الطقس منظورات أنثروبولوجية
تمهيد
أفرد كريستوف فولف في كتابه الموسوم “علم الأناسة التاريخ والثقافة والفلسفة” فصلًا كاملًا حمل عنوان: إعادة اكتشاف الشعائر، ومهما كان من أمر المفردة هل استعمل فولف الشعيرة أم الطقس فهو أمر لا حاجة للجدل فيه؛ لأن معاجم الأنثروبولوجية على الأقل تتعامل مع Ritual بمعنى واحد كما نجده عند شارلوت سيمور وسميث، بيد أن العنوان المستعمل للفصل “إعادة اكتشاف الشعائر”، والنص الأول الذي يُفتتح به الفصل “منذ عهد قريب أعادت علوم الإنسان اكتشاف الشعائر، فبعد تهمة “عدم الشفافية الجديدة”، وسقوط الاشتراكية وخسران القيم لا يعد ذلك بالأمر المفاجىء (…) فإذا كانت الشعائر في علاقتها بالاشتراكية الوطنية “النازية”، وفي حركة التحرّر لجيل 68 قد عولجت قبل كل شيء تحت عنوان: التحجّر، فإنّ دورها الاجتماعي المنتج صار اليوم اهتمام البحث به أكبر”[1]. يحيل إلى تلك المواجهة التي حملها الاتجاه المادي في التفسير والتي ترد بصرامة على تهمة أنها المتسبّب في إهمال وضياع حقول واسعة من المعرفة بسبب ما يسمّى “الجرعة الزائدة من العقل” في مقابل تهمة “الرَوحنة” كما يسميها مارفن هاريس أحد رواد الاتجاه المادي في تفسير الثقافة “الأعراف والمؤسسات تبدو محيّرة هو أننا لُقِّنّا كيف نثُّمنْ التفسيرات المُرَوحنة Spiritualized (…) يدعي عصرنا أنه ضحية الجرعة الزائدة من العقل، ويجتهد العلماء بروح انتقامية، في محاولتهم البرهنة على أن العلم والمنطق لا يمكنها تفسير التنوعات في أنماط الحياة البشرية”[2]. ولهذا فولف يذهب لما يعدّه تعويض “وإذا كنّا لأمد طويل نرى الشعائر أداة حد أو حتى اضطهاد لمجالات حركة الحرية الفردية، فإننا نفهمها الآن من جديد كأشكال مهمة في الفعل الاجتماعي الذي هو من مقوّمات تشكّل الحياة الفردية والجماعية، وينبغي للشعائر أن تسهم في تعويض ما ضاع من الهوية والحياة الجماعية والنظام والأمن، وهي كلها ذات صلة بالتآكل المتزايد للأنظمة الاجتماعية، وبتزايد الفردانية، وكذلك بتزايد دور التجريد في أنظمة الحياة”[3].
وقبل الانتقال إلى ما يعدّه فولف مراحل تطور البحث حول الشعيرة، أو كما يطلق عليها بالمبادرات الأربع، هنالك بعض الأبعاد المتعلّقة بدراسته للطقوس، وهي:
ـــ الطقوس في الحياة والدين.
“يكاد دور الشعائر أن يكون دورًا مركزيًّا في كل ميادين الحياة، فالشعائر مما لا يمكن الاستغناء عنه في الدين والسياسة والاقتصاد والعلم والأسرة والمدرسة”[4]. “من الواضح أن السلوكيات الطقسية هي عامل مهم للغاية في الحياة الثقافية؛ لأنه من المستحيل أن نفكّر في ثقافة لا وجود للطقوس فيه”[5]. “يرسم المعتقد صورًا ذهنية واضحة وقوية التأثير للعوالم القدسية، ولكن الأفكار وحدها لا تصنع دينًا بالغًا ما بلغ من وضوحها واتساقها”[6].
ــــ الطقوس المتعالية.
“... ففي حين أن الشعائر الاجتماعية الكبرى لها علاقة بيّنة بالتعالي (…) شعائر الذكر التعبّدي تعرف بعلاقتها بالتعالي، فهي تقترب من المقدّس بالأولى في شكل موقف متسائل وتفتحه على ‘نشاط منفعل'”[7]. “في وسع مقارنة بين قصيدتين أن تشير إلى الاختلاف القائم بين ما هو مجرّد تمجيد “عقلاني” للألوهة، وما يحمل على الإحساس بما ليس عقلانيًّا، أي على الألوهي، من حيث كونه سر رهيب. إنّ بمقدور غيليرت أن يتغنّى، وكله حماسة ورقة بما في ‘جلال الله من الطبيعة'”[8].
ـــ ظاهرة الطقس.
