هيرمنيوطيقا القرآن عند شبستري – قـراءة نـقـديـة –
يستفز العنوان المعطى لهذه المقالة أكثر من تساؤل ينجر إلى طبيعة الهيرمنيوطيقا المتحدث عنها، وإمكانية تطبيق هكذا نظريات على الكتاب المقدس والأخطار المحدقة بالوحي الإلهي مع هكذا آليات لإعادة القراءة والفهم السيال، كما تنجر الأسئلة إلى السيد شبستري وعن هويته وتخصصه، لكن هكذا تساؤلات – طبعًا نتحدث عن التساؤلات المتعلقة بالهيرمنيوطيقا – ما كانت ولا يجب أن تكون عقبة أمام تجديد التعاطي مع القرآن الكريم ليقيننا بانتفاء أي تفسير رسمي يمكن الركون إليه على الإطلاق، وليقيننا بنسبية المعرفة الدينية بوصفها مجهودًا بشريًّا صرفًا مدخول بالنقص واللاكمالية أمام كمالية الدين. وأعتقد أن هذا المبرر لوحده كفيل بالرد على هكذا تساؤلات واكتساب مشروعية تواجد إن لم أقل وجوبية تواجد، هذا من جهة التساؤلات المعرفية العقائدية، أما فيما يخص محمد مجتهد شبستري فهذا مفكر إسلامي إيراني من المعممين عاش في الديار الأوروبية طويلًا، عرف بمطارحاته الجريئة في الفكر الديني، وهو يشكل إلى جانب كل من عبد الكريم سروش ومحسن كديور ومصطفى ملكيان فرسان الحداثة الدينية في إيران، وطبعًا هكذا طروحات لا يمكن أن تسلم من انتقادات كبيرة من جهة المفكرين الدينيين المحافظين، وإيمانًا منا بضرورة الانفتاح على الفكر في العالم أجمع وقع اختيارنا على مجهودات هذا المفكّر قصد عرضها لا أقل فيما يخص هيرمنيوطيقا القرآن ونقدها، سواء بما سبقنا إليه الكثير من النقاد، أو ما استحدثناه في هذا الباب.
إلا أنه لا بأس من الاتفاق على مبدأ أساسي ألا وهو أنه أضحى من اللازم علينا إعادة قراءة القرآن الكريم بوصفه نصًّا قدسيًّا مفتوحًا على الواقع أيما انفتاح، لأن هذا الانفتاح هو مصداق مبدأ الجري الثابتة لكتاب الله منذ بدأ التنزيل إلى قيام الساعة، إلّا أن إعادة قراءة القرآن الكريم لا تعني البتة القفز على القراءات السابقة بقدر ما هي تجديد للأدوات وزوايا النظر وهذا عين ما أراده شبستري.
وليس من نافلة القول التذكير بأن هناك عدد من المفكرين المسلمين الذين تصدوا لهذا الموضوع في مشارق الأرض ومغاربها، وخلصوا إلى نتائج تقريبًا متباينة، وهذا راجع في الغالب إلى اختلاف في المقاربة والأدوات المعتمدة في القراءة، فهناك من اعتمد المقاربة الدلالية (نصر حامد أبو زيد)، وهناك من اعتمد الأنتروبولوجيا التطبيقية والمناهج التاريخية (محمد أركون)، وهناك من اعتمد الهيرمنيوطيقا على الأقل في مفاهيمها العريضـة (محمد مجتهد شبستري)، فكانت الخلاصات التي انتهوا إليها مختلفة وهذا هو لب الثراء الذي نبحث عنه داخل الفكر الإسلامي قصد التخلص من المسلمات المغلقة الرازحة على العقل الإسلامي منذ قرون خلت، إلا أنه ولتواجدنا أمام مقالة آثرنا التركيز على أفكار المفكر الإسلامي الكبير محمد مجتهد شبستري ووضعها تحت منظار النقد، عسى أن نخرج بزبدة تنفع المسار المعني المسير فيه إن شاء الله لسببين: السبب الأول، أن المفكرين الكبيرين محمد أركون ونصر حامد أبو زيد قد سبق لهما وأن شكلا موضوعًا لمقاربات نقدية كثيرة من قبل باقي المنتقدين، وهما أشهر من نار على علم على الأقل في المغرب بخلاف المفكر الكبير محمد مجتهد شبستري الذي لا زال مجهولًا عندنا – إلا بعض المنشورات التي تهتم بهذا الأمر كمجلة المحجة – والسبب الثاني، أن مجهوده ظل بامتياز أعلى درجة من أعمال محمد أركون ونصر حامد أبو زيد كما سوف يتم بيانه في تضاعيف المقالة، والأكيد أن هذا راجع إلى تخصصه بوصفه عالم دين بخلاف محمد أركون ونصر حامد أبو زيد.
إلا أنه وقبل الخوض في الموضوع لا بأس من الإلماح إلى موجز تاريخي للهيرمنيوطيقا بوصفها نظرية للتفسير والفهم بعد تعريفها.
أولًا: ما هي الهيرمنيوطيقا؟ وكيف ظهرت؟
بدأت الهيرمنيوطيقا أو علم التفسـيـر (نصر حامد أبو زيد)، أو الفَسارة (مشير باسيل عون) كمصطلح قديم طريقها داخل دوائر الدراسات اللاهوتية العامة كجهاز من القواعد والمعايير التي يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني (الكتاب المقدس) (1)، وظلّت آلية داخلدينية على الأقل لدى اللاهوت البروتستانتي لمدة من الزمن حتى أتى المفكر الألماني الشهير في أوساط رواد الهيرمنيوطيقا شلايرماخر (المتبني للموقف الكلاسيكي) الذي نقل المصطلح من دائرة الاستخدام اللاهوتي ليكون علمًا ودربة لعملية الفهم وشروطها في تحليـل النـصـوص (2)، ومجمل نظرية هذا المفكر متركزة على أساس أن النص هو وسيط لغوي ينقل فكر المؤلف إلى القارئ، وبالتالي فهو يشير – في جانبه اللغوي – إلى اللغة بكاملها. ويشير – في جانبه النفسي – إلى الفكر الذاتي لمبدعه، والعلاقة بينهما جدلية صرف (3)، وأنه كلما تقدم النص في الزمن صار غامضًا بالنسبة لنا، وصرنا أقرب إلى سوء الفهم منه إلى الفهم. وعلى ذلك لا بد من قيام علم يعصم القارئ من سوء الفهم مهما تقدم الزمن، لذا ينطلق شلايرماخر لوضع قواعد الفهم من تصوره لجانبي النص، اللغوي والنفسي. فيحتاج المفسر للنفاذ إلى معنى النص إلى موهبتين، الموهبة اللغوية، والقدرة على النفاذ إلى الطبيعة البشرية (4).
فهناك وفي أي نص جانبان: جانب موضوعي يشير إلى اللغة، وهو المشترك الذي يجعل عملية الفهم ممكنة، وجانب ذاتي يشير إلى فكر المؤلف ويتجلى في استخدامه الخاص للغة. وهذان الجانبان يشيران إلى تجربة المؤلف التي يسعى القارئ إلى إعادة بنائها بغية فهم المؤلف، أو فهم تجربته دونما احترام لأوليات الاعتبار؛ بمعنى يمكن للقارئ أن يبدأ من الاستعمال الخاص للغة، كما يمكنه أن يبدأ من الفهم المشترك فكليهما يـؤدي إلـى الآخـر (5).
