مشاريع فكرية 12 | العلامة محمد رضا حكيمي

by معهد المعارف الحكميّة | مايو 31, 2022 8:54 ص

المواليد: 1935 م في مدينة مشهد الإيرانيّة، وتوفي فيها بتاريخ 22 /8 / 2021م ودفن في المشهد الرضوي الشريف.

الدراسة: شرع تحصيلاته العلمية في السادسة من عمره، ثم التحق بالدراسة الحوزوية (في مدرسة نواب في مشهد) وهو في ربيعه الثاني عشر، واستمر بذلك حتّى سن العشرين.

وهو فقيه ومجتهد وفيلسوف وكاتب، أخذ إجازته بالاجتهاد من الآقا بزرگ الطهراني.

وكان مما درسه علم الرمل والأوفاق عند اسماعيل نجوميان والشيخ مجتبی قزويني خراساني.

من أشهر مؤلفاته كتاب الحياة، وكتاب الإلهيات البشرية والإلهيات الإلهية، وكتاب مدرسة التفكيك.

ويُعدّ من أقطاب مجدّدي >مدرسة خراسان<، أو ما يُعرف بـ>مدرسة التفكيك< – أو المدرسة التفكيكية – التي تعتقد بفصل وتفكيك الدين عن الفلسفة والعرفان، والتي أسّسها الميرزا مهدي الأصفهاني (م 1365 ق) وانتشرت في مشهد.

كما يُشار إلى أن الدكتور علي شريعتي اختاره كوصيّ له في أي تصرّف أو تغيير تحتاجه آثاره وكتبه، لما لمسه فيه من صفات أخلاقية سامية من زهد وتواضع وتقوى.

وقد اشتهر أيضًا بـ>فيلسوف العدالة<؛ إذ عُرف عنه قوله >إن الدين الذي لا عدالة فيه ليس دينًا، فما بالك بالإسلام<.

وقد سببتْ مواقفه من الفقر والعدالة سوء فهمٍ لدى البعض حتّى اتهمه بأنه ضد الثورة، ولكن بيان التأبين الذي أصدره بحقّه قائد الثورة الإسلامية في إيران سماحة السيد الخامنئي أزال هذه الشكوك والالتباسات.

جدير بالذكر أن الأستاذ حكيمي – المترجم له هنا – هو غير الخطيب والواعظ الشيخ محمد رضا حكيمي كربلائي المتوفّى سنة 1412ق، صاحب كتاب سلوني قبل أن تفقدوني، وشرح الخطبة الشقشقيّة وغيره.

أساتذته:

الشيخ مجتبی قزويني خراساني (من طلبة الميرزا الأصفهاني)

محمد تقي أديب نيشابوري

السيد محمد هادی الميلاني

أحمد مدرس يزدي

اسماعيل نجوميان

السيد أبو الحسن حافظيان (من طلبة الميرزا الأصفهاني)

حاجي‌خان مخيري

من مواقفه اللافتة:

  1. 1. رسالته إلى الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، ففي العام 2002م كان قد أرسل رسالةً إلى الزعيم الكوبي فيدل كاسترو عرض له فيها المباني الإسلاميّة جاء فيها: >إنّا إذا أردنا أن نختصر جميع تعالم القرآن والإسلام في كلمتين لكانتا: التوحيد والعدل؛ فالتوحيد هو تصحيح علاقة الإنسان مع الله تعالى، والعدل هو تصحيح علاقة الإنسان بالإنسان<، وبعد ذلك جاء في معرض حديثه مع وفد من كوبا أنه قال: >لو حصل مكروه لفيدل كاسترو فإن ذلك سيكون بمثابة فاجعة بشرية<.
  2. 2. عدم قبوله جائزة الفارابي، في العام 2009م، وبعد أن اختير في مهرجان الفارابي كأحد الأساتذة البارزين الذي خدموا العلوم الإنسانية لأكثر من خمسين عامًا، أرسل إلى إدارة المهرجان رسالةً سجّل فيها اعتراضه، وقد جاء في شطر منها ما ترجمته: >كما نبّهت لأكثر من مرّة، ها أنا أؤكّد مرّة أخرى: طالما كان هناك في مجتمعنا فقراء ومحرومين مُشاهَدين وغير مُشاهَدين يصرخون من فقرهم، فإن إقامة مثل هذه المهرجانات – برأيي – ليس من الأولوليات، فقد تم في هذا المهرجان تكريم أساتذة وفضلاء تحت شعار >خدمة العلوم الإنسانية على امتداد 50 عامًا<، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أن هذه العلوم كانت من أجل تدوينها في الكتب ودنيا الذهن، أم من أجل خدمة البشرية وحفظ حقوق الإنسان وصيانة كرامة الإنسان في الواقع الخارجي العيني؟<.

