نظرية المعرفة عند ديكارت (عرضًا ونقدًا)

نظرية المعرفة عند ديكارت (عرضًا ونقدًا)

الفصل الأول: من هو ديكارت؟

“يعتبر رينيه ديكارت René Descartes (1596-1650) عادة مؤسس الفلسفة الحديثة، وبحق،كما أظن. فهو أول رجل ذي قدرة فلسفية عالية تأثرت نظرته بعمق الفيزياء والفلك الجديدين. ولئن صح أنه يحتفظ بالكثير من النزعة المدرسية، فهو مع ذلك لم يتقبل الأسس التي أرساها أسلافه، وإنما حاول أن يشيد صرحًا فلسفيًّا من جديد de novo. ولم يحدث هذا منذ “أرسطو”، وهو علامة على ثقة بالنفس جديدة، نجمت عن تقدم العلم، وفي مؤلفاته عذوبة لا نجدها عند أي فيلسوف سابق بارز منذ أفلاطون. وكل الفلاسفة الذين جاءوا بينهما كانوا معلمين، مع التفوق الاحترافي الذي ينتمي إلى تلك المهنة” (1).

إذًا هل أطلق على ديكارت “أبو الفلسفة الحديثة” جزافًا؟ حتمًا لا، إنه منعطف في خارطة التفكير الفلسفي، ولد من رحم النهضة ليعيد للعقل مجده في عصرٍ أطاحت صيحات الشك الإيمان أرضًا. ويعود ذلك لثلاث أسباب رئيسية:

السبب الأول: لأنه كان من أوائل من رفض التراث المدرسي والتفكير الأرسطي بوجه خاص.

السبب الثاني: كان المؤسس الحديث للإثنينية بين العقل والجسد، المادة والمجرد (Mind-body Dualism).

السبب الثالث: أرسى قواعد علم جديد قوامه الملاحظة والتجربة.

وهل وقف -كفرد كاثوليكي- على تعاليم الكنيسة فحسب؟ كلا، بشكه المنهجي أزاح الستار عن كل معتقداته وجعلها تحت مجهر النقد والتمحيص وصولًا إلى عبارته الشهيرة “أنا أفكر، إذًا أنا موجود” (Cogito,ergo sum).

والخلاصة، إن ميتافيزيقا ديكارت عقلانية بامتياز، تعطي للأفكار القبلية أولوية على الحواس. أما فيزياء وطب ديكارت قائمة على الحس والتجربة وهذا يوحي بالتناقض للوهلة الأولى؛ إلا أنه كان يعد التجربة نافعة للحياة العملية لا غير، لذلك جردها عن أي دور في استكشاف الحقيقة.

فما هو منهج ديكارت؟

هل نجحت مهمة تأمّلاته لتخرجه من ظلام الشك إلى نور اليقين؟

الفصل الثاني: المنهج

إذا كان ديكارت مثل بيكون، جاء على أعتاب زوال الفلسفة المدرسية واضمحلال الأفكار الأرسطية، هل سيبقى مكتّف الأيدي أمام تراث القرون الوسطى؟ كلا، سيحاول ديكارت أن يعطي البديل. فإذا خرج “المنطق الجديد” لفرنسيس بيكون إلى العلن عام 1620، فإن “مقالة الطريقة” ستشرق في عالم الفلسفة عام1637.

ركّز ديكارت على أهمية المنهج، فمن الضروري عنده أن تكون هناك طريقة ومنهج للبحث. وهذا ما صرح به: “خير للباحث أن يترك البحث من أن يسير بغير منهج”.

قد تشعر أن الأفكار هذه بديهية، لكن في ذلك العصر.. لم تكن البتة. “الأوهام الأربعة” التى أراد بيكون محوها من التفكير العلمي آنذاك خير دليل على سوء الوضع المعرفي في تلك الحقبة. يقول ديكارت: “إن الدراسات التي تسير من غير ترتيب ولا نظام، تحجب أنوار الفطرة وتطمس عيون الذهن، ومن اعتاد أن يسير هكذا في الظلام ضعف بصره ضعفًا يصعب عليه بعده أن يتحمل نور العلم الساطع” (2).

إذًا لا يخفى على الباحث السياق التاريخي المعتم الذي منه ولدت هذه القواعد المنهجية الذي أراد كل من بيكون وديكارت إرسائها على شاطئ المعرفة واليقين.

وقبل التعرض للقواعد الأربعة، لا بدّ من الإشارة إلى ما ينبغي للعقل فعله للحصول على النتائج البديهية؛ الحدس والاستنباط (3).

