دور الدعاء في تكامل الإنسان

by خديجه صفا | أكتوبر 18, 2021 12:04 م

الدعاء في الضراء والسراء

كلنا بحاجة إلى الدعاء، كل فرد، كل جماعة، إنه حاجة كل إنسان التي تنبع من فقره الذاتي، إلى الغني المطلق، ناهيك أنه تجسيدًا عمليًّا لعقيدة التوحيد، وإقرارًا من الداعي بأن الله هو المهيمن المالك بيده كل شيء؛ أي بيده العبد، وهو إذ يلجأ إلى الله بالدعاء، فإنما ليستمد القوة فيتصل بمن بيده الملك كله.

وبالتالي، يمنح الأمن والاستقرار الروحي وهو المدخل الرئيسي للعشق الإلهي، والأمن والسلام في رحاب المعشوق بالوصل.

إن محاسبة النفس ونقدها تنطلق من جوٍّ روحي مثالي، حيث يخلع الداعي ثوب نفسه ويتعرّى من شوائب الدنيا ويبكي في شكواه وانكساره أمام الله، بينما لا يقبل على نفسه أن يكون كذلك أمام البشر. هذه الراحة في المصارحة والكشف أن لا تكون إلا بين يدي الله، فإنما هذه والله إنما تدل على قمة الاستسلام والطواعية والحب، بل تدل على العبودية القائمة على الرغبة- الحب.

فالعبودية جوهر كنه الربوبية، ألَاَ تعلم أنك الشاهد على وحدانية الله وبك شهد الله أن لا إله إلا أنا فاعبدون؟

الدعاء معراج الروح تسري إلى مبديها متعرية من ثوب الدنيا، ومن غرائزها ومن “أنا” التي رضعت أهواء الجسد – المادية.

كيف يمتلك الإنسان البصيرة الفردية، عندما يقر بالآخر أنه مرآته، حينها يدرك نفسه، ويقيم مفهوم الأنسنة المطلوبة، يصبح في أعلى مراتب الأخلاق ومكارمها، وحينها يتأهل ليعرف ربه. لن أقول لكم هذّبوا أنفسكم، ولكن سأقول أحبوا بعضكم، ففي الحب مرتجى التهذيب وتقليم أظافر النفس وغسلها من أردانها.

عندما تتخلص النفس من تعلقاتها السلبية بجسدها ترتقي نفسًا عاقلة مستفادة عالمة لتصير ناطقة فراضيةٌ مرضية، فهادية مهدية.

ولتترقى من ناطقة إلى مطمئنة عليها أن تتحد بالنفس الكلية ومنها ستعلم متألمة مما تبقى من نفسها التي لا تؤهلها أن تكون في مقام التوحيد الذي لا يقبل الشرك كيف لهذه الأنا المتخفية ببعض ما تبقى لها أن تقوم بين يدي واحد لا يقبل ندًّا وكفوًا له؟ لتدرك أن الروح مرجعها إذ أن الروح مرجعُ النفس التي انشقت منها؛ هناك أغشي على موسى واستفاق ليكون من المصطفين.

مسكين الإنسان رغم كل العلوم التي أبدع في معرفتها وحل عقدها إلا أنه عاجز عن معرفة الروح، هذه الطاقة النورانية العلوية الإلهية التي فيه.

نعم، ليكون الدعاء خبزنا اليومي، غذاء الروح، وليتكرر، صلاةً ووصالًا غايته الوصل الإلهي بالمعشوق الذي عَشِقنا وأدرنا له ظهرنا أعطانا ونكرنا الجميل طلب الحب – الإحسان، قابلناه بالجفاء. الدعاء هو الذي يستدرج النفس إلى مراتب الكمال لتعود إلى مصدرها الروح، والروح تعود إلى مبديها الله.

ليكن الدعاء عادة لنا تفتح آفاق السماوات والأرضين وتهشم الحجاب المضروب من النفس بيننا وبين الله.

ولتكن وسيلتنا إلى الله تلك العقد في حب الله الممدود محمد وآل بيته. (أريد أن أضع لطيفة بين أيديكم: أن الأسماء الذي ذكرها آدم هي أسماء محمد وآل بيته (ع)، وما ركوع الملائكة الموكلون إلا بأمر عقلي نابع من مرؤوس تابع لرئيسه، فكل ملاك من هؤلاء الملائكة قد خلق من نور أحد من آل البيت وعند سماعهم الأسماء سجدوا لآدم، أو بالأحرى سجدوا لمن في صلب آدم/ في صلب الكون).

