار العقلاني في الحضارة الإسلامية: تأثر حنفي بالتيارات التي يُطلق عليها اسم العقلانية في الحضارة الإسلامية، وأبرزها المعتزلة، التي تأثر بها حسن حنفي خاصة في الجانب الذي أعطى العمل وقدرة الاختيار للإنسان، فمعهم تحوّل: “الدينيّ دعوة إلى العمل ويأتي النظر سندًا له، لذلك كان خلق الأفعال عند المعتزلة؛ أي قدرة الإنسان على الفعل سابق على العقل، والنقل في أصل العدل، الإنسان يفعل أولًا ثم يعقل ثانيًا “أنا حرّ فأنا إذن موجود” الكوجيتو العملي سابق على “أنا أفكر فأنا إذًا موجود” الكوجيتو النظري”[11]، فالمعتزلة يمثلون برأيه حركة اليسار في الأمة الإسلامية.
كما نرى مع حنفي حضور ابن رشد، فهذه الشخصية بالنسبة إليه تمثل ذروة العقلانية في التراث الإسلاميّ القديم، فهو أعلى من شأن العقل والبرهان العقلي إلى الدرجة التي جعلته يقدم الفلسفة على الشريعة عبر تقديم القياس الفلسفيّ على القياس الفقهيّ في البحث عن الحقيقة، لأنّ القياس الذي يلجأ إليه الفيلسوف لتحصيل المعرفة قياس يقينيّ بينما الذي يعتمده الفقيه فهو قياس ظنيّ، فحنفي يريد تفسير عقليّ في مجال الفقه، وهذا ما وجد ضالته عند ابن رشد، ويقول في هذا المجال: “نحن في أمسّ الحاجة إلى التفسيرات العقلية في مجال الفقه أليس هذا ما كان يدعو إليه ابن رشد لما هاجم الفهم المتحجر للدين الذي يهاجم العلم والحضارة ويؤدي إلى ضيق العقول وقصورها وتشبعها بالخرافة والتفكير اللاعقلاني”[12].
ثانيًا: التيار الإصلاحي: اعتبر حسن حنفيّ نفسه ممثلًا لذروة الفكر الإسلاميّ، فهو استعادة لكلّ التيار الإصلاحيّ الذي بدأ مع جمال الدين الأفغانيّ وتواصل مع محمد عبده في مرحلة ما قبل التحول نتيجة إخفاق الثورة العربية إلى أنْ وصلت إليه عبر عثمان أمين، ويقول حول هذا الموضوع: “إنّ انتمائي للحركة الإصلاحية ومحاولتي لتطويرها على المستوى النظريّ، تجد في الأستاذ[عثمان أمين] حلقة الاتصال من الأفغاني إلى محمد عبده إلى مصطفى عبد الرازق إلى عثمان أمين ثمّ إليّ دون فخر أو ادعاء”[13]، فما يقوم به ليس مشروعًا جديدًا، إنّما هو استكمال وتصويب للمشروع الإصلاحيّ لا سيما فرعه الذي حمل الهمّ الوطنيّ والتنمويّ من خلال مصطفى عبد الرازق وعلي عبد الرزاق وعثمان أمين ليصب في نهر الإخوان المسلمين وعلى رأسهم حسن البنا.
فهؤلاء بالنسبة له هم رواد الإصلاح، فهم قدموا البداية الصحيحة، وذلك عندما أعطوا الأولوية للعمل الذي يفسر الواقع، ويقول حنفي: “والتوحيد كما يصوره الأفغاني وإقبال، ليس علم الكلام الموروث من نظرية في الذات والصفات والأفعال، بل هو حياة وحركة وقوة في الأرض… والتوحيد كما يصوره المفكر سيد قطب تحرر الوجدان الإنساني من كلّ القيود وتأسيس لمجتمع العدل والإخاء”[14]، وهنا لا بد من الإلفات إلى الدكتور عثمان أمين، الذي يقدره ويشير إليه عند الحديث عن مسيرته الفلسفية.
من هنا فقد أُعجِبَ حسن حنفي بنموذج العقلانية الإصلاحية من جهة التأصيل والتأسيس، لكنّه في نفس الوقت وسمها بالوهن والفشل والركود، أو كما يُسميها هو”كبوة الإصلاح وظواهر الردة” فيه: “وتعني الكبوة أنّ النهايات غير البدايات، وأنّ الفكر الإصلاحيّ بالرغم من بداياته الجذرية والجزئية بدأ يتراجع شيئًا فشيئًا عن منطلقاته الأولى نظرًا للأحداث التي مرَّت على كلِّ الأجيال”[15]، بالتالي لا بد من العودة إلى هذه الحركة للاستفادة من تجربتها على أن يتم تطوير الإصلاح النسبيّ ليتحول إلى إصلاح جذريّ الذي يعني التحوّل من الأشعرية إلى الاعتزال على نحو كليّ وليس إلى المنتصف كما فعل محمد عبده، أشعريّ في التوحيد، معتزليّ في العدل، ثم التحول من الاعتزال إلى الثورة، فلا يكفي العقل إن لم يؤد إلى ثورة”[16].
فحنفي لا يرى ضرورة لنمط الإصلاح التربويّ كما طرحته المدرسة الإصلاحيّة في مرحلتها المتأخرة، إنّما يريد ثورة حقيقية تتوجه إلى الواقع مستلهمة في ذلك المشروع الإصلاحيّ في بدايته كما قدمه السيد جمال الدين الأفغاني. ولا يفوّت حسن حنفي تسجيل إيجابية لهذا التيار في مراحله المتأخرة لا سيما مع سيد قطب – وإن كان ينتقده لغياب العقلانية عنده[17] – الذي أعاد من خلال موقفه بناء الأنا بشكلٍ يقضي على اغترابها وازدواجيتها في الشخصية القومية أو ما يسمى بالفصام النكد[18]، وذلك عبر جملة من الإجراءات، هي:
- عدم الوقوع في وهم التقليد عبر الوعيّ الذي يبثه القرآن الكريم من خلال تحريم موالاة الغريب.