  1. الحدس: هو الإدراك العقلي المباشر للأشياء البديهية (الرؤية العقلية)، وهو عدة أنواع من الإدراك:

أ. إدراك الطبائع البسيطة كالحركة والامتداد.

ب. إدراك الحقائق التي لا تقبل الشك:كإدراك الإنسان لوجوده وتفكيره. (وهذا ما فعله ديكارت في التأملات منتجًا الكوجيتو).

ج. إدراك العلاقات التي تربط الحقائق عن طريق العقل، مثل الشيئان المساويان لشيء واحد متساويان (4).

  1. الاستنباط: وهو حركة فكرية متصلة تدرك الأشياء بالتعاقب، أو هو فعل ذهني نستخلص به من شيء ذهني نعرفه؛ نتائج تلزم عن ذلك الشيء. قد يقول البعض وهل هذا شيء مغاير للقياس بالمنطق الأرسطي؟ نعم. القياس عبارة عن قواعد تنطبق بشكل آلي، وينتج عنها نتائج قد لا تكون يقينية، وبعبارة أخرى، إنه منطق صوري؛ يهتم بالصورة دون القضية نفسها. أما الاستنباط فيتم عن طريق معارف ذهنية بديهية وينتج عنها حقائق يقينية.

وما علاقة الحدس بالاستنباط؟ ما الاستنباط إلا سلسلة من الحدوس المتتابعة.

يسميها ديكارت بالنور الطبيعي Natural Light، أو الفطرة العقلية توصلك إلى المعرفة الحقة.

وتتضح أهمية هذين الفعلين بأنهما أساس القواعد العقلية.

كتب ديكارت أولًا ما يقرب من إحدى وعشرين قاعدة لكنه رأى لاحقًا أن يختصرها وقال: “إن الذي صرف الناس عن المنطق القديم هو كثرة قواعده وقياساته”.

ولذلك اختصرها وجعلها أربع قواعد هامة (5).

القاعدة الأولى: قاعدة البداهة

لقد اهتم ديكارت بالأشياء البديهية، وهذا أمر متوقع عند كل رياضي بارع. فأراد أن يقوم الفكر على أساس من البديهيات كالرياضيات التي لا يشكك بنتائجها أحد. يقول: “ألا أتلقى على الإطلاق شيئًا على أنه حق ما لم أتبيّن بالبداهة أنه كذلك”، “أن لا أدخل في أحكامي إلا ما يمتثل لعقلي في وضوح وتميز، ولا يكون لدي معهما أي مجال لوضعه موضع الشك”.

ولماذا يصر ديكارت على هذه القاعدة كثيرًا؟ لقرون خلت،كان التراث اليوناني الهائل هو المسيطر على العقل الأوروبي. وشعر عندها بضرورة زلزلة هذا الاعتقاد السائد عند الناس لأنه غير جائز في ميدان العلم. ولا يخفي التاريخ أسماء من تم حرقهم وسجنهم وإعدامهم لأنهم خالفوا رأيًا لأرسطو أو بطليموس!

إذًا فالحجر الأساس في البناء المعرفي هو اليقين فقط.

القاعدة الثانية: قاعدة التحليل

وذلك بأن “أقسم كل واحدة من المعضلات التي أبحثها إلى عدد من الأجزاء الممكنة واللازمة لحلها على أحسن وجه”، وهذا ليس بالأمر الغريب من عقل رياضي. يتم أخذ مشكلة ما كالثورة مثلًا وأجزئها إلى مفهوم البطالة والفقر والفساد وغيرها من القضايا البسيطة، ويتم معالجة كل واحدة على حدة فيغدو المفهوم الأول بديهيًّا بالتبع.

فنحن نريد تجزئة المعارف إلى عدد من الأجزاء الممكنة الأبسط منها فيتضح سبب تسمية القاعدة بالتحليل.

ولكن كيف يتم معرفة الأشياء البسيطة؟ يعرف لنا ديكارت البسيط بأنه الجزئي الذي وصل لدرجة من الوضوح والبساطة بحيث لا ينقسم أو لا يعرف. وهي على ثلاثة أنواع:

  1. النوع الأول: الأفعال الذهنية المحضة: مثل: الشك، المعرفة، الجهل.
  2. النوع الثاني: الأمور المادية: مثل الشكل، الامتداد، الحركة.
  3. النوع الثالث: المعاني الشائعة المشهورة: مثل الوجود، الديمومة، الوحدة.

القاعدة الثالثة: قاعدة التركيب

هل يكفي أن نفكّك القضايا المعقدة إلى أجزاء بسيطة فحسب؟ حتمًا لا، فإنها عملية أولية للبناء المعرفي، يتبعها تركيب وتدرج في الصعود شيئًا فشيئًا للوصول إلى الكليات التي يتم البحث عنها.