والعملية تتأسس على إعادة القارئ بناء تاريخية موضوعية للنص وهي عملية تعتد بكيفية تصرف النص في كلية اللغة، وتعتبر المعرفة المتضمنة في النص نتاجًا للغة. ولهذه البداية جانب آخر، وهو ما يطلق عليه شلايرماخر إعادة البناء التنبؤي الموضوعي، وهي تحدد كيفية تطوير النص نفسه للغة.
وللبدء من الجانب الذاتي كذلك له جانبان: الأول إعادة البناء الذاتي التاريخي، وهو يعتد بالنص باعتباره نتاجًا للنفس، أما الجانب الثاني وهو الذاتي التنبؤي فهو يحدد كيف تؤثر عملية الكتابة في أفكار المؤلف الداخلية (6).
غير أن أهم مؤاخذة على هذه النظرية هي أن شلايرماخر يضع قانونًا لتفسير النص مطالبًا القارئ من أن يتباعد عن ذاته وعن أفقه التاريخي الراهن ليفهم النص فهمًا موضوعيًّا تاريخيًّا، حالًّا نفسه محل المؤلف. وطبعًا ثمة استحالة في حصول ذلك، وهنا يتجلى عين رومانسية شلايرماخر (7)، والتي سيحاول كل من ديلثي وغادامر تجاوزها كما سوف يتم بيانه فيما يتبع.
نعم لقد حاول ديلثي إيجاد تفسير وفهم صحيحين في مجال العلوم الإنسانية، وذلك في محاولته الجادة لإقامة العلوم الاجتماعية على أساس منهجي مختلف عن العلوم الطبيعية (بخلاف تيار الوضعيين) مركّزًا على فارق جوهري هو أن مادة العلوم الاجتماعية مادة معطاة – العقول البشرية – وليست مشتقة من أي شيء خارجها، بخلاف مادة العلوم الطبيعية، وعليه فإنه العالم الاجتماعي يجد مفتاح العالم في نفسه وليس في خارجها. وعليه أساس الفهم الذاتي الصحيح يتجلى في إقامتها على أساس معرفـي وأسـاس بسيكولـوجـي(8). فالأساس المعرفي عند ديلثي يتأسس على التجربة الذاتية فهي المقابل للتجربة في العالم الخارجي بالنسبة للعلوم الطبيعية. والتجربة الذاتية هي الشرط الضروري غير الممكن تجاوزه لأي معرفة ما دام أن هناك مشتركًا بين الآحاد من البشر، وعليه يصبح من المتيسر الإدراك الموضوعي القائم خارج الذات، إذ أن هذا الموضوعي الإنساني يحمل تشابهات من ملامح التجربة الأصلية عند الذات المدركة (9). وطبعًا هذا الفهم المؤسس على التجربة الذاتية وقراءتها كما الشيء الموضوعي راجع للتعبير سواء كان في سلوك اجتماعي أو نص مكتوب.
فمجمل نظرية ديلثي هي أن الهيرمنيوطيقا لا تعني عملية الفهم لشيء معطى محدد سلفًا، له وجود خارجي محايد عن المتلقي الذي يحاول أن يفهم هذا الشيء أو النص. إن هناك بين المتلقي والنص الأدبي شيئًا مشتركًا هو تجربة الحياة، هذه التجربة ذاتية عند المتلقي، ولكنها تحدد له الشروط المعرفية التي لا يستطيع تجاوزها. وهذه التجربة موضوعية في العمل. بقيت الإشارة إلى أن تأثير الفيلسوف الكبير ديلثاي على كل من هايدجر وغادامر من الأمور غير الخافية، وربما ما سيتقدم تبيانه بخصوص هذين الفيلسوفين سيشكل توضيحًا لحجم التأثير ولحدوده في نفس الآن.
فأما هايدجر فإنه كما ديلثاي عمل على سبر منهج يكشف عن الحياة من خلال الحياة نفسها، معتمدًا على بعض المفاهيم التي صقلها أستاذه هوسرل من قبل الوجود ETRE والوجود الإنساني، فالفهم هو “قدرة إدراك إمكانات الذات للوجود في سياق حياة الشخص، ووجوده في العالم”؛ فالفهم بهذا المعنى أساسي وسابق على أي فعل وجودي. كما أنه هو أساس اللغة والتأويل، والتأويل هو عبارة عن إضفاء الصراحة على الفهم، لأن الفهم متقدم على التأويل، فيكون التأويل منبني على أصل الفهم لا العكس (10).
الواضح أن الهيرمنيوطيقا عند هايدجر هي فن لفهم الوجود بما هو موجود وغير منبنية على أوليات منهجية صارمة كما هي مفصلة عند ديلثي، والملاحظ أن الفيلسوف الألماني غادامر قد نهج نفس نهج دلثي وهايدجر على التفصيل الآتي.
فالفهم عند غادامر لا يشير إلى علم التأويل أو قواعده، ولا إلى المنهج المعرفي للعلوم الإنسانية كما هو عند ديلثي، إنما هي فعل فلسفي نواته: كيف تتيسر عملية الفهم وتكون ممكنة؟ ثم ما هو الفهم؟ (11).
فغادامر يرى بأن الفهم فعل تاريخي، بمعنى أن النص لا يفهم إلا في سياق متطلبات العصر، ولهذا فإن الفهم يرتبط دائمًا بالزمن الحاضر، ولا وجود له خارج التاريخ. وأن المفسر له فهم خاص يختص بعصره يجب أن لا ينفك عنه، بل لا يستطيع ذلك (12). فخلافًا لرأي المذهب الفلسفي التاريخي الناشط في القرن التاسع عشر، رأى غادامر أن تاريخية انتساب الإنسان إلى الزمان والمكان تهيء له القدرة على الفهم الأفضل، عوضًا أن تكون هي العائق في تعطيل عملية الفهم (13).
كما أن تاريخ الفعل يصيب أعماق الفهم الإنساني بحيث لا يستطيع الإنسان أن يسيطر عليه أو أن يفرغ من الإحاطة به. وكلما أدرك الإنسان في وعيه الأعمق حقيقة الأثر الذي ينشئه تاريخ الفعل في فهمه لواقع التعابير الإنسانية المتنوعة، أيقن أنه خاضع للتاريخ خضوعًا يستحيل به الإلمام بشمولية هذا الخضوع. فليس من فهم إنساني من دون فعل صريح للتاريخ يضبط هذا الفهم ويوجهه. ولشدة تأثير هذا الوعي في مسرى الفهم الإنساني، قال فيه غادامر إنه أكثر من وعي للتاريخ، بل قل إنه كينونة التاريخ في جـوهـر قوامه (14).
إذًا التأويل الفلسفي خاضع حتمًا لما بات يدعى بالدائرة الفسارية أو الحلقة الفسارية. وبمقتضى هذه الدائرة يجري الفهم الإنساني مجرى التأثر القبلي بما يستوطن الباطن الإنساني من حوافز وتصورات ومقاصد في المعنى. ومن ثم، فجميع هذه الأحكام السابقة التي تتقدم على الفهم تصبح هي في نظر غادامر شروط الإمكان الأصلية الثابتة في عملية الفهم الفعلي. فالإنسان لا يمكنه أن يفسر تفسيرًا صائبًا إلا إذا راعى ما نشأ عليه من بُنى في التصور، تتقدم على إدراكه لأشياء الوجود وأغراضه وأحداثه. ولذلك قال غادامر في هذه الشروط إنها شروط بنيوية ثابتة متعالية على عمليـة الفهـم التفصيليـة (15).
