توصيف العلاقة بين المسلمين والغرب
الحديث حول توصيف العلاقة بين المسلمين والغرب ووسمها بالمميزات السلبية المشيرة إلى خطر الغرب على الإسلام والمسلمين، ليس بالأمر الجديد والمستحدث..
فمنذ أن بدأ العالم الغربي يدق أبواب عالمنا الإسلامي، ثم بدأ يدك أسواره يوم اجتاح مقوماته الحضارية في الأندلس، اشتعلت في النفس، وفي العقل أسئلة مركزية، وساد وجوم الدهشة الحضارية بكل زواياها الدينية والعمرانية (بالمعنى الخلدوني)..
ما الذي يحصل؟…
وكيف يمكن للكافرين أن يكون لهم على المؤمنين سبيلًا؟..
ليبدأ نقدًا للذات وصل إلى حد الشتيمة… وصارت ألـ “نحن” مجمع كل الأخطاء، والأدران، والآثام الخلقية والدينية والقيمية…
ولأننا اعتدنا أن نجعل من البعض مساويًا للكل.. ولأننا اعتمدنا صيغة الاستغراق والأحكام الشمولية؛ فلقد ضخمنا (فعل) الظالمين منا. وأنواع ظلمهم، ونسبنا كل ذلك إلينا كأمة.. فصار تهتك الحكّام، ووعّاظ السلاطين، وخمول فقهاء السوء، والقداسة المزورة، وتآمر بعض النافذين على الاقتصاد، والعلم، والعقل الاجتهادي، وروح الجهاد المفتوح على سبل الاستقامة، وتطوير عمارة الأرض؛ بالعمران المادي والمعنوي؛ صار كل ذلك صفات تطلق علينا كأمة…
ونسينا أن فينا المظلوم، والمعارض، وتيارات الرفض والتوثب نحو النهوض، بل حتى نسينا قول رسول الله (ص) “الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة”..
وأطفأنا كل شموع الأمل المضيء.. لنلعن عتمة واقعنا، بل وعتمات افترضناها وأنزلناها منزلة الواقع..
وتحوَّلت إرادة التوكل بما تعنيه من تكامل في مدارج الرقي الإسلامي الذي يرفض الرضوخ للواقع مهما كان صعبًا ومرًّا.. والاستمرار في رسم معالم المستقبل بعقلية: (أدِّي) ما عليك بأحسن ما تستطيع واترك النتائج على رب العباد.. المهم أن لا تنهار أمام الضغوط، وأمام الضوضاء، وأمام تقلبات الزمن وأحوال الأيام.. إلى أناس شعارهم التواكل.. بكل ما يعنيه من استهلاك ورغبة، في عيش الراهن،.. والالتحاق بركب الآخرين بإرادات مسلوبة ومستتبعة، وأخذت تضمحل معنوية قيم الجد والاجتهاد والعمل متذرعين بالنية الحسنة..
عن الرسول الأكرم (ص): “وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى”[1]..
وعنه (ص): “وإن نية المؤمن خيرٌ من عمله”[2]..
وبدل أن تكون النية هي تلك الدافع نحو العمل وبرقابة من تقوى الله..
صارت النية استحضارًا لذرائعية تبرِّر فعل الحرام كما تبرر فعل الظلم والكسل..
وأمام كل هذه المسارات المتعرجة والتي تتالت فيها حركات التدحرج نحو هاوية تكاد أن لا يكون لها من قاع..
ظلَّ هناك بعض الثوابت في قيم الحياة عند المسلمين..
أولها.. قدسية القرآن الكريم وأن فيه قوة الهدى وقوة النهوض والانتصار..
ثانيها.. أن رسول الله (ص) هو المثال الحي لخروج الأمة من ظلمات التقهقر نحو نور العزة والقوة.. وأن التأسي برسول الله (ص) فيه سر كل رقي وبناء للأمجاد..
ثالثها: احترام المنجزات الحضارية التي قام بها المسلمون الأوائل رغم وجود سلبيات كثيرة عرضت عليهم وفتن شديدة حلَّت بهم..
رابعها: احتفظ المسلمون في عمق وجدانهم الديني بالقناعة أن مستقبل الحياة لهم، وأن عليهم بالتمسك بالإسلام أن يجترحوا حلول تحويل الغايات إلى وقائع حية.. لهذا رأينا عند بعضهم كيف فرَّق في تقديرات الواقع ومشكلاته بين الإسلام، وبين المسلمين، معيدًا سبب التخلف إلى المسلمين وانحرافهم عن جادة الإسلام وصراطه المستقيم..
