الدولة الإسلاميّة وتحدّيات النظام العالميّ

الدولة الإسلاميّة وتحدّيات النظام العالميّ

إقامة دولة إسلاميّة في مواطن الحراك الجديد وغيره من المواطن المحتملة يواجه تحدّيات كثيرة بعضها ناجم عن النظام العالميّ، وبعضها عن الواقع الذي تعيشه الكيانات السياسيّة التي يتطلّع الإسلاميون إلى إقامة دولة فيها.

تحدّيات النظام العالميّ.

ما من ريب في أن إقامة دولة إسلاميّة ذات سيادة بالمعنى الدقيق والشامل، سيلقى مقاومة عنيدة من القوى المهيمنة على النظام العالميّ، وفي مقدّمتها الإدارة الأميركيّة التي حلمت بأن تكون القطب الوحيد المهيمن على السياسة العالميّة، وراحت تتصرّف وكأن هذا الحلم قد تحقّق فعلًا بعد سقوط الاتحاد السوفياتيّ والمعسكر الاشتراكيّ.

ومن المعروف كم عملت الإدارة، حتى قبل نهاية القطب المقابل، على إسقاط أي حكومة تحاول التحرّر من التبعيّة وانتهاج سياسة مستقلة نابعة من مصلحة شعبها وسعيها لإقامة علاقات دوليّة قائمة على تكافؤ المصالح بأيّ وسيلة وبأيّ أسلوب، وكيف كانت تنجح في معظم الأحيان في ذلك. ومن المعروف أيضًا أن هذه السياسة ازدادت شراسة وعدوانيّة بعد نهاية القطب المقابل، وما أوحى للشعوب بأن أيّ سياسة تسعى للتحرّر من هيمنة الاستكبار بقيادة الولايات المتحدة الأميركيّة محكوم عليها بالفشل.

ولكن صمود دولة إيران الإسلاميّة في مواجهة كلّ الحروب والضغوط والعقوبات الموجّهة ضدها، وإصرارها على استقلاليّة قرارها وحفظ مصالح شعبها وأمّتها، وانتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان، في مواجهة أميركا وحلفائها وأتباعها، واستعادة دولة روسيا لعافيتها، ونهوض المارد الصيني، معطوفة على الأزمة الاقتصاديّة في أميركا ومجمل الدول الغربيّة، وتصاعد السياسة المناوئة لسياسات الإدارة الأميركيّة، على مستوى العالم، وقيام منظّمة بريكس.. كلّ هذه العوامل شكّلت، أو تمهد لتشكيل قطب مقابل، وتعطي الأمل بإمكان انتهاج سياسة مستقلة لدى المتطلّعين إلى ذلك من شعوب العالم، لا سيّما شعوب العالم الثالث…

وإذا كان القطب الأوّل (أميركا وحلفاؤها وأتباعها) يشكّلون عوائق أمام قيام دولة ذات سيادة بالمعنى الدقيق والشامل، إسلاميّة وغير إسلاميّة، وإن الوضع المستجد والأمل بقيام قطب مقابل يشكّل فرصة أمام الطامحين إلى ذلك.

إن القطب الاستكباريّ، وإن فقد بعض مميزاته ومواطن قوّته، فإنه لم يصبح بعد ثمرًا من ورق كما يقول الصينيون. إذ ما زال لهذا القطب مواطن قوّة قابلة للاستثمار من قبله في منع قيام دولة إسلاميّة ذات سيادة بالمعنى الدقيق والشامل، وتشكّل من وجهة نظره، بما هي كذلك، تهديدًا لمصالحه الكبيرة في البلاد العربيّة والإسلاميّة، لا سيّما الشرق أوسطيّة منها.

من مواطن القوّة التي تشكّل عوائق لإقامة دولة إسلاميّة، أو وسائل لإفشالها بعد إقامتها نذكر ما يلي:

