رأس العبادة | ما الدعاء وما أهميته؟

رأس العبادة | ما الدعاء وما أهميته؟

الدعاء، سنةٌ من السنن المفترضة التي أكّد عليها الإسلام إن في القرآن الكريم، أو في الروايات الشريفة، أو روح المزاج العبادي العام الحاكم آلية العلاقة بين الإنسان وربه، حسب الإسلام.

والصلاة هي نحو من الدعاء، كما إن أي توجه من العبد إلى ربه إنما يحمل طابعًا دعائيًّا. لذا، فإن المناجاة في حقيقة هويتها وأركان مقاطعها وتناسق سياقاتها إنما تندرج في صنف الدعاء، مع قليل من التميّز الذي سوف نشير إليه.

والدعاء إجمالًا مفردة مرادفة للصلاة، عليه، فقد كانت آلية الصلاة وشكلها حالة دعائية من حيث الشكل والمضمون، وإن أضاف المصلون بعضًا من الشعائريات حين تأدية الصلاة، من مثل البخور أو الانتقال من وضع إلى وضع وحركة إثر حركة.

فما يفيدنا، أن الدعاء صلاة، على الداعي أن يؤديه بما هو صلة علاقة وود وتقرب من الله سبحانه.

لذا، ورد في الذكر الحكيم قوله سبحانه: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[1]. فالدعاء حسب الآية عبادة لله لا يستنكف عنها إلا متكبر، إذ لا يمكن احتمال الجهل في حق الداعين؛ لأن الدعاء حاجة إنسانية تعبر عن الفقر التكويني لدى الإنسان إلى الغني المطلق، كما الحاجة الدائمة التي تحف الإنسان في دروب الحياة والعيش. لذا، فترك الدعاء إنما ينمُّ عن تحجّر في القلب أو كبر عن الإقرار والاعتراف بالفقر والحاجة. أما إذا ما صدر الدعاء عن معرفة مواكبة للحاجة فإنه يتحول إلى لب العبادة كما ورد في الحديث عن النبي (ص) “الدعاء مخّ العبادة”[2].

خصائص الدعاء في الإسلام

اهتم الاسلام وعلماء المسلمين أيما اهتمام بموضوع الدعاء حتى إنك لترى أدعية جاءت بالنص القرآني أو الروائي، كما إنك قد تجد أدعية اختلف الناس في مصدر ورودها هل هي من المعصوم نفسه أم أنها من المتداول بين العلماء والعبّاد والناس، وأنها لشهرتها وعلو البيان فيها نسبها البعض إلى الأئمة ثم اشتهرت بذلك؟

وبكل حال فنحن لسنا بوارد مثل هذا النقاش في المصدر بمقدار ما أود القول: إن هناك منحًى ثقافيًّا وتربويًّا وإيمانيًّا احتضنته الأدعية وهو يشكّل في سياقه العام ركنًا من نهج الأئمة المحمدي والقرآني.

وقد امتاز بجملة خصائص منها:

  1. إن فسحة فردية عفوية، وتلقائية يمكن للداعي أن يمارسها في توجهه إلى ربه بالتبتل والدعاء، يشكو ويطلب فيها ما يدور في خلده، وما يحويه صدره من حاجات يسألها الله سبحانه، وبطريقة قد تخرج عن القواعد والآداب إلا أدب الصدق في السؤال والحب في التوجه والثقة بمن يدعو المرء، وأن لا يطلب مكروهًا أو حرامًا.

وهنا ولمثل هذا النحو من الدعاء تأثير استثنائي كبير في تأكيد العلاقة الحميمة والخاصة والمباشرة بين الإنسان والله دون وسيط أو حاجة إلى وسيط.

  1. من خصائص الأدعية أنها متوفرة بنصوص جاهزة للعديد من الأوضاع الحياتية والنفسية والاجتماعية، كما ولكافة الأوقات، بل إن فيها ما يحاكي عمق الروح والتجربة الإيمانية والقلبية.
  2. تمثّل الأدعية نهجًا روحيًّا معرفيًّا ومعنويًّا يمكن أن يستغني به المرء عن تكلّفات مباحث العرفان النظري والعملي ونخبويته الحادة، بحيث يمكن لأي إنسان صادق أن يمارس هذا النهج الارتياضي في المعرفة والمعنوية.
  3. تمثّل الأدعية حيثية مركزية من حيثيات المبنى الثقافي الإسلامي، وركنًا ركينًا في التوحيد الإسلامي هو بلا شك من أصول ما أرشد إليه القرآن وأهل العصمة.
  4. يمكن للمرء أن يدرس من خلال هذه الأدعية خاصة تلك الأدعية المنسوبة للأئمة، بل حتى التي كتبها غيرهم (ع) معالم مدرسة سير وسلوك وأخلاق ما يُعبَّر عن وحدة منهجية في العمق الروحي المؤثر على السلوك العملي والموقف من الحياة والوجود.
  5. إن الأدعية بمثابة ثورة جوّانية داخل الذات بحيث تفتح أفق الاعتماد على الذات من خلال الاعتماد على الله كمركز للغنى والعزة والقوة المطلق. وهي تبني شخصية فردية تقوم أصولها على الاقتدار الذي لو قُيّض له أن يندمج مع الفعاليات الإيمانية المجتمعية لشكل هوية ولونًا سياسيًّا ومجتمعًا حضاريًّا ذات سمات خاصة تربطه بالماضي والمستقبل، رؤية الشفاعة بالمعصوم باعتباره المثل الإنساني الأعلى في سلّم التطور والرقي الإنساني. وهذا الشفيع فضلًا عن دوره في تكوين السلوك عبر الوجدان الديني، فهو يمثّل قداسة من نحو خاص إذ تعتبره نصوص الأدعية والزيارات باب الله الذي منه يؤتى.

بعد هذا وحين نربط القداسة والأسوة في الشفيع، والدعاء الذي نتلوه كأنما نقرؤه خلفه كما هو وفي ومحضره تصبح ساحة الذات الداعية قابلة لتمثّل الوجدان الروحي والسلوك الأخلاقي والاقتدار الاجتماعي والسياسي الذي كان للمعصوم. فنرى فيه وجه الرحمة ونبض قلبها، ويد القدرة على التغيير…

[1]  سورة غافر، الآية 60.

[2]  العلامة المجلسي، بحار الأنوار، الجزء 90، الصفحة 300.

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
أهمية الدعاءرأس العبادةالدعاء

المقالات المرتبطة

مستحدثات الديمقراطيّة العربيّة: فتنة القول في فتنة العمل

لم يكن لحادث تاريخيّ أن يحظى بتلك الوفرة من الجدل حول ماهيّته وهويّته ومآلاته المنتظرة، كالحادث المتمادي على مساحة العالم العربيّ منذ بداية العام 2011.

الأسطورة واللغة الدينية

في البداية، سأميّز بين الأسطورة كتعبير عن الخبرة الدينية، وذهنية الأسطورة كموقف يتخذه الإنسان بمواجهة الحقيقة الدينية. سنعالج هنا الأسطورة في علاقتها مع اللغة الدينية.

من هي السيّدة زينب عليها السلام؟

تمثّل السيّدة زينب (ع) عند شيعة محمّد (ص) الرمز الروحانيّ الثوريّ الأعمق والأنقى بعد حفيد رسول الله (ص) أبي عبد الله الحسين (ع) ، كما أنّها تمثّل عندهم، وهم الذين اتسمت شخصيتهم التاريخيّة بالحزن الثوريّ.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<