by منى الحسيني | أبريل 13, 2023 9:08 ص
ورد عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: “إن الله كان إذ لا كان فخلق الكان والمكان وخلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار وهو النور الذي خلق منه محمدًا وعليًّا. فلم يزالا نورين أولين، إذ لا شيء كون قبلهما، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الأصلاب الطاهرة، حتى افترقا في أطهر طاهرين في عبد الله وأبي طالب (ع)”[1][1].
تعريفه
أغلب المفسّرين اعتمد التعريف الآتي:
النور هو الظاهر بذاته، المظهر لغيره. فلا يحتاج إلى من يكشفه لأنه بيّن بذاته وكل الأشياء إنما نبيّنها من خلال النور. وسوف نتعرض لمعناه الاصطلاحي في الفلسفة، بعد معرفة كونه من أسماء الله الحسنى.
النور اسم من أسماء الله الحسنى
الصفاتية أم الفعلية؟
كتب الإمام الخميني (قده) في هذا الصدد: “كون النور من أسماء الصفات، بل من أسماء الأفعال أظهر لأنه في مفهومه مأخوذ مظهرية الغير، فإذا اعتبر في الغير الأسماء والصفات في الحضرة الإلهية كان من أسماء الصفات، وإذا اعتبر به مراتب الظهور العينية كان من أسماء الأفعال…”[2][2].
في الحكمة المتعالية
عبّر عن النور في الفلسفة بلفظ الوجود، فقالوا إن الوجود هو موجود بذاته، وبوجوده وجدت الماهيات. وله عدة مراتب مشكّكة:
في الحكمة الإشراقية
اعتمدت الفلسفة الإشراقية بشكل أساسي على مبحث الأنوار. فاستخدمت بعض المصطلحات، نذكر منها.
فكل شيء يمثل نور الله سبحانه وتعالى.
النور الإلهي
لا يمكن فهم حقيقة النور الإلهي بتمامها، لكن عند تحليل أذكار بعض الأدعية المأثورة عن أئمتنا (ع)، مضافًا إلى تسليط الضوء على لفظ النور الوارد مرات عديدة في القرآن الكريم، يمكن إدراك بعضًا من تلك الحقيقة.
في الأدعية المأثورة
ورد في مناجاة الله عز وجل قول:
أ. يا منوّر النور، بمعنى أنه تعالى معطي النور للنور، أي أنه أعطى كل موجود حصته من النور: إن بالأنوار القاهرة للمراتب الطولية، أو بالأنوار المدبّرة للمراتب العرضية، القارة وغير القارة – إنّ نوره وفيضه مستمر.
ب. يا خالق النور: الخلق هنا بمعنى الجعل، وهو الإيجاد لكن لا عن عدم، بل عن فيض. والجعل كان للوجود المجعول، انصب عليه الجعل فنبتت منه الآثار، وبالتالي هو الأصيل. أما الماهيات فإنه لا يترتب عليها أثر، ولولا النور لبقيت ظلمات بعضها فوق بعض.
إذن، الله سبحانه أوجد كل مراتب النور بالجعل البسيط الواحد، وإذا اشتد ذلك النور كانت الأنوار القاهرة، ثم إذا خف كانت الأنوار الإسفهبدية وهكذا إلى الأنوار العرضية.
ج. يا مدبّر النور، لقد دبّر سبحانه النور في كل حلقة من هذه السلسلة الوجودية، طولًا وعرضًا.
د. يا مقدّر النور، كل حصة أعطيت بالتقدير والقدر الإلهي.
هـ . وفوق كل ما ذكر، إنه سبحانه نور كل نور.
في القرآن الكريم
جاء لفظ “النور” لمقاصد عديدة، نذكر منها:
أ. الله سبحانه منوّر النور: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ﴾[3][3].
ب. الهادي هداية تكوينية وهداية تشريعية: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾[4][4]. وقوله: ﴿يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾[5][5].
ج. القرآن الكريم: ﴿… فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ﴾[6][6].
د. النبي الأكرم محمد (ص) وأمير المؤمنين (ع) ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾[7][7].