ثم رأينا كيف أن حركات إسلامية تمتلك تاريخًا عريقًا، وجماهير عريضة رفعت؛ وما زالت؛ شعار حركتها “الإسلام هو الحل”، ودخلت الحياة السياسية والبرلمانية، وخاضت حروبها الانتخابية تحت هذا الشعار… هذه الثوابت فتحت منافذ حركة قامت في المطلع الأول للقرن الماضي، والتي أخذت تعمل على استعادة المسلمين لحيويتهم الإسلامية، وأن يأخذوا مكانهم في هذا العالم.. لتبلغ أوجها في نهاية ذاك القرن مع قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الراحل السيد روح الله الموسوي الخميني (قده)… والذي أعاد الاعتبار لجملة من الأمور…
أ. الفقه باعتباره الإفادة العلمية لعملية التطور المجتمعي على هدى الإسلام.. وعنوان مشروعية القيادة السياسية لحركة نهوض المسلمين..
ب. إعادة إنتاج قيمة النية كرافعة منتجة، وربطها بقيمة أداء التكليف الشرعي كسبيل ربط بين عالمي الشهادة والغيب،.. وليكون الغيب هذه المرة طاقة دفع لرفعة الحياة الدنيا،.. بعد أن حولته الاحباطات إلى أمرٍ مفارق للواقع يلجأ إليه الهاربون من هذا الواقع كلما ازداد الضغط عليهم..
ج. رفع مستوى الثقة بالنفس في مجال القيم وربطها بالدين وإعطاء زخم جديد لمعاني الحرية والاستقلال سواءً في ذلك الحركات الإسلامية الجديدة التي تولَّدت بعد الثورة الإسلامية في إيران أو تلك الحركات السابقة،.. بحيث أصبحت همة وإرادة تلك الحركات والشعوب التي تنتمي إليها أكثر إيمانًا من أي وقت مضى بقدرتها على اقتحام مجالات الحياة المعاصرة على تنوعها؛ رغم المصاعب الجمة التي تحف بمثل هذا التوجه..
د. قيام صيغة سياسية جديدة في العالم الإسلامي مبنية على حركة الشعوب ودورها في رسم مسار العلاقة مع العالم.. وهو الأمر الذي عبَّر عنه الإمام الراحل (قده) بالقول: “إن الأمة الإسلامية قد بدأت الزحف وإذا ما تراجعت فإنها لن تتراجع”..
إن هذه النقاط الأربع التي حرّكتها ثورة الإمام الخميني (قده) فتحت للعالم الإسلامي منافذ القدرة الحضارية المكبوتة، ورسمت معالم الوجه الحضاري للمسلمين الذي يتجاوز حدود القوميات والجغرافيا.. بل ويمكن لي القول بأنه يتجاوز حدود المذهبيات الضيقة.. والشاهد على ذلك تحرك الجماعات المسلمة العربية وتأثرها البالغ بقيادة الإمام الخميني (قده)، بل وتطور حركات المقاومة والانتفاضة بما يتجاوز المذهبية السنية والشيعية بالمعنى الضيِّق للكلمة..
وليأتي نموذج المقاومة الإسلامية في لبنان كرمز للتأسي عند حركات المقاومة في المنطقة.. ولتكون الانتفاضة والمقاومة في فلسطين أقرب إلى مساحة الخيارات الجهادية مع حزب الله وإيران التي اتكأت على الإيمان بالقضية الفلسطينية وتحرير القدس كمشروع نهضوي مركزي للأمة،.. منها لبعض الحركات التي قد توافقها مذهبيًّا، إلا أنها تحمل همومًا مختلفة في فتحها لصراعات تشق عصا المسلمين.. وتوقع بنكبات الفتن وأعاصير الاضطرابات الدموية في صفوفهم..