واللغة في هيرمنيوطيقا غادامر هي الوجود الذي ينتظم في إطار الفهم، ولهذا فإنه يعد الفهم والتأويل شيئًا واحدًا (16). والخلاصة أن تفكيك الفهم عن التأويل ما هو إلا تصور انتزاعي، وأنه لا معنى للفهم والمعرفة بمعزل عن اللغة والتأويل. والفهم يتركز في ثلاثة أبعاد غير منفصلة عن بعضها:
البعد الأول: المهارة العملية (وهذه المهارة تم تلافيها في الهيرمنيوطيقا الكلاسيكية).
البعد الثاني: المهارة الفهمية.
البعد الثالث: المهارة التفسيرية.
وفي هيرمنيوطيقا غادامر يوجد اتجاهان لتبيين الفهم بوصفه ظاهرة لغوية، هما:
أولًا: يبدأ وصف غادامر للفهم الهيرمنيوطيقي بتحليل ظاهرة الحوار، فهو يعتقد أن الفهم هو شكل من أشكال الحوار والحادث اللغوي يتحقق عبره الارتباط.
ثانيًا: إن السنن الثقافية تتوافر على صورة اللغة بمفهومها الواسع، وتفسير هذه النصوص يعني البدء بالحوار معها، ومن ثم يقع الفهم في أجواء اللغة، وميزته هو “النظم اللغوي” (17).
فالدورة الهيرمنيوطيقية عند غادامر “تدور حول ثلاثة أقطاب: المؤلف التاريخي، والمفسر الذاتي، والنص في معناه الكلي. وهي دائرة لا تنتهي وكل سؤال فيها يؤدي إلى سؤال جديد. فالمفسر يتحرك حركة دائبة من الفهم المسبق للنص، ومن معاني تاريخية متغيرة إلى الظرف التاريخي للمفسر. ومن المفسر إلى التعاطف العقلي مع المؤلف وهكذا في حركة لا تنتهي. وربما تكون الدائرة الهرمنيوطيقية هذه هي أهم ما تبرز فيه المفارقة بين منهج التأويل ومنهج البنائية القائم على النظام” (18).
رأس الكلام في هذا الموضوع أن وعي الإنسان لتاريخ الفعل الناشط في تكوين فهمه الإنساني هو في الوقت عينه وعي لما أحرزه هذا الفعل من إنجاز في صياغة تراث الفهم الإنساني الذي ينتمي إليه الإنسان المفسر، ووعي للحدود التي ينضبط في داخلها كل اجتهاد تأويلي.
هذه مجمل الرؤية التأريخية للهيرمنيوطيقا في العالم الغربي وباختصار شديد لم يؤثر على فحوى النظرية عند كل مفكر.
لا يخفى على القارئ أن بعض التنظيرات هي عارية من المكنة العقلية في المقاربة، وربما هذا راجع لغالبية النزعة الرومانسية على الفترة التي تم فيها كتابة نظرية المفكر اللاهوتي الكبير شلايرماخر، هذه النقيصة التي دفعت بالفيلسوف ديلثي إلى أن يتطرف في محاولته للعقلنة المطلقة من أجل قراءة العالم والإنسان.
صحيح أن كلا التوجهين له نصيب من الصحة في المقاربة العلمية، إلا أن كليهما يحمل في ذاته بذرة موته، ولهذا نجد بعض المفكرين طفقوا يبحثون عن أسلوب تلفيقي توافقي من أجل الخروج بنظرية تأويلية متماسكة، وأفضل من نجح في هذا الباب الفيلسوف الفرنسي ريكور حيث أسس منظوره على التوفيق بين الملكة التأويلية التي تحدث عنها شلايرماخر والعقل التأويلي الذي سعى إلى تقعيده الفيلسوف ديلثي.
فبول ريكور الفيلسوف الفرنسي الموسوعي والمتمكن من مادة بحثه عمد إلى إجراء مصالحة كبيرة بين التيارين الفكريين الغربيين على أساس ميوله الفكرية والتي تركزت على ثلاث مدارس فلسفية تأثر بها كثيرًا “ألا وهي مدرسة تفكر الذات (الذات العاقلة) في الذات Philosophie Reflexive، وهي المدرسة التي أنشأها فيخته وسار عليها جان نابير، ومدرسة علم الظاهرات أو الفلسفة الظاهراتية (الفينومينولوجيا) التي أسسها هوسرل وانتمى إليها هايدغر من بعد أن طوعها لخدمة البحث عن معنى الكينونة في الإنسان أولًا، ومن ثم في اللغة، وأخيرًا في الكينونة عينها، ومدرسة الفلسفة التحليلية الناشطة في الفضاء الثقافي الأنكلوساكسوني” (19)، دونما أن نغفل الإشارة إلى الطريقة التي يدمج فيها هاته المدارس الثلاث حيث يتخذ خط فلسفة التفكر الذاتي الذي يتحرك قصدًا في نطاق الفلسفة الظاهراتية ليضحي الجميع تعبيرًا هيرمنيوطيقيًّا آخر لهذه الفلسفة الظاهراتية (20).
فريكور والذي وجه انتقادًا إلى طريقة هايدغر لمقاربة الوجود والكينونة مسميًا إياها بالسبيل القصير (21)، استعاض بطريق جديد أسماه بالسبيل الطويل مبينًا إياه: “إن الطريق الطويل الذي أقترحه يطمح هو أيضًا أن يبلغ بالتفكر إلى مستوى الأنطولوجيا (علم الكينونة أو علم الوجود). ولكنه يبلغ إليه بلوغًا متدرّجًا فيراعي تعاقب مقتضيات علم المدلولات (السيمانطيقا)، ومن ثم التفكر. وإن الشكل الذي أفصح عنه في ختام هذا المقطع لا يصيب إلا إمكان الإتيان بعلم الكينونة مباشرة (أنطولوجيا مباشرة)، منعتق في الأساس من كل تطلب منهجي، ومنعتق بنتيجة ذلك من دائرة التأويل التي ينشئ هو لها نظريتها”. فالواضح أن ريكور يصر على ضرورة الاعتماد الدائم على معطيات اللغة ومعطيات التفكـر في الــذات العارفـة (22).
بقيت الإشارة إلى أن هذا الطريق الذي اختاره الفيلسوف ريكور محاولًا تجاوز مزالق غادامر الذي ظل خاضعًا لهواجس كل من ديلثاي (حل مسألة أصل العلوم الإنسانية)، وهايدغر (علم الكينونة) كانت ناجحة إلى أقصى الحدود، إلا أن ما حاول إخفاؤه هو تأثره العميق بالمنهج التفسيري الكتابي المعتمد من قبل اللاهوتي الألماني رودولف بولتمان، وإن كان أشار إلى اطلاعه على كتابات هذا الأخير (23).
