by معهد المعارف الحكميّة | سبتمبر 2, 2021 9:41 ص
. لَیس للأحرار جزاء إلّا الإکرام.
نهض الحسين (ع) مدافعًا عن دستور الإسلام وأحكام القرآن، فقام بتلك المفادات والتضحية العظيمة التي لا مثيل لها في تاريخ البشر، وأحدثت هذه الثورة في التاريخ الإنساني عاصفة تقوض الذل والاستسلام، وتدك عروش الظالمين في كل زمن، وأضحت مشعلًا ينير الدرب لكل المخلصين من أجل حياة حرّة كريمة في ظل طاعة الله تعالى. كل المسلمين يحترمون الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، سبط رسول الله (ص)، بعضهم على أنه من صحابة رسول الله (ص) وبعضهم على أنه الإمام المعصوم. ولكن لا يختصر إجلال واحترام الحسين (ع) في المسلمين. قد أثبتت التجربة أن الناس ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺃﺭﺟﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ حينما يعرفون الحسين (ع)، يظهر نوع من الاحترام في وجوههم الذي يخبر عن الإكرام والتقدير الذي دخل في قلوبهم. يكفي للإنسان أن يعرف قصة الحسين (ع) حتى يكرمه ويحبه. والإنسان بفطرته يحب الكرامة والحرية ويحب الكرام والأحرار. قال الحسين (ع): “إِنْ لَمْ یَکُنْ لَکُمْ دِینٌ وَکُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَکُونُوا أَحْرَاراً فِی دُنْیَاکُم”. هذا يعني أن الحرية کرامة إنسانية يحبها الإنسان حتى ولو لم يكن له دين. إن الإنسان يحب الحرية ولكن الناس اختلفت في المصاديق.
من أهداف ثورة الحسين (ع) إيصال الناس إلى الحرية الحقيقية التي هي الحرية من العبوديّة للبشر أو العبوديّة لشهوات النّفس، وقيل: “مَن تَركَ الشَّهَواتِ کانَ حُرًّا”. إن الحسين(ع) تجنب عار البيعة لتاركي سنة رسول الله (ص)، وقيل: “جَمالُ الحُرِّ تَجَنُّبُ العارِ ولَیس للأحْرارِ جَزاءٌ إلّا الإکْرامُ”. أيضًا قال الحسين (ع): “أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ الله جَلَّ ذِكْرُهُ مَا خَلَقَ اَلْعِبَادَ إِلاَّ لِيَعْرِفُوهُ فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ فَإِذَا عَبَدُوهُ اِسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَنْ سِوَاهُ”. وقال: “ألا حرّ یدع هذه اللماظة (الدنيا) لأهلها؟ لیس لأنفسکم ثمنٌ إلّا الجنّة فلا تبیعوها بغیرها فإنّه من رضي من الله بالدنیا فقد رضي بالخسیس”.
وسنجيب هنا عن بعض الأسئلة المهمة حول قيام الحسين (ع) والتي تتبادر إلى أذهان المسلمين من الشيعة والسنة.
إن الحسين (ع) عمل بکتاب الله وسنة رسوله، وما خاف عواقبها الدنيوية. من أهداف الثورة الحسينية هي إصلاح ديني، وإصلاح اجتماعي وسياسي. وسنذكر بعض أهداف قيام الحسين (ع) في قوله:
الحسين (ع) شرح هدفه بحیث لا يحتاج إلى التوضيح: “اَلا تَرَوْنَ أنَّ الْحَقِّ لا يُعْمَلُ بِهِ، وَأنَّ الْباطِلِ لا يُتَناهى عَنْهُ، لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ في لِقاءِ رَبِّهِ حَقّاً حَقّاً، فَاِنّي لا اَرَي الْمَوتَ اِلَّا سَعادَةً، وَالْحَياةَ مَعَ الظَّالِمينَ اِلَّا بَرَماً”.
2.2. إصلاح الأمة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحياء سنة الرسول.
