تاريخ علم الكلام | الدرس الرابع عشر | كلام الإماميّة مدرسة الحلّة الكلاميّة

تاريخ علم الكلام | الدرس الرابع عشر | كلام الإماميّة مدرسة الحلّة الكلاميّة

أهداف الدرس

1- تبيين أهميّة مدرسة الحلّة الكلاميّة ومكانتها في تاريخ الفكر الإمامي؛

2- بيان خصائص الكلام الإمامي في مدرسة الحلّة وتحليلها؛

3- تعريف التيّارات الكلاميّة المختلفة في هذه المرحلة.

 

تذكرة

تبيّن في الدرس السابق أنّ الريّ كانت أفضل مكان لانتشار فكر الشيعة بعد أفول مدرسة بغداد، فمع دخول مجموعة من تلامذة بغداد إلى مدينة الريّ تهيّأت النواة الأوّليّة لتأسيس مدرسة كلاميّة في هذه المدينة. ولقد نشط تيّار المحدّثين المتكلّمين مجدّدًا في مدرسة الريّ ووجد ممثّلين له فيها.

ومن جهة أخرى كان تيّار المتكلّمين ذا النّزعة العقليّة قد قدِم من بغداد إلى الريّ، وهكذا نشط في هذه الدرسة تيّارا: المتكلّمين المنظّرين والمحدّثين المتكلّمين. والمسألة المهمّة كانت أنّه وعلى الرغم من أنّ تيّار المحدّثين المتكلّمين نشط في مدرسة الريّ، وهذا التيّار وجّه انتقادات تجاه المنهج المتّبع من قبل متكلّمي النزعة العقليّة، غير أنّ تقاربات عدة ظهرت على صعيد محتوى الفكر الكلامي بين هذَين التيّارَين. والواقع أن الفكر العقلي البغدادي كان قد ترك أثرًا كبيرًا على جميع التيّارات الفكريّة في مدرسة الريّ، وعلى الرغم من أنّ الكلام العقلي والنظري في مدرسة الريّ كان استمرارًا للفكر العقلي البغدادي، إلّا أنّه قد تأثّر بالفكر المعتزلي المتأخّر، فعرف أدبيّات كلاميّةً متمايزةً ووُجدت اختلافات بين هذه المرحلة من الكلام النظري والكلام في مرحلة بغداد.

 

مدرسة الحلّة الكلاميّة

في متابعتنا للفكر الكلامي الإمامي، ومع أفول مدرسة الريّ، نصل إلى الحديث عن مدرسة جديدة تشكّلت في مدينة الحلّة. لقد تمّ بناء هذه المدينة أوائل القرن السادس للهجرة على يد أحد أمراء الشيعة من بني مزيد، وقد تشكّلت مدرسة شيعيّة في هذه المدينة منذ السنين الأولى لتأسيسها، وقدم إلى هذه المدرسة الجديدة العديد من علماء الشيعة، وكان من ضمن الشخصيّات المشهورة في هذه الفترة من الحياة العلميّة للحلّة شخصيّات كابن ادريس الحلّي وأفراد من عائلة بني زُهرة. ولكن المسألة المهمّة هنا هي أنّ الحلّة بقيت، إلى حدٍ كبيرٍ، حتى أواخر القرن السادس للهجرة مركزًا للفقه والحديث، ولم يكن لعلم الكلام بمعناه الاصطلاحي مركزٌ في الحلّة طوال تلك المدة.

