مشاريع فكرية 10 | السيد جلال الدين الآشتياني
المواليد: 1925 ـ 2005 م.
الدراسة: كان أول تعليمه في المكاتب القديمة وفي الابتدائية في مسقط رأسه آشتيان.
ثم انتقل إلى قم بتشجيع من أحد علماء بلدته، فدرس العلوم الحوزوية على يد عدّة علماء منهم صدوقي يزدي وعبد الجواد جبل عاملي اصفهاني، ودرس علوم المعقول عند مهدي مازندراني، والخارج عند السيد البروجردي، ولازم درس الميرزا حسين البُجنوردي، كما حضر عند العلامة الطباطبائي فدرس عنده التفسير والفلسفة وكتاب الكفاية في الأصول، كما درس بعض الأسفار عند الميرزا أحمد الآشتياني.
وفي العطلة الصيفية انتقل إلى قزوين فتأثّر بالميرزا أبي الحسن رفيعي قزويني ودرس عنده بعض الأسفار وقد عبّر عنه بأنه رجل الأسفار ولا غير، كنايةً عن تسلطه في درس الأسفار دون سواه من كتب العرفان.
ومن طلبته الأمريكي ويليام جيتك، والفرنسي كريستيان بونود، والياباني ماتسو موتو.
آثار العلامة الآشتياني
يمكن تقسير آثار السيد جلال الدين الآشتياني إلى ثلاثة أقسام أهمّها ثالثها، أما الأقسام فهي:
القسم الأوّل: التأليف، وقد شرعه بكتاب الوجود عند الفلاسفة والعرفاء فكتبه في مدّة عشرين يومًا، ومن ثم شرع بكتاب السيرة الذاتية وآراء صدر المتألهين في مجلّدَين، وله أيضًا شرح مقدّمة القيصري.
القسم الثاني: مجموعة مقالات في مواضيع مختلفة، لعلّ من أهمّها نقده للمدرسة التفكيكية بزعامة الميرزا مهدي الأصفهاني، وقد جمعها فيما بعد ضمن كتابه نقد تهافت الفلاسفة الذي ردّ فيه على الغزالي.
القسم الثالث: وهو ما يشكّل مشروعه الذي قضى عمره في تتبّعه وترك فيه إنجازات حميدة مشكورة هو: تدوين تاريخ الحكماء والعرفاء منذ صدر المتألهين وإلى العصر الراهن.
وينتظم في هذا القسم أغلب مقدّمات السيد جلال الدين على الكتب التي حقّقها أو طبعت بتصحيحه؛ إذ مما يؤسف له أن الآشتياني لم يدوّن ما ظفر به من معلومات ـ في هذا المجال ـ في كتاب مستقلّ، ولكن الحقّ والإنصاف أنه قام بعملية تتبّع شاقّة لمظان هذا التاريخ ومشتّتاته في مختلف المكتبات والمخطوطات على امتداد أربعة قرون، وحاول تسطيره في تلك المقدّمات.
ومن هنا فيمكن أن نقول ـ عن يقين ـ إن مشروع السيّد جلال الدين الآشتياني هو تدوين تاريخ الحكمة والعرفان المعاصر من القرن الحادي عشر وإلى القرن الخامس عشر الهجري، ولكنّ الوقت لم يسعفه لإنجاز ذلك المشروع، إلا أنه كثيرًا ما دعى لكتابة هذا المشروع وتركه إرثًا قيّمًا للأجيال القادمة لئلا تحار في تاريخ الأقدمين كما احترنا نحن بذلك.
وقد حاول الآشتياني تتبّع تاريخ الفلاسفة والحكماء منذ الميرفندرسكي والميرداماد، ومرورًا بصدر المتألهين وطلاب مدرسته، ثم الطبقة التي تلتهم، ثم طبقة مدرسة أصفهان، ثم مدرسة طهران وقم، فترك لنا معلومات قيّمة مفيدة في هذا المجال.
أهم مدوّنات السيد الآشتياني في مقدّماته
- ربّما أهم مقدّمة وأوسعها في مجال تاريخ الحكماء المعاصرين هي مقدّمته على الطبعة الأولى من رسائل السبزواري التي طبعت في انتشارات أسوة، وقد جاءت فيما يربو عن مئة وخمسين صفحة من القطع الوزيري.
- ويأتي ثانيًا من حيث الأهمّية مقدّمته على الشواهد الربوبية الذي طُبع في بوستان كتاب؛ فقد ضمّنها سردًا مفصلًا نوعًا ما ـ في أكثر من 120 صفحة من القطع الوزيري ـ في تاريخ الحكماء، منذ الميرفندرسكي والميرداماد وإلى الميرزا هاشم الآشكوري.
- ومن المقدّمات المهمّة أيضًا مقدّماته على الرسائل التي جمعها في كتاب منتخباني أز آثار حكماء إلهي إيران (= مختارات من آثار الحكماء الإلهيين الإيرانيين)، حيث جمع في هذا الكتاب مجموعة رسائل لكبار الحكماء بدءًا من الميرداماد والميرفندرسكي وصدر المتألهين وانتهاءً بالملا نظر علي الجيلاني من أعلام القرن الثاني عشر الهجري (وكان من تلامذة مدرسة الحكيم محمد البيدابادي).
وقد كان من المقرّر أن يستمر صدور هذا الكتاب حتّى يصل إلى ثمانية مجلّدات في رسائل عصر الآخوند النوري، ولكنه توقّف برحيل السيد الآشتياني عن هذه الدار الفانية ولمّا يكتمل.
وقد تضمّن هذا الكتاب رسائل لم تطبع من قبيل:
- مقدّمته على المشاعر المطبوع في مشهد (انتشارات زوّار).