“إِنّى لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلا بَطَرًا وَلا مُفْسِدًا وَلا ظالِمًا وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الاْصْلاحِ فى أُمَّةِ جَدّي، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأَبي عَلِىِّ بْنِ أَبي طالِب فمَن قَبِلَني بِقَبُولِ الحَقِّ فَالله أولی بِالحَقِّ وَمَن رَدّ عَلَيَّ هذا أَصبِرُ حَتّی یقضِيّ الله بیني وبین القَومِ وَهُوَ خَیرُ الحاکِمِینَ”.
“اللهمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ ما كانَ مِنّا تَنافُسًا فى سُلْطان وَلاَ الْتماسًا مِنْ فُضُولِ الْحُطامِ وَلكِنْ لِنَرُدَّ الْمَعالِمَ مِنْ دينِكَ وَنُظْهِرَ الاْصْلاحَ فى بِلادِكَ وَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبادِكَ وَيُعْمَلَ بِفَرائِضِكَ وَسُنَنِكَ وَأَحْكامِكَ”. أيضًا كتب في رسالة: “وَاَنا أدعوكم اِلى كتابِ الله وسُنة نبيّهِ”.
“أَیُّهَا النّاسُ، إِنَّ رَسُولَ الله (ص) قالَ: مَنْ رَأى سُلْطاناً جائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرُمِ الله، ناکِثاً لِعَهْدِ الله، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ الله (ص)، یَعْمَلُ فِی عِبادِ الله بِالاِثْمِ وَالْعُدْوانِ فَلَمْ یُغَیِّرْ عَلَیْهِ بِفِعْل، وَلاَ قَوْل، کانَ حَقّاً عَلَى الله أَنْ یُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ. ألا وَإِنَّ هؤُلاءِ قَدْ لَزِمُوا طاعَةَ الشَّیْطانِ، وَتَرَکُوا طاعَةَ الرَّحْمنِ، وَاَظْهَرُوا الْفَسادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَیءِ، وَأَحَلُّوا حَرامَ الله، وَحَرَّمُوا حَلالَ الله، وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ غَیَّرَ” (تاريخ الطبري، ج 4، ص 304/ الکامل فی التاریخ، ابن الأثیر، ج 4، ص 48/ الفتوح، ابن أعثم، ج 5، ص 144).
من وجهة نظر أخرى، وبغض النظر عن صحبة الحسين (ع) أو إمامة الحسين (ع)، توجد روايات صحيحة وصريحة عن رسول الله (ص) في حقه والتي تظهر أنه (ص) قد أكّد على محبته وسيادته وقرابته معه. لأجل ذلك، ينبغي على جميع المسلمين أن يعرفوا ماذا قال رسول الله (ص) في حق الحسين (ع)، ولماذا قال هكذا، وما الرسالة التي أراد رسول الله (ص) أن يوصلها لأمته بها؟
وإنه لأمر عجيب أن البعض لا يحبون الحسين (ع)، ويسمونه خارجي خرج ضد الحكومة، وقُتل في كربلاء، وهكذا يصغرون قيامه. من الأفضل لمثل هؤلاء الأشخاص أن يعيدوا تفكيرهم بعد أن علموا كم أكّد رسول الله (ص) على تعظيم شأن الحسين بن علي (ع)، وعلى شدة حبه إليه.
قال رسول الله (ص): “الْحَسَنُ وَالحسين سَيِّدا شَبابِ أهْلِ الْجَنَّةِ” (مستدرك، حاكم، ج3، ص 182 و 429 / خصائص، نسائي، ص 107/ الاستيعاب، ابن عبد البر، ج 1، ص 391). قال رسول الله (ص) هذه الرواية حينما لم يكن عمر الحسن والحسين (ع) قد تجاوز آنذاك 7 أعوام. هذا يعني أن رسول الله (ص) قد أخبر الناس عن أفعال الحسن والحسين (ع) في المستقبل. لا شك أن سلوكهما وأقوالهما وآراءهما في حياتهما جعلهما سيّدا شباب أهل الجنة كما قال الله تعالى: ﴿ليس للإنسان إلا ما سعى﴾. قول النبي ليس من باب المجاملة، وهو الذي ﴿مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾. هذه الآية تعظّم وتكرم كلام رسول الله (ص) كأنه كلام الله. لذا كلام رسول الله (ص) حجة لنا كآيات القرآن. في كل آية حكم، وفي كل مفردة من مفردات القرآن حكم مستفاد. هكذا كلام رسول الله (ص)، في كل مفردة من مفرداته حكمة أو حكم، كما ويوجد في كل كلمة من كلام النبي رسالة لنا.