أهمية الدعاء تعادل الصلاة، بل تقوِّم صلاة الساهين، فلا يسهو وتجعلنا في حضرة الله. الدعاء هو سفينة نجاة، هو براق المعراج نحو إنسان كامل.

فالدعاء عبادة تمس الجانب العاطفي، عاطفة العبد في علاقته مع الله، وعلى أساس هذه العلاقة يبني قناعاته، ويدخلها في صناعة أفكاره وتحليل الواقع، وتبرير سلوكه الشخصي أو سلوك الأشخاص المحيطين به.

إن الذكاء العاطفي – الفكري في الدعاء هو الذي يُبنى عن طريق الدعاء عبر الآليات العاطفية التالية:

إن صناعة السلوك الإنساني عن طريق الدعاء يكون على عنصري الفكر والعاطفة؛ فالسلوك علم النفس هو ثمرة تفاعل التفكير (العقل)، مع العاطفة (الانفعال)، والسلوك السليم يكون بالتناغم بينهما، والدعاء كفيل بذلك التناغم.

وأهم نتاج للدعاء تلك العاطفة – الهوى – الحب – مما يعطيه تفاؤلًا روحيًّا في التعامل مع الآخر، ومع الله، وبأن الأرض ليست محور الوجود، وإنما محور الوجود هو أنسُ الله والتوحد فيه، معرفته.

يواجه الإنسان في حركته المعرفية أمرين أساسيين:

الأمر الأول: الأنا الاعتبارية.

الأمر الثاني: الأنا الحقيقية الإلهية.

والدعاء في حركيته يقوم بين هاتين الأنا. من أنا هو – إلى أنانا: أنا انت – أخيرًا أنت أنت.

ولكن منذ البداية وعند توجه الداعي إلى الله، إنما كان توجهه من الأنا الحقيقية الإلهية الباطنة المفطور عليها، حيث يرى نفسه في دعائه عين الربط والحاجة إلى الله تعالى. ليتجلى الرب في مرآة ذات المؤمن – قلبه.

وهذه الفطرة هي الإمكان الاستعدادي الموجود في باطن وعي كل إنسان.

إن ثقافة الكمال تكمن في الاتحاد مع نور الحقيقة..

إن الفعل السيميائي يبرز في معالجته للزئبق (الزئبق أقدم من أمه الماء، لكونه الأقدم في العمر والكمال).

إلا أنه عاقر، بسبب رطوبته وبرودته، ولكنه عندما يتطهر بتسخينه بكبريته يفقد عَقَمَه، فالنار الكبريبتية هي البذرة الروحية)، بينما الطابع النحناوي (ذكر وأنثى) في عالم السيمياء يعتبر تفوقًا.

Histoir de la philosophie hermetique, 3vol, paris, 1742, p: 53.

لأن الحجر يفخر بامتلاكه باردًا ذكرًا وأنثى، فهذا الكبريت يجعل الزئبق خنثاويًّا، والزئبق يحمل التناقضات بارد جدًا من الخارج، وحار جدًّا من الداخل، ماء حياة، وماء موت، ماء جارٍ وما متجمد جاف جدًّا، أبيض وشديد السواد من كل لون، بالغ الوزن، وبالغ الترجرج، معدني وطري مثل اللآلئ.

Deloque, les rudimentsk loccit, p: 26.

باختصار: (هذا الزئبق هو قلب بشري مثقل بالأهواء والآلام).

عندما يستطيع الإنسان أن يتخطى التناقض الجنسي الذي يعاكس الذكر والأنثى، يستطيع أن يهيمن على كل التناقضات الأخرى لمعرفة جوهره، ذاته، هذا الإدراك اللامتناهي هو في صميم العملية السيميائية.

(تحويل النحاس إلى ذهب)، حيث على الداعي الذي عرف ذاته أن يسهر على اللطائف ويُحسن مزاوجة الأشياء، بهذا الفعل يستطيع إظهار ما كان كامنًا ومتخفّيًا، هذه الصنعة (المزاوجة بين اللطائف الجنسية)، هي صنعة كل الفلاسفة التقويميين في مسعاهم لتوليف الأضداد، بدراسة العناصر الأربعة- أعمدة العالم، للوصول إلى الصيغة الموحّدة لكل هذه العناصر، الريح/ الهوى- الحب.

 


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13872/duaarole/