“إنّ تنوع الشعائر يطابق طيفها ذا الاتساع الممتد، ففي حين أن الشعائر الاجتماعية الكبرى لها علاقة بيّنة بالتعالي غير بيّنة للعيان في الكثير من الشعائر اليومية، وفي شعائر التفاعل التي تتداخل ترتيباتها المشعرية في غالب الحالات مع الأفعال اليومية، والحسم في أن ترتيبًا منظريًّا “ينظّم العرض ويخطط له” هو في غالب الأحيان من الشعائر أم لا، ليس بالأمر البسيط، وبخلاف المجتمعات التي لها صورة منغلقة عن العالم وعن نفسها، المجتمعات التي تكون الشعائر فيها وحيدة الدلالة وقابلة للتعيين يكون تحديد الشعائر في المجتمعات الحديثة بالأحرى أمرًا عسيرًا في المجتمعات التي صورتها عن العالم وعن ذاتها ذات انفتاح نسبي، والمطلوب بالذات في ما يتعلق بتزايد التمييز النسبي الاجتماعي هو أن نوسّع مفهوم الشعيرة، ولا يمكننا من دون مفهوم للشعيرة ذي تصور أشمل أن ندرك ظاهرة شعائرية جديدة مميزة للعلاقات الاجتماعية الراهنة وأن نحلّلها، وتقتضي هذه الوضعية أن نحدّد في حالة عينية العلة التي لأجلها تعتبر إحدى الظاهرات الاجتماعية شعيرة فتؤول التأويل المناسب“[9]. “نجد من بين أفعال الحياة الدينية أفعالًا تقليدية، أي يتم إنجازها وفق شكل متعمّد من قبل الجماعة أو سلطة معترف بها، كما نجد أفعالًا أخرى، على غرار الممارسات الزهدية الفردية، مثلًا على العكس من ذلك محض شخصية، ولا تتكرّر، وغير خاضعة لأي تقعيد، وبالطبع فإن الوقائع المسمّاة عادة طقوسًا تدخل ضمن الفئة الأولى (…) جميع الأفعال التقليدية ليست طقوسًا”[10].
في إطار الآفاق التأريخية لتطور البحث في الشعائر، يعتقد فولف أن هنالك مبادرات بفضلها يمكن فهم تعقّد ما يُطلِقْ عليه “الشعائر و المشعرة” ويدعوا للتمييز بينها:
أ. المبادرة الأولى يتمّ التوكيد على علاقة الترابط بين الدين والشعيرة والأسطورة “جيمس فريزر، ورودولف أوتو، وميرسيا إلياد”.
وفي هذه المبادرة يرى فولف أن البحث يتعلق بالعلاقات المترابطة بين الدين، نشأة المجتمع والشعيرة، وفي هذا المضمار فإن مسألة: هل مصدر الدين يكمن في الأسطورة أم في الشعيرة مسألة مركزية؟
جيمس فريزر: يرى جيمس فريزر أن الشعائر الأولى مرتبطة بالمعتقدات الدينية، وأن الأساطير ليست إلّا شكلًا من عرض وتأويل الممارسات العقدية[11]. “وأخبرنا هورودتس عن وجود ضريح أوسيريس في سايس في مصر الدنيا، وأن هناك بحيرة يُعرض فيها معاناة الإله الغامضة في دجى الليل، وكانت تقام ذكرى معاناة الإله مرة كل سنة ينوح الناس فيها ويلطمون على صدورهم لإبراز حزنهم على فقدان الإله، ويحملون في هذه المناسبة صورة بقرة مصنوعة من الخشب المذَّهب وبين قرونها الشمس الذهبية، إلى قاعة تبقى فيها طوال السنة أو تصور على شكل امرأة برأس بقرة، وربما يرمز نقل الصورة إلى بحث الإلهة عن جثة أوسيريس الميت؛ لأن هذا يتساوق مع تفسير المصريين لطقس مماثل كان يقام بلوتارك (…) إذ ساد اعتقاد يقول: إن أرواح الموتى تزور بيوتها القديمة في ليلة واحدة”[12].