لمحة عن مشروع العلامة حكيمي

تُعد مسألة فهم الدين والآليات التي توظّف وتدخل في تشكيل المنظومة المعرفية الدينية من السجالات التي طالما اشتدّ عليها النزاع في الأوساط العلمية الدينية وغير الدينية، ما أنتج جملةً من الآراء والمذاهب والمدارس التي اعتمدت مباني مختلفة في هذا الموضوع.

وكمجلاة لشيء من ذلك الحراك العلمي مدرسةُ التفيكيك أو المدرسة التفكيكية التي أسّس أصولها الميرزا مهدي الأصفهاني بعد عودته من النجف إلى مشهد.

وقد خلّفت هذه المدرسة ثلّةً كبيرةً من المفكّرين والأساتذة والفضلاء، من أبرز معاصريهم العلامة محمد رضا حكيمي، وآية الله السيد جعفر سيّدان، وحيث إن هذا المقال مقتصر على الأوّل فسندع الثاني إلى مقال آخر.

يُعد الأستاذ محمد رضا حكيمي من روّاد المدرسة التفكيكية المعاصرين؛ حيث أسهم إسهامًا فاعلًا في تقعيدها والتنظير لها والعمل على تثبيت أركانها وأصولها من خلال كثير من الأبحاث والكتب والمقالات، لا سيما كتاب المدرسة التفكيكية، وكتاب الإلهيات البشرية والإلهيات الإلهيّة بقسمَيه، فضلًا عن نقده لبعض أصول الحكمة المتعالية، مما جعله في معرض الاحتكاك المباشر مع أساطين هذه المدرسة المعاصرين.

من أبرز دعوات العلامة حكيمي فتح باب الاجتهاد في الفلسفة؛ إذ يقول: إن الفلسفة لم تنم على إيقاع ابن سينا وصدر المتألهين، ففي مقال له حمل عنوان >القول الفلسفي بين الإبداع والاتّباع< – وقد تُرجم إلى اللغة العربية – أثنى على الاجتهاد الفقهي وذمّ اقتصار الاجتهاد وانحساره على الفقه فقط، وتساءل عن السبب الذي يقف خلف إغلاق الباب أمام الاجتهاد في الفلسفة والعرفان وجَعْلِ نظريات الماضين هي الموقف النهائي وفصل الخطاب في هذه العلوم، فهذا ركود للعلم وجمود على آراء المتقدّمين.

وكمثال على ذلك ركود الحركة العلمية لثمانمئة سنة منذ ابن سينا إلى صدر المتألهين، ثم ركودها لأربعمئة سنة منذ صدر المتألهين إلى الآن!

ويعزو حكيمي السبب في ذلك الركود إلى أزمة حضور الشخصيّات ذات الهيمنة الفكرية، ما جعل الاجتهاد والاستدلال والبحث العلمي محصورًا داخل النظام المُهيمن يتّجه لمصلحة نظريّته وناحيتها، مما أفقد الفلسفة قراءةً من الخارج؛ فإن الفلسفة يجب أن تعجّ بألوان الحراك لا السكون، وأن تكون محكومةً بنظام الاجتهاد والإبداع لا التقليد والاتّباع.

وفي معرض جوابه عمّا لو قيل: إن الفلسفة كانت على الدوام تحتوي كمًّا هائلًا من البراهين والاستدلالات، وهذا يكفي في ردّ الاعتبار لها وجعلها علمًا استدلاليًا لا تقليديًا، يقول: إن الاستدلال غير الاجتهاد، فمن يستدلّ ليس بالضرورة يكون مجتهدًا؛ إذ قد يكون مقلدًا في ذلك الاستدلال لغيره من العلماء، ومن هنا فالاجتهاد خطوة متقدّمة أكثر من الاستدلال، وهو مكنة في تكوين النظريات الخاصّة.

ونراه يثني على الحكيم علي الطهراني المعروف بالمؤسّس (1307ق)؛ فإنه ظهر بعد حوالي 250 سنة من صدر المتألهين وعكف على تدريس نظريّاته وآرائه الفلسفية، ولكنّه وقف عند بعض آراء صدرا ومحّصها ونقدها وأعاد التنظير فيها، ومن ذلك نظريّته في المعاد الجسماني، وبذلك يمكن اعتبار هذا النموذج أنموذجًا بارزًا للاجتهاد الفلسفي.