وفي أواخر القرن السادس للهجرة، هاجر سديد الدين الحمِّصي الرازي، المتكلّم الشهير، إلى الحلّة لتدريس علم الكلام بطلب من علماء الحلّة، والحمِّصي يُعدّ من أعلام مدرسة الريّ، وقد ذكرناه سابقًا في تعداد متكلّميها البارزين. فحتّى ذلك الوقت لم تكن الحلّة مركزًا للأبحاث والنقاشات الكلاميّة بعدُ، وبسبب هذا الفراغ في الميدان الكلامي، دعا كبار الحلّة وعلماؤها سديد الدين الحمِّصي إلى تشكيل مدرسة كلاميّة في الحلّة وتدريس الكلام فيها. وهكذا، هاجر الحمِّصي إلى الحلّة وراح يبذل الجهد شيئًا فشيئًا لنشر المباحث الكلاميّة وتوسعتها في هذه المدينة، وقد عُدّ الحمِّصي من خلال تربيته للعديد من التلامذة وتأليفه للعديد من الآثار وفي مقدّمتها كتابه القيّم المنقذ من التقليد مؤسّس هذا العلم العقلي في الحلّة. وتدريجيًا باتت الحلّة وريث الكلام الإمامي، ودخل الفكر الكلامي للإماميّة والنظام الكلامي ذو النزعة العقليّة الذي كان قد تمّ تدوينه وتنظيمه في بغداد، ومن ثمّ وصل إلى كماله في الريّ بعد طيّه لسير من التحوّلات، إلى هذه المدرسة الجديدة.

وقد كان ازدهار الأفكار الكلاميّة في الحلّة ونموّها، بلحاظ دائرة الانتشار والتنوّع والابتكارات الكلاميّة، مما يسمح بتصنيف المدرسة التي ظهرت فيها إلى جانب مدرسة بغداد، وبالقول إنها قد تفوقت على مدرسة الريّ لناحية تأسيس المباحث الكلاميّة العقليّة عند الإماميّة.

 

التيّارت الفكريّة في مدرسة الحلّة[1]

كان الكلام في ما خص المداس السابقة، سواء الكوفة أو قم أو بغداد أو الريّ، منحصرًا بتيّارَين فكريَّين كلاميَّين أساسيَّين، كانا يحضران معًا تارةً، أو يحضر أحدهما ويعرف شياعًا فيما يُحيّد الثاني أو يندثر أخرى. ولكننا سنشهد في مدرسة الحلّة ظهور تيّار ثالث جديد إضافةً إلى التيّارَين السابقَين، وبذلك فالتيّارات الفكريّة التي حضرت في الحلّة كانت ثلاثةً، هي:

الأوّل: هو التيّار الكلامي الحديثي أو تيّار المحدّثين المتكلّمين الذي كان امتدادًا لمدرسة قم الكلاميّة.

الثاني: وهو تيّار الكلام العقلي ما قبل الخواجة نصير الدين الطوسي، والذي يُعدّ في الحقيقة امتدادًا لفكر مدرسة الريّ الكلاميّة، وكان مدافعًا عن الفكر العقلي البغدادي، وأظهر ميلًا نحو متأخّري المعتزلة.

الثالث: هو تيّار النزعة العقليّة ما بعد الخواجة نصير الدين الطوسي، الذي كان تيّارًا حديث الظهور، دخل الكلامُ الشيعيُ معه مرحلةً جديدةً من خلال الاستعانة بالأدبيّات الفلسفيّة.

 

تيّار المحدّثين المتكلّمين

التيّار الكلامي الحديثي أو تيّار المحدّثين المتكلّمين هو ذلك التيّار الذي كان قد نشط سابقًا في مدرسة الكوفة، ومن ثمّ في بغداد، وفيما بعد عرف انتشارًا إلى حدّ ما في مدرسة الريّ كذلك. وقد حضر هذا التيّار الفكري أيضًا في مدينة الحلّة وهو يُنسب في الغالب إلى مشايخ قم والريّ، ويمكن عدّه استمرارًا لتيّار المحدّثين المتكلّمين في مدرسة قم.