سؤال يطرح هنا: لماذا رسول الله (ص) يسمّي سبطيه سيدي شباب أهل الجنة؟ هل العلاقة الأسرية جعلته يقول ذلك؟ هل حبه لسبطيه جعله يقول ذلك؟ هل كان يريد من الناس أن يحترموا أقرباءه؟ أو أن رسول الله (ص) يخبرنا عن الحقائق التي يجب علينا أن نهتم بها؟ لا يمكن لرسول الله (ص) أن يحب شخصًا بسبب النسبية الأسرية فقط، وقال الله تعالی فی کتابه: ﴿فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ﴾ (المؤمنون-۱۰۱). قال علي بن أبي طالب (ع): “إنّ أولَى النّاسِ بالأنبياءِ أعلَمُهُم بما جاؤوا بهِ، ثُمّ تَلا ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالذينَ آمَنُوا ۗ وَالله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران-68)، ثُمّ قالَ: إنّ وَلِيَّ محمّدٍ مَن أطاعَ الله َوإن بَعُدَت لُحْمَتُهُ، وإنّ عَدُوَّ محمّدٍ مَن عَصَى الله َ وإن قَرُبَت قَرابَتُهُ”. فلذا سيد شباب أهل الجنة يعني سيد الأبرار فی الإيمان والآراء والأقوال والأفعال.
“جَاءَتْ فَاطِمَةُ ببنيها إِلَى رَسُولِ الله (ص) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله انحلهما شَيْئاً. فَقَالَ لَهَا: فِدَاكِ أَبُوكِ! مَا لِأَبِيكِ مَالٌ فيُنحِلَهما. ثُمَّ أَخَذَ الْحَسَنَ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَال: أَمَّا ابْنِي هَذَا فَنَحَلتُه نَفْسِي وَخُلُقِي وَهيبتي وَثُمَّ أَخَذَ الحسين فَقَبَّلَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَقَالَ: نَحَلْتُهُ شجاعَتي وَجُودِي”. (الزمخشري، ربيع الأبرار، ج4، ص296/ إحقاق الحق، قاضی، ج10، ص 708).
ونرى شجاعة الحسين (ع) في خطابه حين أجبرته حكومة يزيد على البيعة فقال: “لا وَالله لَا أُعْطِیکُمْ بِیدِي إِعْطَاءَ الذَّلِیلِ وَلَا أَفِرُّ فِرَارَ الْعَبِید. مَوتٌ فی عِزٍّ خَیرٌ من حَیاةٍ فی ذُلٍّ”. وقال حول من أجبره على البيعة: “قَدْ تَرَکَنِی بَینَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَهَیهَاتَ لَهُ ذَلِك هَیهَاتَ مِنِّی الذِّلَّة”.
3.3. مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي.
قال رسول الله (ص): “مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالحسين فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي”. (سنن ابن ماجة، ج1، ص 71/ مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج 13، ص 260).
هذا يعني يوجد علاقة مباشرة بين حب الحسن والحسين (ع) وحب الرسول (ص). وهذا يعني أيضًا أن من يحب رسول الله (ص) سيحب الحسن والحسين، كيف ولا، والحسن والحسين (ع) شبيها رسول الله (ص).
“حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ الله مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ”. (سنن ابن ماجة، ج،1 ص 71).
