مشاريع فكرية 18 | آية الله السيد يد الله يزدان پناه

by الشيخ الدكتور محمد الربيعي | سبتمبر 30, 2022 6:29 ص

المواليد: (1963 م) في مدينة مازندران الإيرانيّة.

الدراسة: بدأ دروسه الحوزية عام 1982م، فأتمّ المقدّمات، ثم التحق بالدرس الخارج فقهًا وأصولًا عند كبار أساتذة الحوزة في قم.

ويُعدّ آية الله السيد يزدان پناه من كبار أساتذة الحكمة والعرفان والتفسير في حوزة قم المقدّسة.

من أساتذته:

الشيخ جواد التبريزي

السيد أحمد المددي

العلامة حسن ‌زاده‌ آملي

العلامة جوادي ‌آملي

المناصب التي شغلها:

– عضوية المجمع العالي للحكمة الإسلامية

– إدارة فرع العرفان في المجمع العالي للحكمة الإسلامية

– إدارة فرع العرفان في مؤسسة الإمام الخميني

– عضوية الشورى العالية في الحوزة العلمية في قم

 لمحة عن مشروع السيد يزدان پناه

يمكن تقسيم مشروع السيد يزدان پناه إلى عدّة جوانب، أهمّها:

الجانب الأوّل: تدريس المتون العقلية والعرفانية العالية:

يتمتّع السيد يزدان پناه بقدرة فائقة على التحليل والتوضيح وهو ما أعطاه المكنة على مزاولة تدريس المتون العقلية والعرفانية العالية، ولعلّه لا نبالغ إذا قلنا إن درسه يعتبر الدرس الأوّل في حوزة قم من الناحية العلمية والرصانة التي تصبّ في نفع الطالب وإيضاح المطالب.

وقد درّس تمهيد القواعد، وشرح القيصري على فصوص الحكم، ومصباح الأنس، ومنازل السائرين، وكتاب النفس من الشفاء، والجزء الثامن من الأسفار (في النفس)، ورسالة الولاية للعلامة الطباطبائي، وبعض الرسائل الصغيرة للخواجة الطوسي وشيخ الإشراق.

ومن خصائصه التي يشهدها درسه أنه يحاول أن يشرح الفكرة من خلال الإرجاع إلى النصوص المتعلقة بالفكرة نفسها.

كما أن من خصائصه أنه يُسهب في تتبّع تاريخ العلم المنظور ورجالاته التي تركت أثرًا في تدوينه وتشكيل هيكلته، وهذا ما نراه واضحًا في مقدّمة شرحه على مصباح الهداية حيث تُعدّ كتابًا مستقلًا في تاريخ العرفاء.

ومن أهمّ دروسه القائمة اليوم درسه في خارج الحكمة على ضوء نهاية الحكمة، وهو بحث خارج في الفلسفة وفق ترتيب نهاية الحكمة، ولعله من الدروس القليلة الموسّعة في الفلسفة الإسلامية في عصرنا الراهن، وله آراء تجديدية كثيرة في الفلسفة والعرفان، سنشير لبعضها بعد قليل.

ومن الجدير ذكره أن السيد لم يكتفِ بتدريس الحكمة والعرفان فحسب، بل هو يدرّس ومنذ سنوات طوال تفسير الميزان، ويمكن اعتبار درسه بحثًا خارجًا في التفسير على ما اعتادت عليه الحوزة في الفقه والأصول.

الجانب الثاني: التنظير لتنزيل العرفان والفلسفة إلى مساحات عملية:

وهذا الجانب من أهمّ ما يمتاز به السيد يزدان پناه، وهو تأكيده وإصراره على إدخال الفلسفة والعرفان في مجالات عملية وتوظيفهما في ميادين اجتماعية أو ثقافية أو إنسانية، ومما يتعيّن ذكره هنا هو درسه المستمر تحت عنوان >العرفان في وادي العمل<، حيث يركّز كثيرًا على جوانب سلوكية وأخلاقية ومعنوية مستساغة ومتاحة للجميع بعيدًا عن التعقيد والتصعيب، مع مراعاة الدقّة والعمق.