هذا التيّار الفكري لم يواكب الاتّجاه الرسمي للمتكلّمين بل كان يواجه أحيانًا ادّعاءات وأفكار التيّار الكلامي، ويمكن الإشارة في ضمن هذا التيّار إلى عائلة ابن طاووس، فقد عُرف من بين هذه العائلة الحديثيّة علي بن طاووس الحلّي أو السيّد ابن طاووس بوصفه رمزًا لهذا التيّار. وبحسب رأي ابن طاووس، فإنّ الكلام بمعناه الرائج هو طريق طويل ومليء بالمخاطر، فهو وإن أمكن من تحصيل الحقيقة ومعارف الدين، غير أنّه ليس طريقًا مطمْئِنًا وآمنًا، بالإضافة إلى كونه طريقًا طويلًا وشاقًّا. وبحسب رأي ابن طاووس وسائر المحدّثين المتكلّمين في هذه المدرسة، فإنّ المسير الآمن والقصير هو ذلك الذي يصل إلى معارف الدين عن طريق روايات أهل البيت (عليهم السلام).

ومن الشخصيّات الأخرى في هذا التيّار الفكري في مدرسة الحلّة يمكن ذكر الحسن بن سليمان الحلّي الذي عاش في أواخر مراحل هذه المدرسة وترك العديد من الآثار، ومن أهم آثاره التي وصلتنا عنه كتاب بعنوان مختصر بصائر الدرجات. وقد كان هذا الكتاب خلاصةً لكتاب بصائر الدرجات الذي ألّفه سعد بن عبد الله الأشعري، وقد أصبح في متناول الراغبين مع الإضافات التي قام بها الحسن بن سليمان الحلّي في بعض الموضوعات الكلاميّة، كمسألة عالم الذرّ والرجعة والبداء. وقد وصلتنا أيضًا عن الحسن الحلّي آثار أخرى بأسلوب كلاميّ ولكن على شكل مجموعة حديثيّة.

 

تيّار النزعة العقليّة ما قبل الخواجة

ثاني التيّارات الكلاميّة في مدرسة الحلّة كان استمرارًا لفكر مدرسة الريّ الكلامي، والذي بدأ مع حضور سديد الدين الحمِّصي في الحلّة وتدريسه لعلم الكلام، فتشكّل الجيل الأوّل من متكلّمي الحلّة مع ميلهم لأفكار السيّد المرتضى وتأثّرهم بمتأخّري المعتزلة. ويُمكن في هذا السياق عدّ تلامذة سديد الدين الحمِّصي كابن وشاح الحلّي ومحمد بن جهيم الأسدي ويوسف بن مطهر الحلّي – والد العلّامة الحلّي – والمحقّق الحلّي – خال العلّامة الحلّي – من ضمن هذه الطبقة.

في هذه الفترة، كان متأخّرو المعتزلة، أي التيّار الذي بدأ مع أبي الحسين البصريّ المعتزلي، قد أحدثوا موجةً جديدةً في الكلام الإسلامي. وقد كانوا مجموعةً من المتكلّمين ذوي النزعة العقلية المعتزليّة الذين استفادوا من المفاهيم الفلسفيّة بشكل أكبر ممّن سبقهم من المعتزلة، مُحدثين تحوّلات عديدة لا سيّما في مباحث لطيف الكلام، فظهرت اختلافات عديدة بينهم وبين المعتزلة السابقين. وقد ترك هذا التيّار الكلامي أثره على مباحث الكلام الإسلامي بشكل عامّ، فخضعت الحلّة بدورها في هذه المرحلة لتأثير هذا الفكر الكلامي والتيّار الفكري. وقد كان سديد الدين الحمِّصي وتلامذته يدافعون في العديد من الموارد عن آراء أبي الحسين البصري ومتأخّري المعتزلة، ومن هنا وُجدت اختلافات عديدة بين فكر هذا الجيل من متكلّمي الحلّة وأسلافهم، أي السيّد المرتضى وغيره من متكلّمي مدرسة بغداد.

تيّار النزعة العقليّة ما بعد الخواجة

ثالث التيّارات الكلاميّة في مدرسة الحلّة هو تيّار يُعرف بتيّار الكلام العقلي ما بعد الخواجة. فمع ظهور الخواجة نصير الدين الطوسيّ وابن ميثم البحراني، قطع كلام الحلّة خطوةً تجاه الفلسفة، وتبدّلت المنافسة الجدّيّة القائمة بين كلام الإماميّة والفلسفة في هذه المرحلة إلى حالة من التعامل مع الفلسفة والاختلاط بها أحيانًا.