وليتحول المشروع الإسلامي إلى مشروع حضاري يريد إعادة رسم معالم عالمية في طرحه تبدأ من الاعتراف بالخصوصيات الوطنية والقومية إلا أنها تتجاوزها بغية إيجاد أرضية واحدة لأفق حضاري واحد لدول وشعوب المنطقة يشكل فيما يشكل العمق الاستراتيجي الحضاري حتى لأولئك المسلمين الذين يقطنون الدول الغربية والذين ما زالوا إلى الآن يتعاملون وكأنهم مجرد لاجئين.. فيما أن الأفق الحضاري للإسلام يقتضي أن كل أرض يقطنها المسلم عليه أن يتعامل معها بإعمار وإحياء وحب انتماء لها كوطن يعايش معه كل تجارب حذق العيش ومراراتها.. وهذا النحو من الحضور الحضاري الإسلامي في عالم اليوم أخذ يفرض معطيات علاقات جديدة..
فبعد مسار حركة الغرب في المنطقة الإسلامية اعتبارًا من القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر بغية إقامة حكم مسيحي أو باسم المسيحية، في ما أطلقوا عليه الحروب الصليبية لتحرير وحكم الأراضي المقدسة، والذي تلاه منذ القرن الرابع عشر حتى القرن التاسع عشر إمساك العثمانيين على منطقة الشرق الأسط والبلقان وإمساكهم بالقسطنطينية وحصارهم مرتين لفيينا.. ليعاود الغرب مرة ثانية حسب هانتغتون “في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ومع تراجع القوة العثمانية مدّت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا سيطرة غربية على معظم أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأ الغرب بدوره في التقهقر، واختفت القوى الاستعمارية.. وفي البداية أعلنت القومية العربية عن نفسها ثم تلتها الأصولية الإسلامية، وأصبح الغرب أكثر اعتمادًا على دول الخليج في الحصول على احتياجاته من الطاقة، وأصبحت الدول الإسلامية الغنية بالنفط دولًا غنية بالأموال.. وعندما رغبت في أن تصبح غنية بالسلاح وقعت عدة حروب بين العرب وإسرائيل – بتدبير من الغرب- …
وقام إرهابيون ومسلمون تساندهم ثلاث حكومات شرق أوسطية على الأقل بتوظيف سلاح الضعف وفجروا طائرات ومنشآت غربية واحتجزوا رهائن غربيين. وبلغت حالة الحرب هذه بين العرب والغرب ذروتها عام 1990 عندما أرسلت الولايات المتحدة قوات ضخمة من جيشها إلى منطقة الخليج للدفاع عن بعض الدول العربية…
وفي أعقاب هذه الحرب أخذ تخطيط حلف شمال الأطلنطي يتوجه بشكل متزايد نحو تهديدات وعدم استقرار محتملين على طول حده الجنوبي، ومن غير المرجح أن يتراجع هذا التفاعل العسكري الدائر منذ قرون بين الغرب والإسلام، وقد يصبح أكثر قسوة. فقد تركت حرب الخليج شعورًا بالفخر لدى بعض العرب.. كما خلّفت مشاعر بالخزي والاستياء لدى البعض الآخر اتجاه الوجود العسكري للغرب في منطقة الخليج والهيمنة العسكرية الساحقة للغرب وعجزهم الواضح عن تشكيل مصيرهم”[3].
إذن، إن نص (هانتغتون) يذهب لاعتبار أحداث الصراع في منطقة الشرق الأوسط تعود لأبعاد ترتبط بالدين الإسلامي وتنازع الغرب التاريخي معه في المنطقة.. كما ويذهب لاعتبار أن إسرائيل هي السد الحضاري الغربي المانع لأي نفوذ حضاري إسلامي قوي في المنطقة.. وبأن الصراع اليوم وبعد حرب الخليج قد وصل بين الغرب والإسلام إلى خط اللاعودة..
وقد تتالت بعد هذه المرحلة جملة من المستجدات ابتداءًا من احتلال أفغانستان إلى احتلال العراق والتهديد الأمريكي الدائم لدول المنطقة والعالم الإسلامي بمنع أي تصاعد لقيم الممانعة أو المقاومة أو التنمية في فلسطين وسوريا ولبنان وإيران، واعتبار كل تطور سياسي أو عسكري هو انعكاس لقيم حضارية تهدد الحضارة الغربية التي تقف الولايات المتحدة على رأس هرم زعامتها ممدّة إسرائيل بكل صنوف العون..
دون أن ننسى على الضفة الثانية حصول مستجدات بل منعطفات تاريخية..