من إبداعات السيد يزدان پناه

تقدّم أن للسيد يزدان پناه جملة من الآراء التجديدية في الفلسفة والعرفان والتفسير، وحصرها جميعًا وتفصيلها يحتاج إلى كتاب مستقل، ولكنّا نجمل بعضها على نحو الفهرسة، ونحيل التفصيل إلى مقدّمتنا على كتاب تأمّلات في فلسفة الفلسفة الإسلامية.

  1. إبداعه للتفصيل في مسألة الحيثيّات وإضافة أقسامٍ أخرى للحيثيّة التقييدية، وما يترتّب على هذه المسألة من فوائد عقائدية وعلمية، وللتفصيل يمكن الرجوع إلى كتاب الحيثية التقييدية في الحكمة المتعالية المطبوع في دار المعارف الحكمية في بيروت.
  2. القول بأن الوجود المقارن للموجودات هو الوجود المطلق لا الوجود العام خلافًا للرأي المشهور في العرفان.
  3. القول بإمكان معرفة الحقّ تعالى بوجه.

ويطلب تفصيل هذه المسائل من كتاب أصول العرفان النظري.

  1. تحليل شروط الاعتقاد المطابق للواقع وتبيين ماهيّته بشكل واضح.
  2. تبرير إدخال الشهود إلى الفلسفة وكيفية الإفادة منه.
  3. تحليل وظائف العقل وكيفية إدراكه في المواطن المختلفة كموطن الحسّ والخيال والقلب.
  4. إدخاله المشهودات القلبية في البديهيات الست.
  5. فذلكته لبرهانية الكشف القلبي.
  6. تبيينه كيفية الإفادة من الدين في البرهانيات الفلسفية.
  7. القول بالتشكيك في الماهيّة على تفصيل.

وتفصيل هذه المسائل يطلب من كتاب تأملات في فلسفة الفلسفة الإسلامية.

نظريّته في كيفية إنتاج العلوم الإنسانية الإسلامية

من أهم ما يمكن الإشارة إليه هنا هو رأيه القائل بضرورة أخذ العلوم الإنسانية المختلفة من الغرب – لأنهم تقدّموا كثيرًا في ذلك – والعمل على تهذيبها وتمحيصها وأسلمتها من خلال إعمال الفكر التخصّصي فيها وتطبيقها مع الإسلام والقرآن، ثم الإفادة منها في المجتمعات الإسلامية، وقد فصّل الكلام في هذا الموضوع في كتابه المكانة الفريدة لتفسير الميزان.

ويمكن تلخيص نظريته في النقاط التالية:

  1. جعل المتون الدقيقة والمعيارية محورًا للدرس في ذلك التخصّص.
  2. الطلب إلى الأساتذة الأكفّاء بذل الجدّ والجهد في مطالعة هذه المتون والتأمّل فيها.
  3. قيام الأساتذة بشرح هذه المتون أو كتابة تعليقة عليها تتعلق بالجوانب التالية: سير مباحث الكتاب، انضباط الكتاب، دراسة البيئة التي يخلقها الكتاب، دراسة مدى انسجام الكتاب؛ كل ذلك بدقة عالية.
  4. إبداء الملاحظات حيال مطالب الكتاب.
  5. العمل على أسلمة مطالب الكتاب.

وهكذا عندما يطالع الأساتذة والمحقّقون هذه التعليقات والملاحظات، ويقومون بإبداء ملاحظاتهم وتعليقاتهم عليها، سينشأ – بالتدريج – فكر مختص بهذه العلوم، وينمو رويدًا رويدًا، حتى يشتدّ ويقوم على سوقه، وتتوالد العلوم المختلفة، فانظر مثلًا إذا قام عشرة أساتذة متخصّصون بالعمل وفق الرؤية أعلاه، كم سيتراكم من المعلومات والملاحظات والمعطيات، وكم سيكون حجم التأملات التي سيتركونها، والنظريات التي سيطرحونها، والقواعد التي سيضعونها، والكتب التي سيؤلفونها، مما يمكن أن يتحوّل – في فترة وجيزة – إلى علوم متكاملة تأخذ مجراها ومكانتها في الأوساط العلمية التخصّصية.