والخواجة نصير الدين الطوسي هو أحد أبرز فلاسفة المشّاء الذي قدم من مدرسة خراسان إلى الحلّة، وهو معروف بوصفه أفضل شارح لكتاب الإشارات لابن سينا.

أما ابن ميثم البحراني، فقد كان فيلسوفًا أيضًا ذا نزعة عرفانيّة، وكان قد قدم من مدرسة البحرين إلى الحلّة، وساهم بحضوره في الحلّة بنشر وتوسعة الأفكار الفلسفيّة.

ومن الشخصيّات البارزة التي أحدثت تأثيرًا كبيرًا في تحوّل كلام الإماميّة وتغيّره كان العلّامة الحلّي (رحمه الله). وقد كان العلّامة تلميذًا مشتركًا عند كلّ من الخواجة نصير الدين وابن ميثم البحرانيّ فتأثّر بكلا الشخصيّتَين، ومن خلال الاستفادة من الكلام العقلي الذي كان وصل من الريّ إلى الحلّة، أسّس نظامًا كلاميًّا جديدًا كان في الواقع منشأً لتحوّلٍ وتغيّرٍ كبير في الفكر الكلامي الإمامي. استفاد العلّامة الحلّي تبعًا لأستاذه نصير الدين الطوسي من الفلسفة المشّائيّة على صعيد المنهج والأدبيّات العلميّة، وتخلّى بقبوله للمنطق الأرسطي عن منهج المتكلّمين السابقين وأسلوبهم. وقد ذكرنا سابقًا أنّ المتكلّمين ذوي النزعة العقليّة كالمعتزلة وإماميّة بغداد لم يستفيدوا من المنهج والمنطق الأرسطي، بل كان لعلم الكلام في تلك المرحلة منهجه الخاصّ، أمّا في هذه المرحلة فقد استبدل العلّامة الحلّي منهج المتكلّمين السابقين بالمنطق الأرسطي.

وكان من التغييرات الأخرى التي وقعت حلول الاصطلاحات والأدبيّات الفلسفيّة مكان مباحث لطيف الكلام، ذلك أنّ الكلام الإسلامي كان قد طرح اصطلاحات خاصةً وأوجد أدبيّات عقليّةً خاصةً ضمن قسم من المباحث عُرف بعنوان لطيف الكلام، بحيث كانت تُعدّ هذه الاصطلاحات والمفاهيم البنى التحتيّة لقسم من الاستدلالات في ميدان جليل الكلام أو الإلهيّات. هذه الاصطلاحات والمفاهيم كانت مختلفةً بشكل كامل عن المفاهيم المعتمدة والمستعملة في الأنظمة الفلسفيّة، فعلى الرغم من استعمالهما ألفاظًا مشتركةً في بعض الموارد غير أنّ معاني هذه الألفاظ كانت مختلفةً بين هذَين النظامَين.

أما في هذه المرحلة، أي في مدرسة الحلّة الكلاميّة، فقد استبدل العلّامة الحلّي الاصطلاحات التي بُيّنت في لطيف الكلام باصطلاحات وأدبيّات فلسفيّة، وهكذا باتت اصطلاحات علم الكلام ومفاهيمه في هذه المرحلة متّحدةً مع اصطلاحات الفلسفة ومفاهيمها. وقد خطى هذان التغييران – أي التغيير في المنهج والتغيير في اصطلاحات البحث وأدبيّاته – بالكلام الإمامي خطوةً باتّجاه الفلسفة.