- رفض تقليد سلوكيات الآخر ووعي الأنا.
- أخذ النموذج من الذات الحضارية التي استطاعت أن تقيم نهضة في الماضي.
- اعتماد النقد المستنير، الذي ينبني على علاقة الذات بالموضوع.
- الاستفادة من المواقف الإسلامية والسلفية القديمة التي فهمت جوهر العدوان، وتحويله إلى وسيلة لمقاومة الاستعمار الحديث[19].
ثالثًا: اليسار الهيغليّ وماركس الشاب ولاهوت التحرير
لما كانت حركة حنفي تتوخى التغيّير كان لا بدّ لها من نظرية تعمل على تثوير التراث، من هنا انحاز إلى ماركس الشاب أو اليسار الهيغليّ، فهذه الماركسية تضمنت رفضًا للمادية الفظّة واهتمت بمشكلة الجوهر ومشكلة الوجود الإنساني، وبذلك اقتربت من روح القرن العشرين، لذا يقرر الدكتور حنفي: “أقرب الاحتمالات، – لو كنت أوروبيًّا-، هو التحول من المشروع المعرفي في الفلسفة الحديثة في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى المشروع العملي في القرنين التاسع عشر والعشرين، مرحلة اليسار الهيغليّ الذي قام بنقد الدين؛ شتراوس ونقد المثالية، فيورباخ، ونقد الأيديولوجيا، باور وشترنر ونقد المجتمع، كارل ماركس وهي المرحلة التي قامت فيها الثورة الليبرالية بعد الثورة بنصف قرن ثورة 1848، مرحلة ماركس الشاب، المخطوطات الاقتصادية الفلسفية. وبعد أن أقوم بتطهير الفكر ونقد الواقع أكون ماركسيًا، ليس داروينيًّا بالضرورة بل ماركس جديد، يأخذ بالاعتبار الاتجاهات الفلسفية في القرن العشرين وأقربها مدرسة فرانكفورت، النظرية النقدية، ماركسية البناء الفوقي والتنظير المباشر للواقع”[20]، فبالنسبة له هذا الاتجاه ضروريّ لتطورنا، فهم قدموا القراءات النقدية، ويقول: “ففي فكرنا العربي قفزنا من هيغل إلى ماركس دون المرور بهذه المرحلة الانتقالية التي يمثلها الهيغليون اليساريون. وهي مرحلة التحول من الفكر إلى الواقع، دون نقد الدين كما فعل فيورباخ، أو نقد الفكر كما فعل باور، أو نقد الأنا كما فعل شيترنر، وكأن النقد الاجتماعي عند ماركس وأنجلز ما هو إلا حصيلة مجهود طويل في نقد الأسس النظرية للبناء الاجتماعي في الدين والفكر والشعور، ما زلنا في فكرنا العربي متأرجحين بين هيغل وماركس، بين المثالية والمادية دون الانتقال من أحدهما إلى الأخرى على نحو طبيعيّ وأغفلنا التاريخ وحركته لغياب البعد التاريخي في وجداننا المعاصر”[21]. وهكذا يصبح اليسار الهيغليّ مصدرًا للتأثير ليس بذاته، إنما بقدرته التغييّرية والنقدية للواقع.
وفي أجواء اليسار، انطلق حسن حنفي إلى لاهوت التحرير، حيث تعرف إليه أثناء إقامته في العاصمة الفرنسية للدراسة لحظة صعود هذه المجموعة الفكرية، فقد وجد فيها إطارًا ملائمًا لِمَ كان يحلم به من تثوير للدين، وتحويله إلى موضوع للتحرر، ويصف الدكتور علي زيعور هذه الفترة من حياة حسن حنفي،-والتي عاصرها أثناء وجوده في نفس الوقت في باريس- إنّ تلك المرحلة كانت مرحلة حراك فكري له، حيث لم يكتفِ الدكتور حنفي بمراقبة هذا التيار، إنّما كان من القلائل الذين ساهموا في بعض النقاشات المتعلقة بها[22].
فحسن حنفي رأى في هذه المجموعة وسيلة تمنع الدين من التحول إلى أفيون للشعوب[23] عبر توجيهه باتجاه الواقع، عبر إعادة صياغة العقائد الإسلامية بما يتلاءم مع المستجدات التي يتطلبها العصر، والتي تقتضي الانتقال بالكلام من التنظير المجرد إلى المعيوش، ويقول في هذا المجال: “أهمية المقارنة هي في بيان مدى تأخر علم الكلام الإسلاميّ عن اللحاق بعلم الكلام المعاصر، وكيف أنه ما زال غارقًا في مشاكل اللاهوت القديم، نظرية الذات والصفات والأفعال، وقضايا الجبر والاختيار، الإيمان والعمل، والنبوة والأخرويات، والمعجزات والكرامات، وضرورة التوجه نحو علم كلام جديد يقدم لاهوت التحرر، ولاهوت الثورة، ولاهوت الوحدة، ولاهوت العدالة الاجتماعية، ولاهوت التنمية، ولاهوت الهوية الوطنية، ولاهوت حشد الجماهير، وهي القضايا السبع الرئيسية لمواجهة تحديات العصر”[24].