مثل إنجاز حزب الله لانتصار وتحرير أكثر الأراضي اللبنانية وتحوُّله إلى نقيض حضاري لإرادة الحضارة الاستكبارية.. ونجاح حركة حماس في فلسطين المحتلة بالانتخابات التشريعية وتسلمها السلطة.. مما أعاد رسم الصراع الوجودي مع الكيان الإسرائيلي وبالعمق.. ودخول إيران إلى منظومة الدول النووية.. مما أثار عقيرة سلطة حضارة السطوة الغربية لتعيد تأجيج أرضية جديدة لحرب بل حروب استراتيجية في مواجهة حضارة الاقتدار الإسلامي..
أمام هذا الواقع فإننا نرى كيف أن العالم يتجه نحو الصراع.. والذي تسعى بعض الجهات النافذة في هذا العالم لتصويره على أنه صراع حضاري بين الغربي ككيان أحادي مستقل، والإسلام بما هو كيان حضاري أحاديٌ نقيض..
مبررًا ذلك أن العالم تتنازعه “سبع أو ثماني حضارات كبرى. وتشمل هذه الحضارات الحضارة الغربية والكونفوشية واليابانية والإسلامية والهندوسية والأورثوذوكية السلافية والأمريكية اللاتينية ويحتمل أن تنضم إليها الحضارة الأفريقية”[4].
وتتباين هذه الحضارات لأسباب منها:
- الاختلافات الأساسية فيما بينها بفعل التاريخ واللغة والثقافة والتقاليد والأكثر أهمية عامل الدين..
- التواصل بين أطراف العالم مما زاد نسبة الوعي للاختلافات الحضارية.. في الوقت الذي تزداد فيه حركة التداخل بين أبناء الحضارات..
- تقديم الدين كعلاج لمشكلة تفريغ الهويات القومية بسبب عمليات التحديث والتغيير الاجتماعي والاقتصادي. وأخذ الشباب الدور الرئيسي في الحركات الدينية الأصولية..
- وصول الغرب إلى أوج قوته عزَّز الوعي الحضاري ودفع الشعوب نحو العودة إلى جذورها الحضارية.. كما ودفع الرغبة لديها بإعادة تشكيل العالم بأساليب غير غربية..
- صعوبة المعالجة للاختلافات الحضارية؛ لأن الحضارة تمثل أصل الذات عند الشعوب.. ذلك “أن الحضارة هي أرفع تجمع ثقافي للبشر، وهي أشمل مستوى للهوية الثقافية لا يفوقه من حيث تحديده للهوية الثقافية إلا الذي يميز الإنسان عن غيره من الأنواع الأخرى، ويمكن تحديدها أو تعريفها بكل من العناصر الموضوعية مثل: اللغة، والتاريخ، والدين، والعادات، والمؤسسات، وبالتمايز الذاتي للبشر”[5].
لذلك تتسم التمايزات بين الحضارات بالحدة..
وهذا التحليل فيه خلط بين واقع الصراع الحاصل بسبب تزايد واتساع دائرة المصالح الأميركية المباشرة.. وبين القراءة لمسار حركة الحضارات وافتراض أن التداخل بين أبناء الحضارات سببٌ من أسباب ازدياد الصراع.. في الوقت الذي يمثل التداخل بين الجماعات مفتاح معرفة بين الأطراف مما يسمح بإيجاد مناخ من الحوار.. إلا أن مركزية الذات الأمريكية وبنائها على أساس اختزال الحق وصلاحية الحيازة لكل الامكانيات بالذات الأمريكية وحدها فرض النظر إلى هذه الحضارات بأفق من التباين والتنابذ الذي قسَّم العالم إلى متقدِّم ونام وعالم ثالث..
ليقوم اليوم بفرض تقسيم جديد مبني على عالم الخير وعالم الشر.. مستحضرين بذلك ثنائية القيم التي تمثِّل في كل ذاكرة تاريخية وبناء حضاري، الصراع السرمدي بين الموجودات والحقائق والكائنات..
وهذا ما سمح للمنادين بحوار الحضارات أن يوجهوا انتقاداتهم إلى منطق صراع الحضارات واعتبار أن معوِّق الحوار إنما يقع في أمرين:
الأمر الأول: الفهم السلبي – التاريخي للأديان اتجاه بعضها البعض..
الأمر الثاني: القوى الاستعمارية “إذ إن أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية تجاوزوا حدودهم الوطنية بقصد السيطرة على العالم، ولتحقيق هذا الهدف أباحوا لأنفسهم استخدام كل الوسائل والأدوات، ومنها إثارة مساوئ التاريخ في الأذهان، ليس فقط للإبقاء على الخلافات بين المسيحيين والمسلمين، وكذلك بين المذاهب الإسلامية نفسها، بل أيضًا لإثارة هذه الخلافات من زوايا عديدة وعلى نطاق واسع، ليتمكن المستعمرون في ظل هذه الخلافات والنزاعات، من الوصول إلى مصالحهم غير المشروعة”[6].
