الزهراء سيّدة أهل المحشر

by مهدي عز الدين | ديسمبر 26, 2022 9:58 ص

سنقدم في هذه السلسة مجموعة من الرسائل القصيرة جدًّا، للحديث عن أهمّ مفصل من مفاصل أدبيّاتنا الإسلاميّة، معتقداتنا، أخلاقياتنا، رؤيتنا، والتي تتمثّل بالسّيدة الزهراء (ع).

 

ينبغي على كل فرد منا أن يستحضر في ذهنه، أنّ حياة السيدة الزهراء (ع) قد حفّت بأسرار خاصّة. بدءًا من ولادتها، حيث كان النّبي (ص) لمدّة ثلاث أيّام لا يأكل إلّا من ثمار الجنّة، حتّى مواقعته السيّدة خديجة، وإنجابهما السيدة الزهراء (ع). إلى طريقة حياتها، كيف كانت راحة قلب وروح النّبي (ص). وكيف كان وقعها في قلب أمير المؤمنين (ع)، الذي نعلم أنّ أكثر ما يفرح قلبه، ويدخل إليه عنصر السعادة، هو هذا البعد الروحيّ الذي يذكّره بالله ويرى فيه وجه الله سبحانه وتعالى. بالتّالي، كانت السيدة الزهراء (ع) تمثّل هذا الجانب من التجليّات الإلهيّة في حياة أمير المؤمنين (ع). وكيف كانت علاقتها بأبنائها، وعلاقتها بمجتمعها.

بالتالي، سوف نتحدّث حول دلالة أنّها حينما كانت تقف في محرابها، كانت تشعّ من ذلك المحراب الأنوار إلى سبع سماوات. فما الذي يعنيه أن تشعّ الأنوار إلى سبع سنوات أثناء صلاتها (ع)؟

ويجب بشكل جدّي، أن نضع أمامنا ثلاث مسائل حينما نتحدّث حول السيدة الزهراء (ع).

المسألة الأولى، قداستها الاستثنائيّة.

المسألة الثانية: ما هي المواصفات التي ينبغي أن تتوفر لبناء أسرة على غرار الأسرة التي أسستها السيدة الزهراء (ع)؟ فالسيدة الزهراء (ع) حولت بيتها إلى بيت نور وشهادة في آن معًا.

المسألة الثالثة: كيف نبني حياتنا في كثير من تفاصيلها اليومية على هدي قداسة السيدة الزهراء (ع)؟

 

سوف يكون الحديث هنا عن موقع السيدة الزهراء من نبوّة النبيّ محمّد (ص)، وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)؛ إذ السيدة الزهراء (ع) كانت الشاهدة على النبوّة المحمّديّة، أيّ هي الحجّة على كيفيّة رسوخ نبوّة النبيّ، وانتشارها بعد حياته. طبعًا في حياة النبيّ، كانت خير داعم لذلك، وكانت المعلّمة لكلّ من يريد أن يبتغي معرفة نبوّة النبيّ محمّد (ص)، سواءً بوسط النّساء، أو ما يمكن أن تعمّمه النّساء آنذاك في مجتمعاتهم، أُسرهم، وعلى أولادهم. وبعد ارتحال النبيّ (ص)، صار الكثير من الأخذ والردّ، أن ما الذي يبقي ذكر النبيّ وتعاليمه وقيمه مستمرّة في الحياة؟ حيث كانت السيدة الزهراء شاهدة على الطريق الصواب، على الولاية العلويّة، في استمرار ولاية النبي محمّد (ص)، هي شاهدة على ذلك في الدنيا، وستكون كذلك أيضًا في يوم القيامة.

إذًا، لها مثل هذه العلاقة بنبوّة النبيّ، فبيتها الملاصق لبيت النبيّ كانت تشتمّ فيه، بل تسمع فيه حفيف الملائكة التي كانت تتنزّل إلى ذاك البيت، كانت تشتمّ فيه رائحة جبرائيل (ع) حينما ينزل على النبيّ محمّد (ص). وكما يقول الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، بأنّ يكون جبرائيل مرئيًّا عند السيدة الزهراء، وفي روح السيدة الزهراء (ع)، هذا يكشف عن استثنائيّة روحيّة الزّهراء (ع)، واستثنائيّة نفسها.