فبحسب حنفي على الإسلام أن ينتقل من الاعتقاد الديني إلى أنثروبولوجيا الدين، كما جرى ذلك في لاهوت التحرر، هذا التوجه الذي يقوم “على أنثروبولوجيا الدين كما بدت عند شليرماخر وفيورباخ. فالدين نزوع إنساني، رغبة في الكمال، واتجاه نحو المطلق. والخلاف فقط في الاتجاه، هل الكمال أو المطلق خارج العالم، نحو الأعلى كما هو الحال في الاغتراب الديني أم داخل العالم نحو الأدنى كما هو الحال في الالتزام الديني؟ وكلّ محاولة للدفاع عن حقوق الإنسان بالإضافة إلى حقوق الشعوب هو تمهيد ثقافي لتأسيس لاهوت التحرير إما ابتداء من الله – الإنسان كما هو الحال في المسيحية أو من استخلاف الله الإنسان في الأرض، وحمل الإنسان الأمانة كما هو الحال في الإسلام. وفي كلتا الحالتين خلق الله الإنسان على صورته ومثاله”[25].
رابعًا: الفلسفة الحديثة: شكلت مفاهيم الحدس والشعور والقصديّة جوهر فلسفة حسن حنفي، فهو رأى فيها عناصر فاعلة يمكن الركون إليها في قراءة التراث الإسلاميّ، وهي تضعنا أمام الظواهرية التي تعتبر إحدى مداخل فهم فلسفته، ولكن ليست بالصياغة التقليدية، إنّما من خلال رؤية تنطلق من الذات، يقول حنفي: “لأول مرة أحسستُ بالرجفة الفلسفيّة وأنا استمع إلى ضربات قلبي وأُنصتُ إلى حديث نفسي، وكان الحديث في الذاتية والخلق والإبداع والجمال والأمّة ونهضة المسلمين ونقد الغرب يجد صداه في نفسي[…]تكويننا هكذا في مجتمع تراثي، لم نعش بعد عصر النهضة بالمعنى الأوروبي، أي التحول في نظرية المعرفة، وذلك أن المعرفة الأوروبية الحديثة لا تأتي من الماضي، ولكنها تأتي من العقل والطبيعة، ومن الحس[…]وكأنّ أحدًا كان ينتزع من نفسي انتزاعًا وكنت قد أهديتُ من قبل بحثي في الأخلاق إلى كلّ من يتغيّر فيتحرك فيبدعُ شيئًا جديدًا، وقول أحد الأساتذة: “هذا برجسون” فعرِفْتُ أنّني إقبال وبرجسون، وما أنْ سمعت عن القصدِّية حتى عرفت أنّ مصبيّ كان هوسرل في النهاية”[26].
ونرى أثر الظواهرية ظاهرًا في أغلب كتاباته سواء منها التراثية مثل”من العقيدة إلى الثورة” أو المعاصرة”من النص إلى الواقع” أو المستقبلية “حوار الأجيال” و”حصار الزمن” لا سيما أثناء معالجته لمفهوم العقل، حيث عمل على خلخلته وجعله أقرب إلى الشعور، وهذا يفقد العقل عقلانيته الصلبة ويجعله وسيلة للقراءة والاستعراض والتأمل والرؤى المثالية؛ ولعلّه في هذا المنحى الذي خطّه لنفسه عمل على تجديد شعور الإنسان العربيّ – الإسلاميّ عبر تحويل العالم بما فيه من موضوعات وأشياء مادية إلى مجرد ظواهر خالصة تبدو في الشعور وتكون مجالًا للإدراك الحسيّ.
فحسن حنفي وجد في الظواهرية المعرفة اليقينية، من خلال ما تؤدي إليه من وعي تاريخيّ ونظريّ وعمليّ، يستطيع دراسة الوافد الماضي والحاضر، من خلال التركيز على منهج تحليل الخبرات في الماضي والحاضر للوصول إلى نظرية محكمة، تستطيع أن تفسر الواقع بطريقة غير مثالية أو واقعية فقط، إنّما متوازنة تكاملية، تربط: “بين الذات والموضوع، بين الرائي والمرئي فلا تُضحي بالرائي في سبيل المرئي كما تفعل الوضعية، ولا بالمرئيّ في سبيل الرائي كما تفعل المثالية، الصورة تجمع ولا تفرق، تضم ولا تُشعب، تربط ولا تفكك حتى يستطيع الإنسان أن يعيش في عالم واحد قادر على التعامل معه بدل أن يعيش في عالمين”[27].
هذا، وربط حسن حنفي بين الظواهرية والتأويلية “الهيرمونطيقا” من خلال وظيفة الأخير بالربط النظري بين الأنا والعالم، والاتساق بين الذات العارفة وموضوع المعرفة، الذات تريد المعرفة بحواسها وذهنها، والواقع عصيّ عليها بعلاماته ودلالاته. هنا يأتي التأويل ليبني الجسور المعرفية بين الذات والموضوع حتى يصبح العالم مفهومًا معلومًا تستطيع الذات أن تعيش فيه وتتعامل معه وتسيطر عليه. والتأويل تأويل النص وتأويل الذات.
يقوم التأويل إذا ما توسط النص بين الذات والموضوع ويكون متعددًا في الفهم ومشتبهًا في الواقع ومتشابهًا بين اللغات، ويكشف عن صراع القوى داخل المجتمع، وعن صراع الذات مع نفسها، فالذات هي الأخرى نص ولغة ومنطق وتركيب، فيها يتكشف الآخر في النزوع والقصدية كما تتكشف العلاقات بين الذوات والطبيعة والزمان، ويقول حنفي حول هذا الأمر: “إنّ الغاية الباطنية من التأويل هو التأكيد على وحدة الذات والموضوع من خلال النص الذي يصوّر الموضوع من خلال المؤلف، ويفهمه الوعي من خلال القارئ. سواء كان الموضوع هو الله والتعالي أو الطبيعة والعالم أو الإنسان المجتمع. التأويل هو حوار بين المؤلف والقارئ حتى لو اختفى الموضوع وأصبح التأويل مجرد حوار بين الذات”[28].
