مصطلحات عرفانية | الجزء 24

by الشيخ حسن بدران | سبتمبر 20, 2022 11:54 ص

حكمة

– الحكمة هي العلم بحقائق الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر ونظم الوجود نظمًا محكمًا متقنًا. وإن سئلت الحق فالحكمة هي الوجود؛ لأن أتم قسمي العلم من الحصولي والحضوري هو الحضوري، وأعلى نحويه الآخرين من الفعلي والانفعالي هو الفعلي، وقد تقرر في موضعه أنه تعالى فاعل بالعناية، وأن النظام الكياني طبق للنظام الرباني. (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 86).

ذا الحكمة والبيان: أبان حكمته وأظهرها؛ فإن الوجود على الإطلاق إعراب عما في الضمير، فهو كاشف عن كونه تعالى في مرتبة ذاته حكيمًا عالمًا بالأشياء على ما هي عليه، لا كالحكيم ذي الوجدان منا، الذي لا بيان له فإنا نثبت له من الكمالات التي في عالمنا ما هو الأشرف الأكمل. قال صاحب الإشراق الشيخ المقتول شهاب الدين السهروردي (قدس): والمراتب؛ أي مراتب الحكمة والحكماء كثيرة وهم على طبقات وهي هذه: حكيم إلهي متوغل في التأله عديم البحث، حكيم بحاث عديم التأله، حكيم إلهي متوغل في التأله والبحث، حكيم إلهي متوغل في التأله متوسط في البحث، أو ضعيفه، حكيم متوغل في البحث متوسط في التأله، أو ضعيفه، طالب للتأله والبحث، طالب للتأله فحسب، طالب للبحث فحسب. فإن اتفق في الوقت متوغل في التأله والبحث فله الرئاسة، وهو خليفة الله تعالى. وإن لم يتفق، فالمتوغل في التأله المتوسط في البحث. وإن لم يتفق، فالحكيم المتوغل في التأله عديم البحث، وهو خليفة الله، ولا يخلو الأرض عن متوغل في التأله. ولا رئاسة في أرض الله للباحث المتوغل في البحث الذي لم يتوغل في التأله؛ فإن المتوغل في التأله لا يخلو العالم منه، وهو أحق من الباحث فحسب؛ إذ لا بد من التلقي للخلافة، ولست أعني بهذه الرئاسة التغلب، بل قد يكون الإمام المتأله مستوليًا ظاهرًا وقد يكون خفيًّا، وهو الذي سماه الكافة القطب، فله الرئاسة وإن كان في غاية الخمول، وإذا كان السياسة بيده كان الزمان نوريًّا، وإذا خلا الزمان عن تدبير إلهي كانت الظلمات غالبة. وأجود الطلبة طالب التأله والبحث، ثم طالب التأله، ثم طالب البحث. قال الشارح في وجه ضبط المراتب: هي عشرة على ما ذكره، وإنما انحصرت فيه؛ لأن الحكيم إما أن يكون متوغلًا في التأله والبحث، أي في الحكمة الذوقية والبحثية، أو في أحديهما فقط، أو لا يكون متوغلًا في شيء منهما. والأول قسم واحد، والثاني ستة أقسام؛ لأن التوغل في أحديهما إما أن يكون متوسطًا في الأخرى أو ضعيفًا فيها أو خاليًا عنها، والثالث وإن كان تسعة أقسام هي الحاصلة من ضرب الثلاثة التي هي التوسط والضعف والخلو في مثلها، لكن يسقط عنه قسم واحد هو الخالي عنهما؛ لمنافاته لمورد القسمة؛ لأنه لا يسمّى حكيمًا، ويرجع الثمانية الباقية باعتبار طلب التوغل إلى ثلاثة؛ لأن كلًّا منها إما أن يكون طالبًا للتوغل فيهما أو في أحدهما فقط، فالأقسام عشرة لا غير. انتهى. ووجه ضبط افتراق أهل العلم والمعرفة إلى المتكلم والحكيم المشائي والإشراقي والصوفي: إن المتصدين لمعرفة حقائق الأشياء إما أن يبحثوا بحيث يطابق الظاهر من الشريعة في الأغلب فيقال لهم المتكلمون. وإما أن لا يراعوا المطابقة ولا المخالفة فإما أن يقتصروا على المجاهدة والتصفية فيقال لهم الصوفية. وإما أن يكتفوا بمجرد النظر والبيان والدليل والبرهان فيقال لهم المشاؤن؛ فإن عقولهم في المشي الفكري، فإن النظر والفكر عبارة عن حركة من المطالب إلى المبادئ ومن المبادئ إلى المطالب. وإما أن يجمعوا بين الأمرين فيقال لهم الإشراقيون؛ فإنهم لتجافيهم عن عالم الغرور واجتنابهم عن قول الزور مستشرفون إلى عالم النور فيشملهم العناية الإلهية بإشراقات القلوب وشرح الصدور. (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 232).