“إذًا معيار البداهة والوضوح هو معيار اليقين عند ديكارت، في التحليل ننتقل من المعقد إلى البسيط أو من الكلّي إلى الجزئي، في التركيب بالعكس..” (6).

وبهذا ممكن أن نشبّه منهج ديكارت كالهرم المعرفي ينطلق من أبده البديهيات ليصل إلى أعقد المعضلات.

القاعدة الرابعة: قاعدة الإحصاء

وهي آخر قاعدة تشبه بدورها دور المحقق، المدقق، الفاحص لجميع ما تم تخزينه مسبقًا؛ حيث تتم عملية استقراء شاملة للقضايا لتصفحها والتأكد من بداهتها. يقول ديكارت: “يجب أن نقوم في جميع الأحوال بإحصاءات تامّة ومراجعات عامّة تجعلنا على ثقة من أننا لم نغفل شيئًا”.

وبهذا تتضح القواعد الأربعة التي أراد ديكارت أن تكون للعلم مرشدة وللفكر منظمة.

الفصل الثالث: الشك المنهجي Methodological Doubt

إذا قلنا عن فيلسوف إنه “مشكّك” يتبادر إلى الذهن معنيان:

المعنى الأول: هو أن هذا الفيلسوف يقوم بالشك لأجل الشك؛ فالشك وسيلة وغاية. وهذا يطلق عليه “الشك المذهبي”. هو شك مطلق، غايته التشكيك بقدرة العقل على الوصول للحقيقة. وأبرز نموذج السفسطائيون والمشكّكون القدامى من قبيل بيرون ( Skepticism). وذكر بعض الشعراء موقفهم بأبياته:

كل ما في الكون وهم وخيال  وعكوس في المرايا أو ظلال

بالإضافة إلى لزومية أبو العلاء: وقال أناس ما لأمر حقيقة.

المعنى الثاني: هو الشك المنهجي، الذي يستخدم الشك للوصول إلى يقين.

وهنا يطرح سؤال هل ديكارت يسلك المنهج الأول؟ حتمًا لا، فقد ظن بعض الباحثين أن ديكارت أراد التشكيك بكل شيء لزعزعة الإيمان عند الناس لا غير. على أنه يشير إلى أن شكه لأجل غاية أسمى.. الشك لأجل الوصول إلى اليقين. وهذا هو “الشك المنهجي” المقصود هنا.

لماذا الشك هذا؟ لأن ديكارت كان أمام تركة ورثها عن القدماء، تركة يونانية غدت ثوبًا للاهوت الكنسي.

يقول ديكارت: “درجت على أن أقرأ وأطلع على آراء تتصور إنها تمتلك الحقيقة وصائبة لكني أراها باطلة”. ويذكرنا هذا بأوهام المسرح عند بيكون.

ثم يذكر ديكارت مثالًا وهو: لو كان عندي سلة من التفاح وفيها الصحيح والفاسد، ماذا تفعل لتستخرج التفاحات الصحيحة؟ لا بدّ أن ألقي ما في السلة على الأرض ثم أنقي وأعزل الصحيح عن الفاسد… فما هي سلة ديكارت؟ الفلسفة المدرسية والأفكار اللاهوتية.

وهنا يكمن جوهر دافع الشك في منهجية ديكارت، عندما يصل للحقيقة واليقين فلا حاجة للشك عندها.

أين يستعرض ديكارت شكه؟

هي ستة تأملات قضاها لوحده.. ستة أيام على التوالي كما يخبرنا؛ يريد الخروج من الذات، من التفكير إلى العالم الخارجي.

التأمل الأول: الشك

يصل ديكارت إلى الشك في جميع الأشياء، من الحواس الخادعة إلى العقل نفسه الذي لا ضامن لاستدلالاته. وتاريخ العلم شاهد على هذا. أما ذروة الشك، الشك الراديكالي، هو الشك في العالم الخارجي نفسه، فالاحتمال وارد أنني الآن في حلم، في وهم. لماذا لا يكون ما أراه في حال اليقظة كالذي أراه في حال النوم؟ لا بل يحتمل افتراض وجود شيطان ماكر قوته شبه إلهية؛ يخدعنا فيصور لي الحق باطلًا والباطل حقًّا.

في التأمّل الثاني: أنا أفكر إذن أنا موجود

يتم عرض أول قضية بديهية ستكون الحجر الأساس في الهرم المعرفي عند ديكارت. وهي العبارة الشهيرة، الكوجيتو الديكارتي: “أنا أفكر إذن أنا موجود”.