ما الذي قصده رسول الله (ص) عندما قال حسين مني وأنا من حسين؟ هذا الحديث فيه من القراءة الأولية دلائل على مدى التلاحم والمحبة بين الرسول الأعظم (ص) والحسين (ع). ولكن هناك معنى أعمق في هذا الحديث يدل عليه قوله (ص): وأنا من حسين. الذي يُفهم من الحديث “حسين مني”: حسين ولدي، حسين بضعة مني. ولكن ماذا نفهم من قوله (ص): “وأنا منه”؟ الذي يُفهم من “أنا من حسين” أن دعوة الحسين (ع) ودعوة الرسول (ص) دعوة واحدة، إن رسالة الحسين (ع) ورسالة الرسول (ص) رسالة واحدة. كما قال رسول الله (ص) “عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيّ وَلَا یُؤَدِّي عَنِّی إِلَّا أَنَا أَو عَلِيٌّ” (مسند، أحمد بن حنبل، ج 2، ص 174)؛ والمقصود بقوله أي أن دعوة علي بن أبي طالب (ع) نفس دعوة الرسول (ص)، أي بيننا من الاتحاد والاتصال ما يصح أن يقال كل منهما من الآخر (سنن ابن ماجة بشرح السندي، ج1، ص 97). حب رسول الله (ص) للحسن وللحسين (ع) أعمق مما نتصور. ذلك نوع من الحب الذي يتفوق على حب الجد لحفيده أو حب الأب لابنه. قوله: “من أحب الحسن والحسين” بيان ما بينهما وبينه من الاتحاد بسبب الجزئية والكلية فصار حبهما حبه، وبغضهما بغضه، وهذا يدل على أن محبتهما فرض لا يتم الإيمان بدونها ضرورة أن محبته كذلك (سنن ابن ماجة بشرح السندي، ج1، ص 96). لماذا رسول الله (ص) يدعو الناس إلى حب الحسين (ع)؟ لأن سيرة الحسين (ع) هي نفس سيرة رسول الله (ص) ويهدي الأمة كما يهديهم الرسول. رسول لله (ص)كان يحب الحسين (ع) لأنه كان يرى فيه امتدادًا لرسالة السماء. لهذا يكون هناك علاقة مباشرة بين حب الحسين (ع) وحب رسول الله (ص) وحب الله. كأن الرسول علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم، فخصه بالذكر، وبيّن أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله: “أحب الله من أحب حسينا” فإن محبته محبة الرسول، ومحبة الرسول محبة الله (تحفة الأحوذي، المباركفوري، ج 10، ص 190).
قال لأسرة الحسين، والحسين (ع) كان بينهم: “أَنَا سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ”. (سنن ابن ماجة، ج1، ص 72). وقال: “اللهمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُمَا”. (طبقات، ابن سعد، ج 10، ص 380/ الاستيعاب، يوسف ابن عبد البر، ج 1، ص 391). وقال: “الحَسَنُ والحسین ریحانتاي مِنَ الدنیا”. (طبقات، ابن سعد، ج 10، ص 376/ تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 13، ص 212). وقال: “مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ”. (تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 13، ص 201).
أبقى رسول الله (ص) للناس رموزًا حتى يعرفوا الصحيح من الخطأ. إذا كان التمييز بين الصحيح والخطأ صعبًا، فسيهدينا كتاب الله وسنة رسوله، وهذه الرموز في أقوال الرسول (ص) من ضمن سنته. لا يوجد ظروف الزمان والمكان في كلام رسول الله (ص) حول سيادة الحسين (ع) وحبه. لهذا علينا جميعًا أن نتذكر تأكيد رسول الله (ص) في كل موقف وموطن، وعلينا الإيمان بمضمون قوله: حتى ولو تعلمون أنتم من أهل الجنة تذكروا أن الحسن سيدكم والحسين سيدكم. من هما اللذان حبهما في درجة حب رسول الله (ص)؟ من المتأكد أن رسول الله (ص) ما زُيِّن له حب البنين، وقال الله: ﴿ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالله عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ (آل عمران-١٤). فلماذا الرسول (ص) يدعو الناس إلى حب الحسين (ع)؟ هل من الممكن أن الرسول (ص) يدعو الناس إلى أمرٍ لا يفيدهم، والله يقول له: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء-١٠٧). بالتالي، فإنه يوجد في حب الحسين (ع)، وفي النظر إلى حياته وأفعاله وأقواله فائدة ضرورية للناس وللأمة. لذا، فما فائدة النظر إلى الحسين بن علي (ع) إذا لم تكن أفعاله وأقواله أسوة للناس؟ هنا نعلم أن رسول الله (ص) حين قال: حسين مني وأنا من حسين، فإنه يؤكد على شباهة الحسين (ع) به، ويوصي به كأسوة حسنة للناس.