ومن المهمّ الإشارة هنا إلى أنّ العلّامة ومن شاركه في أفكاره، وعلى الرغم من تعاطيهم مع الفلسفة في المنهج والأدبيّات العلميّة، كانوا يؤكّدون في المباحث الكلاميّة الأساسيّة على المواقف السابقة للمتكلّمين، ويرفضون آراء الفلاسفة في كثير من المباحث الكلاميّة. فصحيح أنّ علم الكلام في هذه المرحلة من تاريخه خطى خطوةً ناحية الفلسفة وبات قريبًا منها على صعيد المنهج والاصطلاحات، غير أنّه كان لا يزال يوجد تفاوت واختلاف بين الفلسفة والكلام، وكان العلّامة الحلّي وتلامذته ومن يدور في فلكه الفكري متكلّمين لا فلاسفة. وبتعبير آخر، فعلم الكلام في مدرسة الحلّة وإن كان قد اصطبغ بالصبغة الفلسفيّة واقترب خطوةً من الفلسفة، على صعيد الشكل والبنيان باستعماله للمنهج والاصطلاحات الفلسفيّة، لكنّه كان لا يزال كلامًا على صعيد المحتوى ولا يمكن تسمية هذا العلم بالفلسفة أو تقديمه بوصفه تيّارًا فلسفيًّا.

ومن خلال تأليف العديد من الآثار ضمن هيكليّة وبنيان علمي جديد، وترويجها في مدرسة الحلّة، بالإضافة إلى تربية الكثير من التلامذة، خطى العلّامة الحلّي خطوةً مهّمةً في مسار تثبيت نظام كلاميّ جديد. ولقد استمرّ هذا التيّار الفكري من خلال الجهود التي بذلتها شخصيّات كفخر المحقّقين الحلّي والشهيد الأوّل وأخيرًا الفاضل المقداد، ويمكن عدّ مدرسة الحلّة مدرسةً فعّالةً وحيويّةً حتّى أواخر القرن التاسع للهجرة.

 

خصائص مدرسة الحلّة الكلاميّة

حازت مدرسة الحلّة على خصائص ينبغي الالتفات إليها والاهتمام بها، أهمّها بحسب اعتقادنا هو تعاملها مع الفلسفة الأرسطيّة واختلاطها بها. فقد أثّرت المفاهيم والمعتقدات الفلسفيّة، في مرحلة ما قبل الخواجة، بعض الشيء على كلام الإماميّة، عن طريق فكر متأخّري المعتزلة، حيث تأثّر بعض العلماء كسديد الدين الحمِّصي وتلامذته بمتأخّري المعتزلة، ووجدت بذلك بعض المفاهيم والمعتقدات الفلسفيّة طريقها إلى الفكر الكلامي عند الإماميّة.

أما بعد الخواجة نصير الدين والعلّامة الحلّي، وبسبب قبول المنطق الأرسطي بوصفه منهجًا في علم الكلام لا الاكتفاء باستعمال المفاهيم الفلسفيّة، فقد بات علم الكلام بلحاظ الشكل والأدبيّات العلميّة شبيهًا بالفلسفة بشكل كامل، بمعنى أنّ النظام الكلامي الذي ظهر في مدرسة الحلّة الكلاميّة شابه الفلسفة الإسلاميّة أو الفلسفة السينويّة أيّما مشابهة على صعيد الهيكليّة والشكل والاصطلاحات، غير أنّ متكلّمي مدرسة الحلّة ظلّوا حتّى نهاية عمر هذه المدرسة يعتقدون بابتعاد مسارهم وانفصاله عن الفلسفة من خلال تموضعهم في مقابل مبانيها. لقد اقتصر التغيّر الكلامي في هذه المرحلة – أو بتعبير آخر <فلسفة الكلام> – على الشكل والهيكليّة والمفاهيم والاصطلاحات، فيما بقيت اختلافات مهمّة بين الكلام الإمامي في مدرسة الحلّة والنظام الفلسفي الإسلامي، وحتى ذاك الذي تمّ تدوينه من قبل ابن سينا وتلامذته والترويج له، وقد بُحثت هذه الاختلافات في محلّها، ويمكن الإشارة إلى اختلافات عديدة بين هذَين النظامَين الفكريَّين في موضوعات مختلفة.