واستفاد حنفي من الدراسات الفيلولوجية التي تعتني بالنصوص المكتوبة وتحقيقها وبالكلمات وتاريخها والمقارنة بين اللغات. فعلوم اللغة حققت تطورًا كبيرًا، وارتبطت مناهجها بمناهج العلوم الأخرى ذات الطابع النظري أو الطابع العمليّ أو هما معًا. ولما كانت لغة البحث العلمي من مكونات هذا البحث، ولما كانت الأزمة في دراسة التراث هي أزمة المناهج في البحث العلمي بالتالي لا بد من تجديد لغتها، من هنا استعان لأنّه: “فرض كل فكر جديد لغته، وبدأت كل حركة جديدة بتجديد اللغة أولًا إذ يحدث أحيانًا عندما تتطور الحضارة وتمتد وتتسع معانيها أن تضيق بلغتها القديمة الخاصة التي لم تعد قادرة على إيصال أكثر قدر من المعاني لأكبر عدد ممكن من الناس فتنشأ حركة تجديد لغوية، وتُسقط فيها الحضارة لغتها القديمة الخاصة وتضع لغة جديدة أكثر قدرة على التعبير”[29].
هذا، واستفاد حنفي من معطيات الفلسفة الغربية، لا سيما ما يتعلق منها بدور العقل العمليّ، وهنا يظهر تأثُّره الواضح برينيه ديكارت في التأمل الرابع من التأملات الفلسفية الأولى، التي أكد فيها على أنَّ الإنسان يخطئ لكون العقل لا يستطيع أنْ يُسيطر على كلِّ مظاهر الحياة الإنسانية فهي تحتاج إلى أخلاق مؤقتة، وهذا ما سيعود إليه كانط ويجعله أولويته عندما ذهب إلى القول إنّ العديد من المسائل النظريّة ليس لها إلّا حلّ عمليّ وبادر إلى نقد العقل النظريّ ثم إلى نقد العقل العمليّ الأمر الذي دفع الفلاسفة بعده أمثال نيتشه وشوبنهاور وشلنج وهيجل إلى إعطاء الأولوية للعقل العملي على العقل النظري، وبالتالي للحياة على الفكر، وللإرادة على العقل وللفعل على التأمل.
هذا، وكان سبينوزا إحدى الشخصيات المركزية التي تأثر بها حسن حنفيّ، ولا سيما قراءته النقدية للنّص الديني، التي يرى فيها أنّ النقد التاريخيّ للكتاب المقدس سابق على الإيمان بالمصدر الإلهيّ للكتاب، وهو الضامن لصحته من حيث هو وثيقة تاريخية تحتوي على الوحيّ الإلهيّ، وتحتاج إلى تحقيق تاريخي مضبوط، وبالتالي يعارض سبينوزا وجهة النظر التقليدية المحافظة التي تؤمن بألوهية الكتاب قبل تطبيق قواعد المنهج التاريخي عليه[30].
فحسن حنفي وجد نفسه يشتغل على الموروث التاريخي الإسلاميّ والغرب، وهذا الموروث لا يأخذه لنفسه إنّما من أجل تجديده، لذا كان لا بد من اعتماد النقد فيه، وهذا النقد يحتاج إلى مناهج وأساليب تاريخية تقوم على التحليل والتركيب والتفسير، من هنا كانت أهمية سبينوزا والمنهج التاريخي.
وأخيرًا، يبدو فيورباخ واضحًا في أعمال حنفي، وبشكل خاص من خلال حضور مفهوم الاغتراب لديه، حيث طبقه على الدين كله بما في ذلك وجود الله وصفاته والنبوة واليوم الآخر، حيث يقول: “ومن ثم يجعل علم الكلام موقف الإنسان في العالم موقفًا مغتربًا؛ لأنّه يتصور أنّ أمور الدّنيا إنّما تتحدد بأفعال ذات مشخصة من خارج العالم وليس بأوضاع العالم الفعلية”[31].
- في المنهج
ينطلق حنفي في منهجه من الظاهرة، وكيفية التعامل معها، فيعلن الدكتور حنفي رفضه لمناهج وأساليب المعرفة العلمية، وهو يقرر، صراحة، عدم جدوى دراسة الظواهر وفق المناهج العلمية الأكاديمية الإحصائية أو التطبيقية”، ويدعو إلى المعرفة الحدسية الطامحة إلى الاتصال المباشر بالفكر، ورؤية مباشرة للواقع”[32]، فالمعرفة ليست نتاجًا مجتمعيًّا- منهجيًّا مشروطًا بعلائق المرحلة التاريخية الاجتماعية، فهي شأن ذاتي فردي، يقوم به فرد متميّز، وهذا الشخص كأنَّه مختار من التاريخ لتحمل مسؤولية العصر. فالمعرفة الوحيدة المعترف بها هي معرفتي بما أراه بصورة مباشرة، وكل ما لا أراه بصورة مباشرة ليس يقينًا. إن الحكمة الإشراقية القديمة “اعرف نفسك”، تلخص بشكل جيد منهج المعرفة الحدسية، فالخروج إلى ما وراء حدود الذات يوقع الإنسان في الشكّ والنسبية والوهم.
وهذا الحدس الذاتي، يجعله حنفي أصلاً، ومن خلاله يقارب الظواهر، وعلى ضوئه يحاكم كل الاعتقادات، ليصل إلى النقطة المحورية في فكره، وهو العقل: “بيد أن موضوع العقل الذي يصل إليه الدكتور حنفي جراء تحليل محتويات شعوره كمسلم هو مضمون الوحي”[33]، ومن خلال هذا الوحي الذي يوصل إلى اليقين، يبدأ باشتقاق موضوع العلوم واستعادتها من أجل إعادة تكوينها على أسس تظهر يقينيتها بذاتها، وهي عند هذه النقطة تعود إلى الواقع لتتعامل معه، وتحاول أن تفسر الوحي على ضوئه. ولعلَّ هذه النقطة بالذات تظهر فهمًا ظواهريًّا مفارقًا للظواهرية الهوسرلية، التي كانت تقتضي أن يعلق الحكم حتى على الوحي، كما أنه في هذه النقطة يمزج بين الهوسرلي والماركسي، ليقيم منظومة فلسفية، _تحاول أن تنظر للواقع من خلال اليقين الإيماني_، ومن خلال التنظير يصل إلى العمل الثوري القائم على تغيير العالم.