صحيح أن منظور الفيلسوف الفرنسي متكامل منهاجيًّا يجمع بين الذات العارفة الساكنة في صميم الزمان والمكان، واللغة بوصفها جمع رموز ينبغي الإمساك بتلابيبها لاستجلاء معناها. وهو عين ما يجب أن نطمح له كأمة تأويل ندرس النصوص الدينية بنوع من المسؤولية التاريخية ودون أن نخل باللغة الدينية وبقواعدها الداخلية والخارجية، نقول: إن المنهج تكاملي جدير بالاحترام والأخذ بعين الاعتبار، إلا أن مسألة صغيرة تجعله غير مفيد في المجال الذي نحن بصدد التعامل معه وبحثه، وهو أن الذات العارفة إن كان لها محل اعتبار في القراءة الدينية إلا أنها يجب أن تأخذ بعين الاعتبار بعض القراءات الممتازة والتي تظل راسخة غير قابلة للتجاوز أو الزحزحة من قبل القراءات النبوية والرسالية بوصفها عين الكمال الفهمي، وإلا كان تجاوزها نقضًا لرساليتها ونبويتها، وهو ما أغفله كل من ريكور وبولتمان وإن كان لا يدعيان تجاوز القراءة الكمالية المكفولة للمعصوم.
ثانيًا: عــرض الـمـنـظـور
يكون من المناسب تخصيص هذا الحيّز لعرض منظور المفكر الإسلامي محمد مجتهد شبستري عرضًا وصفيًّا محايدًا قبل أن ننتقل إلى نقده في حيّز آخر.
فشبستري يعتبر أن القرآن يتوفر على لغة تفسيرية ونقدية وتاريخية، بوصفه لغة دينية (24)، وأنه وعند عدم الانتباه لهذه الحقيقة فإن آثار التفسير القرآني ستكون خطيرة، وربما تبعدنا عن الدين بقدر ما نظن أننا في صلبه.
وعليه فإن الطريقة السليمة للتعامل مع الكتاب الإلهي تتجلى في المنطلقات الثلاث الآتية:
أولًا: يجب على الذي يعود إلى كلام الله، أن لا يتخذ موقفًا جزميًّا إزاء مقبولاته الذهنية وتوقعاته المسبقة، حتى لو كانت هذه الأخيرة قد خضعت لتنقيح متكامل.
ثانيًا: أن العودة إلى كلام الله والرجوع إليه، لا يكون فاعلًا وأصيلًا إلّا في الحالة التي يبلغ فيها الإنسان إلى درجة من الابتهال والانقطاع. أي أن يحس الإنسان فعلًا وواقعًا أن معطيات العقل والعلم البشري لا تفي بإجابة على تلك القضايا التي تعد الأصل والغاية في وجوده وحياته.
ثالثًا: بعد تنقيح المقبولات الذهنية والتوقعات المسبقة، وتأهيل الإنسان نفسه كي يكون مستعدًّا لأي تحول أو تغيير محتمل فيما يحمله من مسبقات، عن طريق العرض على كلام الله وبواسطته، وبعد أن يبلغ الإنسان حالة من الابتهال والانقطاع، يحل له فهم كلام الله (فهم في الجملة) بعناية الله نفسه. وهذا الفهم يكون على شكل نور يقذفه الله في الإنسان، وليس ثمة شيء يضمن صحة فهم كلام الله غير هذا (25)، فبهكذا أوليات يصح البحث في التفسير ما دام هذا الأخير في الحقيقة جوهر الدين وأساسه ولبه (26)، ففي الأديان السماوية ينظر إلى كلام ما باعتباره ظواهر تبلغ بالإنسان معان رفيعة، وذلك الكلام هو الوحي الذي يمثل في الواقع ظواهر كلامية تنتشل الإنسان من آفاقه الضيقة وتسمو به نحو بلوغ كلام الله تعالى. وبعبارة أخرى تيسر للإنسان فهم كلام الله عن طريق إنسان آخر، وهذه اللغة هي لغة التفسير (27).
وطبعًا هذه المقدّمات الثلاث ما هي إلا ثمرة ما خلص إليها علماء الهيرمنيوطيقا بخصوص عمليات التفسير وفهم النصوص وهي خمس قضايا:
- قبليات وأوليات المفسر (الدور الهرمنيوطـيقي).
- ميول وتطلعات المفسر.
3 . استنطاقه للتاريخ.
4 . تشخيص مركز المعنى (البؤرة) وتفسير النص كمجموعة تدور حول هذا المركز.
5 . ترجمة النص إلى الإطار التاريخي للمفسر، (إسقاط على الظروف التاريخية للمفسر) (28).
وطبعًا هذه المرحليات الخمس قد عمد السيد شبستري بتجميعها في ثلاث، مزكّيًا إياها بمسبقات عقدية إسلامية لازمة، لكنه وفي جميع الأحوال يكون من المناسب الوقوف قليلًا عند منظور الشيخ شبستري لهذه المراحل.
قبليات المفسر والدور الهيرمنيوطيقي
على هذا المستوى يوضح الشيخ شبستري أنه لكل باحث أو محقق، سواء كان مجال عمله خاص بالتفسير أو بشيء آخر، قبليات ومعلومات أولية حول الموضوع الذي يريد دراسته، والمعرفة الجديدة المنبثقة عن عمليات التفسير أو عمليات التبيين، تستند دائمًا إلى قبليات معينة تبدأ باستعمال هذه القبليات، ولا تكون إلا بها. وهذه نقطة تكتسب أهمية بالغة لمتابعة كيفية فـهـم النـصـوص (29). وأن هذه القبليات تتأسس على توسعة دائرة المطالعة ومضاعفة المعلومات حول الموضوع، مما يجعل منها قبليات أساسية تدفعه إلى مزيد من المطالعة فتتضخم القبليات حتى تتقوى الإحاطة بالموضـوع، وأنـه من (30) البين جدًّا أن هذه الحركة تستبطن نوعًا من “الدور” و”المراجعات” وهو ما نسميه بالدور الهيرمنيوطيقي. وأن المرحلة الثانية اللاحقة التي تواجه الباحث، تتمثل في تقييم ودراسة المصادر والاقتباس منها، وفي هذه المرحلة أيضًا تنطوي على دور هيرمنيوطيقي لأن الباحث يقوم بالموازنة والمقايسة، لينتقل إلى مرحلة التأليف وهي دور هيرمنيوطيقي بامتياز أيضًا لأنه وفي هذه المرحلة يتم وضع الهيكل العام ويتم تغيير مواقع العناوين بشكل يضمن بنية النص وفق المنظور المتبنى على الباحث.
فمجمل هذه المراحل هي نفسها مراحل فهم النصوص فليس (ثمة نص يفهم دفعة واحدة، وبلا مقدمة وبدون السير من مرحلة إلى أخرى، وتكميل المرحلة السابقة بفهم المرحلة اللاحقة، والمراجعات المتعددة، والذهاب والإياب بين مراحل العمل المختلفة) (31) هذا من مصاديق وجود القبليات، كما أنه هناك مصداق آخر وهو أن أي فهم لا يكون إلّا جوابًا عن سؤال مسبق، وطبعًا إن أي سؤال ليس إلا ثمرة معرفة أولية معينة بدرجة معينة، فهذا مصداق آخر من مصاديق وجود القبليات عند المفسر.
