by الشيخ شفيق جرادي | نوفمبر 17, 2021 2:41 م
لسائل أن يسأل: هل للذنوب في حياة الناس آثارها الخاصّة بها أم لا؟
في الواقع، إنّ هناك بعض من آثار الذنوب والابتلاءات التي تظهر على الإنسان في حياة الدنيا، فضلًا عن الآثار المتعلّقة بالآخرة وما يظهر من ذنوب في الآخرة، يوم يُسكت الباري عزّ وجلّ أفواهنا وألسنتنا عن الكلام، وتتكلّم أيدينا وأرجلنا وجلودنا وأعيننا لتنطق بما كنّا نفعل بها من موارد الذنب فتجازى هذه الأعضاء والجوارح على الذنوب التي ارتكبتها.
وهناك آثار معنوية سلبية من الممكن أن يقع فيها الإنسان إذا كان عرضةً للوقوع في الذنب. وقد ورد في دعاء كميل بن زياد أقسام ومقاطع تتحدّث عن هذا الموضوع، منها:
“بسم الله الرحمن الرحيم الّلهمّ اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم”.
فما هي العِصَم؟ العِصَم هي الموارد التي يكون فيها الإنسان بروحه وبنفسه بحفظ ورعاية وتكفّل من الله سبحانه وتعالى.
فإذا كان أصل خلقة الإنسان وتربيته قائم على الصلاح وعلى حسن الانقياد لطاعة الله، وحسن التربية في سلوك درب الطاعة لله عز وجلّ، فعندما تعرض على نفسه بعض المسائل المنفرة فإن هذه النفس فورًا تشمئز منها، بل وتبتعد عنها، من مثل مشهد ضرب طفل بشكل مبرح، فهذا الإنسان ذو الفطرة السليمة عندما يشاهد هذا المنظر فإنه يرفضه ولا يستطيع تقبله.
إذًا، الجانب النفسي الذي أنت عليه يأبى أن يدخل لمثل هذا العمل القبيح اللاأخلاقي، وهذه النفسيّة تكون عند الإنسان بحسب طبعه، فإذا كان طبعه الرحمة، فإن هذا الموضع يعصم الإنسان عن أن يقع في أيّ مورد من موارد الظلم ويحجبه عن ذلك.
أما لو أذنب الإنسان ذنب ما وارتكب الحرام وباتت نفسه مبنيّة عليه يصبح من الطبيعي لديه أن يهتك الناس ويتعدّى على حرماتهم. لذلك من الأساليب التي يوردها القرآن الكريم وتتحدث عنها الروايات، أنّه حينما سمع فرعون بإمكانيّة أن يأتي من يخلّص بني إسرائيل قتّل أطفالهم، وبعض السلاطين كان يأمر بذبح الأطفال، بل بعضهم كان يبقر بطون النساء منعًا لأيّ ولادة جديدة، إذًا، هتكت عصمة الرحمة في قلبه فبات قادرًا على ممارسة أيّ صنف وأيّ لون من ألوان الظلم ومن ألوان التعدّي.
والعبارة الواردة في الدعاء “الّلهمّ اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم”؛ بمعنى، أنه لا يوجد مورد واحد في نفس الإنسان يعصمه عن الوقوع في الأمور القبيحة، بل هناك العديد من الأمور التي تعصمه عن الوقوع في مثل هذه الأمور، وهي أصلًا موجودة في أصل خلقتنا، وهي من أنعُمِ الله علينا وعطاءاته وفيض فضله سبحانه وتعالى. فالذنب إذًا، يمنع هذا المرء من أن يكون في حضرة عصمة الله سبحانه وتعالى التي أولاه إيّاها.
بالتالي، الذنوب التي تهتك العصم، فإنها أيضًا تهتك المناعة، وقابليّة المناعة المعنويّة الموجودة عند الناس.
“الّلهمّ اغفر لي الذنوب التي تنزل النّقم”
فالذنوب لا تهتك العصم فقط، بل وتنزل النقم أيضًا. والنقم هو الغضب؛ وقد تظهر النقمة الإلهيّة في الحياة الدنيا، ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾[1][1]، بالتالي، هناك نوع من الذنوب حينما يفسق المجتمع فإن النقمة عليه قد تصل إلى إبادته بأكمله، وهو ما حصل مع قوم عاد، وقوم لوط. حينما ارتكب مجتمع بكامله ذنبًا وموبقة معيّنة وأخذ موقفًا قبيحًا كان الذنب مبرّرًا وسببًا للنقمة الإلهيّة عليه.
وعندما استكبر إبليس ووقع في ذنبه ألقى الله عز وجل عليه اللعنة وهي أعلى مستوى من مستويات النقمة، فجعله مذمومًا مدحورًا إلى أن أسمي شيطانًا؛ بمعنى أنّه وقع في الذنب لدرجة أنّه قد شطّ وبَعُدَ عن كلّ الحدود. لذلك لو ارتكب أيّ واحد منّا، والعياذ بالله، الذنب الذي يستوجب نقمة، فيكون هو الشيطان.
“الّلهمّ اغفر لي الذنوب التي تغيّر النّعَم”.