كيف يمكن لشخصٍ أن يقبل بمثل هذه الروايات الصحيحة ويلوم الحسن والحسين (ع)؟ كما يفعل بعض الناس فإنهم يلومون الحسين (ع) على قيامه، ويعدّون خروجه إلى الكوفة خطأ، ويلومون الحسن (ع) على عقد صلحه مع معاوية. في هذا المجال لا نتحدث حول دلائل قيام الحسين (ع) وظروف الزمان والخطر الذي هدد سنة رسول الله (ص)، ولكن على أساس التعليقات الآنفة على روايات الرسول (ص)، فإننا إذا سألنا رسول الله (ص) عن قيام الحسين (ع) سيؤيده بِحَزم وبصرامة.
يعتقد بعض الناس أنه كان أجدر بالحسين (ع) الالتزام بنصائح الصحابة والتابعين (رض) الذين نهوه عن الذهاب إلى الكوفة. فإذا كان الصحابة الذين نصحوا الحسين (ع) حين خروجه من المدينة أفضل رأيًا وحكمة، فهم أجدر من الحسين (ع) أن يسميهم رسول الله (ص) بسادة شباب أهل الجنة. مع العلم أن رسول الله (ص) قد أخبر أصحابه والأجيال القادمة أن فعل الحسين (ع) وقوله هو سيد الأقوال والأفعال. وجميع الناس كانوا يعلمون بوصايا الرسول (ص) في حق الحسين (ع). فإنهم لم يكونوا يعلمون فقط أن الحسين إبن رسول الله (آل عمران-61، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 13، ص 199)، ومن أهل البيت (شواهد التنزیل، حسكاني، ج 2، ص 11)، وسید شباب أهل الجنة، بل كانوا يعلمون أنه سيد قومه (تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 213).
تذكر الروايات أنه لما توفي الحسن بن علي (ع) كان ابن عباس عند معاوية، فدخل عليه لما أتاه نعي الحسن، فقال له: “يا ابن عباس إن حسنًا قد مات. قال إنّا لله وإنا إليه راجعون على عظم الخطب وجليل المصاب، أما والله يا معاوية لئن كان الحسن قد مات فما ينسئ موته في أجلك ولا يسد جسمه حفرتك، ولقد مضى إلى خير وبقيت على شر. قال معاوية: لا أحسبه قد خلف إلا صبية صغارًا. قال ابن عباس: كلنا كان صغيرًا فكبر. قال: بخ بخ يا ابن عباس أصبحت سيد قومك. قال: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن رسول الله (ص) فلا”. (تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 213).
