بعض الملامح السياسية للإمام الكاظم(ع)

by أحمد الخالصي | مارس 13, 2023 2:01 م

بعض الملامح السياسية للإمام الكاظم(ع)

الحديث عن بعض الجوانب السياسية من حياة الأئمة (ع) ونزولًا عند الفقهاء من كل المذاهب، لا بدّ أن يكون مختلطًا بالمفاهيم الفقهية والتعاليم الإسلامية، وهذه ضرورة يقتضيها كل فكر يمتلك مقوماته الذاتية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينظر له من خلال الإسقاطات الحديثة وبمختلف تمظهراتها، وهذا لا يعني أنه مغلق.

في مرحلة زمنية معينة، بل ينطوي القصد مما قلناه على عدم منطقية الطرح المتداول، من حصر المفاهيم السياسية بعصر التنوير وغيره، وكأنما التاريخ كان بلا مجتمعات وسلطة قبل ظهور الأيديولوجيات المعاصرة.

ترتبط الأدوار العامة التي قام بها الأئمة (ع) بما فيها الدور السياسي، بمسارين أو نظريتين كما ذهب في ذلك الشهيد محمد باقر الصدر، (عام) مرتبط بكونهم سلسلة واحدة تكميلية، وهنا تظهر المشتركات المرتبطة في ذلك، إذ نرى تشابهًا في هذه الأدوار، و(خاص) متعلق بشخصية المعصوم والفترة الزمنية التي تسنّم فيها الإمامة، وهنا تظهر فرادة كل إمام على حِدَة في القيام بهذه الأدوار.

ولد الإمام الكاظم (ع) في عام 128 للهجرة، أي تزامن مرحلي مع نهاية الحكم الأموي، ومن ثم عاصر من حكام بني العباس (السفاح، المنصور، المهدي، موسى الهادي وهارون)، ولا يعنينا الأول لأن الإمامة قد آلت بالنص إلى الإمام الكاظم سنة 148 للهجرة؛ أي في زمن المنصور.

بعض الملامح السياسية للإمام الكاظم (ع)

  1. المعارضة التصاعدية

وهذا ما يظهر جليًّا من خلال التدرج الذي حصل في المواقف المعلنة والمضمرة من الإمام اتجاه السلطة، كما أن الوضع العام لتلك الحقبة، كان قد شهد انتعاشًا اقتصاديًّا وفّر سُبُلًا جديدة للحكم العباسي، للتعامل مع الأمة، بما فيها استخدام الكيفية التعويضية في التعامل مع فئات منها، أي جزل المكافآت، بالتزامن مع الكيفية القسرية اتجاه آل البيت وأتباعهم، كل ذلك جعل التدرج بالمعارضة بعيدًا عن كونها صادرة من المعصوم، خيارًا عقلانيًّا واقعيًّا، من ثم نجد التأييد السري من قبل الإمام (ع) لثورة الحسين بن علي في واقعة فخ سنة 169 للهجرة ضد حكم الهادي، وقد اتهم الأخير الإمام بكونه السبب الرئيسي لها بقوله: (ما خرج الحسين إلا عن أمره ولا اتبع إلا محبته……. قتلني الله إن أبقيت عليه).

  1. دحض شرعية السلطة

قد ترتبط هذه النقطة بأعلاه من حيث كونها جزءًا من الإطار التصاعدي للمعارضة التي قام بها الإمام الكاظم (ع) اتجاه الحكم العباسي، ومن حيث الأهمية فلا يمكن لهذه النقطة الجوهرية إلا أن تشكل مضمونًا مستقلًا، كما أنها تعتبر جزءًا من النظرية الكلية لدور الأئمة التكاملي في هذا الصدد، إلى جانب الأدوار المشتركة الأُخرى.

يمكن أن نرى شواهد كثيرة على هذا الأمر، حمل مضمونها سلب الشرعية عن السلطة العباسية، وقد تمثّلت بمنع الاتباع عن العمل مع السلطة كما في حادثة صفوان المشهورة، الذي أشار إليه الإمام الكاظم (ع) في الامتناع عن التعامل مع هارون، وكذلك حينما سأل هذا الأخير في حادثة أُخرى الإمام عن إحدى قصوره المشيدة، فكانت إجابة الإمام بأنها دار الفاسقين…، فقضية منع الأتباع عن التعامل مع السلطة تشير صراحة إلى أنه مهما تقادم الزمن على حرمان أصحاب الحق الشرعي منها، فإنه غير قابل للسقوط، كما إن وصف إحدى قصور هارون أمامه بأنها دار للفاسقين، دليل آخر يحمل في طياته تصعيد اللهجة المعارضاتية لهذا الحكم، إلى جانب كونه إزالة لأي شرعية ممكنة عن هذه السلطة، وهذه النقطة بالذات تقودنا إلى شاهد آخر هو الأكثر تصعيدًا، من حيث كونه مغلق التأويل إلا اتجاه معنى واحد، وتتمثل بدخول هارون إلى قبر النبي (ص) وتبجحه بصلة القرابة معه بقوله: (ابن العم)، وكان ذلك أمام الناس ممن كانوا باستقباله، ليتقدم الإمام الكاظم (ع) إلى قبر النبي (ص) فيقول: (السلام عليك يا أبتاه)، ليقطع أي دابرٍ قصده هارون في تدعيم شرعية سلطته، من خلال ادعاء القرابة.

  1. الواقعية اتجاه السلطة

الواقع هو حالة قائمة بذاتها، بمعزل حتى عن صيرورته، يفرض نفسه بأي صفة كانت، سواء خاطئة أو صحيحة، شرعية أو باطلة، وتبعًا لذلك فإن التعامل من خلاله، لا يندرج ضمن الاعتراف به أو عدمه، إنما نتيجة كونه حتمية لا بدّ منها.

من هنا، نجد أنه ورغم التأسيس المستمر لعدم شرعية السلطة القائمة من قبل الإمام (ع)، إلا أن التعامل معها في بعض المراحل اقتضى التصرف بواقع وجودها ككيان مستقل عن أي صفة ملحقة أُخرى، وهذا لا يعني أيضًا براغماتية بحسب التوصيفات الحديثة، لأنها ليست نفعية بالمرة، كونها خاضعة لضوابط قد ذكرت في ردود الإمام الكاظم (ع) إلى علي بن يقطين، والمتمثلة بدفع الظلم عن المؤمنين والدفاع عنهم، ورد شرور الظالمين وإلخ…،  إن وجود هكذا شخصيات مقربة من قبل الإمام بالسلطة، من شأنه أن يصوب بعض الشيء من قراراتها، ويجعلها قدر الإمكان ضمن المسارات الصحيحة اتجاه الأمة الإسلامية وفق الضوابط التي ذكرت، ومن ثم التأثير في المستقبل السياسي لها.

ختامًا، فإن الذي ذكر جزء من كل لا زال يبحث عمن ينقب بين طياته، ويستخرج منه المواقف وجميعها نفيس، والتي من شأنها أن تؤسس لمبادئ وقوانين عامة تنظم حياة الفرد والمجتمع في مختلف المجالات.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/15718/kazem/