لكن هذا حنفي المولع بالفكر الغربي والمتقن لكيفية اشتغاله، لا يعدم الحل، فهو وإن قال بالتغيير على نسق المقولات الماركسية، ولكنَّ هذه الماركسية التي استعان بها، هي ماركسية، هي ماركس الشاب المشبع بالروح الهيغلية، ولعلَّ هذا يزداد اتضاحًا عندما يبدأ باستعادة فكرة الروح المطلق الهيغلية، هذه الروح التي تمتاز بوجود موضوعيّ مستقل عن التاريخ باعتباره فكرًا يفكّر بذاته في الآخر. فيأخذ هذه الفكرة ويبدأ بتطبيقها على مستوى الوحي الإلهي، فهذا الوحي قد تدرج في النزول على الناس يهودية/ مسيحية/ إسلام، وميزة الأخير باحتوائه الوحي المطلق أو الروح المطلقة، وهكذا يكون الوحي الإسلامي هو الوحي بإطلاق، أي هو الفكر المطلق ذاته، وبالتالي يرتفع الإسلام من كونه دينًا؛ ليصبح بناءً مثاليًّا للعالم من جهة، ومكانًا محايثًا للوعي من جهة أخرى[34].
وبعد أن يحدد حنفي محتوى الوعي- العقل، يبدأ بمقاربته لموضوع المعرفة، فيرى الإنسان حاملًا للفكر، لا مبدع له، ولذلك يجب أن لا يقال مثلًا مذهب ابن الفارض، وابن عربي؛ لأن كليهما لم يبدعا مذهبًا، بل ظهرت وحدة الشعور ووحدة الوجود من خلالهما، وإن لم يظهرا فيهما لظهرا في غيرهما، فما الأشخاص إلا عوامل للأفكار وليس مصدرًا لها”[35].
هكذا، يقيم حنفي منهجه على دعائم ثلاث[36]:
- الأنا (موضوع الوعيّ الإسلاميّ= الوحي).
- الواقع المعيش (اللحظة المجتمعية الراهنة).
- الآخر.
وهذه الدعائم الثلاثة، ترتبط فيما بينها، بالضرورة بعلاقتين: علاقة اشتراط ضروري بين الأنا والواقع المعيش وعلاقة تضاد ضروري بين الأنا والآخر، وهذا الفهم المنهجي كلما تطابق استطاع المسلمون الوصول إلى النهضة الحضارية، وكلما افترقا حلّ الانحطاط والتقهقر، وفي التجربة الإسلامية خير مثال على هذا الأمر، فحينما خاطب “الشعور العام/ الوحي” “الشعور الفرديّ محمد [صلى الله عليه وآله وسلّم] حلّ الفكر المطلق في وعيّ المسلمين، فتشكل بذلك، الوعيّ الإسلاميّ/ الشعور الإسلاميّ، أي اكتسبت الأنا ماهيتها، وهذه الماهية مطلقة، لأنّها هي هي الفكر المطلق، الذي اُنزل استجابة لمتطلبات الواقع المعيشي، وموجهًا لنظرات وسلوك المسلمين حيال هذه المتطلبات.
فالعلاقة مع الوحيّ جوهريّة بالنسبة إلى حسن حنفي في الإسلام، وهذا ما وعاه المسلمون القدماء، فعملوا على استكناه الوحي انطلاقًا من واقعهم واحتياجاتهم وقضاياهم المستجدة، بالتالي هذا ما يضعنا أمام حقيقة أنّ التراث الإسلامي كان استجابتان، فمن جهة استجابة الإنسان للوحي عبر شعوره، واستجابة الوحي للإنسان من خلال علاقة جدلية مع الواقع، وهذا ما أدى إلى ازدهار موقفنا الحضاري الأوّل، فكانت: “السيادة على الأرض وانتشار الفكر وحضور الأيديولوجيّة ونشأة العلوم”[37].
- آليات إعمال المنهج
انطلق حنفي في آليات إعمال منهجه من الظواهرية الهوسرلية، فبعدما تتحوّل العلوم المدروسة إلى منطقة الوعي، لا يتمّ الحكم عليها مباشرة، إنّما يتمّ استخدام آليات محددة، هي:
أ. تقويس العلوم الإنسانية: أي توضع العلوم الإسلامية بين قوسين، فلا يتمّ إطلاق حكم عليها إيجابيّ أو سلبيّ، فهي عندما حضرت في منطقة الذات الشعورية تحوّلت إلى ماهيات كلية، تُقبل وتُجدد بناءًا على المخزون الشعوري المتراكم حولها وفوقها وأمامها، لذا فمصادر العلم كالوحي والمنطق والعلم التجريبي (الوحي والعقل والطبيعة) ليست محلًا للبحث في ذاتها، ولا تساؤل حول طبيعتها وثوابتها، وإنّما العلم هو هدف التجديد المرحليّ، حتى وإن توَّصل المشروع لبحثها يومًا، فقد تم تقويسها على الأقل حتى يكتمل تجديد العلم.
ب. رفع الأقواس: بعد أن يتمّ تقويس العلوم، يعود إليها الباحث مرة ثانية للتعامل معها بما يراه من العلوم والمناهج دون الحديث عن إمكانية قبول هذا المنهج أو رفضه، لأنّ المهم هو تجديد العلم.