إذًا، لماذا لم يشاور الحسين (ع) الصحابة والتابعين ولم يأخذ بنصيحتهم في الأمر؟ مع العلم أن رسول الله (ص) كان يشاور أصحابه إطاعة لقول الله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران-159). طبعًا لم يكن الرسول (ص) يشاورهم في كل الأمور، فعلى سبيل المثال، إذا كان فعلًا من الواجبات أو من المناهي فعله أو ترکه لا یحتاج إلى المشورة. ولا مجال للمشورة في الأمور الإلهية التي أمر الله بها. في غزوة تبوك، شاور رسول الله (ص) أصحابه في التقدم. فقال أحد صحابته إن كنت أمرت بالمسير فسر. قال رسول الله (ص) “لو أمرت به ما استشرتكم فيه”. (المغازی، ج 3، ص 1019). من هنا، فإن الحسين (ع) قام لله ولإحياء سنة رسول الله (ص) ولإصلاح الأمة. حينما يعظ الله تعالى صريحًا ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّـهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ﴾ (سبأ-46)، ما الحاجة بوعظ الناصحين؟
كان الأجدر للصحابة والتابعين أن يتذكروا أحاديث الرسول (ص) في حق الحسين (ع) وأن يلتحقوا به، وأن يتبعونه في كل الأحوال والظروف ولا يتركونه لوحده، ونالوا ما نال الحسين (ع) من الكرامة والعزة.
هذا جفاء في حق أهل السنة أو الشيعة أن نعد الذين ناكثوا عهودهم بعد أن بايعوا الحسين (ع) وجعلوا سيوفهم عليه منهم. فأهل السنة، حسب اعتقادهم، هم الذين يتابعون سنة رسول الله (ص) ومن ضمنها أفعاله وأقواله، والشيعة، حسب اعتقادهم، هم الذين يتابعون سنة رسول الله (ص) والإمام المعصوم في جميع الأحوال والظروف. فكيف يمكن لأهل السنة الحقيقيين أو الشيعة الحقيقيين أن يقتلوا سبط نبيهم الذي أوصى في حبه رمزًا لاتباعه. ﴿فَمَنْ نَّکَثَ فَإِنَّمَا یَنْکُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ (الفتح-10). بل خاطبهم الحسين (ع) في يوم عاشوراء بـ”شيعة آل أبي سفيان”: “يا شيعَةَ آلِ أَبى سُفْيانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دينٌ وَكُنْتُمْ لا تَخافُونَ الْمَعادَ فَكُونُوا أَحْرارًا فى دُنْياكُم وَارْجِعُوا إِلى أَحْسابِكُمْ إِنْ كُنْتُم عَرَبًا كَما تَزْعَمُونَ”. (مقتل الحسین، خوارزمی، ج 2، ص 33). فعلى جميع المسلمين أن يفكروا في كلام رسول الله (ص) حول الحسين (ع) وفي أنفسهم. فهل يمكن لشخص أن يحب علي والحسن والحسين (ع) وأن يحب أعداءهم من معاوية ويزيد وأتباعهم من بني أمية؟
نلاحظ اليوم وبوضوح آثار كثيرة لقيام الحسين (ع) العظيم عبر الأجيال، وبإمكاننا أن نسميها “الثورة”؛ لأن هذا القيام شكّل تيارًا مستمرًا فی العالم لطلب الحق ومواجهة الظلم. الحكم الأُموي (معاوية ويزيد وآلهما) كانوا مصرّين على محو الشريعة وإزالة الدين بالتدريج حتى لا يبقى رسم ولا اسم منه، وكلمات معاوية ويزيد في ذلك معروفة: “وَاللهِ إِلاَّ دَفْناً دَفْناً” (مروج الذهب، مسعودی، ج 3، ص 454). لكن ثورة الحسين (ع) هزت أركان نظامهم، وهزت كل المجتمع وتغيرت المعادلات. حينما سئل علي بن الحسين (زين العابدين) عن الغالب؟ قال (ع): “إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب” (الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 677).
من أهم نتائج الثورة الحسينية هي:
الثوره هي الطريق الوحيد لإيقاظ وصحوة الأمة الإسلامية؛ أي أنه لا يوجد أي عامل آخر يستطيع أن يؤثر كما للشهادة من تأثير، فالشهادة هي الأمر الوحيد الذي يستطيع أن يوقظ القلوب المنكوسة والمريضة، ويصلح أفكار الناس المنحرفة والمظلمة.