إذًا، هي شاهد على كلّ ذلك، وفي مورد الولاية، هي شاهدة على كلّ خدشة أو ظلم، أو تعدّي على الولاية المستمرّة بعد نبيّنا محمّد (ص)، وإلى أين كان ينبغي أن تتجه، فسددت الخطوات، وأكّدت المسار بشهادتها، بحياتها، بموتها، وبكلماتها، (ع). لذا، فلنتعلّم كلّ ذلك من فاطمة الزّهراء (ع).

في اعتقادي، وفي ظنّي، وفيما أنا مطمئنٌ إليه، أنّنا يمكن أن نسمّي السيدة الزهراء (ع)، أمًّا لكلّ أمّهات الشهداء. اذهبوا وابحثوا عن موقع السيدة الزهراء (ع) عند أمّهات الشهداء، وكيف أنهم حينما سمعوا بشهادة أبنائهن، حبّ الزهراء قد ربط على قلوبهن، كيف صبروا وتوجّهوا إلى السيدة الزهراء، وكيف شعروا بأنّهم في هذه اللحظة، انتموا إلى كفالة السيدة الزهراء (ع). بل دعوني أقول، انتموا إلى فسطاط، خيمة، أو بيت السيدة الزهراء (ع).

هي هذا النّور، هي هذه الرحمة، هي هذا الربط على القلوب، الذي يمكن أن يدخل لكلّ بيتٍ فيه أمّ شهيد، هنيئًا لأمّ كلّ شهيد، أنّ أمّها الروحيّة، التي تكفلها في الدنيا، وعند الموت، وفي الآخرة، هي سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء (ع).

 

 

أودّ أن أتحدّث هنا حول ما هي الأصول والأسس التي ثبتتها السيدة الزهراء لموضوع الولاية؟ أنتم تعرفون أنّ نظام الإسلام قائمٌ على الولاية، ولاية الله عزّ وجلّ، ولاية أمير المؤمنين (ع) وذريّته المعصومة، فبالتالي البحث في مسألة الولاية ومرتكزات الولاية، تمثّلها في الواقع السيدة الزهراء (ع). لذلك مثل ما كانوا يعتبرونها أنّها هي المعلّمة، هي التي تهدينا، إمام بعد إمام، هذه الهداية الروحيّة الخاصّة، فكانوا يهتدون بالسيدة الزهراء (ع).

هناك ثلاث مرتكزات للانتماء إلى السيدة الزهراء (ع)، صاحبة بيان خطّ الولاية.

المرتكز الأول: هو موضوع الإخلاص والثّبات على ولاية الله ومحمّد (ص)، والعترة الطّاهرة من آل الرّسول (ع). فأن تكون منتميًا للسيدة الزهراء (ع) يعني أوّلًا أنت ثابتٌ على الولاية.

المرتكز الثّاني: هو أن تكون ثابتًا على الحقّ الذي عملت السيدة الزهراء (ع) على تثبيته، بالكلمة، بالموقف، بالبكاء، بالتّعاليم، بل حتّى بالشهادة، وحتّى ما بعد شهادتها، فقد كانت ترسّخ في طريقة دفنها فكرة الحقّ الذي يجب أن يُحفظ بكلّ مستوى وكلّ أسلوب.

المرتكز الثّالث: هو الشهادة. ما الذي يعنيه أن تثبّت الانتماء للسيدة الزهراء (ع) بالشهادة؟ هذا أمرٌ، كما موضوعات الحقّ، كما الولاية، يحتاج إلى إشارات في بيانها.

