مالك يوم الدين ومَلِكِ يومِ الدين

دراسة تحليلية لغوية وعقدية
المقدمة
تعتبر القراءات القرآنية جزءًا أصيلًا من التنوع اللغوي في النص القرآني، وهي تعكس دلالات متعدّدة تثري المعنى دون أن تؤدي إلى تناقض. ومن أبرز الاختلافات القرائية في القرآن الكريم ما ورد في سورة الفاتحة في قوله تعالى:
﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ و*﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾.
وهاتان القراءتان متواترتان عن النبي (ص)، ولكل منهما دلالة خاصة تتكامل مع الأخرى. في هذه الدراسة، نناقش المعنى الدقيق لكل قراءة، وأثر الترتيب الزمني للأحداث (قبل يوم القيامة وبعده) في فهم هاتين الدلالتين.
أولًا: التحليل اللغوي.
- مالك يوم الدين:
- “مالك”؛ اسم فاعل من الفعل “ملك”، ويعني المتصرف في الشيء والمتحكم فيه.
- دلاليًّا، تشير هذه القراءة إلى الهيمنة المطلقة على يوم الدين قبل وقوعه؛ أي إن الله سبحانه يمتلك ذلك اليوم علمًا وتصرفًا وقضاءً قبل أن يأتي.
- هذه القراءة جاءت برواية عاصم والكسائي.
- ملك يوم الدين:
- “ملك” على وزن “فعل”، وتعني صاحب الحكم والسيادة المطلقة.
- تفيد هذه القراءة أن الله هو الحاكم الأعلى في يوم الدين، المتصرف بأمره، الذي لا ينازعه أحد في سلطانه.
- هذه القراءة وردت عن نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وحمزة.
ثانيًا: البعد العقدي والزمني.
عند النظر إلى العلاقة بين الزمن والمعنى، يمكننا تقديم طرح جديد وهو أن:
- قبل وقوع يوم الدين، يكون الله “مالك يوم الدين”؛ أي إن هذا اليوم في علمه وتدبيره، ولم يصل بعد إلى مرحلة الظهور للخلق، لكنه ملكٌ له مسبقًا.
- كون موعد يوم القيامة غيبيًّا غير معروف إلا لله، فإن الله هو “مالك يوم الدين” من حيث امتلاك علم موعده وتدبير أمره، فهو مالك لحظة حدوثه كما هو مالك لكل تفاصيله.
- بعد وقوع يوم الدين، يصبح الله “ملك يوم الدين”، حيث يظهر سلطانه المطلق بلا منازع، وتتجلى هيمنته التامة أمام الخلائق جميعًا.
- وهذا المعنى تدعمه آية ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ (سورة غافر، الآية 16)، حيث ينقطع كل ملك دنيوي، ويبقى الملك لله وحده.
ثالثًا: تكامل القراءتين.
إن الاختلاف بين القراءتين ليس تعارضًا، بل هو تكامل في المعنى، فالله سبحانه وتعالى مالكٌ ليوم الدين قبل أن يأتي، لأنه يملك علمه وتوقيته، وملكٌ له بعد وقوعه وظهور سلطانه التام. وهذا يُظهر ثراء النص القرآني وإعجازه في التعبير عن الحقيقة الزمنية والعقدية في آنٍ واحد.
الخاتمة
يُظهر التعدد القرائي في القرآن الكريم عمقًا دلاليًّا غنيًّا، وفي حالة “مالك يوم الدين”، و”ملك يوم الدين” نجد أن المعنى يتدرج وفق الزمن بين الملكية والتصرف المطلق قبل القيامة، والسيادة المطلقة عند وقوعها. وبما أن يوم القيامة موعده غيبيٌّ لا يعلمه إلا الله، فإنه يكون “مالكًا ليوم الدين” من حيث توقيته وحتميته، و”ملكًا ليوم الدين” عند وقوعه، حين تتجلى قدرته المطلقة على الخلق جميعًا.
وهذا يؤكد أن القرآن الكريم معجز في صياغته، بحيث تستوعب كلماته دقائق المعاني التي تتجلى مع التأمل والتدبر.
المقالات المرتبطة
الخير والشر في الحكمة المتعالية
تتناول الدراسة التالية نظرة صدر المتألهين الشيرازي صاحب الحكمة المتعالية إلى إشكالية الشر،
أولويّات دور المرأة في فكر الإمام الخامنئي
إنّ من العيب أن نقول إنّ المرأة امرأة، وأن الرجل رجل. إنّ للمرأة أن تفخر بأن تكون امرأةً كاملةً وأنثى كاملةً وهي لا تقلّ بأيّ حال عن قيمة الرجل، وهي قد تفوقه في بعض الأحيان فلماذا نتخلّى عن ذلك؟
شفاعة الحاج قاسم سليماني
نحن لا نحتّم على الله، ولكن هذه ثقتنا وهذا رجاؤنا بشخصية هذا الرجل. داعين الله أن يشفع لنا بحبنا له.