– قال صدر المتألهين في مبحث الأعراض من الأسفار: واشتبه على بعض الناس فظن أن الحكمة العملية المذكورة ههنا هي بعينها ما هو قسيم الحكمة النظرية حيث يقال إن الحكمة إما نظرية وإما عملية، وذلك الظن فاسد كما أشرنا إليه، فإن هذه الحكمة العملية خلق نفساني يصدر منه الأفعال المتوسطة بين أفعال الجزبرة والغباوة، وأما إذا قالوا الحكمة منها ما هو نظري ومنها ما هو عملي لم يريدوا به الخلق؛ لأن ذلك ليس جزء من الفلسفة، بل التي هي إحدى الفلسفتين أرادوا بها معرفة الإنسان بالملكات الخلقية إنها كم هي وما هي وما الفاضل منها وما الردي منها، ومعرفة كيفية تحصيلها واكتسابها للنفس وإزالتها وإخراجها عن النفس، ومعرفة السياسات المدنية والمنزلية وبالجملة معرفة الأمور التي لنا مدخلية في إدخالها في الوجود وإخراجها عن الوجود بوجه، وهذه المعرفة ليست غريزية، بل متى حصلنا كانت حاصلة لنا من حيث هي معرفة، وإن لم نفعل فعلًا ولم نتخلق بخلق فلا يكون أفعال الحكمة العملية الأخرى موجودة لنا، وبالجملة إن الحكمة العملية قد يراد بها نفس الخلق، وقد يراد بها العلم بالخلق، وقد يراد بها الأفعال الصادرة عن الخلق، فالحكمة العملية التي جعلت قسيمة للحكمة العلمية النظرية هي العلم بالخلق مطلقًا وما يصدر منه وإفراطه أيضًا فضيلة، والحكمة العملية التي جعلت إحدى الفضايل كالشجاعة والعفة هي نفس الخلق المخصوص المباين لساير الأخلاق وإفراطه كتفريطه رذيلة فظهر الفرق بين البابين انتهى. أقول: ولكون الحكمة التي إحدى الفضائل الأربع من العمليات، وفيها قد اشتهر أن خير الأمور أوسطها، كان المتوسط فضيلة. ولكون الحكمة العملية التي هي قسيمة للنظرية من باب العلم، وفي العلم قال علي (ع): “الشيء يعز حيث يندر والعلم يعز حيث يعزز”، كان الإفراط فيها فضيلة. (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 298).

اختصام الملأ الأعلى: إن كلًّا من الأسماء الإلهية في الحضرة الواحدية يقتضي إظهار كماله الذاتي المستكن فيه وفي مسماه على الإطلاق؛ أي وإن حجبت اقتضاءات سائر الأسماء تحت ظهوره؛ فالجمال يقتضي ظهور الجمال المطلق، والحكم على الجلال واختفاءه فيه. والجلال يقتضي بطون الجمال تحت قهره. وكذا سائر الأسماء الإلهية. (مصباح الهداية، خميني، الصفحة 67).

– الحكم العدل: الحكم الإلهي يقتضي العدل بينهما [بين الجمال والجلال]، وظهور كل واحد حسب اقتضاء العدل؛ فتجلى الاسم “الله” الأعظم الحاكم المطلق على الأسماء كلها بإسمي الحكم العدل، فحكم بالعدل بينها. فعدل الأمر الإلهي وجرت سنة الله التي لا تبديل لها وتم الأمر وقضى وأمضى. (مصباح الهداية، خميني، الصفحة 67).

مظهر الحكم العدل: هو الذي يشاهد الكثرة بلا احتجاب عن الوحدة، ويرى الوحدة بلا غفلة عن الكثرة، يعطي كل ذي حق حقه.. الذي لا يتجاوز عن الحد، وليس بظلام للعبد، فحكم تارة بأن الكثرة متحققة؛ وتارة بأن الكثرة هي ظهور الوحدة.. المتحقق بالبرزخية الكبرى.. المرتقي بقاب قوسين أو أدنى. (مصباح الهداية، خميني، الصفحة 114).