مـيـول وتـطـلعـات المفـسّـر
هنا نجد شبستري ينص على أن ميول وتطلعات ومحفزات المفسر، التي تدفعه لاستنطاق النص وإشارة الاستفهامات على النص وفهمه، إحدى أنواع القبليات والمقدمات في عملية الفهم، والظاهر أن الإنسان يتحفز للسؤال من داخله (32). وإن تنقيح القبليات والأسئلة والميول والتطلعات للانطلاق في تفسير النصوص الدينية، يكتسب أهمية مضاعفة بالقياس إلى التنقيح اللازم لتفسير وشرح النصوص الأخرى. فالنصوص الدينية تتناول معنى الوجود ومصير الإنسان، وتنقيح وضبط القبليات والأسئلة والميول والتطلعات استعدادًا لتفسير هذه النصوص المكتظة بالأسرار والتعقيد، عملية في منتهى الصعوبة والإجهاد، وتحتاج إلى قابليات خاصة. لهذا لم يتصدى لتفسير النصوص الدينية إلا ذوي العقليات الدينية القوية (33).
حقيقة أن هذه المعطيات هي من باب المسلّمات إلى حدٍّ ما، لكن موضع الإشكالية ما هي ضمانتنا بأن ميول وتطلعات المفسر تطابق تطلعات مؤلف النص، وخصوصًا إذا تعلق الأمر بنص ديني قديم العهد؟ هنا تأتي أهمية المرحلة الثالثة، استنطاق التاريخ.
اسـتـنـطـاق الـتـاريـخ
هنا يوضح الشيخ شبستري بأن القبليات والميول والتطلعات والاستفهامات وحتى الاطلاع على تفاسير الآخرين، كلها تقود المفسر إلى البحث عما يريد أن يقوله النص، وفي هذه المرحلة يتحتم على المفسر أن يقوم باستنطاق التاريخ والإصغاء إليه (34)، لذا لا يتيسر ذلك إلا بمنهجية تاريخية تحليلية دقيقة محايدة، والتعرف على قواعد وأسس اللغة والحوار التي كان القدماء يستعملونها، ويسمونها أحيانًا “قواعد التفسير” والإحاطة بكل مباحث الألفاظ في علم الأصول. وقد ظهرت حديثًا أبحاث في أساليب النقد التاريخي فتحت أبوابًا واسعة أمام هذا الموضوع. وفيما يلي أشير إلى عدة نقاط أساسية حول الموضوع “ماذا يقول النص؟”، لا بد لأي مفسر أن يتطرق إليها:
- التعرف على المعنى المباشر للمفردات والجمل.
- دراسة الدور التغييري والتعبوي للنص، أي البحث في تأثير النص على مخاطبيه، ضمن شكله الخاص والظروف الاجتماعية العامة.
- المعرفة بالقصد الجاد لصاحب النص، فما هو يا ترى هدف الخطيب أو الكاتب من النص؟
- التأثير الذي يتركه النص، بغض النظر عن أهداف صاحبه أو غيره من الأشخاص.
وأهم ما يثير السيد شبستري هو النقطة الثانية، فالبيانات اللغوية، ومن ضمنها الكتابات، تترك أثرًا في المتلقي، وتلعب دورًا خطابيًّا تعبويًّا في علاقتها معه. وهي بطبيعة الحال تطالب بردة فعل من مخاطبيها، يمكن تقسيمها إلى نوعين أساسيين:
. معرفة حقيقة معينة (دعوة معرفية).
. المبادرة إلى فعل شيء محدد أو ترك العمل بشيء معين (الدعوة السلوكية).
وأهم أنواع الدعوة المعرفية: الاستفهام التقريري (دعوة المتلقي إلى الإيمان)، والاستـدلال (هادف إلى منح رؤية معينة للمخاطب)، وإخـبـار (يرمي إلى الإعلام والإنباء)، وتحذير (تنبيه المخاطب إلى أمر أو حالـة معينـة)، وإيضاح (تفهيم المتلقي)، وإيجاب (الهادف إلى تصـديق المخاطب)، أما الدعوة السلوكية التي ترمي إلى دفع المخاطب صوب القيام بعمل معين أو تركه لعمل معين، فيمكن أن تكون إيجابًا أو تحريمًا.
وكل هذه أدوات لفهم المعنى الذي يقصده مؤلف النص، ويمكن استخدام هذه الأدوات عبر سلسلة من المواقف والأحكام. والمسألة المهمة هنا هي الملاك الدقيق في مناط ومعيار هذه المواقف ودراسة منابتها وأصولها. صحيح أن النص يفيد معنى معينًا. لكن هذه الإفادة لا تصبح ممكنة إلا عندما يحدد المفسر مسبقًا ما بإمكان المؤلف أن يقصد إيصاله من المعاني، وما ليس بامكانه أن ينوي إيصاله من المعاني. وتشخيص هذه الإمكانيات يحتاج إلى معايير ومناطات (35).
تـشـخـيـص بـؤرة المعنـى
يحدّد شبستري المراد بـ “بؤرة معنى النص” وجهة النظر الرئيسية التي تدور حول محورها جميع معطيات النص. وواضح أنه من المهم جدًّا تشخيص هذا الأساس، وفهم كل النص باعتباره بناء يقوم على هذا الأساس. ولا يمكن تشخيص بؤرة المعنى بطريقة غير ممنهجة، وبدون معايير وأساليب دقيقة. وأسلوب التشخيص هو “استنطاق التاريخ” أو “الإصغاء للتاريخ” الذي أسلفنا القول فيه(36). وهذا عين القول بوحدة النص بوصفه كيانًا متفرّدًا بمعنى عام تام، فجميع أجزاء النص تفهم ضمن علاقتها ببؤرة معنى النص وإلا بطل أن يكون فهمًا صحيحًا للنص. لكن المعضلة التي تقف أمام علماء الهيرمنيوطيقا، هي كيف يتيسر الوصول إلى بؤرة معنى النص؟ وما هي الضمانات على أن ما وصلنا إليه هي البؤرة، أم غير ذلك؟ لا زالت أبحاث العلماء تتعمق على هذا المستوى للخلوص إلى آلية متفق عليها حد الإجماع.
ترجمة النص إلى الإطار التاريخي الذي يعيشه المفسر
وطبعًا هذه المرحلة من المسلمات لأنه عندما يختلف الإطار التاريخي الذي عاشه المؤلف عن الإطار التاريخي الذي يعيشه المفسر يجعل من التجارب مختلفة كليًّا، وعليه يضحي من اللازم ترجمة النص بتحويله إلى الإطار التاريخي الذي يعيشه المفسر، وطبعًا هذه الترجمة ما هي إلا إحياء النص في الإطار التاريخي المعاش من قبل المفسر. وطبعًا مفتاح فهم نصوص العصور الخالية، يتمثل في فهم تجارب البشر في تلك العصور فهو نوع من التمثل المبدئي الأولي، على أساس من الموضوعية دونما إثارة نقود على تلك الفترة، ودونما إسقاط الأفهام المعاصرة على الأفهام القديمة في العصور، وإلا عد هذا تحريفًا وليس فهمًا تاريخيًّا للنص. من ثمة يكون من الضروري الحفاظ على البيان الأصلي للنص وعدم ترجمته إلى الإطار التاريخي المعاصر في المرحلة الأولى، وإلا شكّل هذا الأمر سقطة هيرمنيوطيقية يتعين تجاوزها. فـ “التفسير الصحيح لا يحصل، والفهم الحقيقي لا يتأتى إلا عندما يندمج المفسر ومخاطبوه بالنص، ويأخذ المعنى بالإفصاح عن نفسه. وفي حالة الإبقاء على البيان الأصلي للنص وعدم ترجمته إلى الإطار التاريخي المعاصر، أو في حالة تطبيق النص على قبليات المفسر (مع أهمية هذه الأخيرة) لن يحصل الاندماج المطلوب، ولن يتضح المعنى الخفي” (37).