حينما نتحدّث حول السيدة الزهراء (ع)، هناك أمور يجب أن تدخل في حساباتنا، وهي أنّ السيدة الزهراء هي التي شكّلت الأصل في بناء الأسرة المسلمة النموذجيّة. أي إن كان هناك للأسرة المسلمة نموذج يُقتدى به، فهو بيت السيدة الزهراء (ع)، قبل أيّ بيت آخر. فالرعاية التي كانت من النبي (ص)، التعاليم والتّوجيهات التي كانت من النبي وأمير المؤمنين (ع)، كلّها كانت تنصبّ عند السيدة الزهراء (ع)، وتتبلور في صياغة السيدة الزهراء (ع) للأسرة المسلمة “الموالية والولائيّة”. مثلًا، الثقة، إعطاء الأبناء هذا المخزون من الثقة بالنفس، بحيث إنّ كلّ واحدٍ منهم يعرف قدر نفسه، ويعرف قدر الآخرين ويحترمهم، تقرّبًا إلى الله. علاقتهم بالسيدة الزهراء (ع)، بُنيت على أساس أخذ رضاها، وهذا النموذج من التربية، سواءً اتجاه الأب أو اتجاه الأمّ أو اتجاه الجدّ الذي هو رسول الله (ص)، المبنيّ على تحصيل رضا الآباء، هو أكثر شرطٍ موضوعيّ لبناء أسرة مسلمة موالية، تغني في حياتها كلّ نظام القيم والهداية الذي أراد الله أن يعطينا إيّاه في هذه الحياة الدّنيا.

إذًا، عامل زرع قيمة تحصيل رضا الأهل عند الأبناء، هو أمرٌ يشكّل الضمير الداخلي الحيّ للأبناء، حتّى يتربّوا كما يريده الله، وكما يريده رسول الله محمّد (ص). اذهبوا واقرأوا كيف كانت السيدة الزهراء تتعامل مع أبنائها لزرع مثل هذه القيم، واقتدوا بها، تهتدوا بإذن الله.

أودّ أن أتحدّث حول عبادة السيدة الزهراء (ع)، وفي هذه الرسالة سوف أذكر فقط بعض من الروايات في هذا الشأن، وأكتفي بها. عن أبو عبد الله (ع)، عن فاطمة (ع)، لِمَ سمّيت بالزهراء، قال: “لأنّها كانت إذا قامت في محرابها، زهر نورها لأهل السماء، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض”. هذا نموذج من نماذج صلاة وعبادة السيدة الزهراء (ع). أيضًا في رواية، قال رسول الله (ص): “إنّما سمّيت ابنتي فاطمة، لأن الله عزّ وجلّ فطمها، وفطم من أحبّها من النّار”. إذًا، عبادة السيدة الزهراء (ع)، هي بهذه القيمة المقدّسة، بحيث إنّ أهل السماء تزهر حياتهم ووجودهم بنور عبادة السيدة الزهراء (ع). والمعرفة، معرفة السيدة الزهراء (ع)، هو نحوٌ من العبادة التي نتّقي بها النّار، فاتّقوا الله بأن تقتدوا بفاطمة الزهراء (ع).

الأمور الغيبيّة تمثّل جزءًا أساسيًّا، وقوامًا أساسيًّا من شخصيّة السيدة الزهراء (ع). لكن، ليست هذه الأمور الغيبيّة وحدها التي تمثّل هويّة السيدة الزهراء وشخصيتها (ع). على كلّ مسلمٍ ومؤمنٍ وموالي، أن يعلم بأنّ أصل وجود الزهراء (ع) بيننا في هذه الحياة الدنيا، أصل حضورها في هذا الزمن الذي هو زمن الدهر، زمن الأيّام، منذ رسول الله (ص)، إلى قيام السّاعة، أنّ السيدة الزهراء (ع) تمثّل النموذج الذي يجب أن نبني كلّ مجتمعنا على وفقه. فالسيدة الزهراء (ع) بعلاقتها بالجار وكيف كانت تدعو لهم، بعلاقتها بأبيها وكيف كانت تتعامل معه، بعلاقتها بزوجها وكيف كانت تبني أواصر الحبّ الذي هو قبسٌ من حبّ الله لعباده، علاقتها بأبنائها وكيف كانت تربّيهم، علاقتها بالرسالة، ومضامين الرسالة الإسلاميّة، هذه العلاقة المبنيّة على كمال الإخلاص، كل ذلك هو من الأمور التي يجب أن نترجمها، في حياتنا الرساليّة، وفي حياتنا الأسريّة، من أجل أن نكون على درب الزهراء فاطمة، وعلى طريق فاطمة الزهراء (ع).