ج. وحدة المرجعية: العلوم الإسلامية الأربعة؛ علم أصول الدين، وعلم أصول الفقه، والتصوف، والفلسفة الإسلامية، قدمت آليات مختلفات من أجل التفسير والفهم والتمثل، وتوحيدها هو أول الطريق لتجاوزها، توحيد المناهج النصية، والواقعية، والوجدانية، والعقلية، ثم تجاوزها بـ المنهاج آخر جزء من آخر قسم من الأقسام الثلاثة للمشروع[38]، وربما أخطر جزء كذلك. تقع وحدة العلم في خطر محو الثوابت المعرفية المنهجية بين علم وآخر، وسقوطها عمومًا، غير أن الصلة بين العلوم الأربعة مستمرة وراسخة لوحدة أحد المصادر (الوحي)، وتوحيدها يؤدي إلى تجاوزها كما سبق إلى غاية نظرية أشمل.
- سمات الفلسفة والمشروع: انطلق حسن حنفي في مشروعه الفكريّ من مميزات الحضارة العربيّة الإسلاميّة، بما هي أمّة تراثية تاريخية، ولكن سمّات هذا المشروع لم تنعزل عن شخصيته الخاصة التي تسعى إلى التجديد، وتعيش حاجز التجديد على رأس كلّ مئة عام، حيث اعتبر نفسه هذا المجدد، الذي سيخرج الأمة من أزمتها الحضارية، ويعيد ربطها بالعصر، ويتميز هذا المشروع بمجموعة من السمات، هي:
أ. التراثية: حيث شدد على حضوره كمخزون نفسي/شعوري حالّ في نفوس أبناء الأمة، ولا يمكن التعاطي معه-كما سنرى بعد قليل- كما تعامل الغرب مع تراثه، لذلك شكل الجبهة الأولى وهي أضخم الجبهات وأكثرها تفصيلًا: “لأنها أعمق في التاريخ إذ أنها تمتد إلى ما يزيد على الألف وأربعمائة عام. وهي الأكثر حضورًا في وعينا القومي وتاريخنا الثقافي”[39]، كما أنّه النقطة المحورية التي يجب العمل عليها من أجل تجديدها.
ب. التجديدية: لما كان هدف المشروع التجديد، فلا يمكن القيام بذلك دون تجديد اللغة ومنطقها، وتجديد مستويات التحليل وتجديد البيئة الثقافية عبر: “إعادة فهم التراث حتى يمكن رؤية الواقع ومكوناته”[40]، هذا وتأتلف السمة الأولى والثانية لتؤسسا معًا أحد أبرز انشغالات المشروع المتمثل بتجديد التراث.
ج. النقدية: لا يعود التراث في مشروع حسن حنفي مجرد عودة، إنّما هو عودة نقدية، نقد الذات التراثية ونقد تراث الآخر من أجل بناء العلم طبقًا لاحتياجات المجتمعات.
د. التثوير: فمشروع حسن حنفي ليس نظريًّا، هو يستهدف المجتمع ويعمل على تثويره عبر أيديولوجيا جديدة، تشكل البعد النظري للواقع العملي، فعنوان محاولة إعادة بناء أصول الدين “من العقيدة إلى الثورة” يدلّ على تثوير علم الكلام ليتحول من نظرية في العقيدة إلى نظرية في السلوك، بل إلى علم الإنسان يرتبط بالواقع لتغييره وبنائه من جديد، وهذا ما ينطبق على كلّ علم من علوم المسلمين.
ه. المنهجية: لا يمكن بناء المشروع الحضاري إلا من خلال العمل المنهجي المنظم، لذلك كانت السمة المنهجية عنصرًا محوريًا في فلسفة حنفي، وفي هذا المجال رفض النزعة الخطابية في التقليد الديني والنزعة الاستشراقية، ودعا إلى تعدد منهجي -كما أوضح البحث- يعيد بناء التراث ويستغله في بناء الحاضر وتغيير الواقع، كما يدرس الآخر ويضعه في مكانه الطبيعي ويستفيد منه ويقضي على الأزمة من الداخل والخارج.
و. النسقية: ويتمظهر في تكامل العمل على الجبهات الثلاث، حيث نجد الجبهتين الأولى والثانية تصبّان في الواقع وفي كل موقف حضاري توجد عوامل الإبداع الوافد والموروث والواقع، كما يوجد تطابق في أبعاد المشروع الزمانية الحاضر والماضي والمستقبل كما تُردّ الجبهتان إلى النقل والإبداع. “والجبهات الثلاث ليست منفصلة عن بعضها البعض بل تتداخل فيما بينها ويخدم بعضها بعضًا. فإعادة بناء التراث القديم بحيث يكون قادرًا على الدخول في تحديات العصر الرئيسية يساعد على وقف التغريب الذي وقعت فيه الخاصة، وهي لا تعلم من التراث إلا التراث المضاد لمصالح الأمة والذي أفرزته فرقة السلطان. فلم تجد حلًّا إلا في التراث الغربي”[41].
ز. العقل: هو مقياس لكلّ ما يتعلق بالإنسان، شرط تطابق ما ينتجه العقل مع الواقع، إذ يرى حنفي أنّه “لا يؤخذ شيء على أنه حق إن لم يعرض على العقل والواقع”[42]، فالإنسان يعيش تجربته الإنسانية بما هي علاقة عملية، وهذا يقتضي إدراك حقيقي لذاته والواقع الذي تعيش فيه، وهذا ما يجعل: “لا يوجد صمّام أمان إلا في وعي الإنسان بذاته، وليس في عقدة “القبة السماوية”[43]، فالخالق المبدع لهذا الكون خلق العقل بالإنسان لغاية تدبير شأنه الإنساني بحضور الوحي أو بالمعزل عنه، لذلك بإمكان العقل التنظير لكلّ شيء: “وإنْ شئنا تبرير كلّ شيء”[44]، وهذه الطبيعة المميزة للعقل لا تقف عند حدود الرؤية الآلية الخاصة به، بل تجعله يتدخل في مضمون الوحي وتفسير محتواه، فيقدم البراهين على التوحيد والتثليث بشكل منطقي، وسنتوسع في تفسير هذه النقطة أثناء الحدث عن علاقة العقل بالوحي وآلية عمله.