ويضرب لذلك مثالًا – لطما كان محلّ نقاش وتأمّل وكُتبتْ فيه كثير من الكتب – هو المعاد الجسماني، الذي أدخله صدر المتألهين لأوّل مرّة في المنظومة الفلسفيّة معتمدًا على مبانيه العقلية والعرفانية في ذلك، فإن هذا الموضوع لم يكن موجوداً كمسألة في المسائل الفلسفية قبل صدرا، وقد تابعه على ذلك شخصيّات كبيرة وكثيرة، ورغم ذلك لم نجد قراءةً نقديةً واجتهاديةً عند هؤلاء.

وهو يُشير هنا إلى أولئك الذين خالفوا صدر المتألهين في رؤيته للمعاد الجسماني وأنه مخالف للمعاد القرآني.

أقول: من الجدير بالذكر أن هنا للعلامة حكيمي كتاب ينتقد به المعاد الجسماني عند صدر المتألهين، وقد توالت الردود على مناقشة حكيمي حتّى كان آخر كتاب يصدر في ذلك هو قراءة في المعاد الجسماني الصدرائي، مع نقد لشبهات الآخرين تأليف رضا آذريان، وقد طُبع في المجمع العالي للحكمة الإسلامية في قم.

أنواع النقد الفلسفي

يُشير حكيمي إلى عدّة أنواع من النقد الفلسفي يمكن أن يُعملها الفيلسوف في عمله الفلسفي، وهي:

  1. النقد التطابقي العام: ويقصد به دراسة مدى تطابق الفلسفة مع الوحي.
  2. النقد التطابقي الخاص: ويقصد به دراسة مدى تطابق نظرية فلسفية معيّنة مع الوحي.
  3. النقد المقارن العام: ويقصد به الدراسات الفلسفية بمقارنتها مع فلسفات أخرى.
  4. النقد المقارن الخاص: ويقصد به دراسة فلسفة بعينها مع مقارنتها بفلسفة معيّنة أخرى.
  5. النقد المبنائي العام: ويقصد به نقد مباني الفلسفة.
  6. النقد المبنائي الخاص: ويقصد به نقد مبنًى بعينه من مباني فلسفة معيّنة.
  7. النقد على المبنى، العام: ويقصد به الأخذ بفلسفة معيّنة ونقد المسائل القائمة عليها.
  8. النقد على المبنى، الخاص: ويقصد به الأخذ بمبنى معيّن ونقد المسائل القائمة عليه.
  9. النقد التناظري: ويقصد به النقد بين علمَين كالفلسفة والعرفان أو الفلسفة والكلام.
  10. نقد المعطيات الفلسفية من وجهة نظر الوحي (لا معرفة مدى تطابقها كما في النوع الأوّل).

وقد ركّز على إعمال هذه الأنواع في فلسفة الحكمة المتعالية لأنها هي الفلسفة الرائجة المُهيمنة في عالمنا الإسلامي المعاصر.

مراحل النقد

يحدّد حكيمي في كتابه المدرسة التفكيكية مراحل النقد في أي علم من العلوم – لا سيما الفلسفة – بأربعين خطوة أصلية وفرعية، ضرورية في ممارسة البحث العلمي، وأما في الفلسفة، فالمراحل هي:

  1. قراءة النظرية خارج مناخها الفلسفي الخاص.
  2. قراءة النظرية مع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ إمكانية نقدها.
  3. قراءة النظرية مع متابعة الانتقادات المسجّلة عليها.
  4. دراسة الأجوبة المسجلة على تلك الانتقادات.
  5. رصد مباني الأدلة النظرية:

أ. الأسس العقلية الصرفة.

ب. فصل النظريات عن الأوّليات في الأدلة العقلية.

ج. تحديد وتحييد المنطلقات العرفانية الكشفية.

د. ممارسة الاجتهاد الحرّ في المسألة المبحوثة.

وبذلك فهو يدعو إلى إعادة قراءة مضمون الفلسفة الإسلامية من زوايا ثلاث هي: النقد، والتجديد، والتكميل، كل زاوية تأخذ منحى مشروع متكامل على غرار ما فعله التفكيكيّون في خراسان في ما يتعلّق بالزاوية الأولى وهي النقد.

وأما اللغة التي يجب أن يكون بها كل ذلك الجهد الفلسفي فهي اللغة الفطرية – أي لغة الوحي والتنزيل – لا اللغة الصناعية، فإن اللغة الصناعية شابها كثير من الاختلافات الصورية والمضمونية والأصولية والبنائية والجذرية.

ويحذر أننا إن لم نقم بذلك بقينا أسرى عند تاريخ الفلسفة والنظريات الغابرة، دون أن نرقى إلى فلسفة تواكب الحياة والتطوّر الحاصل في العلوم، بل سنقف متأخّرين في ركب الكشف عند الحقائق الجديدة.