يقول ديكارت: فلو أنني شككت في كل شيء لا أستطيع أن أشك في أنني أفكر، أنا الآن وأنا أشك بمعنى إنني أفكر، الشك تفكير ولا يمكنني أن أكون مفكّرًا دون أن أكون موجودًا، فمن هنا كان المبدأ الرئيسي: “أنا أفكر إذن أنا موجود”.

وهنا سر فلسفة ديكارت: انطلاق من قضايا واضحة وبسيطة.

والقضية هنا، إثبات وجودي كذات مفكرة. والآن أنتقل خطوة خطوة إلى إثبات وجود الله تعالى ثم لإثبات وجود العالم. وهذه خلاصة مسيرة التأملات.

التأمّل الثالث: الله موجود

بعد تقسيم ديكارت للأفكار، يخصّص الأفكار الفطرية في الذهن. من هذه الأفكار، فكرة الله أو الموجود الكامل. ومن أين أتت هذه الفكرة؟ نفس كون الشخص شاك بعدة أمور يدل على كونه ناقص، والنقص لا يعرف إلا في مقابل الكمال. فالكمال فكرة فطرية لا أستطيع أنا -الناقص-أن أولدها فلا بدّ أن يكون الله هو الذي طبعها في نفوسنا لأن الناقص لا يعرف إلا الناقص.

اعتبر البعض أن هذا نفسه الدليل الوجودي أو الأنطولوجي.

والخلاصة عند ديكارت هنا، أن فكرة الله فطرية.

وفي التأملات الباقية يحاول ديكارت الخروج من الذات وإعادة اليقين للعالم الحسي الخارجي.

الفصل الرابع: ملاحظات على نظرية ديكارت

إن تأملات ديكارت أخذت حيّزًا من الجدل الفلسفي، ولا يزال الباحثون يقلبون معانيها كلمة كلمة. ولم تخل نظرية المعرفة عند ديكارت برمتها من مداخلات وإشكاليات وجهها الحسيون من جهة (على رأسهم جون لوك)، وعقليون نفسهم من جهة أخرى. من أول من أشار إلى مشكلات أثارها ديكارت ولم يتم حلها: إليزابيث أميرة بوهيميا (1610-1680) في المراسلات بينها وبين ديكارت. وتوصلنا تلك المراسلات لأبرز الإشكاليات التي وجهت للمدرسة العقلانية.. ألا وهي ثنائية الجسد والعقل/النفس، المادة والمجرد.

  1. كيف يتم تفسير علاقة النفس بالجسد؟ (Res extensa-res cogito )
  2. إذا أمكن تعميم الحس لشتى ميادين التصور، فما الحاجة عندها للتصورات الفطرية؟

“وهذا الطريق الذي اتخذه (جون لوك) للرد على (ديكارت) ونحو من العقليين، وسار عليه رجال المبدأ الحسي مثل (باركلي) و(دافيد هيوم) بعد ذلك” (7).

 

  1. إن الأسلوب الفلسفي قد يقتضي الرد على كل من يدعي بوجود تصورات فطرية. إذا سلمنا ببساطة النفس وهو واضح، يتضح أن الأفكار أو الإدراكات المتكثرة لا يمكن صدورها من هذه النفس مع وحدتها وبساطتها.

إذًا أليس من الأجدر القول: إن هذه الأفكار نتيجة عوامل خارجية، وهي أدوات الحس؟

وقد يدل على هذا الوجدان نفسه؛ إذا تخيلنا إنسانًا وجد على أرض لوحده، قبل التعرض لأي اتصال خارجي، أليس من الأقرب أن يكون عديم الأفكار؟

  1. إذا أخذنا تفسير المدرسة العقلية (بما فيها ديكارت) أنها تفسر الأفكار الفطرية/القبلية بنحو الموجود بالقوة؛ أي أنها تكتسب صفة الفعلية بتطور النفس وتكاملها الذهني، قد يقول (جون لوك) مثلًا: ما قيمة الأفكار إن لم تكن موجودة بالفعل، أليس كون الشخص ذات مفكرة يقتضي كون الذهن دائم التفكير؟ هل يوجد فكرة أو معقولات لا يتم تعقلها ولو لمدة ما؟ ألا يفضي هذا إلى تناقض؟
  2. إذا اقتربنا من ديكارت أكثر، يتم بروز عدة مشاكل وهي أبرزها: الكوجيتو. هل الكوجيتو الديكارتي يحتوي على استدلال منطقي؟ وهل الاستدلالات المنطقية غير معرضة “للشيطان المخادع”؟ وقد لا يرد هذا الإشكال: إذا فسرنا “أنا أفكر إذن أنا موجود” أنها لا تحتوي على استدلال مبطن من قبيل: أنا أفكر، وكل مفكر موجود، إذًا أنا موجود. وقلنا بأن “إذن” وجودها تسامحًا؛ أي أنّ القضيتان من قبيل البدل نحويًّا. ( أنا أفكر= أنا موجود).