لم تقتصر آثار ثورة الحسين(ع) على اللحظة التاريخية التي وقعت فيها، وهي لن تُدرس ولن تُمحى على مرور الليالي والأيام، بل امتد تأثيرها إلى كل العصور والأزمان، ومهما اجتهد أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوها وطمسها، فلا تزداد آثارها إلّا علوًّا.
هنا تعلم أهمية إحياء الشيعة لذكرى استشهاد الحسين (ع) كضربه المثل الأعلى للتضحية في سبيل الحق. إن العزاء هو جواب لكل ذلك الفداء، وبذل النفس والنفيس الذي قدّمه الإمام الحسين (ع) وأصحابه لأجل إحياء الدين، وإيقاظ الأمة الإسلامية. إن إحياء الشيعة لذكرى استشهاد الحسين (ع) هو من أهم الطرق التي تستخدم في التاريخ لتخليد ذكرى هذه الواقعة العظيمة، ولبقاء الذكر الحافل لصاحب الثورة. هذا الإحياء يحيي كل عام تيارًا ضد الظلم، ضد العنصرية، ضد الجهل وضد التعصب في العالم، ويبعث روح طلب العدالة بين الناس. من وجهة النظر العالمية، فالناس يعرفون الحسين (ع)، ويسألون أنفسهم لماذا بعد أكثر من ألف سنة يحيي الناس هذه الذكرى؟ لماذا ولمن فعل الحسين (ع) ذلك؟ ما هي القيم التي فدى الحسين (ع) نفسه لها؟ ما هو الجمال الذي رأته زينب بنت علي (ع) في عاشوراء عندما قالت: “ما رأيت إلا جميلا”؟ والبحث للحصول على أجوبة هذه الأسئلة سيهدي كل إنسان إلى الخط الحسيني الذي هو نفس خط رسول الله (ص).
لم يكن الحسين (ع) مجرد حدث مأساوي تعرض له إنسان بريء وشريف وعظيم الشأن نتيجة استبداد وسوء السلطة الحاكمة، بل هو فكرة شعارها الحرية، وهدفها السلام والكرامة للبشر في ظل حكومة عادلة لا بغي فيها ولا تجاوز على الحقوق والحريات. أرادَ الحسين بن علي (ع) دولةً فاضلةً تُحقّق حُلم كلّ الأنبياءِ بعدالةٍ على الأرضِ لا ظُلم فيها ولا تَعصّب ولا عصبيّة ولا عُنصريّة. تتحقق فيها حقوق الإنسان ويتساوى فيها الرّجلُ والمرأةُ والأسودُ والأبيضُ والعربيُّ والعجميُّ والرّوميُّ واليونانيُّ والأوروبيُّ والهنديُّ والصّينيُّ مع بعضِهِم البعض، فلا فضلَ لأحدٍ مِنهم على أحد. إن رسالة الحسین (ع) هی نفسها رسالة الرسول الكریم (ص)، ورسالة عيسى وموسى وإبراهيم ورسالة كل الأنبیاء. ما قام به الحسین (ع) هو خط مستدام یستمر حتی ظهور المنجي وتحقیق العدالة في مختلف أنحاء العالم، وهذا لیس خطًّا مختصًّا بزمن ومکان محدد. إن الرسالة التی یحملها هذا الخط تتمثل فی المقاومة والبصیرة والوعی.