رودلف أوتو: “… إن محاولة تعبيرنا عنه بأفهوم إن هي، في الوقت نفسه ؛ سوى محاولة فاشلة، فالسر كأفهوم ينمّ عما استتر وغمض وليس إلّا، وعمّا فاق التصور أو الإدراك، وخرج عن المعهود والمألوف، ولا يحدّد اللفظ موضوعه تحدّيًا أشدّ إيجابية في ما يتعلق بطابعه النوعيّ، ولكنه وإن كان المبلَّغ عبر اللفظ سلبيًّا، فالمقصود إليه شيء إيجابي، على نحو مطلق وكثيف، إن هذا الإيجابي الصرف نستطيع أن نختبره بالأحاسيس، وهي أحاسيس تقدر مناقشتنا أن تساعد في جلائها لنا، ما دام يثيرها فعلًا في قلوبنا“. وتتضمن مناقشه أوتو اختبار ما يسمّيه بالأحاسيس التي تعجز اللغة عن تصويره تتمثّل بـ “عصر المهابة، عصر الجبروت، الزخم أو العجالة، ذوات الغيرية التامّة، الاستحواذ“[13]. “بإلحاح يؤكّد أوتو على أنه لأجل وصف المقدّس، فإنّ الإنسان لا يستعمل إلا ترميزات فكرية، فليس بإمكانه الإحاطة بالمقدس إلا بواسطة بعض الصور والأشكال من التعابير الأدبية التي هي لغات خاصة بالإنسان، ولكن يصعب استنتاج انتماء المقدّس إلى صنف الأشياء المرئية والقابلة للتحديد عبر اللغة، فليس بمقدور اللغة الإنسانية مدَّنا سوى بتصور غير واف بالغرض لمقدّس يبقى دائمًا أمرًا مخفيًّا (…) هنالك بعد آخر للمقدّس غائبًا عن أوتو، إذ ليس المقدّس تجربة نفسية أو صوفية لتجلٍّ إلهي مُعاش بطريقة فردية فقط، فالإنسان يصعب عليه إدراك المقدّس إلا بفضل وساطة وقائع عينية، أو ذات طابع طقوسي أو أخلاقي أو اجتماعي”[14].
ميرسيا إلياد: تحت عنوان: “الطقوس ونماذجها الإلهية“، يقول ميرسيا إلياد: “لكل طقس مثال إلهي أصلي Archetype؛ هذه الحقيقة معروفة جدًّا حتى لنستطيع أن نسوق عليها أمثلة كثيرة “يجب علينا أن نفعل ما فعله الآلهة في البدء”، ساتاباتا براهمانا، توجز لنا هذه الحكمة الهندية مجمل النظرية المستترة في طقوس جميع الأديان، وإننا لنجد هذه النظرية عند الأقوام التي نسميها بدائية كما نجدها في الثقافات المتطورة (…) جميع الشعائر الدينية يُفترض أن الآلهة أو أبطال التمدين أو الأسلاف، أو الأسلاف الميطيقون قد أنشؤوها، وعند البدائيين، ليست الطقوس وحدها هي التي لها مثال ميطيقي وحسب، وإنما كل فعل بشري فإنما يكتسب فاعليته بمقدار ما “يكرّر” فعلًا قام به؛ في مبدأ الزمان، إله أو بطل أو سلف”[15]. أما ما يتعلق بالتجسّد والقائم على قدرة الإعادة والتكرار، أو كما يطلق عليه سابينو أكوافيفا، وإنزو باتشي بأن من عناصر الممارسة الدينية “وجود مجموعة من الطقوس يجري تكرارها دوريًّا”[16]. إذن، جميع الطقوس الدينية هنالك من أنشأها كما يرى إلياد، وهنا يأتي السؤال عن هذه النشأة، يقول ميرسيا إلياد: “إن المفاهيم الميتافيزيقية في العالم القديم لم تكن مصوغة دائمًا في لغة نظرية، وإنما كان الرمز والأسطورة والطقس تعبّر عن أصعدة مختلفة وبوسائل خاصة، عن نظام يمكننا اعتباره نوعًا من الميتافيزيقيا في هذه المجتمعات”[17]؛ وهذا لا يعني أن التعبير الميتافيزيقي عبر الرمز والأسطورة والطقس هو تفسيرٌ للطقوس وللرموز والأساطير في ذلك الزمن القديم، بل أن هنالك ما يطلق عليه إلياد بـ “الإعادة والتكرار”، والمقترن بالفاعلية، هذا المعنى يطلق عليه مارسيل موس “الطقس إذن فعاليّة ماديّة حقيقيّة (…) الطقوس سلوك تقليدي فعّال”[18]. والأسطورة بوصفها تعبير ميتافيزيقي “ولأن الأسطورة واقعية ومقدّسة لهذا غدت نموذجًا، وبالتالي قبلت الإعادة والتكرار، وباتت القدوة، وراحت أيضًا تقدّم التبرير لكل ما يأتي الإنسان من فعل. بتعبير آخر، تدل الأسطورة على تأريخ حقيقي جرت أحداثه في بداية الزمان، وتفيد