فنحن حتى إذا أردنا أن نؤسس للعلوم بشكل مستقل فلا بد لنا من ملاحظة ما كتبه الغربيون في المجالات المعنية، وإلا فسوف لن يكون ما نكتبه وننتجه ذا وزن وثقل في المحافل العلمية كما هو واضح.

ولكي نحفظ الأصالة والخصوصية علينا أن نضع ضوابط صارمة ودقيقة لكي لا نقع في الانجرار وراء العلوم والمباني التي لا تمت إلى بيئتنا بصلة.

ومن الشروط اللازمة لمن يقوم على هذا العمل: أولًا الغنى الفكري الأصيل، ثانيًا القدرة على الاجتهاد والاستنباط؛ وذلك لئلا يقعوا في مشكلة التقليد والانجرار.

من الآثار العلمية السيد يزدان پناه:

  1. أصول ومباني العرفان النظري (أصول ومباني عرفان نظري)، وقد تُرجم إلى العربية وطبع في مركز الحضارة في بيروت.
  2. تأملات في فلسفة الفلسفة الإسلامية (تأملاتي در فلسفه فلسفه إسلامي)، وقد تُرجم إلى العربية وطُبع في دار المعارف الحكمية في بيروت.
  3. شرح مصباح الهداية (فروغ معرفت)، وقد تُرجم إلى العربية، وقيد الطباعة في دار المعارف الحكمية في بيروت.
  4. ماهية الثقافة وكيفية وجودها (چيستی ونحوه وجود فرهنگ، نگرشي نوين به فلسفه فرهنگ).
  5. أدب العبودية والعشق في الأسرار المعرفية والسلوكية والفردية والاجتماعية والحضارية للصلاة (آيين بندگی ودلدادگي).
  6. حكمة الإشراق (حكمت إشراق) وقد تُرجم إلى العربية، وقيد الطبع في انتشارات جامعة المصطفى العالمية.
  7. المكانة الفريدة لتفسير الميزان وضروريات التفسير في العصر الحاضر (منزلت بي مانند تفسير الميزان)

وله مقالات متعدّدة.

ملاحظات على مشروع السيد يزدان پناه

يمكن تسجيل بعض الملاحظات على فكر الأستاذ السيد يزدان پناه، ومن ذلك:

  1. رأيه في اقتباس المعارف الغربية وتهذيبها وفق الإسلام، فذلك وإن كان جيدًا من حيث المبدأ، ولكنّه – كما نزعم – سيُبقي الفكر الإسلامي يدور في فلك فضاءات ومنظومات فكرية لا تمتّ إلى الإسلام بصلة، فإن لكل منظومة فكرية أصولها وجذورها ومبانيها وغاياتها التي تنطلق منها، فإذا حاولنا الاقتباس من منظومة وإدخاله في منظومة أخرى حصل تشويشٌ واضطرابٌ وتخلخُلٌ في أركان المنظومة الثانية، إلا إذا كان الاشتغال عليها من قبل محققين كبار وأساتذة مهرة.
  2. مما يُعرف عن السيد يزدان پناه ميله الشديد إلى معطيات البحث العرفاني وتبنّيه للفكر العرفاني ودفاعه المستميت عنه، وهو ما يسبب – نوعًا ما – ابتعادًا عن بقية المدارس وعدم اهتمامٍ بمنجزاتها كثيرًا، وقد لمستُ ذلك شخصيًا في درسه أثناء شرحه على نفس الشفاء.
  3. ذكرنا أن من المعروف عن السيد يزدان پناه قوّته التحليلية وإمكانيته العالية في توجيه المطالب العلمية وتبريرها، وقد تبنّى في درسه العرفاني الرؤية العرفانية الموروثة عن القونوي ومدرسته، ما ترك أثرًا بالغًا في نشر رؤية هذه المدرسة بين طلابه، وكان هذا على حساب المدارس الأخرى، فانعكس سلبًا على ضمور تلك المدارس وإغفالها وازدراءها.
  4. ومن الأمور التي تُسجّل للسيد يزدان پناه اهتمامه بمطالعة الفكر الغربي وما يستجد عنه من أبحاث فكرية، لا سيما فيما يتعلق بفلسفة العلم في مختلف مناحيها التكنولوجية والفيزيائية والميافيزيقيّة.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/15371/intellectualworks17/