وتبقى الضمانة الكبرى لتحقق الفهم الصحيح للنص في أي عصر خلق، هو اعتماد المشترك الإنساني (بوصفه المنطق العام لإنتاج النصوص وفي جميع العصور فهو إلى حد ما الإجماع التناصصي بين الأمم)، وغربلة القبليات (بإخضاعها لمنطق النص الباطني والتوفر على مجموعة من القبليات محيطة بموضوع النص).
هذه مجمل مقاربة الشيخ شبستري لإواليات الهيرمنيوطيقا لمقاربة النص مع تبيان معتمداته، والتي على أساسها أظهر المرحليات المحورية الثلاث المتبناة من قبله، والتي سبق لنا أن نوهنا إلى أنه تجميع للمرحليات الخمس كما أشار إليها أساطين الفكر الهيرمنيوطيقي. والآن نرى ضرورة الانتقال إلى الشطر الأهم من البحث وهو إنجاز مقاربة نقدية للمنظور الهيرمنيوطيقي عند شبستري وكيفية إعماله على النص القرآني.
ثالثًا: الـرؤى الـنـقـديـة للنظريـة
في البداية لا بأس من الإشارة إلى أن مقدمات السيد محمد مجتهد شبستري ظلت في العموميات، ولم يقدم جوابًا مضبوطًا على الطريقة الهيرمنيوطيقية التي أراد تبنيها، وخصوصًا أننا ألمحنا إلى حجم الاختلافات المسجلة في مجموعة من التوجهات.
وهذه رأس الانتقادات الموجهة لنظرية شبستري على الإطلاق، فمرة يظهر لنا شبستري كما لو أنه من أتباع المدرسة الرومانسية جاعلًا من الهيرمنيوطيقا ملكة مقذوفة في قلب المؤمن (شلايرماخر)، ومرة يظهر لنا علميًّا صارمًا جاريًا وراء التقعيد لعملية الفهم، وبالتالي فهو من أتباع المدرسة العلمية التاريخية (ديلثي وهيرش)، ومرة يظهر لنا من العرفانيين الجدد المركزين على الذوق الكوني (هانس جورج غادامر)، هذه الحربائية جعلت من عمل شبستري منقوصًا، وربما لم يؤدي الثمار المرجوة منه لأنه من الاستحالة بمكان الجمع بين الطرحين، ولهذا نجد فيلسوفًا كريكور – وهو من عالم الهيرمنيوطيقا الحديثة – يقع في المطب ذاته بأن ظل قابعًا في الغموض نوعًا ما بخصوص نظريته التأويلية والناتجة في الأغلب على محاولته التلفيقية (طبعًا بدون حمولة قدحية للكلمة) لمجموع النظريات القائمة بخصوص الهيرمنيوطيقا من شلايرماخر إلى غادامر.
إلا أن الغموض الذي يقع فيه أي قارئ لمجمل نظرية شبستري ليس ذروة الانتقادات التي يمكن أن تظهر، بل إنه يضاف إليها انتقادات أخرى نرى تعدادها على التفصيل الآتي:
انعدام وضوح معالم تأثير القبليات وأهميتها
ذلك أن التفسير الخاطئ يظل خاطئًا بقطع النظر عن القبليات المعتبرة، وليس بالضرورة تغيير القبليات يؤدي إلى الفهم الصحيح. إلّا إذا تم التحدث عن قبليات قطعية مشتركة بين المفسرين ووجوبية توافرها ليستقيم التفسير. وهذا ضرب نظرية الهيرمنيوطيقا في الصميم، وهو ما حاول شبستري الالتفاف عليه.
لأن أقصى ما أراده الباحث هو تعميق البحث بخصوص الموضوع محل التفسير دونما توجيه من قبله، وأنه وعلى أساس البحث تتكامل القبليات حتى تصل موطن الإحاطة بالنص المراد تفسيره، وطبعًا تكامل القبليات رهين بالرؤى المتبناة من قبل الباحث، فالأنتروبولوجي يرى أولويات القبليات رهينة بالمساحة المكانية والزمانية لنزول النص، بخلاف الألسني الذي يرهن قبلياته بتضارب المدارس الألسنية واللغوية، والكل بخلاف العارف الذي يرهن قبلياته بالعمق الذوقي مع شفافية القلب حتى يتيسر الكشف. وطبعًا مع هكذا نظرية تظل جميع التفاسير لها مصداقية صحة وإن بشكل نسبي دونما تفرد إحداها بالصحة على الإطلاق.
هذا على مستوى الوجه الأول من النقد، أما الوجه الثاني فإن القول بتعدد التفاسير على إطلاقها دونما عقال هو نسف لملاك النص القطعي الدلالة وغير القابل لأي فهم آخر، فعندما يصرح أحدهم بأن عمرًا دخل السوق فهذا له مفاد واحد، ولا يمكن القول بتعدد التفاسير بخصوص هذا المعنى إلا إذا سلمنا بخطأ باقي المفسرين. أو أن الكلمات تحتوي معاني مختلفة وهذا عين الوقوع في الدور. لأن النص (على الأقل في المستوى الشرعي) في الأصل يحمل على قطعية الدلالة وإذا سلمنا بجواز تعدد التفاسير بخصوصه كف أن يكون نصًّا.
حقيقة التركيز على القبليات تكون له فائدة وثمرة فقط في تبيان نفسية المفسر، والتي ربما تفيد في إعادة قراءة النص المفسر. لكن هذه الثمرة تفقد أمام القرآن الكريم لأن موطن الاعتبار هو حقانية التفسير لا نفسانية المفسر فهذا مجالها الخصب هو الأدب في أوسع أبوابه.
وقوع الدور المؤدي للبطلان
لقد سبق لنا أن نوهنا إلى أن الشيخ شبستري في معرض تبيانه لمراحل الهيرمنيوطيقا ختم المراحل بضرورة ترجمة النص إلى الإطار التاريخي للمفسر. لكن حيث إنه يكون من المنطقي أن تخضع الترجمة نفسها بوصفها منتهى الفهم الأول إلى فهم ثاني نكون قد وقعنا في الدور المبطل للنظرية من الأساس، وإليكم تفصيل ذلك أن كل فهم (طبعًا وفق الرؤية الهيرمنيوطيقية) يحتاج إلى تفسير ولا تتضح دلالة النص على المعنى، إلا في ضوء التفسير، بل إن النص يتكلم بواسطة التفسير، ويلقي بمكنوناته إلى الخارج عبر عملية التفسير، إذن لا شك في أن فهم هذه الترجمة يحتاج إلى تفسير هو الآخر، مما يؤدي إلى حدوث تسلسل سلبي مبطل، فهذه ضربة أخرى للهيرمنيوطيقا من قبل التولد السلبي للأفهام، أما موطن الدور الحقيقي المتحدث عليه سابقًا فيتجلى في أن كل تفسير بحاجة إلى تفسير أيضًا (38).