كنموذج لسلوك البشر، إن الانسان من المجتمعات القديمة، بمحاكاة الأفعال النموذجية التي أتاها إله أو بطل أسطوري”[19]. وهنا يمكن الاستعانة مرة أخرى بمفهوم الفاعلية الذي يشير له مارسيل ماوس عندما يبحث التمايز ما بين العادة والطقس “فلئن كان شرب مواد سامّة هو ما ينتج حالة من الانتشاء الجسمي، إلا أن ذلك يغدو طقسًا عند من ينسبون تلك الحالة، لا لأسبابها الحقيقية، ولكن لتأثيرات خاصة”[20]. تنتمي فكرة ميرسيا إلياد إلى تلك التوجهات المتجاوزة لتراث كبير يتعلق بـ “ما هي الأسطورة؟”، بيد أن ما يتعلق بسياق البحث ينحصر بما عبّر عنه فولف “الدين والأسطورة”، بالإضافة إلى مفهوم “الأساطير الأولى”. “… غير أن أمرًا واحدًا يشدّ انتباهنا منذ البداية وندل عليه بالقول: في تلك المجتمعات القديمة، من المفروض أن تعبّر الأسطورة عن الحقيقة المطلقة، لأنها تروي تأريخًا مقدّسًا؛ أي تكشف عن وحي يتجاوز حدود البشر، حصل في فجر الزمان الكبير، في زمان البدايات المقدّس، وفي ذلك الزمان القديم “[21]، و “الأسطورة تروي تأريخًا مقدّسًا، أي حادثة أولية جرت في بدء الزمان البدء الجديد، ولكن رواية تأريخ مقدّس تعدل إماطة اللثام عن سر، لأن أشخاص الأسطورة ليسوا بكائنات بشرية، إنهم آلهة أو أبطال أسّسوا حضارات. لذا فإن حركاتهم تؤلّف أسرارًا (…) وإن قول أسطورة هو إعلان ما حدث من الأصل، وعندما تروى أسطورة؛ أي تُكشف، فإنها تصبح حقيقة دامغة، إنها هي أساس الحقيقة المطلقة”[22]. “وكما هو معلوم فإنّ الأسطورة الحية تظل مرتبطة دائمًا بنوع من العبادة، وأنها تلهم وتبرّر سلوكًا دينيًّا معينًا”[23]. وفي هذا المجال لا بدّ من الوقوف على فكرة يقدّمها إلياد تتعلّق بالكيفية التي صارت الأسطورة تُقرأ، ومبادرته بهذا الشأن “منذ أكثر من نصف قرن، أسّس العلماء الغربيون لدراسة الأسطورة في منظور يختلف اختلافًا بيّنًا عن منظور القرن التاسع عشر، مثلًا … فبدلًا من أن يتعاملوا مع الأسطورة كما فعل العلماء بالمفهوم العادي للكلمة، أي بمعنى “حدوتة أو تلفيق، أو تخيل”، فهموها مثلما كانت مفهومة في المجتمعات القديمة (...) لكن هذه القيمة الدلالية الجدّية التي منحتها كلمة الأسطورة تجعل من استعمالها في اللغة الدارجة أمرًا يبعث على شيء من الالتباس، ومن أجل تجاوز هذا الالتباس يقوم إلياد بـ… سوف نلح على تأريخ المعاني التي اكتساها مصطلح الأسطورة“[24]، كل ما ينقل يتموضع بالطقس والأسطورة كتعبيرات فاعلة ومتكررة، هذا ما يراه إلياد، بيد أن السؤال الأهم كيف يمكن تحليل المعاني المضمرة في الطقوس والأساطير والرموز، بل أكثر من ذلك: كيف تجيب الطقوس “وهي محل البحث” عن أسئلة في تاريخ وثقافة ممارسيها؟ يقول ميرسيا إلياد: “إن من الأساسي أن نتفّهم ما تنطوي عليه جميع الرموز والأساطير والطقوس من معنى عميق لكي نستطيع ترجمتها بلغتنا المعتادة، فلو كلفنا أنفسنا عناء الغوص على المعنى الأصلي الذي تنطوي عليه الأسطورة القديمة، أو الرمز القديم لوجدنا أن هذا المعنى يكشف عن وعي لموقف معين من الكون، وعن موقف ميتافيزيقي بالتالي“[25].
المبادرة الثانية: وفي مركز الثقل الثاني تمكّن الشعائر فهم البنى الاجتماعية “إيميل دوركايم، وأرنولد فان جينيب، وفكتور تورنر).
المبادرة الثالثة: تقرأ الشعائر كنص حتى نتمكّن بذلك من فك أسرار الحركة الثقافية والمجتمعية لمجتمع معيّن ” كليفورد غيرتز، ومارشال سالنس”، وبذلك يمكن البحث في الشعائر من فهم دلالة الترميزات الثقافية، وهنا تكمن كذلك جل البحوث الجديدة “كاترين بل، ورونالد جريمس، وفكتور تورنر، وهنس جيورجزوفنار”[26].