قد يسأل سائل، أنّه مثلًا ما المانع أن لا يكون اللباس الشرعي بالطريقة التي فيها ستر، وكمالٌ في الستر إذا أردنا أن ندقّق؟ وقد يسأل السائل أنّه ما المانع أن تأخذ المرأة أدوارًا، مثل أدوار الرجال تمامًا، ولا تختلف عن أدوار الرجال أبدًا؟ والعديد من هذه الإشكالات والأسئلة. في هذا الوضع الذي نحن فيه، فالنّاس دائمًا تركّز على أنّ “ما المانع؟”. أنا هنا لن أجيب عما هو المانع وما هو غير المانع، المباح والمتروك إلخ.. لكن أريد أن أؤكد على أمرٍ محدّد، إذا أردتَ أن تجيب على كلّ أسئلتكَ، وإن أردتِ أن تجيبي على كلّ أسئلتكِ، حول شخصيّة المرأة كيف ينبغي أن تكون؟ الله والنّبي، وهذا الدّين الحنيف، قدّموا لنا نموذجًا هو القدوة، هو الأصل في بناء شخصيّة أيّ امرأة، وهذا النّموذج هو فاطمة الزّهراء (ع). فتّشي عن نموذج السيدة الزهراء (ع)، وفق أيّ سترٍ كان؟ أيّ ثقافة كان؟ أيّ سلوكٍ كان؟ أيّ دورٍ كان؟ كيف كان دورها وسلوكها وسترها وعفّتها وبيانها وتحدّيها وجهادها؟ والتزمي ممّا قدّمته الزهراء لك من نموذج، حتى تجدي وحدك الأجوبة المناسبة على كلّ سؤال.

هل يجب علينا أن نصغي لكلّ ما قالته السيدة الزهراء (ع)؟ هل يجب علينا أن نهتدي بكلّ ما بينته السيدة الزهراء (ع) أم لا؟ بل هي شخصيّة من الشخصيّات التاريخيّة التي مرّت، وبالتّالي يمكن أن نلتزم بما قالته، ويمكن ألّا نلتزم. الشيء المؤكد الذي ينبغي أن تعرفوه قبل الإجابة، أنّ هناك عناصر من الاستثنائيّة بشخصيّة الزهراء (ع)، أعطاها إيّاها الله سبحانه وتعالى، هذا يجب أن يبقى في بالكم. ومن هذه العناصر الاستثنائيّة الشيء الذي سأذكره الآن. الوارد عن أبي جعفر (ع)، يقول: “ولقد كانت (ع) مفروضة الطّاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة”. لقد كانت مفروضة الطّاعة، يعني إذا أمرت، فبأمرها شيءٌ من الولاية التكوينيّة، فإن قالت لوحش الأرض، يعني حيوانات الأرض، بأمرٍ ما، فهذه ولايتها التكوينيّة مفروضة حتّى على هذه المخلوقات، مفروضة حتّى على مخلوقات غيبيّة، كالجنّ والملائكة، مفروضة على أشرف النّاس، لكن بأيّ معنى مفروضة على أشرف النّاس؟ بمعنى أنّهم كانوا يعملون لإرضاء السيدة الزهراء (ع)، لأنّه في رضاها رضًا لله. هؤلاء الذين أقول عنهم، استثنائيّين جدًّا، وإلى هذه الدّرجة يهتمّون بأمر السيدة الزهراء (ع)، هم الأنبياء كما أوردهم الحديث. يعني لو أنّ نبيًّا قالت له الزهراء أمرًا، لما تخلّف عن الأمر الذي أرادته الزهراء (ع)، إلى هذه الدرجة. من هنا، حينما تسأل هل يجب علينا أن نلتزم بما قالته وبما عملته السيدة الزهراء (ع)، فالجواب أصبح واضحًا، ولايتها سواءً منها التكوينيّة أو التشريعيّة، هي أمرٌ ملزم لكلّ إنسان، بل لكلّ موجودٍ حيّ.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/15554/sayedazahraa-5/