- مقدّمته على الطبعة الثانية لشرحه على مقدّمة القيصري المطبوع في بوستان كتاب.
- مقدّمته المختصرة على شرح فصوص الحكم للقيصري المطبوع في شركت انتشارات علمي وفرهنگي.
ملاحظات على مشروع السيد جلال الدين الآشتياني
رغم الأهمّية التي تحظى بها إنجازات الآشتياني وتتبّعه لمظان تاريخ الحكماء الصدرائيين، إلا أن هناك جملة من الملاحظات يمكن استكشافها من طيّات ما دوّنه في هذا المجال؛ ولعل السبب في ذلك هو قلّة المصادر التي كانت متاحة له، وجِدة المشروع؛ إذ لم يُكتب فيه من قبل ـ سوى رسالة مختصرة في تاريخ الحكماء جاءت في رسائل الحكيم مدرس الطهراني ـ، كما أن عظمة هذا المشروع وتشتّت أطرافه ـ إذ يبحث في حكماء ومدارس أربعة قرون ـ مما يحتاج إلى جهد مؤسسة علمية يشتغل فيها عدّة محققين، ومع هذا فقد قام الآشتياني بذلك الجهد بمفرده.
ومن تلك الملاحظات ما يلي:
- ملاحظة بعض مواطن عدم الدقّة في بيان سلسلة الحكماء أو أساتيذهم أو طلبتهم.
- عدم التفريق بين أساتذة المدرسة الفلسفية والمدرسة العرفانية.
- وقوع بعض الاشتباه في بيان تواريخ ولادة أو وفاة بعض الحكماء.
- الاستطراد وعدم وحدة الموضوع.
- عدم وضوح الرؤية في تصنيف بعض الحكماء بأنهم من المشائين أو الصدرائيين أو من العرفاء.
- طغيان روح التعصّب للعرفان وللحكمة الصدرائية.
- استشمام رائحة التعصّب القومي.
دعوة لمواصلة المشروع
يتمتّع مشروع تدوين تاريخ الحكماء الصدرائيين بأهمّية كبرى؛ إذ من فوائده إرجاعُ جذور الآراء الحكمية والفلسفية إلى مصادرها الأصلية، ومعرفة كيفية تلاقح الأفكار وتأثيرها في الحكماء، كما أن معرفة تاريخ الفكرة والرأي العلمي لها دورٌ بالغٌ في فهم فضاء الفكرة والمراد منها بشكل دقيق، وفضلًا عن هذا كله فإن تاريخ علماء الدورة الصدرائية اختلط بروح العرفان العملي فترك صبغة أخلاقية وسلوكية ناصعة ومفيدة لكل من طالعها بالتأثير عليه تأثيرًا معنويًا وروحيًا جميلًا، ويمكن عدّ هذا الجانب في هذا الموضوع أسلوبًا أخلاقيًا عمليًا من خلال مطالعة حالات العرفاء والحكماء وسلوكم الروحي والاجتماعي.
ومن هنا، فأنا أدعو إلى مواصلة الشوط الذي بدأه العلّامة الآشتياني والتحقيق فيه من أجل تدوين تاريخٍ للحكماء والعرفاء الذين عاشوا في القرون من الحادي عشر إلى الخامس عشر.
كما أن جمع شتات مقدّمات الآشتياني التي ذكر فيها الحكماء وتاريخهم، وضبطها وتنسيقها وطباعتها في كتاب واحد له أهمّيته الخاصّة، فتكون بذلك سهلة التناول والمراجعة والإفادة منها.
ويمكن أن يتم الاشتغال عليها بإعادة صياغتها وتبويبها وتجميع متفرّقات مواضيعها فتكون بذلك مقدّمة لتاريخ الحكماء المتأخّرين.
ومن الجدير هنا الإشارة إلى جملة من الفعّاليات التي كُتبت في تاريخ الحكماء، ومنها:
- ما كتبه ـ بشكل مختصر ـ الشهيد مطهري في كتابه الخدمات المتقابلة بين الإسلام وإيران، وهو مختصر للغاية.
- ما دوّنه المحقّق منوچهر صدوقي سُها في كتابه تاريخ الحكماء المتأخّرين، وهو جيد إلا أنه مبعثر ومشوّش وفيه استطرادات كثيرة.
- ما كتبه عباس طارمي في كتابه مدينة الألف حكيم، وقد خصّه بمدرسة طهران وطلبة الآخوند النوري.
كما يوجد هناك كتب أخرى ضمّت سيرة مختصرة عن مدراس أصفهان وطهران والنجف وقم، بيد أن كل ذلك الجهد المشكور لم يسدّ الحاجة إلى كتابة تاريخ تحقيقي دقيق جامع لحكماء الدورة الصدرائية.
المقالات المرتبطة
ظهور الحداثة بوصفها جوهرًا ناقصًا
توخى هذه المقالة بلورة مقتضيات التأسيس لمنهج معرفيّ نقدي يتاخم المبادئ المؤسِّسة للنظام الأنطولوجيّ والثقافيّ للحداثة. وانطلاقًا من هذه الغاية، تبدو المباني التي افترضناها أصولًا جوهريّة للحضارة الغربية المعاصرة
هل من رجال دينٍ في الإسلام؟!
يفترض المسلمون، علماء ومثقّفون أن لا وجود لمؤسسة دينية في الإسلام؛ وأن لا مكان للحديث حول رجال دين.
ولاية الفقيه… فكرة إسلاميّة أم حالة مذهبيّة
فإنّنا نعيش عصرًا عصيبًا لا يُقيم وزنًا للمستضعفين ولا الضعفاء ولا يُحترم فيه إلّا المستقوون والأقوياء.