كليفورد غيرتز: تحتل الطقوس حسب جيرتز، أهمية كبرى داخل النسق الديني، فهي التي تجسد بالأساس عملية الدمج التي تقوم بها الرموز المقدّسة بين النظرة إلى الكون ونظام القيم، فالفهم الدقيق للكيفية التي يفكر فيها الناس يمر بالضرورة عبر فهم سلوكاتهم وتصرفاتهم في سياق الأحداث الاجتماعية، ولذلك فإن فهم الدين الذي يتم انطلاقًا من فهم نظرة المؤمنين إلى الكون، يمر بالضرورة عبر دراسة الأشكال الثقافية التي تعني حسب جيرتز “بناء وإدراك واستعمال الأشكال الرمزية”. و”هذه الأشكال الرمزية هي بالأساس وقائع اجتماعية ذات طابع عمومي كالزواج، وقابلة للملاحظة كالزراعة”. ومن أجل فهم تصورات غيرتز للطقس يستحسن الوقوف عند مفهومه للثقافة الذي يشكل مدخله لأفكاره في الكثير من الموضوعات؛ يقول غيرتز: “…إن مفهوم الثقافة الذي اعتنقه هو بالأساس مفهوم سيميائي “Semiotic”، وأنا مقتنع مع ماكس فيبر أن الانسان هو حيوان عالق في شبكات رمزية، نسجها بنفسه حول نفسه، وبالتالي أنا أنظر إلى الثقافة على أنها هذه الشبكات”[27]. وضّح وفسّر كليفورد غيرتز منهجيته التفسيرية ومقاربته البنيوية والخاصة للثقافات بوصفها “شبكات للمعنى” (…) وأصبحت معالجته للثقافة تميل بشكل أكبر نحو النظرية الدراماتيكية “” dramaturgical[28]. وفي هذا الصدد سيتم تناول المعالجة الغيرتزية للطقوس سواء الدينية أو غيرها، وليكن المثال هو قصة الجنازة في جاوة، الذي يذكره في كتابه تأويل الثقافات والتفسيرات التي خلص لها كليفورد، والمرتبطة بتأثيرات تتعلق بالتحولات الفكرية والسياسية في ذاك المجتمع “جنازة أقيمت في مودجوكوتو، وهي بلد صغيرة في شرقي جاوة الوسطى، فقد توفي غلام يبلغ العاشرة من العمر كان يسكن مع عمه وعمته، وبدلًا من إجراء جنازة سريعة متواضعة له، كما هو معتاد في جاوة، فإن وفاته كانت البداية لفترة طويلة من التوتر الاجتماعي الواضح والتوتر النفسي الشديد، وقد أخفقت مجموعة المعتقدات والطقوس، التي لطالما مكّنت الجاويين على مدى أجيال متطاولة من اجتياز إجراءات ما بعد الوفاة بأمان، أخفقت فجأة في العمل بفاعليتها المعتادة في هذه الحالة، ولكن لفهم أسباب هذا الإخفاق يتطلّب منا الأمر أن نكون على دراية وفهم لمجموعة واسعة من المتغيّرات الاجتماعية والتراثية التي حدثت في جاوة منذ العقود الأولى لهذا القرن“[29].
فيكتور تيرنر: “ارتبط خلال القرن العشرين اسم كاتبين بدراسة طقوس التحول وهما الأنثروبولوجي البلجيكي أرنولد فان جينيب، والأنثروبولوجي البريطاني فيكتور تيرنر، أطلق فان جنيب وبخاصة في عمله طقوس الأحزان نظرية ما زالت مؤثرة إلى حد كبير في ميدان الدراسات الطقسية، بينما قام تورنر من خلال سلسلة من الكتب التي قدّمها في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، باستكشاف الطرق التي يمكن من خلالها الوصول إلى العناصر الأساسية في أفكار فان جينيب”[30]. ولأن أفكار تيرنر تمتد بأنحاء متعدّدة، لذا نجده في مبادرتين في تصنيف فولف، ولذا ولما يتعلق بموقعه في المبادرة الثانية والمعنية بفهم البنى الاجتماعية، سنجد أن امتدادات طقس العبور “فإن طقس العبور لديها متسع من التعبير في كل أنحاء العالم، يمكن لطقوس العبور أن تتضمن انتقال شخص من الطفولة إلى البلوغ، والانتقال من عائلة إلى أخرى، أو حتى من الحياة الى الموت أو ما بعد الحياة، طقوس العبور تأخذ الشخص أو البشر خلال مراحل يعتقد فيها أن المركز الاجتماعي يتغير. إن فيكتور تورنر وهو يتابع ما قام به أرنولد فان جينيب وصف هيكلًا مشتركًا لهذه الطقوس، وقال: إنها تتكون من ثلاث مراحل تُدعى ‘الانفصال وعتبة الشعور وإعادة الإنتاج'”[31].