  1. شبكة من العلاقات الأخطبوطيّة بقوى إقليميّة ومحلّيّة تابعة جاهزة للتحرّك تبعًا لرغباته المعبّرة عن مصالحه، وذلك في مقابل وهم تأمين الحماية لها من تحرّكات شعوبها.
  2. شبكة من الأذرع المخابراتيّة العاملة على تجنيد عملاء محلّيين جاهزين للتحرّك عند الضرورة في عمليات أمنيّة، وبث لإشاعات، وترويج الانقسامات والعداوات، والقيام بكلّ ما من شأنه إشاعة الفتن والاضطرابات.
  3. شبكات من المؤسّسات الإعلاميّة والإعلاميين الجاهزين لترويج كلّ ما من شأنه إضعاف “الخصم”، وتقوية “الصديق” تحقيقًا لمآرب مرسومة سلفًا من دوائر التخطيط ومراكز الدراسات التابعة.
  4. تعليب أسلوب الحرب الناعمة على أسلوب الحرب الصلبة بعد ما واجهته هذه الأخيرة من صعوبات، وما رتّبته من تكاليف كادت تزهق روح الماليّة العامّة في أكبر بلدان الاستكبار وأهمّها؛ أي الولايات المتحدة الأميركيّة. وتقوم الحرب الناعمة على استثمار عوامل الانقسام والاختلاف العرقيّة والدينيّة والمذهبيّة وتضخيمها وإثارة مخاوف البعض من البعض، ما يجعل كلّ طرف متربّصًا بطرف يقرأ تصرّفاته وأطروحاته بعين الحذر والتخوّف.. ما يسهل إثارة الصراعات العاموديّة في ما بينها، ويصعّب مهمة دولة إسلامية أو غير إسلامية ناشئة ومتطلّعة إلى التحرّر من التبعية وتحقيق السيادة والمصالح الوطنية، في إنجاز مهمّة ضبط حركة المجتمع، وتأمين السلم والنظام والوحدة وتحقيق التقدّم في الداخل والأمن من العدوان الخارجيّ.
  5. استثمار علاقاته بدول إقليميّة وإشراكها في ممارسة الضغوط بكلّ أشكالها بما في ذلك دعم قوى محلّيّة مناوئة لقيام الدولة بكلّ أشكال الدعم، بما فيها التسليح إذا اقتضت الضرورة.

هذه التحدّيات الآتية من النظام العالميّ تلتقي مع تحدّيات يفرضها الوضع الداخليّ.

تحدّيات الداخل.

من أبرز هذه التحدّيات:

في ظل التنوّع الأيديولوجيّ والسياسيّ والأوضاع الاقتصاديّة المتأزّمة والأوضاع الاجتماعيّة المتفاقمة التي تعيشها، الكيانات السياسية، المرشحة لإقامة دولة إسلاميّة فيها، إضافة إلى خضوع هذه الكيانات موضوعيًّا لشبكة علاقات ومصالح دوليّة ذات امتدادات إقليميّة وانعكاسات محلّيّة ذات تأثير بالغ على شكل الدولة المراد بناؤها، وعلى قراراتها الاقتصاديّة والسياسيّة وعلى قدرتها على اتخاذ تلك القرارات بصورة سياديّة، في ظل هذه الأوضاع تبرز التحدّيات التالية:

  • وقف التركيز على المنطلقات الأيديولوجيّة، لصالح التركيز على مشترك وطنيّ وإنسانيّ جامع. هذا لا يعني تخلّي كلّ تنوّع عن منطلقاته الأيديولوجيّة، وإنما يعني توظيف هذه المنطلقات في استلهام مشترك وطنيّ وإنسانيّ جامع؛ أي وصل الأيديولوجيّ بالسياسيّ، أو الفكريّ بالعمليّ، والتركيز على هذا السياسيّ والعمليّ الذي يمكن أن يكون، أو يصبح، موضع اتفاق بعكس الأيديولوجيّ، وهذا ما يستوجب توحيد التنوّعات الأيديولوجيّة والسياسيّة على برنامج وطنيّ يستجيب للحاجات الضاغطة للمجتمع المعنيّ، وحشد كلّ الطاقات لتنفيذ هذا البرنامج.
  • الحفاظ على استقلاليّة قراراتها السياسيّة والاقتصاديّة في ظلّ مؤثّرات شبكة العلاقات والمصالح الدوليّة ذات الامتدادات الإقليميّة والانعكاسات المحلّيّة.
  • مواجهة هواجس تفرّد الإسلاميين بالقرار من قبل قوى وازنة بنسبة أو بأخرى وتملك الاستفادة من الميديا الجديدة في حشد الرأي العام.

 


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
النظام العالميالدولة الإسلاميّة

المقالات المرتبطة

حفريات الخطاب الغربي محددات الخطاب

عرّف ميشيل فوكو Michel Foucault (1926-1984) الخطاب بأنه نظام أو نسق معرفي وفكري

قراءة في كتاب “القوانين القرآنيّة للحضارات”

أولًا: الشكل الخارجي للكتاب إنّ الكتاب الذي بين أيدينا هو كتاب معنون بـ “القوانين القرآنية للحضارات” كعنوانِ أصلي، بالإضافة إلى

الدعاء أركانه وآدابه على ضوء النصوص الدينية

إن الدعاء لغةً هو طلب الحاجة من قِبَل الفاقد للواجد. أما التصور الشرعي للدعاء فهو نفسه اللغوي مضافًا إليه أن المدعو واجدٌ لكل كمالٍ، وفاقدٌ لكل نقصٍ، وهذا لا ينطبق إلا على الله تعالى.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<