ح. أصالة العمل: أولى حسن حنفي العمل أهمية مميزة، فالإنسان بالنسبة إليه مكلّف بالعمل لذلك أُعطي حرية الاختيار التي أدت إلى قيام الحضارة، يقول: “هو الاختيار وراء قيامها[الحضارة] وانتشارها قبل أن تهزم وتتوقف”[45]، وهذا يعني أنّ حياة الإنسان وحضارته لا تقوم إلا من خلال العمل، وهي تزوي عندما تتحول إلى مجرد نظر، لأنّ: “صحة أي نظرية مرهونة بفائدتها العملية”[46]؛ فالأفكار لا قيمة لها بذاتها، بل: “قيمة الأفكار هو آثارها في السلوك”[47]؛ وعلى ذلك لا تُقيم الأمور من خلال مطابقتها للحق إنّما من خلال مطابقتها للواقع ومدى تأثيره عليه، وعلى ذلك: “لا توجد هناك حلول صائبة وأخرى خاطئة، بل توجد حلول فعّالة ومؤثرة”[48].
ط. التغيير والتطوير: الفكر المنهجي لا يكتفي بعرض الواقع، إنّما يسعى على تطويره وتغييره، ويؤكد حنفي في هذا المجال ما ذهب إليه هربرت ماركيوز من أنّ رسالة الفكر رفض للواقع القائم وتجاوز تبرير وضعيته خاصة إذا حدث التشابك في المجتمع وتأزمت الأوضاع والمشاعر، ولا يكون الحل وقتئذ إلا بالثورة على الواقع من أجل التغيير والتعبير عن المكبوت وازدواجية الشخصية والفكر والكلام، من هنا دعا حنفي إلى ضرورة تطوير وتغيير مناهج العلوم الإسلامية، مما يسمح بالانتقال بها من علم الله إلى علم الإنسان، وأن ننتقل من علم العقائد الدينية إلى علم الصراعات الاجتماعية، فليس التراث الماضي فحسب، بل هو معطيات الحاضر أيضًا وهو جزء من الواقع فنحن كما يقول: “نعمل مع الكندي كلّ يوم، ونتنفس الفارابي في كلّ لحظة، ونرى ابن سينا في كلّ الطرقات، بالتالي يكون تراثنا القديم حيًّا يرزق يوجه حياتنا اليومية”[49].
مصادر البحث:
[1] حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة، (بيروت، دار التنوير والمركز الثقافي العربي، الطبعة 1) الجز1، من الصفحة 64 إلى الصفحة 75.
[2] حسن حنفي: قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر، (القاهرة: دار الفكر العربي، الطبعة 1، 1976)، الجزء 1، الصفحة 37.
[3] حسن حنفي، التراث والتجديد، (بيروت: دار التنوير، الطبعة 1، 1981)، من الصفحة 34 إلى الصفحة 28.
[4] حسن حنفي، التراث والتجديد، الطبعة 1، مصدر سابق، من الصفحة 38 إلى الصفحة 41، وحسن حنفي، قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر، مصدر سابق، من الصفحتان 43 و44.
[5] حسن حنفي، التراث والتجديد، مصدر سابق، الصفحتان 41 و48.
[6] حسن حنفي، الدين والثورة في مصر الأصولية الإسلامية، (القاهرة، مكتبة مدبولي)، الجزء 6، الصفحة 250.
[7] حسن حنفي، التراث والتجديد، مصدر سابق، الصفحة 16.
[8] حسن حنفي، دراسات فلسفية، (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة 1)، الصفحة 136.
[9] حسن حنفي، التراث والتجديد، مصدر سابق، الصفحة 11.
[10] علي مبروك: “التراث والتجديد ملاحظة أولية“، ضمن كتاب “جدل الأنا والآخر”، (القاهرة، مكتبة مدبولي الصغير)، الصفحة 36.
[11] حسن حنفي وعبد الله المرزوقي، في النظر والعمل والمأزق الحضاري الراهن، (دمشق: دار الفكر، الطبعة 1، 2003)، الصفحة 293.
[12] حسن حنفي، هموم الفكر والوطن (التراث والعصر والحداثة، الطبعة 2)، (القاهرة، دار قباء، 1998)، الصفحة 173.
[13] – حسن حنفي، موقفنا الحضاري، مقال مقدم إلى المؤتمر الفلسفي العربي في الجامعة الأردنية بتاريخ 8/12 كانون الأول 1983.
[14] – حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة، مصدر سابق، الجزء3، الصفحة87.
[15] حسن حنفي، حوار الأجيال، (القاهرة: دار قباء، الطبعة 1، 1998)، الصفحة 155.
[16] المصدر نفسه، الصفحة 156.
[17] يورد حسن حنفي انتقادًا لسيد قطب في كتابه حصار الزمن، لأنّ الأخير قد ألغى العقلانية من برنامجه التغيّبريّ في كتاب خصائص التصور الإسلاميّ ومقوماته، ويقول بهذا المجال: “للسيد قطب يتسم الفكر الإسلاميّ بسبعة خصائص ليس من بينها العقل أو العقلانية وهي: الربانية، الثبات، الشمول، التوازن، الإيجابية، الواقعية التوحيد”، حسن حنفي: حصار الزمن الحاضر(إشكالات(، (القاهرة: مركز الكتاب للنشر، الطبعة 1، (2004، الصفحة 144.