– ليس معنى الحكمة في لسان أهل الله ما ذكره الشارح [القيصري، حيث قال: ومعنى الحكمة ما ذكر من أنها علم بحقائق الأشياء على ما هي عليه وعمل بمقتضاه]، وليست الحكمة الفائضة على الأنبياء عليهم السلام ما ذكرها، بل الحكمة عبارة عن معرفة الله وشؤونه الذاتية وتجلياته الأسمائية والأفعالية في الحضرة العلمية والعينية بالمشاهدة الحُضورية والعلم بكيفية المناكحات والمراودات والنتائج الإلهية في الحضرات الأسمائية والأعيانية بالعلم الحضوري، ويمكن أن يكون الحكمة هي العلم بكمال الجلاء والاستجلاء فإن كمال الجلاء ظهور الحق في المرآة الأتم وكمال الاستجلاء شهوده نفسه فيها فتدبر. (تعليقة على الفصوص، خميني، الصفحة 55).

حلول

– إن من شاهد الحق ظاهرًا في مظاهره، وما عرف كيفية ظهوره، وما حصل له الفرق بين الظاهر والمظهر، حكم بحلوله في مظاهره، وهو مذهب بعض النصارى، ومذهب بعض الصوفية، لأن النصارى ذهبوا إلى أن الحق حلّ في بدن عيسى عليه السلام، والصوفية ذهبوا إلى أنه حلّ في قلوب عباده. (الأسرار، آملي، الصفحة 217).

– “لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن”؛ لأن هذا حكم بإثبات الوحدة وارتفاع الثنوية والغيرية مطلقًا؛ لأن غيره لو كان موجودًا بالحقيقة، وكان قيامه به، فلا بد من حلوله فيه أو تباعده عنه، وكلاهما مستحيل؛ لأنه أقرب الأشياء، وقوامها بلا حلول في شيء أو تباعد عنه. فعرفنا أنه ليس لشيء وجود حقيقة، بل اعتبارًا وإضافة والوجود الحقيقي هو وجوده فقط، كما أشار تعالى إليه: ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾. فلا يقال لنفس الشيء إنه أقرب إليه أو أبعد منه، لأنه هو هو. وكل هذا إشارة إلى أن الوجود واحد، وليس له حلول في شيء، ولا خروج عن شيء، كما أشار تعالى هو بنفسه إليه: ﴿إنه بكل شيء محيط﴾. (الأسرار، آملي، الصفحة 310).

حمد

– الحمد هو الوجود المنبسط على هياكل الممكنات وقوابل المهيات في مقام الفعل والإظهار؛ مما به تجمله وبهاؤه بذاته لذاته – جل مجده -. (راجع: شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 185).

خير الحامدين: حقيقة الحمد إظهار كمال المحمود وشرح جماله وجلاله فحمده الذي استأثر لنفسه فيضه المقدس الذي في كل بحسبه فإنه شرح جماله وجلاله إن من شيء إلا يسبح بحمده، وإعراب عما في غيب غيوبه إنما كلامه سبحانه فعله وتعبير عن معنى مضمر في مكمن خفائه الكل عبارة وأنت المعنى يا من هو للقلوب مغناطيس، فالحامد إذا قال الحمد لله رب العالمين ينبغي أن يقصد هذا الحمد الذي حمد به نفسه فإنه بشر أشره له تعالى ويعجبنى كلام السيد المحقق الداماد (قدس) في القبسات أفضل مقامك في الحمد أن تجعل قسطك من حمدك لبارئك قصيًّا مرتبتك الممكنة من الاتصاف بكمالات الوجود كالعلم والحكمة والجود والعدل مثلًا فيكون جوهر ذاتك أجمل الحمد لبارئك الوهاب سبحانه فإنك إذن تنطق بلسانك الحال كل صفة من تلك الصفات إنها فيك ظل صفته سبحانه وصنع هبته ذاته جل لمطانه بحسب نفس ذاته في تلك الصفة على أقصى مراتب الكمالية، فقد ذكرنا في سدرة المنتهى وفي المعلقات على زبور آل محمد صلى الله عليه وآله أن الحمد في قوله تعالى كبرياؤه الحمد لله رب العالمين هو ذات كل موجود بما هو موجود، وهوية كل جوهر عقلي بحسب مرتبته في الوجود وقسطه من صفات الكمال، ولذلك كان عالم الأمر وهو عالم الجواهر المفارقة عالم الحمد وعالم التسبيح والتمجيد، ومنه في القرآن الحكيم له الملك وله الحمد انتهى. وكونه تعالى خير الحامدين بتقريب أن الحمد منوط بمعرفة كمال المحمود ولا يعلم كمال ذاته كما هو إلا هو فهو خير حامد ومحمود، كما هو خير شاهد ومشهود أنت كما أثنيت على نفسك. (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 132).