الخـلـط فـي المدارك المعرفيــة
الواضح أن تركيز شبستري كما باقي الهيرمنيوطيقيين على القبليات وعلى محوريتها، راجع إلى وقوعه في الخلط – أو ربما إيقاعنا في الخلط – بين المدارك المعرفية الأولية والمدارك المعرفية الثانوية. ومقصودنا بالمدارك المعرفية الأولية هي المدارك المتبناة داخل علم معين، مثلًا علوم التفسير بوصفها موضوع هذا البحث، وبين فلسفة العلم أي المدارك المعرفية الناشئة خارج العلم والتي تريد الحكم عليه.
فشبستري يريد في بحثه توسيع الدائرة بإدخال المدارك المعرفية الثانوية في قلب المدارك المعرفية الأولية، وهو أمر مستحيل لأن المدارك المعرفية الثانوية لا تهتم بمصداق الحقانية ولا بمصداق الخطأ والصواب، بخلاف المدارك المعرفية الأولية التي تجد نفسها أمام هذين المحورين الهامين. ومن هنا نفهم تركيزه على تعدد التفاسير وعلى ضرورة البحث بخصوص الاختلاف (لا الخطـأ والصواب) في المباني المعتمدة. إلا إذا صرح لنا مشكورًا بأن مقاربته تتجه كليًّا للمدارك المعرفية الثانوية دون نية إدخالها في المدارك المعرفية الأولية وهذا مستحيل لأنه عين القول بالتسلسل في الأفهام، وصحيح أن شبستري محكوم عليه بهكذا وضع لأن الهيرمنيوطيقا أرادت لنفسها خرق الحدود وضبط المدارك المعرفية الأولية من الخارج، وهو أمر غير متيسر إلا إذا تم تبني الأساس القائل بحاكمية العقل على النص.
أزمـة بـؤرة مـعـنـى الـنـص
الواضح أن السيد شبستري لا يكف عن خلق إشكاليات كثيرة بطروحاته الموضحة أعلاه، وأهمها على الإطلاق استخراج بؤرة معنى النص، إذ نجده بهذا الخصوص كفى نفسه عناء تبيان المسلكية الصحيحة والكفيلة بضمان الخلوص إلى بؤرة المعنى في النص، فإن كان يقصد بأن بؤرة المعنى تفهم خارج النص (والظن أن لا) فهذا دور آخر يوقعنا فيه لأن فهم النص يوجب الاعتماد على خارج النص، وهذا عين الدور والحال أن هذا ليس فهمًا بقدر ما هو استقراء، أما إذا كان من خلال النص (وهذا هو الغالب) فكيف نصل إلى البؤرة دونما اعتماد قبليات مختلفة بل ومتضاربة حتى، فهذا يجرنا أيضًا إلى ضياع الوصول إلى بؤرة معنى النص، هذا إذا سلمنا بأن البؤرة في غير حاجة إلى فهم، أما والحال أن أي نص بما فيه البؤرة في حاجة إلى فهم وتفسير فإن الدور والتسلسل لن يتوقف، فكل بؤرة معنى النص تقع للفهم والتفسير بنفس المراحل مما يجعلها تحتاج بدورها إلى بؤرة وهكذا دواليك إلى أقصى حدود التجزيء. ومن ثمة نفشل في الإمساك بالبؤرة حقيقة، وطبعًا الكل وفاقًا للمنظور الهيرمنيوطيقي.
طبعًا هذه كانت بعض وجوه النقد التي وجهناها إلى مقاربة الشيخ شبستري للمراحل التي أرتأى إثباتها، أما النقود فهي كثيرة ننصح القارئ بخصوصها الرجوع إلى المفكر الإسلامي أحمد بهشتي في مقاله الوارد في باب الهيرمنيوطيقا ردًّا على نظرية شبستري في المرجع المشار إليه في الهامش.
بقي التنويه إلى أن هذه النقودات متعلقة بكبريات نظرية الشيخ شبستري أما صغرياتها فهي الآتية الآن، فقط نود تذكير القارئ إلى أن الشيخ قد نوّه إلى ثلاثة مراحل من أجل التعامل مع كلام الله سبحانه وتعالى وهي:
أولًا: يجب على الذي يعود إلى كلام الله، أن لا يتخذ موقفًا جزميًّا إزاء مقبولاته الذهنية وتوقعاته المسبقة، حتى لو كانت هذه الأخيرة قد خضعت لتنقيح متكامل.
ثانيًا: أن العودة إلى كلام الله والرجوع إليه، لا يكون فاعلًا وأصيلًا إلا في الحالة التي يبلغ فيها الإنسان إلى درجة من الابتهال والانقطاع. أي أن يحس الإنسان فعلًا وواقعًا أن معطيات العقل والعلم البشري لا تفي بإجابة على تلك القضايا التي تعد الأصل والغاية في وجوده وحياته.
ثالثًا: بعد تنقيح المقبولات الذهنية والتوقعات المسبقة، وتأهيل الإنسان نفسه كي يكون مستعدًّا لأي تحول أو تغيير محتمل فيما يحمله من مسبقات، عن طريق العرض على كلام الله وبواسطته، وبعد أن يبلغ الإنسان حالة من الابتهال والانقطاع، يحل له فهم كلام الله (فهم في الجملة) بعناية الله نفسه. وهذا الفهم يكون على شكل نور يقذفه الله في الإنسان، وليس ثمة شيء يضمن صحة فهم كلام الله غير هذا.
طبعًا سيلاحظ القارئ العزيز أن الشيخ قد أوقعنا في معضلة خطيرة هي أقصى ما يمكن أن يتصور من دور، وهي الإيمان بعدم جزمية القبليات الموجودة مع إمكانية تغيرها من خلال قراءة النص القرآني، فالملاحظ عند شبستري أن النص المفسر هو الذي يقوم بخلق القبليات (التعداد الثالث)، وهذا مناقض لما أوضحناه في كبريات نظريته وهو عين الدور الأقصى الممكن تصوره. هذا ودون أن يجيبنا على سؤال آخر هو هل توالد القبليات والبعديات التي تصير في نفس الآن قبليات معدلة، تصل نقطة الذروة أم أن التكامل يظل مستمرًا مع توالي القراءة للنص المفسّر؟ وهل القول بالتكامل لا يفيد إلا عدم صحة الفهم من جهة نقص القبليات المتوافرة للقارئ والتي لا تتكامل إلا مع القراءة المتكررة للنص المفسر؟ ربما يكون التعداد الثالث يحمل جوابًا بخصوص هذا السؤال إلا أنه بالعكس يزيد في تعميق الخلط، ذلك أن النور المتحدث عنه والمقذوف في قلب الإنسان ليس قبلية من القبليات بل استعدادًا للكشف، وهو غير الفهم على الأقل بالمنهج الهيرمنيوطيقي، لأنه لكل امرئ أن يدعي الكشف مع تعدد التفاسير، وهذا دور آخر يحشرنا فيه السيد شبستري لأن الكشف الرباني لا يكون إلّا عين النص، فمن أي وجه تتعدد الأفهام مع تحقق العينية في النص؟ إلا إذا قلنا بانتفاء العينية في النص، مما يجعل من التوالد الفهمي راجع إلى تراتبية في الكشف وهذا تسلسل حقيقي مبطل لتقدمة الشيخ.