إلا أن هؤلاء الداعين لحوار الحضارات إنما نظروا للتداخل التأسيسي للحضارات المختلفة، واعتبروا أن إقامة حوار بين النخب والمفكرين والعلماء من مسيحيين ومسلمين بغرض التعارف والمعرفة المتبادلة في مختلف المجالات، وصولًا للاحتياجات التي يتوخاها العالم المعاصر كفيلة بإنجاز مثل هذه الحوارية الحضارية.. وهذا الكلام وإن كان فيه بعض الصحة، إلا أنه يصح كسبيل من سبل المعالجة للعلاقة بين بعض أصحاب الديانات والنخب المفكرة والغرب كما العالم الإسلامي لا يمكن حصره بهذا النموذج القابل للحوار..
وبالتالي فلا يمكن لنا غض النظر عن واقع الاحتراب الصراعي القائم بين أهل الحضارات..
فالحوار كما الصراع أمور ممكنة في العلاقة بين الحضارات وأصحاب الحضارات..
وفي ظني أننا اليوم معنيون بتقديم النموذج الحضاري الخاص وبشكل يمثِّل كيانًا قابلًا للتحاور ومن موقع الاقتدار..
لذا، فإن المسلمين مدعوون لجملة أمور منها:
- الاستمرار في تصعيد قوة حضارة الإسلام المقتدر في قيم بناءاته التحررية والتنموية، لكسر السيطرة المركزية الغربية من جهة، ولوضع حد لذهنية الاستبداد الذي تمارسه حكومات عالمنا العربي والإسلامي على شعوبها من جهة ثانية، ولتوفير أرضية البناء العمراني المعنوي منه والاجتماعي من جهة ثالثة.
- الاستمرار في فتح منافذ الحوار والتلاقي مع قوى الضمير الحر في هذا العالم، بما فيه شعوب العالم الغربي.
- الدخول في حوار حضاري كوني من موقع الفاعل المقتدر، إذ بذلك وحده يمكن أن نفرض على عالم السطوة قابلية الإصغاء والتفاوض الجدي، لأن هذا العالم في أغلبه يقوم على منطق الاصطراع الحضاري.
[1] محمد الريشهري، ميزان الحكمة، الجزء 4، الصفحة 3414.
[2] المصدر نفسه، الجزء 4، الصفحة 3417
[3] هانتغتون، الإسلام والغرب –آفاق الصدام، مكتبة مدبولي، الصفحتان 23- 24.
[4] هانتغتون، الإسلام والغرب –آفاق الصدام، مصدر سابق، الصفحة 11.
[5] هانتغتون، الإسلام والغرب –آفاق الصدام، مصدر سابق، الصفحة 9.
[6] محمد خاتمي، مطالعات في الدين والإسلام والعصر، دار الجديد، الصفحة 138.
المقالات المرتبطة
البدء التأريخي قراءة في تشكّل روح عالم جديد
يظل من العجيب والمثير للانتباه أن يضحي هيغل أحد أهم الرموز الفكرية للرؤية العولمية كما تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية، فموضوعة “نهاية التأريخ” التي دافع عنها المفكر فرنسيس فوكوياما آخذًا تصور هيغل بعين الاعتبار،
الإنسان .. وفيك انطوى العالم الأكبر
هذا خلق الله، وهكذا يخلق الإنسان بحوالي 17 استحالة فيزيولوجيًّا من شيء إلى شيء آخر وهو تغير مرتبط بتغيير على المستوى السيكولوجي والاجتماعي وغيرها، لينتهي إلى التراب كما بدأ، ولكل مرحلة شأنها يمكن تأليف الكتب حولها.
الشهادة بين مفهومي الموت والحياة
إن الأهداف الإلهية المعنوية التي تقوم على الغيب وإرادة الله عندما يضحي الإنسان في سبيلها، لن يموت الهدف بموت الشخص، بل ستحيا ويحيا الشخص معها، فالهدف لا يقوم بالشخص بل الشخص قائم بالهدف، “إن الدماء التي تسقط بيد الله فإنها تنمو”