استُشهد الحسين بن علي (ع) لا عن نفسِهِ وإنّما ليرسمَ بِدَمِهِ خطًّا يُفرّق بينَ الحق والباطل. فرسالة ثورة الحسين (ع) إلى العالم هي تغيير العالم وتحوله من حاله الفعلي إلى عالم لا يضيع فيه حق صاحب حق. على كل إنسان أن يقف بوجه الظلم والظالم. علينا أن نتذكر أن الحسین نفسه كان عامِلٌ بِما يَأْمرُ بِهِ تارِكٌ لِما يَنْهى عَنْهُ عـادِلٌ فيما يَأْمـُرُ عـادِلٌ فيما يَنْهى، رَفيـقٌ فيما يَأْمـُرُ رَفيـقٌ فيما يَنْهى. إن الحسين (ع) أرَى العالم إرادته في التغيير، وسعى في هذا الطريق بقلبه وبلسانه وبيده وبأمواله وبأولاده وبأسرته وبأصحابه وبنفسه لله. امتثالًا لقول رسول الله (ص): “مَن رَأى مِنكُم مُنكَرًا فَليُغَيِّرهُ بِيَدِهِ، فَإن لَم يَستَطِع فَبِلِسانِهِ، فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ” (صحيح مسلم : ج 1، ص 69). والحسين بن علي (ع) اتبع قول رسول الله (ص) بأكمله. قال الله لرسوله: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله﴾ (آل عمران-31)، فإذًا الحسين (ع) من أهل هذه الآية الكريمة: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ (مائدة-54).
إن الحسين (ع) قام ليتمم مكارم الأخلاق كما قال رسول الله (ص): “إنمّا بعثتُ لأُتمم مكارم الأخلاق”. وهنا معنى آخر لقول رسول الله (ص): “حسين مني وأنا من حسين”؛ لهذا من خالف الحسين (ع) فقد خالف رسول الله (ص).
إن الحسين (ع) هو ثائر عالمي قبل أن يكون ثائرًا إسلاميًّا، وأن استيعاب ثورته بشكل صحيح وبلوغها أهدافها، سيجلب الخير لكل البشرية، وسيوقظ الضمير الإنساني بشكل فاعل يسمح بتحرير الإنسان من قيود عبوديته، ليعيش حرًّا كريمًا وبسعادة وسلام مع أخيه الإنسان.
على جميع أهل العالم أن يستمعوا إلى رسالة الحسين (ع) التي نتصورها تخاطبهم: افعلوا شيئًا لنجاة العالم من الظلم، من الجهالة، من العنصرية، من التعصب، من العنف ومن البعد عن القيم الإنسانية. امروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واخطوا خطواتكم نحو تحقيق الحياة الفاضلة التي كانت من أهداف بعثة الأنبياء. قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (حديد-25). فالهدف الذي من أجله أرسل الله الرسل جميعًا هو تحقيق العدل الإلهي في كل الأمور التي ستتحقق بأكملها على يد بقیة من بقایا حجته، وخلیفة من خلائف أنبیائه وهو منجي البشرية، ومقيم العدل الإلهي في أرجاء العالم حين يكون الناس مستعدين لظهوره.
اليوم وَفِي كُلِّ يَوْمٍ، يستطيع ذكر الحسين (ع) أن يهز أركان الظلم في أنحاء العالم. إن الحسين (ع) مفخرة لكل العالم، ومفخرة للبشرية كلها، وللمسلمين على وجه الخصوص. لا يمكن مصادرته إلى قوم، أو فرقة، أو مذهب أو حتى دين واحد، حيث كان مع الحسين(ع) أصحاب من أهل السنة، ومن شيعة علي بن أبي طالب (ع)، ومن النصارى. فالسيرة حافلة بذكر أمثلة عن ذلك؛ مثل وهب النصراني، وزهير بن القين العثماني، وحر بن يزيد الریاحي (من قيادة الجيش الأموي) و … كلهم كانوا جاهزين لبذل أنفسهم فداءً للحسين (ع).
وإذا كان الناس يريدون ضرب أمثلة في الكرامة والحرية والشرف والعزة فالأجدر لهم أن يذكروا الحسين بن علي (ع). قالَ أمیرُ الْمُؤْمِنینَ الاْمامُ علىّ بن أبی طالِب (ع): “أعِزَّ أمرَ الله ِ يُعِزَّكَ الله”ُ (كنز العمال، المتقي الهندي، ج 15، ص 331)، و “والعزیز بغیر الله ذلیل” (بحار الأنوار، مجلسي، ج 78، ص10) وقال الله تعالى: ﴿وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون-8).
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/13648/imamhussainrevolution/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.