النقد الثاني، راجع إلى أن القول بالانقطاع والابتهال كمقدمة محورية للفهم تدخل في باب المدركات المعرفية الأولية والقائلة بالحقانية أي أن النص المتعامل معه نص ديني مقدس حقاني في ذاته متنزل من عند الباري جل وعلا ويجب التعامل معه على هذا الأساس وهذه الحقيقة وإن كانت مصادفة للصواب، إلا أنها تتناقض مع المدركات المعرفية الثانوية والتي لا تهتم بحقانية النص، بل تتعامل معه تعاملها مع أي نص آخر أدبيًّا كان أو فلسفيًّا أو غير ذلك بوصفها تنظر للموضوع من الخارج، فالواضح أن المبدأ الثاني يشكل نسفًا للنظرية الهيرمنيوطيقية التي أرادها الشيخ شبستري.
وعليه، وفي الأخير نطرح سؤالًا هل هيرمنيوطيقية الشيخ شبستري هي حقًّا كذلك؟ أم أنها غير ذلك؟ الجواب وباختصار شديد هي هيرمنيوطيقية على العموم غير ذلك على التفصيل، لأن المنظور الذي تبنّاه السيد شبستري ليس إلا مجهودًا من أجل تحقيق تجديد داخل النظرية التفسيرية الأصولية لا أقل ولا أكثر، فالجنبة التقديسية حاضرة بشكل كبير في خطابه، بل حتى أن الملكة التفهيمية/الإفهامية التي يركز عليها في دورته التفسيرية لها مصدر خارجي هو الله سبحانه تعالى. وطبعًا هكذا مقدمات غير متصورة داخل المنظور الهيرمنيوطيقي بالمعنى الدقيق للكلمة. بالإضافة إلى أنه هناك ثمة مؤيد آخر لما انتهينا إليه يتجلى في الانقطاعية والابتهال المرجو لتسهيل عملية الفهم، وهكذا سلوكات لا يمكن أن تتحقق إلا إذا أيقن القارئ بأنه بين يدي كتاب وجودي وأخروي في نفس الآن.
الـهـوامـش
1 . نصر حامد أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، (المركز الثقافي العربي، الطبعة5، 1999)، الصفحة 13.
2 . المصدر نفسه، الصفحة 20.
3 . المصدر نفسه، الصفحة 20.
4 . المصدر نفسه، الصفحتان 20 و 21.
5 . المصدر نفسه، الصفحة 21.
6 . المصدر نفسه، الصفحة 22.
7 . المصدر نفسه، الصفحة 23.
8 . المصدر نفسه، الصفحتان 24 و 25.
9 . المصدر نفسه، الصفحة 25.
- مشير باسيل عون، الفسارة الفلسفية – بحث في تاريخ علم التفسير الفلسفي الغربي، (بيروت: دار المشرق، ضمن سلسلة المكتبة الفلسفية، الطبعة1، 2004)، ما ضمن هو عصارة ما فصل في الفصل الخامس من الكتاب المخصص لفسارة هايدغر.
- نصر حامد، مصدر سابق، الصفحة 42.
12 . نصر حامد، مصدر سابق، الصفحة 42.
- مشير باسيل عون، مصدر سابق، الصفحة 136.
14 . المصدر نفسه، الصفحتان 141 و 142.
15 . المصدر نفسه، الصفحة 136.
- نصر حامد، مصدر سابق، الصفحة 42.
- يرجى الرجوع إلى كتاب مشير باسيل عون المنوه به أعلاه بخصوص فسارة غادامر، وكذا المقالة الشيقة لأحمد بهشتي.
- منى طلبة، الهيرمنيوطيقا المصطلح والمفهوم، مجلة أوراق فلسفية، العدد العاشر، سنة 2004، الصفحة 139. (هذا العدد يتعلق بملف خاص حول الهيرمنيوطيقا وغادامر).
- مشير باسيل عون، مصدر سابق، الصفحة 156.
20 . المصدر نفسه، الصفحة 157.
21 . المصدر نفسه، الصفحة 158، وتجدر الإشارة إلى أن الفيلسوف الفرنسي وصم فسارة هايدغر بالسبيل القصير لأن “علم كينونة الفهم إذ يعرض عن مناقشات المنهج، يحمل نفسه توًا إلى مستوى علم كينونة الكائن المحدود ليستطلع فيه فعل الفهم لا كنمط في المعرفة، بل كنمط في الكينونة ويجري الانتقال إلى هذا المستوى بتحول مباغت في الإشكالية. فبدلًا من السؤال عن الشرط الذي به يمكن الذات العارفة أن تفهم نصًّا من النصوص، أو أن تفهم التاريخ، يجري السؤال عن جوهر الكائن الذي يقوم فعل الفهم في صلب كينونته”.
22 . المصدر نفسه، الصفحة 159.
23 . المصدر نفسه، الصفحة 160.
24 . محمد مجتهد شبستري مدخل إلى علم الكلام الجديد، (بيروت- لبنان: منشورات دار الهادي، الطبعة1، سنة 2000)، الصفحة 134.
25 . المصدر نفسه، من 102 إلى 104 بتصرف شديد.
26 . المصدر نفسه، الصفحة 135.
27 . المصدر نفسه، الصفحة 135.
28 . علم الكلام الجديد وفلسفة الدين، إعداد: عبد الجبار الرفاعي، (بيروت- لبنان: منشورات دار الهادي، الطبعة 1، سنة 2002)، مقال لشبستري منشور بباب الهيرمنيوطيقا تحت عنوان: “الهيرمنيوطيقا وملابسات فهم النص”، ترجمة حيدر نجف، الصفحة 499.
- المصدر نفسه، الصفحة 499.
30 . المصدر نفسه، الصفحة 502.
31 . المصدر نفسه، الصفحة 503.
32 . المصدر نفسه، الصفحة 505.
33 . المصدر نفسه، الصفحة 507.
34 . المصدر نفسه، الصفحة 508.
- المصدر نفسه، الصفحة 509.
36 . المصدر نفسه، الصفحة 510.
37 . المصدر نفسه، الصفحة 513.
- المصدر نفسه، مقال لأحمد بهشتي منشور بباب الهيرمنيوطيقا تحت عنوان: “الهيرمنيوطيقا: المقتضيات والنتائج”، الصفحة 564.
المقالات المرتبطة
إشكالية المواطنة في الرؤية الإسلامية
الهدف من طرح هذه الإشكالية هو الإجابة على سؤال: هل تتقبّل الرؤية الإسلاميّة فكرة المواطنة بمفهومها الحديث؟ أمّا الدافع إليه
الإنسان والعقل والمعرفة في فلسفة السهروردي الإشراقية
يحتل السهروردي بمقولاته الفلسفية موقعًا متميزًا في الفلسفة والفكر الإسلامي، فهو يحمل في طياته مشروعًا مثيرًا، يطرح كثيرًا من الأسئلة، لا يمكن الهرب منها أو التغاضي عنها
تاريخ علم الكلام | الدرس الثاني عشر | كلام الإماميّة في حقبة تشكّل الجوامع الكلاميّة مدرسة بغداد الكلاميّة
حقّقت مدرسة قم إنجازَين مهمَّين؛ أوّلهما تنقية الأحاديث واختيار الموثوق وما يمكن الاعتماد عليه من بينها، حيث تمّ في هذه المدرسة الفكريّة تصفية النقولات والروايات التي رافقتها انحرافات فكريّة واعتقاديّة،