 

خلاصة الدرس

ـ أصبحت مدينة الحلّة التي تأسّست في القرن السادس للهجرة بميول شيعيّة مع نهاية هذا القرن مركزًا للأفكار الكلاميّة من خلال استضافتها لمتكلّم ذلك العصر المميّز البارع سديد الدين الحمِّصي، وقد تشكّلت في هذه المدينة الحلقة الأولى من المتكلّمين الذين يتبعون المنهج الكلامي البغدادي ويميلون إلى أفكار متأخّري المعتزلة.

ـ بعد مرور بضعة عقود من الزمن، ومع دخول الخواجة نصير الدين الطوسي وابن ميثم البحراني، حدثت تغيّرات جديدة في شكل المباحث الكلاميّة، وقد أوجد العلّامة الحلّي المتأثّر بأساتذته من الفلاسفة نظامًا جديدًا في كلام الإماميّة يعمل من خلال الاستفادة من منهج الفلسفة ومفاهيمها على تبيين الآراء الكلاميّة والدفاع عنها.

ـ إلى جانب هذَين التيّارَين العقليَّين، عرف تيّار المحدّثين المتكلّمين المتّبع لمنهج مدرسة قم نشاطًا ضعيفًا في الحلّة.

 

أسئلة الدرس (لا تفوّتوا فرصة الحصول على شهادة تحصيل المادّة عند إجابتكم على الأسئلة في نهاية كلّ درس عبر التعليقات)

1- كيف تشكّلت مدرسة الحلّة الكلاميّة؟

2- ما هي التيّارات التي نشطت في مدرسة الحلّة؟ أوضح ذلك باختصار.

3- ما هي التغييرات التي أحدثها العلّامة الحلّي في الكلام الإمامي؟

4- ما كانت خصائص مدرسة الحلّة المهمّة؟ أوضح ذلك.

[1] للاطّلاع بشكل أكبر على مدرسة الحلّة الكلاميّة، راجع: رسول رضوي، تاريخ كلام اماميه (قم: دار الحديث، الطبعة الثالثة، 1397 هـ.ش).


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
مدرسة الحلة الكلاميةتاريخ علم الكلامالغمامية

المقالات المرتبطة

الفلسفة السياسية لولاية الفقيه-4-

كان ولا زال أكبر إشكال نظري لدى فلاسفة الحكم هو معالجة معضلة التوفيق والموازنة بين فاعلية السلطة المطلقة وفسادها وكذلك المباشرة الشعبية…

مقاربة الوجود في الحكمة المتعالية وفق صياغة فلسفية (2)

يقول الشيرازي أنه كما أنّ النور قد يطلق ويراد منه الظاهر بذاته المظهر لغيره من الذوات.. كذلك الوجود قد يطلق ويراد الظاهر بذاته بجميع أنحاء الظهور، والمظهر لغيره.

تاريخ علم الكلام | الدرس العاشر | كلام الإماميّة في حقبة التنظير مدرسة الكوفة الكلاميّة

سنقوم، في هذا الدرس، بالتعريف بمدرسة أخرى من المدارس الكلاميّة عند الإماميّة، ونعني بها مدرسة الكوفة الكلاميّة. وقد تأسست مدينة الكوفة أوّل الأمر لتكون سكنًا لعسكر الإسلام، ولكنّها تبدّلت شيئًا فشيئًا لتصبح واحدةً من أهمّ المدن الإسلاميّة.