نظرة في مشروع الأستاذ حكيمي

أقول: إن دعوة الأستاذ محمد رضا حكيمي لإعادة قراءة المنظومة الفلسفية دعوة حميدة ومحل تقدير وإكبار.

إلا أنه مشروعٌ عملَ عليه كثير من جهابذة الفكر العقلي منذ قديم الأيام، والخواجه الطوسي مثلًا والعلامة الحلّي والحكيم السبزواري والعلامة الطباطبائي وجوادي آملي شواهد أشهر من نار على علم في هذا الصدد.

وأما إن كان المقصود من النقد وإعادة القراءة هو ضرب النظريات الفلسفية التي أسّسها أو اكتشفها الماضون وتغييرها بنظريات أخرى، إن كان المقصود هذا، فيرد عليه: أن لا معنى لأن نأتي لكل ما تركه الماضون ونهدمه أو نعيد بناءه، كل ذلك من أجل أن يُقال عنّا إننا مجدّدون أو مجتهدون، فلعلّ ما تركه الماضون واشتغل عليه أتباعهم من تمحيص وتسديد هو أهمّ ما يمكن أن يُقال في مثل هذه المسائل.

نعم إننا لا ننكر أهمية عملية إعادة القراءة للنظريات العلمية السابقة والعمل على تدعيمها وتحقيقها أو تغييرها، وهذا الباب مفتوح على مصراعيه في المدرسة الاجتهادية عند الإمامية، لا سيما في زمن الغيبة.

وأما في ما يتعلّق باللغة الفطرية التي تكلّم عنها العلامة حكيمي وأنها أفضل لغة يمكن أن تكتب بها الفلسفة، فيمكن أن نلاحظ عليه بأن اللغة الفطرية – ورغم أنه لم يبيّن لنا بشكل مفصّل ما هي – هي بحدّ ذاتها مما يحتاج إلى بيان وتفسير، وخير شاهد على ذلك حاجة القرآن – وهو الكتاب المعجز – إلى التفسير والتبيين، سواء كان ذلك على يد النبي الأكرم والأئمة المعصومين (صلى الله عليهم أجمعين) أو كان على يد غيرهم من المفسّرين الذين اشتغلوا في التفسير، كل ذلك بسبب طول الفاصلة الزمانية التي فصلتنا عن نزول القرآن، وتشابه بعض الألفاظ والعبارات في لغة العرف ولغة القرآن، وتغيير كثير من المعاني والمفاهيم الشرعية عن المعاني التي كان العرب يستخدمونها حين نزول القرآن، وهذا بمجمله شكّل حاجةً ماسّةً لقيام علم التفسير.

والأمر في الفلسفة على هذا المنوال أيضًا؛ فليس كل ما ينطق به الفيلسوف نطق به العرف، بل إن كثيرًا من المعاني الفلسفية لم تخطر على ذهن أحد من عوام العرب وواضعي لغتهم، فضلًا عن الدقّة الفلسفية المتناهية وعدم سماحها للمجاز والكناية والتصنّع اللغوي من الدخول إلى تعابيرها، وهو ما شيّد – بعد تراكم الخبرات والجهود – نظامًا لغويًا فلسفيًا على ما نراه اليوم.

ويبدو لي أن ما ذكره حكيمي هنا أشبه بما دعى إليه فلاسفة التحليل الغربيين – كرسل وفتجنشتين – في خطواتهم الأولى ثم عدلوا عنه بعد أن رأوا عدم جدوى ذلك.

من الآثار العلمية للعلامة حكيمي:

  1. الحياة، بالاشتراك مع أخويه محمد وعلي، (كتبه باللغة الغربية ثم تُرجم إلى الفارسية)
  2. الإلهيات البشرية والإلهيات الإلهية (في مجلدَين المدخل والنظريات)
  3. مدرسة التفكيك
  4. من دون فقر
  5. شمس المغرب
  6. الشيخ آقا بزرگ الطهراني
  7. معارف المسلمين
  8. الاجتهاد والتقليد في الفلسفة
  9. الرسالة الخالدة
  10. المعاد الجسماني في الحكمة المتعالية (في نقد المعاد الجسماني عند الحكمة المتعالية)
  11. مكانة العقل
  12. الخُبز والكتاب

وله كتب ومقالات أخرى.

وتُرجم له إلى العربية: العدل أساسًا ومقصدًا، الاجتهاد التحقيقي، المدرسة التفكيكية.

 

 

Source URL: https://maarefhekmiya.org/14959/intellectualworks11/