والنّعم التي تغيرها الذنوب على وجهين:
الوجه الأول: وجه مادي: لقد قدّر الله عزّ وجلّ لأيّ واحد منّا رزقه﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾[2][2]. فعند القيام بعمل حلال، ونحصل على نتائج في الحلال، نتيجة ذلك تكون أن ننال رزقنا الحلال. في بعض الأحيان قد لا نحصل على شيء فيسمّوننا فقراء، في المقابل، هناك شخص يكسب المال لكن لا يمكن أن نطلق عليه غنيّ بالمعنى الحلال؛ لأنّه من الناحية العملية حينما حصّل المكسب، حصّله عن طريق حرام، وتعدّى على الرزق المقسوم له، “ما اغتنى غنيّ إلا بما افتقر به فقير”. هذا النوع من الناس نسمّيه غنيّ لكن اسمه الحقيقي شخص لعين يعيش على السحت وعلى الحرام، لذلك وللأسف الشديد إنّ بعضنا عندما يريد أن يتكلّم عن أصحاب الأموال يحرّك يده بطريقة أنّه بمقام عالي، لكنه في الواقع هو بالدرك الأسفل؛ لأن ماله مبني على حرام وعلى نار وسحت. إذًا، الذنب له دور أساسي في حجب نعمة الرزق وتوسعته.
الوجه الثاني: وجه معنوي، هناك نعَم إلهيّة أخرى يغيّرها الذنب، وهي نعمة طمأنينة النفس. مثلًا أن يشعر هذا الإنسان بطمأنينة وراحة ويصل إلى المستوى الذي يقول فيه الإمام الخميني (قده) وهو يودّع الدنيا: “بقلب مطمئن ونفس ساكنة هادئة مرتاحة أودّع الناس وأنتقل إلى الرفيق الأعلى”. هذا هو صاحب النفس المطمئنة والتي سمّاها القرآن بالنفس المطمئنّة. وفي الأساس كلّ منّا حقيقة رزقه من الله، وأنّ الله أعطاه النفس المطمئنّة، لكن نحن من أقلقنا النفوس وجعلناها أمّارة بالسوء تتحكّم بكلّ مساحات حياتنا، بحيث إنّ الذنب قد أحدث انهيارًا خطيرًا جدًّا في حياتنا المعنويّة واليوميّة وهدوء البال والسكينة والطمأنينة. أهل العلم بالله، على سبيل المثال، هم من القلّة الذين رزقهم يسعى وراءهم لأنّهم وصلوا إلى مستوى الرضا بقدر وقضاء الله تعالى. إذًا، من آثار الذنب أن ينهي هذه النعمة أيضًا.
“الّلهمّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء”.
ومن آثار الذنوب أيضًا على حياتنا بأنها تحبس الدعاء، وكلّما أقرأ هذا المقطع “الّلهمّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء”، يخيّل لي أمرًا جديدًا، وأشعر أنّ حبس الدعاء كحبس المطر غالبًا ما يكون في أوقات شديدة الحرارة، بل توصِل إلى يبوسة الأرض، كأنّ الدعاء استمطار لرحمة الله، وتنزل على الواحد منّا وعلى حياته وعلى قدره، هذا الاستمطار لرحمة الله يأتي الذنب ليحبسه؛ كأنّما الذنب نار وقحط وجفاف حقيقي يحرمنا حتى نعمة المطر، وفي بعض المقاطع في الصحيفة السجّاديّة عندما يعلن الإنسان عن توبته يقول يا ربّ فلتسمع سماؤك ومن فيها، وأرضك ومن فيها أنّي تبتُ إليك، لعلّ أحدًا في هذه الأرض دعاءه يستجاب أكثر منّي فيقع في قلبه الخوف على مصيري والشفقة عليّ فيدعو لي بدعاء يكون سببًا لمنجاتي.
“الّلهمّ اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء”.
ومن موارد آثار الذنوب إضافة إلى كل ما ذكر بأنها تنزل البلاء؛ فلا يتصوّر أحد وجود حياة بلا بلاء، وأجر بلا بلاء، لكنّ البلاء على قسمين:
القسم الأول: البلاء الحسن؛ وسببه أنّ الله يريد أن يختبرك ويريد أن يرفعك فيبتليك.
القسم الثاني: بلاء السوء؛ وسببه أنّك أذنبت فجلبت لنفسك بلاء لا دافع ولا مدفع له.
تمامًا مثل صورة البلاء في حياتنا العاديّة، فلو عرفنا مثلًا أنّ أحد المؤمنين قد عانى كثيرًا قبل موته، وابتلاه الله بمرض ما، فورًا نقول يبدو أنّ الله وجد أنّ عليه بعض الذنوب وأراد أن يطهّره منها ليرسله إلى قبره وكأنّما ليس عليه شيء. لكن إذا كان بلا دين وعانى كثيرًا في لحظة الاحتضار نقول: إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يعذّبه في الدنيا قبل الآخرة. هنا الكلام صحيح، ولكن ما لم نلتفت له أنّه ليس هنا مورد الامتحان، بل مورد الامتحان الفعلي، أن هذا الميت حينما نزل عليه الألم بأشدّه، وحينما جاءه ملك الموت ليقبض روحه في هذا الوقت تحديدًا يأتي بلاءه وهو الوسواس، حيث يبدأ بالقول له: لو أنّ هناك رحمة عند الله لما فعل بك ما فعل، فإذا استسلم لهذا الوسواس فإن أجره يذهب في آخر لحظة من لحظات حياته.
وإذا كان القلب قد انطبع على الذنب وقد أصابه بلاء الذنب، هنا يكون قد اعتاد على وسوسة إبليس.
وفي المقابل، هناك بعض الناس رغم شدة ألمها لكن حينما يوسوس لها الشيطان، فإنّها تسلّم أمرها لله ولقضائه وقدره، وترضى بما رضي به المولى سبحانه وتعالى.
فالذنب إذًا يعتبر مفصلًا في طبيعة الابتلاءات التي نعيشها حتى اللحظات الأخيرة من حياتنا.
[1][3] سورة الإسراء، الآية 16.
[2][4] سورة الذاريات، الآية 22.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/14011/sin/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.