كريستولف فولف: لا بدّ من التوقف عند مناقشة رولف لوظيفية وهرمونيطيقية الطقوس قبل تناول مفردات مبادرته التفسيرية “التحليل الوظيفي غالبًا ما يكون ثريًّا بالمعلومات، إلا أن الشعائر يطغى عليها التحديد بجسديتها، ومن ثم فهي لا تقبل الرد إلى مجرد أداء مهمة (...)، ومهما كان المنظور الهرمينوطيقي مثمرًا وثريًّا، إلا أن تحليله لا يقبل التطبيق على طابع العرض التمثيلي وما يرتبط به من مادية الجسد”[32]. لا يعني هذا أن فولف يرفض التفسيرات الوظيفية والثقافية، فهو يؤكّد “المبادرات الثلاث التي وصفناها لا يستثني بعضها البعض”[33].
مركز الثقل الرابع يتركّز التوكيد فيه على المنظرة والإنشائي، والجانب العملي والجسدي، ويذهب فولف:
ــــ الطقوس تنتج الجماعات “فمن دون الشعائر لا يمكن تصور الجماعات موجودة”[34]. “المشاركة في الطقوس وفي خدمات الجماعة، يمكن الحديث عن القدّاس بالنسبة إلى الكاثوليك، خدمات يوم الأحد بالنسبة إلى كافة الكنائس البروتستانتية، صلاة الجمعة بالنسبة للمسلمين”[35].
ــــ منظرة الطقس نافذة على بنية الجماعة العميقة “المنظرة والعرض“، “… إن منظرة الشعيرة وعرضها بالنسبة إلى تكوين الجماعة أمر حاسم، ففي المنظرة وفي أسلوب العرض ـ1ـ تتعين الجماعة، وفي التعيين المشعري ـ2ـ تعبّر الجماعة عن شيء من ذاتها، شيء لا يمكن أن يتعين بصورة أخرى“[36].
ــــ من يصوغ منظر الطقس؟ “الطابع الإنشائي”، “… ويبقى سؤال مطروح: من يمنظر الشعائر ومن الفاعل؟ سؤالًا مطروحًا؛ أعني ما الفاعلية المؤثّرة في العرض؟ فهل تصدر الشعيرة عن أحد التقاليد أم هو فعل الجماعة، أم فعل شخص، أم مخيال جمعي ومعرفة عملية في آن؟”[37].
ــــ الجسد نص طقسي “العلاقة بجسد الفاعل“، “إن هيئات الجسد ذات ترقيم “تشفير رمزي” (…) وفي كل حالة يؤدّي منطق الجسد وعرضه وتعبيره خلال عرض الشعائر دورًا مهمًّا (…) أجساد الناس الآخرين تنظر إلينا قبل أن ندركها إدراكًا واعيًا، ومن ثم فهي تحدّد إدراكنا لها”[38].
ــــ الطقوس والسلطة “التراتبات المجتمعية والعلاقات السلطوية”، “ولما كانت الشعائر مرتبطة بتقسيم السلطة وتناسق المجتمعات، فإن تنظيمها ينتسب إلى المهام المركزية للترتيبات المشعرية”[39].
ــــ الطقس والمكان والزمان.. العلاقة التفاعلية، “الشعائر وصلتها بالمكان والزمان“، “الكثير من الأماكن تؤثّر بطرق مختلفة في البنية والكيفية والأسلوب التي تتحقّق بها الشعائر فيها وبها (…) الشعائر تعود دوريًّا، ــ1ــ إنها تهدف إلى توثيق حضور المجتمع والإيقان من نظامه وإمكاناته التحويلية بالتكرار ــ2ــ أن الشعائر تهدف إلى منظرة الاستمرار واللازمانية وعدم التغيّر”[40].
ــــ الحياة المصَّعدة داخل الطقس: “مقوّمات الشعيرة من البداية إلى الغاية“، “بين بداية الشعيرة وغايتها عدّة مقاطع من الفعل المشعري تنتظر فيها أفعال مختلفة وتتحقق (…) ويتم بفضل الشعائر وفيها خلق أوقات الزمان التي تختلف عن تشاكل الحياة اليومية، فتصبح لحظات من الحياة المصعَّدة، ومثل هذه التكثيفات اللحظية تنشأ بفضل تكثيف الأحداث وطابعًا الخارق للعادة وبفضل تسريعها”[41].
ـــ الطقس رسالة فرق وغيرية، “الفرق والغيرية“، “الشعائر تؤدّي كذلك دورًا مهمًّا في التعامل مع عالم الفرق والغيرية وخلاله”[42].
ـــ الطقوس والعلاقة الطردية مع الدين، “العلاقة بين الدين والمقدّس“، “وبسبب توجّه الأفراد إلى الدنيا، وتحوّل الدين إلى أمر غير قابل للعيان، فقدت الشعائر أهميتها بعد أن كانت بالأولى وحدانية التوجّه، وشاملة لعدّة عوالم حياة مختلفة (…) فظهرت بدلًا منها شعائر صغرى متصلة بعوالم حياة مختلفة تتغير بحسب كل مؤسّسة وسياق (…) ومع ذلك لا يترتب عليه فقدان جوهري لأهمية الشعائر، بل أن الأفراد أحوج من أي وقت مضى للشعائر والفعل المشعري من أجل خلق إنشائي للجماعات الجزئية”[43].