التحميد: هو مقام توحيد الأفعال، وهو الدرجة الظاهرة منه، وباطن فيه التوحيدان الآخران أي الصفتي والذاتي؛ فإن التحميد مقام إرجاع جميع المحامد والأثنية إلى الله تعالى، ونفي الاستحقاق عن غيره جل وعلا، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يكون جميع الأفعال الحسنة والأعمال الصالحة وقاطبة العطيات وجل المنحات منه؛ بأن يرى العبد المشاهد لهذا المقام أن العطيات والمنحات التي في صورة الكثرة التفصيلية ظهور العطية المطلقة التي هي المشيئة المطلقة التي هي وجه الله الفاني في ذي الوجه، فليس في الوجود جميل ولا فاعل جميل حتى يحمد على جماله أو فعله سوى الجميل المطلق. ويؤكده الحوقلة التي هي مقام نفي الحول والقوة عن غيره، وإثبات كونهما بالله الجميل ولو كان في صورة التفصيل. وباطن هذا التوحيد توحيد الصفات والذات عند أصحاب الرموز والإشارات. (مصباح الهداية، خميني، الصفحة 133).

– اعلم أن الحمد هو إظهار كمال المحمود وإعلان محامده فالقولي منه ظاهرة، وأما الفعلي والحالي فليسا كما ذكره الشارح الفاضل [القيصري] فإن الإتيان بالأعمال ابتغاء لوجه الله ليس حمدًا، بل الحمد الفعلي عبارة عن إظهار كمال المحمود بالعمل فالعبادات والخيرات باعتباراتها إظهار كماله والثناء على ذاته وأسمائه وصفاته حمد له تعالى إلا أنها مختلفة في باب الحمد والثناء فرب عبادة أنها ثناء الأسماء الجمالية والجلالية واللطفية أو القهرية فقد تكون ثناء الله بحسب مقامه الجامع واسمه الأعظم كالصلاة التي لها مقام الجامعية وفيها الثناءات الثلاثة، ولهذا اختصت بأنها عبادة ليلة المعراج الذي هو مقام القرب الأحمدي الأحدي المحمدي، واختصت بثناء الله تعالى نفسه بها كما ورد عن جبرائيل عليه السلام أنه قال رسول الله صلى عليه وآله إن ربك يصلي فعلى هذا يكون كل العبادات والخيرات باعتبار إظهار المحامد حمدًا بل كل الملكات الفاضلة باعتبار إظهار محامد الله حمدًا وقس على ذلك الحال من الحمد. (تعليقة على الفصوص، خميني، الصفحة 42).

– حمده في مرآته التفصيلية [هو ما نطق به في كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية][1][1] كما أن سمع وبصر العباد سمعه وبصره في المرآة التفصيلية. إلا أن القرآن له المقام الجمعي في ليلة القدر الجمعي الأحمدي وسائر الكتب الإلهية لها المقام التفريقي في الليالي التفريقية، وأما حمده ذاته في مقامه الجمعي الإلهي بحسب القول والفعل، بل والحال فواحد ذاتًا مختلف بحسب تكثير الأسماء والصفات، فالتجلي الأسمائي بالفيض المقدس قولي باعتبار شق أسماع الممكنات والأعيان، وفعلي باعتبار إظهار كماله وجماله وجلاله، وحالي باعتبار استهلاكه في حضرة الأسماء والصفات والذات، والتجلي بالفيض الأقدس قولي باعتبار شق أسماع الأسماء، وفعلي باعتبار إظهار ما في السر الأحدي من الأسماء الذاتية، وحالي وهو معلوم فهو تعالى حامد بلسان الذات ومحموده الذات وحامد بلسان الأسماء ومحموده الذات والأسماء وحامد بلسان الأعيان ومحموده هما مع الأعيان وكلها في الحضرة الجمعية والتفصيلية، بل كلها حامد ومحمود حتى أن الذات حامد الأسماء والأعيان كما لا يخفى على أولي الأبصار والقلوب. (تعليقة على الفصوص، خميني، الصفحة 43).

 

[1][2] قال القيصري: وأما حمده ذاته في مقامه الجمعي الإلهي قولًا فهو ما نطق به في كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية. وقال الإمام الخميني: أقول ليس ما ذكر حمده في مقامه الجمعي الإلهي بل هو حمده في مرآته التفصيلية.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [1]: #_ftnref1

اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/15322/irfan25/