[18] يقول سيد قطب عن الفصام النكد: “الفصام النكد هو الذي تستوي في القيام على أساسه كلّ الأنظمة السائدة في عالم الرجل الأبيض، والذي يستوي فيه الروسيّ والأمريكيّ، والإنجليزيّ والفرنسيّ، والسويسريّ والسويديّ… وسائر من يتبعهم في الشرق وفي الغرب سواء. إنّه ليس هنالك فارق حقيقيّ- من ناحية الأصل الوضعيّ لهذه الأنظمة كلّها!- ولا عبرة بأن تكون الكنائس مثلًا مفتوحة الأبواب في أمريكا الرأسمالية؛ أو مغلقة الأبواب في روسيا الشيوعيّة؛ أو مهملة لا لها ولا عليها – مع ضمان حرية الإلحاد- في السويد الاشتراكية. لا عبرة بهذه الفوارق الشكلية ما دام أنّ النظم الاجتماعية، والمذاهب الفكرية في هذه البلاد كلّها ليست منبثقة انبثاقًا من التصور الإلهيّ الاعتقاديّ الإلهيّ، الذي يكفل – وحده- التفسير الصحيح لحقيقة الوجود وعلاقته بخالقه؛ ولحقيقة الإنسان ومركزه في هذا الوجود؛ ولغاية وجوده الإنسانيّ… هذه العناصر الأساسية التي تنبثق منها أسس النظام الاجتماعي، كما تنبثق منها مناهج الفكر الصحيحة، الموصولة بفطرة الإنسان الحقيقية، الملبية لحاجات الإنسان الحقيقية كذلك”[سيد قطب، المستقبل لهذا الدين، (دار الشروق، القاهرة/بيروت، 1981)]، الصفحة 53.
[19] حسن حنفي، ماذا يعني علم الاستغراب؟ (بيروت، دار الهادي، الطبعة 1، 2000)، الصفحة 47.
[20] حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، الطبعة 1)، الصفحة 688.
[21] أور مغيث، التغير والثورة، ضمن كتاب جدل الأنا والآخر، مصدر سابق، الصفحة 236.
[22] لقاء خاص مع الدكتور علي زيعور عن مرحلة دراسته الجامعية، وفي أثناء اللقاء التكريمي الذي أقامه معهد المعارف الحكمية نقلت سؤالًا للدكتور حنفي من الدكتور علي زيعور عن تلك المرحلة، لم يظهر اهتمامًا وادعى أنّ الذاكرة تخونه.
[23] كما أورد في مقدمته لكتاب محمد بلال أشمل، نبي أورفليس المسلح: لاهوت التحرير في التجربتين المسيحية والإسلامية، الصادر عن دار الاختلاف في المغرب.
[24] محمد بلال أشمل، نبي أورفليس المسلح: لاهوت التحرير في التجربتين المسيحية والإسلامية، الصادر عن دار الاختلاف في المغرب.
[25] المصدر نفسه، المعطيات نفسها.
[26] أنظر هامش: حسن حنفي، دراسات إسلامية، (بيروت: دار التنوير، الطبعة 1، 1981)، الصفحة 268.
[27] حسن حنفي، حصار الزمن، إشكالات، مصدر سابق، الصفحة 265.
[28] حصار الزمن، إشكالات، مصدر سابق، الصفحة 78.
[29] حسن حنفي، التراث والتجديد، مصدر سابق، الصفحة 209.
[30] أنظر: سبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، الصفحة 21.
[31] حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة، مصدر سابق، الجزء1، الصفحة 86.
[32] حسن حنفي، من التراث إلى الثورة، مصدر سابق، الجزء 1 الصفحة 8.
[33] المصدر نفسه، الجزء1، الصفحة 72.
[34] من التراث إلى الثورة، مصدر سابق، الجزء المقدمات.
[35] المصدر نفسه، الجزء 3، الصفحة 113..
[36] ناهض الحتر، التراث الغرب الثورة، (عمان: شقير وعكاشة للطباعة والنشر، الطبعة 1، 1986)، الصفحة 88.
[37] حسن حنفي، قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر، مصدر سابق، الصفحة 56.
[38] حسن حنفي، من النص إلى الواقع، ( القاهرة: مركز النشر للكتاب، الطبعة 1، 2005)، الجزء 2، الصفحة 185.
[39] حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، مصدر سابق، الصفحة 10.
[40] حسن حنفي، التراث والتجديد، مصدر سابق، الصفحة 34.
[41] حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، مصدر سابق، الصفحة 12.
[42] حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 11.
[43] المصدر نفسه، المعطيات نفسها.
[44] المصدر نفسه، المعطيات نفسها.
[45] حسن حنفي وعبد الله المرزوقي، في النظر والعمل والمأزق الحضاري الراهن، الصفحة 156.
[46] حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 200.
[47] المصدر نفسه، المعطيات نفسها.
[48] المصدر نفسه، المعطيات نفسها.
[49] حسن حنفي، التراث والتجديد، مصدر سابق، الصفحة 17.
المقالات المرتبطة
منهجية سيد قطب في قراءة الإسلام
شكّل الإسلام السياسي منذ سقوط السلطنة العثمانية، وإلى يومنا هذا، الشغل الشاغل للمهتمين بالواقع السياسي للعالمين العربي والإسلامي…
تأمّلات بشرية في حمل ومولد الكلمة المقدّسة السلام على الأرض والمسرّة للناس
في عيد ميلاد السيد المسيح، نذكّر أنفسنا والناس جميعًا، بالسلام والمحبة، والتي هي خلاصة دعوة المسيح عيسى(ع)، وهي نفس دعوات كل الأنبياء، وكل المصلحين، وكل الأديان السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام
تجليات عبقرية الشهادة في جدلية الموت والحياة
إلهي يداي خاويتان… لكنني ادّخرت في يداي شيئًا وأملي معقود على هذا الشيء، إنهما كانتا ممدودتين إليك… وعندما كنت أضعهما لأجلك على الأرض وعلى ركبتي، وعندما حملت السلاح بيدي لأجل الدفاع عن دينك.