النتيجة
أولًا: بما أنه تقرّر أن النور هو مدخل لظهور ومعرفة كل حقيقة، ذلك أن النور هو الوجود، وبما أن نوره سبحانه ينبسط على كل الموجودات، نعرف بذلك أن صنع الله سبحانه في موجوداته هو انبساط نوره.
بناءً على ذلك، كلما تعمّقنا في معرفة موجوداته، كلما ازددنا نورًا، وهذا النور ينعكس في سر قلوبنا، وعندها تتحقق وحدة العالم والعلم والمعلوم. من هنا أهمية التفكّر والتأمّل.
باختصار: لأن الموجودات هي انبساط نوره تعالى، فكلما تعمقت فيها كلما ازددت إشراقًا، فانبعث النور من قلبك مضيئًا لك طريق الهداية إلى الحق تبارك وتعالى.
ثانيًا: إن من أهم الأسماء الخاصة بالنبي محمد (ص): نور الرحمة المنبسطة أو النور المنبسط. وبناءً على ما تقدّم، نستنتج أن ازدياد المعرفة بالموجودات توصل انعكاسات النور في القلب إلى الازدياد معرفةً بالنبي الأكرم (ص). وبمعنى آخر، يزداد القلب إشراقًا بولاية الحقيقة المحمدية، التي تكتمل بالمقام العلوي الحق المطلق والمقصود منه: الأئمة الإثني عشر (ع).
عبارة “تكتمل” لا تدل على نقص في نور النبي (ص) – والعياذ بالله – إنما هي حلقة متكاملة تبدأ من التنزيل الذي كان في دور نبينا (ص)، ثم التأويل الذي يمثل دور أئمتنا الأطهار (ع)، أما التطبيق لما نزّل وأوِّل فهو للقائم المنتظر (عج) وهذا تمام الحلقة.
إذا انعكس هذا الأمر، انعكس أمر الولاية بأعلى مستوياتها والمتمثل بسريان الحقيقة المحمدية في حاق النفس، يقول السيد القزويني (قده) في هذا المجال: “كما أن النور ينعكس من المرآة وما في حكمها إلى ما يحاذيها، لا مرة بل مرارًا أو يزيد وينمو بجوهره وطبعه فكذا النور المعنوي، فالولاية تولّد ولاية أخرى، كما أن الحب يزيد حبًا، والعلم يجلب علمًا، وكل فتح باب من العلوم والأنوار القلبية يستعقب فتحًا آخر، فنور الولاية من القلب الطاهر للمؤمن الواقعي إلى علي والأئمة الطاهرين (ع) الذين هم العقول الصاعدة في السلسلة الصعودية، بل هم الأسماء الحسنى والكلمات العليا، ويرى مقام أنوارهم وعظمتهم بقدر تمكين صاحب القلب في ولايتهم، فينعكس ثانيًا في حضرتهم إلى ذلك القلب الطاهر الصفي، لكنه أقوى من الأول كما لا يخفى على الفطن. فيزيد نور ولايته وحبه.
فإن الوجود المنبسط الذي هو مقام ظهوره وتجليه بالفيض المقدّس باعتبار وجهه الإطلاقي، لا بوجهه المحدود بخلطه بالماهية الإمكانية، ليست إلا من صقعه سبحانه.
وهو نوره كله ووجهه الباقي بعد فناء كل شيء، وهو مقام نورانية أئمتنا المعصومين (ع). كما ورد في تفسير قوله سبحانه: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ﴾[8][8]؛ أي الوجه هو الأئمة، بل الأربعة عشر معصومًا (ع)، وينوّره أن الوجه باعتبار حروفه [عدده] أربعة عشر.
والحمد لله رب العالمين
[1][9] الشيخ الكليني، الكافي، الجزء1، الصفحة 442.
[2][10] – الإمام الخميني، شرح دعاء السحر، دار الجوادين، ط1، ص 77.
[3][11] – سورة النور، آية 35.
[4][12] – سورة الزمر، آية 22.
[5][13] – سورة النور، آية 35.
[6][14] – سورة الأعراف، آية 157.
[7][15] – سورة التغابن، آية 8.
[8][16] – سورة الرحمن، آية 27.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/15756/alnour/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.