ـــ المحاكاة المتعدّدة في الطقس، “عمليات المحاكاة“، ” ــ1ــ يقتضي التناغم للعلاقة المحاكية المتبادلة للأفعال المشعرية، فإذا نجحت ينشأ سيلان الطاقات بين المشاركين في الشعيرة، فيعيشونها بوصفها تجربة كثيفة ولذيذة ومنتجة ومشاركة ــ2ــ وفي البعد المتساوق المتزامن يحيل إلى دلالة العمليات المحاكية (…) فالشعائر ذات إحالة دائمة إلى شعائر أخرى سابقة الوجود عليها، ومن ثم فالبعد التأريخي يعدّ شرطًا ضروريًّا للشعائر”[44].
ـــ الطقسية تنتج عملًا، “المعرفة العملية“، “إن عمليات المحاكات ينتج عنها ــ1ــ توسيع أفق الأشخاص الذين يسلكون سلوكًا يحاكي الممارسة الشعائرية، وتؤدّي هذه الإحالة إلى إنتاج مماثلة من الأفعال المشعرية فتؤدّي خلالها جسديتهم وطابعهم الإنشائي دورًا مهمًّا… ــ2ـ ـ إن الشعائر تربط الماضي بالحاضر والمستقبل، إنها تنتج الاتصال وتجعل التغير التأريخي والثقافي ممكنًا… ــ3 ــ لا يمكن إصلاح أو تجديد أن يكونا قابلين للتحقّق إذا لم ينطلقا من تغيير الشعائر، إن الشعائر ليست سكونية بل هي حركية… ــ4ــ وبفضل الشعائر يتم النجاح في تصريف ما في كل مجتمع وجماعة من عنف كامن”[45]. “إن مفهوم الوطن القومي وصورته في عقول المواطنين، لا ترسخه الأفكار قدر ما ترسخه الطقوس، فنحن نستطيع أن نتحدّث في كتب التعليم وعبر وسائل الإعلام عن فكرة الوطن ومفهوم المواطنية، ولكن احتفالًا قوميًّا واحدًا يلتقي فيه الناس في الشوارع فيهتفون ويزغردون ويرقصون بمصاحبة الأناشيد القومية، ويلوحون بالأعلام والشعارات، من شأنه تثبيت فكرة الوطن القومي، وإضرام نار الانتماء إليه أكثر من كل كتب التعليم”[46].
المصادر:
[1] كريستوف فولف، علم الأناسة، تـرجمة أبو يعرب المرزوقي، (دار المتوسطية للنشر “كلمة”، الطبعة1، 2009)، الصفحة 279.
[2] ينظر مارفن هاريس، مقدّسات ومحرمات وحروب، أبرز ألغاز الثقافة، ترجمة أحمد م أحمد، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، الطبعة1، 2017)، الصفحة 12.
[3] كريستوف فلوف، علم الأناسة، مصدر سابق، الصفحة 280.
[4] كريستوف فلوف، علم الأناسة، مصدر سابق، الصفحة 280.
[5] مالوري ناي، الدين الأسس، ترجمة هند عبد الستار، مراجعة: جبور سمعان، (بيروت، لبنان: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة1، 2009)، الصفحة 214.
[6] فراس السواح، دين الإنسان، (سوريا، دمش: دار علاء الدين، الطبعة 4، 2002)، الصفحة 53.
[7] كريستوف فلوف، علم الأناسة، مصدر سابق ، الصفحات 282- 284.
[8] رودلف أوتو، فكرة القدسي، (بيروت: دار المعارف الحكمية، 2010)، الصفحتان 219 و220.
[9] كريستوف فولف، علم الأناسة، مصدر سابق، الصفحة 281.
[10] مارسيل موس، الصلاة- بحث في سوسيولوجيا الصلاة، ترجمة محمد الحاج سالم، (دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة1، 2017)، الصفحات 72- 74.
[11] كريستوف فولف، علم الأناسة، مصدر سابق، الصفحتان 286 و 287.
[12] جيمس فريزر، الغصن الذهبي، ترجمة نايف الخوص، (دار الفرقد، 2014)، الصفحتان 486 و 487.
[13] رودلف أوتو، فكرة القدسي، مصدر سابق، الصفحات 36 – 65.
[14] ميشال مسلان، علم الأديان، ترجمة عز الدين عناية، (أبو ظبي الإمارات: دار الكلمة للنشر، الطبعة 1، 2009)، الصفحة 94.