أما السؤال الثاني، إذا لم يثبت وجود ديكارت لنفسه فكيف قام باستعمال الضمير أولًا وقال “أنا”؟ فمجرد قول ديكارت “أنا أفكر” يفيد بأن الوجود سابق على حالات الموجود (مثل التفكير هنا).

وإذا تم الشك بكل شيء حتى بقانون التناقض مثلًا، فيمكن أن يكون ديكارت يفكر ولا يفكر. ما يشير إلى أنه ثمة قضايا ما زالت متيقن بها عند ديكارت قبل الكوجيتو وإن لم يصرح بها.

  1. إن إثبات ديكارت لوجود الله ورد عليه إشكالات شتى أبرزها: أنه لا ملازمة بين الوجود الذهني والوجود الخارجي؛ ليس كل ما يتصوره المرء يلزم وجوده مهما كانت درجة كمال الصورة وإطلاقها، فالصورة تبقى صورة لن ترقى إلى مستوى الوجود الخارجي.
  2. إن الملحد قد لا يوافق ديكارت على فكرة “الله لا يخدعنا”،كأن ديكارت مزج بالإيمان المسيحي والمنهج الفلسفي هنا. وإن ثبت بالنسبة لك وجود الله بتلك الطريقة، لا يلزم اشتراك جميع البشر بتصورهم عن الألوهية.

ويلحظ أن ديكارت خلط بين المعرفة التأملية والمعرفة العملية. فإنّ قضية “الخداع مستحيل” هي ترجمة أخرى لقضية “الخداع قبيح”، وهي قضية من ثمار العقل العملي (التحسين والتقبيح العقليين)، فكيف يرقى الشك لكل شيء حتى الوجود وتسلم هذه القضايا العملية؟

وقد ذكر البعض مقاربة الشك الديكارتي بالشك عند الغزالي، ما يفتح نقاش “الأصالة”، “الترجمة”.. وغيرها من القضايا التي لا يسمح إيجاز البحث لعرضها.

وكثيرة هي الإشكالات والردود ولا يزال البحث الفلسفي يغوص عمقًا في أفكار “أبو الفلسفة الحديثة”، مع كل ما قيل وما سيقال، إنها فلسفة لجديرة بالاهتمام والتمحيص.

 

المصادر:

(1) رينيه ديكارت، التأملات في الفلسفة الأولى، ترجمة وتعليق: عثمان أمين، تصدير: مصطفى لبيب، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2009.

(2) برتراند راسل، تاريخ الفلسفة الغربية، ترجمة: محمد فتحي الشنيطي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجزء3، الصفحة 104.

(3) رينيه ديكارت، مقالة الطريقة، ترجمة: د. جميل صليبا، بيروت، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع، الطبعة 2، 1970.

(4) إبراهيم العاتي، محاضرات في المذاهب الفلسفية، دار الرافد، الطبعة 2، الصفحة 132.

(5) مقالة الطريقة، مصدر سابق، الصفحة 120.

(6) محاضرات في المذاهب الفلسفية، مصدر سابق.

(7) محمد باقر الصدر، فلسفتنا، بيروت، دار التعارف، الطبعة 4، الصفحة 103.

 

 

 

 


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
ديكارتنظرية المعرفة

المقالات المرتبطة

نظرية الفيض بين الفلسفة والدين

تمثّل نظرية الفيض واحدة من النظريات الأساسية في الفلسفة عمومًا، والفلسفة الإسلامية خصوصًا؛ ولذا فهي تستحق الوقوف عندها والتأمّل فيها

الموت كتجلٍّ للمقدّس: الموت وماهيته وعلاقته بالوجود الإنسانيّ

الموت ليس عبارة عن حادث جوهريّ، ينتهي من خلاله الإنسان، إنّما هو أمر عرضيّ، يصيب هذا الكائن، ويكون مقدّمة لولادة جديدة، إما أن توصل الإنسان إلى ذروة القداسة، أو تدفعه إلى أسفل السافلين

عسكرة الثقافة واستعمارها

صراع الهوية بين الداخل والخارج، صراع يفقد الإنسان مقوماته الإنسانية، ويضعه أمام خيارات أحلاها مر، فالمواجهة هنا ليست من صنو

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<