by إيمان شمس الدين | ديسمبر 26, 2022 12:28 م
تنتمي المواطنة للمساواة في الحقوق والواجبات وتطبيق القانون على الجميع دون تمييز، وتنبني على أساس الكفاءة في التصدي للوظائف، ولا تنمو وتزدهر إلا برفع سقف الحريات.
وكلها تتنفس بمبدأ العدالة الاجتماعية، الذي يحلق في جو صحي تدافعي وتنافسي، وبالتالي يوفر أرضيات نفسية فردية واجتماعية للتعايش والتسامح.
إلا أن الواقع يعكس حالة من عدم الرشد والنضج في تجربة المواطنة في العالم العربي والإسلامي، وعدم الرشد الاجتماعي هذا خلق حواجز كبيرة بين مختلف مكونات المجتمع، شكلت حواجز وسواتر نفسية تعيق سريان قيمتي التسامح والتعايش.
فلا يمكن للتسامح والتعايش أن يتحققا بعيدًا عن تحقق القيمة الغائية وهي العدالة، وإن تحقق التسامح والتعايش نسبيًّا فهو تحقق تحت عنوان الضرورة وليس كقيم ثابته. حيث تكون متواجدة كقيم نسبية تفرضها ضرورة الأمن والاستقرار الاجتماعي وليست كأصل، ولتحققها كأصل ثابت فلا بد من تحقق العدالة.
وتكمن أهمية تحقق العدالة أنها تحقق كرامة الإنسان، فحينما أدرك أنا كفرد حقيقة كرامتي وأهميتها ستتجلى في كل وجودي مسألة حقوقي الإنسانية، وإدراكي لها هو إدراك لقيمة الآخر وكرامته وحقه، وهكذا يتداعى هذا الفهم من الدائرة الفردية إلى الدائرة الاجتماعية.
ومجرد هذا التداعي للوعي، ستتجلى قيمتي التعايش والتسامح سلوكيًّا بشكل تلقائي غير متكلف، وثابت غير نسبي، بحيث تصبح تلقائية في المجتمع لإدراك منظومة القيم والحقوق والواجبات كجزء حقيقي من طبيعة الإنسان وليس اعتباري من حيث الوجود، ولكن من حيث التحقق كسلوك فهو نسبي.
وآليات تحقق العدالة تعتمد على أفق الفرد والمجتمع ومدى تطور تجربته السياسية والاجتماعية. وقد تكون الديمقراطية كنظرية سياسية من الآليات التي تحقق العدالة، ولكن بالالتفات إلى أن هناك عدالة عامة ثابته وأخرى نسبية تنتمي لمحيط محدود جغرافيًّا وثقافيًّا، فالعامة عالمية ثابتة لكل البشر، والخاصة نسبية متغيرة تختص بالمجتمعات والجغرافيا كل على حدة.
والديمقراطية اليوم مفهوم متطور وليس ثابتًا، وجغرافي وليس عالميًّا، وإن كان فيه أسس ومقوّمات ثابتة.
لكن يمكن لكل شعب وجغرافيا أن تكون له ديمقراطيته الخاصة، والتي من خلالها تتحقق العدالة بثوابتها العامة وبخصوصيتها أيضًا الخاصة بكل جغرافيا وشعب. وهذا لا يعني عدم الاستفادة من التجارب البشرية في الديمقراطية، بل يعني تطويرها وتبييئها.
ومن أهم الأسباب في تأخر الرشد الفردي والاجتماعي في فضاء المواطنة هو:
وهناك كثير من الأسباب التي لا يتسع الوقت للخوض في غمارها.
ومن وجهة نظري أن الاندماج الاجتماعي لا يتم إلا بتكريس قيم المواطنة والتسامح والتعايش، ولا يمكن لمنظومة القيم أن تنهض عمليًّا في المجتمع إلا بترشيد الوعي الفردي والاجتماعي، والنهوض بعملية التربية والتعليم، فبناء الإنسان بناءً صحيحًا سيكون كفيلًا بتحول الحواجز النفسية إلى جسور تواصلية، تبني مجتمعات متعاضدة ومتكاتفة، تتدافع وتتنافس للعيش بكرامة، وتسعى للنهوض بالعدالة الاجتماعية من خلال الدفع باتجاه مزيد من الحريات، ومزيد من المطالبات الإصلاحية في النظم السياسية، هذا الدفع سيكون بوابة لتحقيق العدالة التي هي جسر الإنسان في تكريس كرامته، وبالتالي حفظ حقوقه من الانتهاك، وتتجلى فيه قيمة الإنصاف والمساواة في داخل المجتمع.
وكون الدول تطغى عليها مجموعة المصالح المتشابكة مع دول أخرى خاصة الاستعمارية منها، فسيكون تحقيق هذا الرشد الاجتماعي أمرًا بعيد المنال، كونه يعيق وجودها وهيمنتها على الثروات، فلا بدّ من النهوض بالمجتمع المدني ليمارس دوره في هذا الرشد ويرفع منسوب الوعي، فيدفع باتجاه المزيد من المطالبات الإصلاحية، والمزيد من إزالة الحواجز النفسية داخل المجتمع وبين مكوناته، ويبني جسورًا تتعاضد فيها الطاقات والإمكانات البشرية لتشكّل كتلة متراصة في وجه السلطات المهيمنة، وتدفعها إلى العمل وإلى مزيد من الإصلاحات السياسية والنهوض بقيم المواطنة. ومن الطبيعي أن يحدث تصارع بين إرادة الشعوب وإرادة السلطات، على أن يكون صراعًا سلميًّا الغاية منه تحقيق تقدم في أداء السلطات وإدارتها للدولة، لتتحول من سلطة الفرد والعائلة، إلى سلطة المؤسسات والدستور والشعب كمصدر لكل هذه المؤسسات، وهو ما يعني تطوير قدرات الشعب على الرقابة والمحاسبة، وعلى المعايير التي يجب أن تتوفر في من سيمثله في تلك المؤسسات.
وهو عمل صعب لكنه ليس مستحيلًا فيما لو تظافرت جهود المخلصين للبدء بعملية الترشيد والنهوض بالوعي.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/15561/coexistence/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.