  1. نجوى علي فقيه
    نجوى علي فقيه 30 سبتمبر, 2021, 15:59

    تشكلت مدرسة الحلة بسبب الفراغ في الميدان الكلامي وكات متكلموا هذه الندرسة يتبعون المنهج الكلامي البغدادي ويميلون إلى أفكار متأخّري المعتزلة.وقد نشط في هذه المدرسة تيارات عدة هي تيّار المحدّثين المتكلّمين الذي كان امتدادًا لمدرسة قم الكلاميّة. وتيار الكلام العقلي الذي يُعدّ امتدادًا لفكر مدرسة الريّ الكلاميّة، وكان مدافعًا عن الفكر العقلي البغدادي.و تيّار النزعة العقلية الذي دخل الكلامُ الشيعيُ معه مرحلةً جديدةً من خلال الاستعانة بالأدبيّات الفلسفيّة.
    وقد احد العلامة الحلي تغييرات في الكلام،فقد استبدل العلّامة الحلّي منهج المتكلّمين السابقين بالمنطق الأرسطي،وباتت اصطلاحات علم الكلام ومفاهيمه متّحدةً مع اصطلاحات الفلسفة ومفاهيمها،كما حلت الاصطلاحات والأدبيّات الفلسفيّة مكان مباحث لطيف الكلام.
    اما خصائص مدرسة الحلة فهي: تعاملها مع الفلسفة الأرسطيّة واختلاطها بها، حتى اصبحت الفلسفة منخرطة في النظام الكلامي.

    الردّ على هذا التعليق
  2. محمد محمود ابراهيم
    محمد محمود ابراهيم 2 أكتوبر, 2021, 19:04

    تشكلت مدرسة الحلة الكلامية فى أواخر القرن السادس الهجرى حين جاء سديد الدين الحمصى الذى يعتبر اأب الروحى لمدرسة الرى الكلامية الى مدينة الحلة، وطلب منه علماء الحلة تشكيل مدرسة كلامية جديدة فى الحلة، فأخذ سديد الدين ينشر المباحث الكلامية، وقام بتأليف العديد من الكتب أهمها كتاب المنقذ من التقليد، وأصبح سديد الدين مؤسس العلم العقلى فى الحلة وتدريجيا صارت الحلة وريثة الكلام الامامى ذو النزعة العقلية، فتشكلت مدرسة الحلة الكلامية.

    وهناك ثلاثة تيارات كلامية نشطت فى مدرسة الحلة وهم:
    1- التيار الكلامى الحديثى : وهو يعد امتداد لمدرسة الكوفة ومدرسة قم، واعتبر هذا التيار انه لا يمكن الاخذ بتعاليم الدين الصحيحة الا من خلال روايات ال البيت عليهم السلام.

    2- التيار العقلانى: وهو ينقسم الى تياريين:
    أ- التيار العقلانى ما قبل الخواجة نصير الدين الطوسى: وهذا التيار يعتبر امتداداً لمدرسة الرى الكلامية ، وكان متأثراً بالفكر المعتزلى ذو النزعة العقلية ،اطلع على الفلسفة الأرسطية واستفاد من المفاهيم الفلسفية وقام بتوظيففها فى المسائل الكلامية بشكل أكبر من متكلمى المعتزلة.
    ب- التيار العقلانى بعد الخواجة نصير الدين الطوسى: استعان هذا التيار بمفاهيم الفلسفة فى شرح المسائل الكلامية لدرجة أن الكلام اختلط بالفلسفة، وعمل على نشر الأفكار الفلسفية فتم شرح كتاب الاشارات لابن سينا بواسطة نصير الدين الطوسى وعمل ميثم البحرانى على نشر افكارة الفلسفية ذو النزعة العرفانية .

    أحدث العلامة الحلى بعض التغيرات فى الكلام فقد أسس نظاماً كلامياً جديداً، وقبل المنطق الارسطى كمنهج للكلام الامامى مختلفا عن مناهج المتكلميين السابقيين، وأدخل المصطلحات والأدبيات الفلسفية فى مجال الالهيات، وصار الكلام مختلطاً بالفلسفة.

    و يمكن عرض بعض الخصائص التى تميزت بها مدرسة الحلة: من أهم هذه الخصائص هو تأثرها بالمفاهيم والمعتقدات الفلسفية الأرسطية ، وقبول المنطق الأرسطى كمنهج لعلم الكلام ، ومن ثم صار علم الكلام شبيها بالفلسفة على صعيد الشكل والبنية والمفاهيم، مع عدم تجاوز الخلافات القائمة بين الكلام الامامى والفلسفة الاسلامية

    الردّ على هذا التعليق

أكتب تعليقًا

<