[15] ميرسيا إلياد، أسطورة العود الأبدي، ترجمة نهاد خياط، (دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، 1978)، الصفحتان 46 و47.
[16] سابينو أكوافيفا وإنزو باتشي، علم الاجتماع الديني الإشكالات والسياقات، ترجمة عز الدين عناية، (أبو ظبي، الإمارات: دار الكلمة للنشر، الطبعة1، 2011)، الصفحة 98.
[17] ميرسيا إلياد، أسطورة العود الأبدي، مصدر سابق، الصفحتان 15 و 16.
[18] مارسيل موس، الصلاة- بحث في سوسيولوجيا الصلاة، مصدر سابق، الصفحة 75.
[19] ميرسيا إلياد، الأساطير والأحلام والأسرار، ترجمة حسب كاسوحة، (دمشق: منشورات وزارة الثقافة، الطبعة1، 2004)، الصفحة 22.
[20] مارسيل موس، الصلاة- بحث في سوسيولوجيا الصلاة، مصدر سابق، الصفحة 77.
[21] ميرسيا إلياد، الأساطير والأحلام والأسرار، مصدر سابق، الصفحة 22.
[22] ميرسيا إلياد، المقدس والعادي، ترجمة عادل العوا، (دار التنوير للطباعة والنشر، 2009)، الصفحة 126.
[23] ميرسيا، الياد، البحث عن التأريخ والمعنى في الدين، ترجمة سعود المولى، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، الطبعة 1، 2007)، الصفحة 162.
[24] ميرسيا إلياد، مظاهر الأسطورة، ترجمة نهاد خياطة، ط1، (دار كنعان للدراسات والنشر، الطبعة 1، 1991)، الصفحتان 5 و 6.
[25] ميرسيا إلياد، أسطورة العود الأبدي، مصدر سابق، الصفحة 16.
[26] كريستوف فولف، علم الأناسة، مصدر سابق، الصفحة 286.
[27] كليفورد غيرتز، تأويل الثقافات، تـرجمة محمد بدوي، (بيروت- لبنان: المنظمة العربية للترجمة، الطبعة 1، 2009)، الصفحة 82.
[28] سيدل سلفرمان، المدرسة الأمريكية، بحث منشور ضمن: الأنثروبولوجيا حقل معرفي واحد وأربع مدارس، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة1، 2017)، الصفحة 480.
[29] كليفورد غيرتز، تأويل الثقافات، مصدر سابق، الصفحات 324 – 362.
[30] مالوري ناي، الدين الأسس، مصدر سابق، الصفحة 235.
[31] A description of this ritual can be found in Victor Turner , the Ritual Proess , Chicago; Aldine 1969,p.p.94-113
نقلًا عن، بريان م هويل و جينيل وليامز باريس، المدخل إلى الأنثروبولوجيا الثقافية من منظور مسيحي، ترجمة إدوارد بديع، (مكتبة دار الحكمة، الطبعة1، 2015)، الصفحة 266.
[32] كريستوف فولف، علم الأناسة، مصدر سابق، الصفحة 291.
[33] المصدر نفسه.
[34] المصدر نفسه، الصفحة 292.
[35] سابينو أكوافيفا وإنزو باتشي، علم الاجتماع الديني الإشكالات والسياقات، مصدر سابق، الصفحة 98.
[36] كريستوف فولف، علم الإناسة، مصدر سابق، الصفحة 293.
[37] المصدر نفسه، الصفحتان 294 و 295.
[38] المصدر نفسه، الصفحتان 295 و 296.
[39] المصدر نفسه، الصفحة 297.
[40] كريستوف فولف، علم الأناسة، مصدر سابق، الصفحات 297 – 299.
[41] المصدر نفسه، الصفحة 299.
[42] المصدر نفسه، الصفحة 300.
[43] المصدر نفسه، الصفحتان 301 و 302.
[44] المصدر نفسه، الصفحتان و303 304.
[45] المصدر نفسه، الصفحة 305.
[46] فراس السواح، دين الإنسان، مصدر سابق، الصفحة 54.
المقالات المرتبطة
نقد المتن في التجربة الإماميّة
شهد النشاط الحديثيّ الشيعيّ الإماميّ، ومنذ القرون الأولى، حركةً في نقد المتن، تركّزت في النصوص العقديّة والتاريخيّة
في السياسة اللبنانية موضوعات للحوار
تبدو الحاجة ماسة إلى إثارة بعض الموضوعات الحوارية في خضم ما يجري من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة يعاني منها
قراءة في كتاب على ضفاف الفرات
على ضفاف الفرات، كتاب لإبراهيم أمين السيّد، صدر عن دار المعارف الحكميّة. تناول هذا الكتاب مجموعة محاضرات في النهج الحسيني