الأسباط أنبياء … وليسوا أبناء يعقوب ولا إخوة يوسف

الأسباط أنبياء … وليسوا أبناء يعقوب ولا إخوة يوسف

الحسن والحسين (ع) سبطان من الأسباط

قديمًا عندما قرأنا حديثًا للنبي محمد (ص)، نراه صحيحًا لأنه متواتر، ولا يخالف النصوص القرآنية، يقول النبي (ص) فيه عن “الحسن والحسين”: “إنهما سبطان من الأسباط”، فقد تعجبنا، لأن السبط هو الحفيد، ابن الابن أو ابن البنت، فالحسن والحسين (ع) إذن لا يمتازان عن أي حفيد من الأحفاد، إلا بقربهما من النبي، ولكن جاء تفسير (نور الثقلين، عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي  5|599 ) عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “أنَا زوج البَتُول؛ سيّدة نساء العالمين: فاطمة، التقيّة، الزكيّة، البرّة المهديّة، حبيبة حبيب اللَّه، وخير بناته، وسلالته، وريحانة رسول اللَّه (ص) سبطاه خير الأسباط، وولداي خير الأولاد، هَلْ أحدٌ يُنكرُ ما أقولُ؟”، ومن هنا نجد أن حديث النبي (ص) عن كون الحسنين من الأسباط، يعني مثل الأسباط المذكورين في القرآن العظيم.

الأسباط في القرآن الكريم

والعجب يزول عندما نبحث عن الأسباط في القرآن الكريم، فالله لم يذكر أن الأسباط بأنهم أبناء يعقوب النبي (ع)، ولا ذكر أن عددهم اثنا عشر سبطًا، أو أكثر أو أقل، ولكن الله ذكر الأسباط في القرآن الكريم بالتوالي مع سلسلة الأنبياء، كأنهم يُوحى إليهم، مثل غيرهم من الرسل.

ذكر الله الأسباط في خمسة مواضع، أربعة منهم أنهم قرناء للأنبياء.

قال تعالى في سورة البقرة، الآية 136: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾، فالأسباط هنا مذكورين ضمن الأنبياء، الموحى إليهم.

وأيضًا في سورة البقرة، الآية 140: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ ءأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله﴾، وهنا مع سلسلة الأنبياء.

وكذلك في سورة المائدة، الآية 84: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.

وفي سورة النساء، الآية :163 ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً﴾. والأسباط يوحى إليهم كما أوحي إلى من قبلهم ومن بعدهم.

في تلك الآيات الأربعة نجد أن الله اعتبر الأسباط من جملة الرسل، أنزل عليهم وأوحى لهم، وبالتالي يكون مقصد النبي (ص) عن أن الحسين والحسين سبطان، أنهما يشبهان الأسباط المذكورين في الآيات الأربعة السابقة، لا يتنزل عليهما الوحي الإلهي، ولكنهما في المقابل لا يفعلان الإثم، لأنهما معصومين ولا يصدر منهما الخطأ قلّ أو كثُر.

أما في الآية الخامسة التي ذكر القرآن فيها الأسباط، فقد جاءت بمعنى القبيلة، لا ارتباط بينهم وبين بني إسرائيل، قال تعالى في سورة الأعراف، الآية 160: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.

الأسباط ليسوا إخوة يوسف

وهي الآية التي اعتمد عليها المفسرون أن الأسباط، هم أبناء يعقوب النبي، يوسف وإخوته، رغم أن الآية 12 من سورة المائدة تفند تلك الرؤية، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾، فالنقباء الإثنا عشر، كانوا قادة قبائل إسرائيل، ولم تذكر الآية أو غيرها، أنهم أسباط أو من نسل الأسباط الأنبياء.

كما أنه من المؤكد أن إخوة يوسف الأحد عشر، أو حتى العشرة بدون “بنيامين” الأخ الشقيق ليوسف (ع)، لم يُوحى إليهم من الله، هذا بالإضافة إلى أن سلوكهم مع أبيهم ومع يوسف، كان سلسلة من الأخطاء أو الخطايا الإنسانية، تآمروا على الأخ وألقوه في الجبّ، وكذبوا على أبيهم، بأن الذئب قتل يوسف.

وهي كما نرى، لا يفعلها الأسباط الذين أثنى عليهم الله في قرآنه المجيد، ولكنها الغيرة القاتلة والحسد المثير للضغينة. ولنا أن نتساءل في نفس السياق، لماذا لم يرسل “يوسف” إلى أبيه “يعقوب” طوال ثلاثين عامًا أو أقل، ليطمئنه عليه، فيقول له إنه ما زال على قيد الحياة، كل هذا لم يحدث، فترك أباه يعمى من كثرة البكاء على الفراق والغيبة.

وعلى كل حال، فإن يوسف وإخوته صاروا عشرات الآلاف بالتناسل في مصر، ولم يكن إخوة يوسف طوال تاريخهم ممثلين لرسالات السماء، حتى بعد أن عبروا البحر، وعاشوا في الشتات الكبير فيما بعد، حتى قال عنهم “مارتن لوثر” مؤسس “البروتستانتينية”: “إن بقاء اليهود وتشتتهم دليل حي على صدق العهد القديم”.

وحتى لا نخرج عن الموضوع، نعود لنؤكد على أن الأسباط ليسوا هم القبائل الإسرائيلية، والله لم يربط بين الأسباط وبني إسرائيل، فالأسباط نوع من جماعة من الرسل، ربما جاؤوا بعد يعقوب النبي، أو خلال عصره، لأن الآيات جعلتهم تاليين على يعقوب، ولكنه لم يذكر أنهم أبناؤه.

أما بنو إسرائيل فقد ذكرهم الله كثيرًا في القرآن الكريم، مثلًا في سورة البقرة الآية 47: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.

وفي سورة البقرة، الآية 246: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾.

وفي سورة آل عمران، الآية :49 ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.

وفي سورة الأعراف، الآية 134: ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.

وسورة البقرة، الآية 83: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾.

وغيرها من الآيات الكثيرة، التي تذكر اليهود كجماعة إسرائيلية، أرسل الله لهم أنبياء، نبي تلو نبي، ووصفهم الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه هم عبقرية المسيح بأنهم تلاميذ أبديون، لأنهم في النهاية اعتقدوا بأنهم الشعب المختار، وأعطاهم المؤرخون والمفسرون المسلمون نسبًا للأسباط، قد يرد أحد ويقول: إن الإسرائيليين من نسل نبي هو يعقوب، وهو قول حقيقي، ولكن لا يقول أحد إن النسب يعطي قداسة بدون العمل الصالح.

إن إخوة يوسف: روبيل ويهوذا ولاوي وشمعون وزيالون ودان ونفتالي وجاد وآشر ويشجر وبنيامين، لم يكن الله يوحي إليهم، كما أوحى إلى يعقوب ويوسف، ولكن القرآن وسيرة النبي (ع) تعاملوا مع اليهود كأي جماعة إنسانية، ولكن آباءهم أبدًا ليسوا أنبياء أو أسباط.

النقاء العبري

ونستطرد فنقول: إن الإسرائيليين منذ البداية اختلطوا مع أبناء عمومتهم من الأدوميين الذين هم  من نسل عيسو الابن الأكبر لإسحاق وشقيق النبي يعقوب، كما جاء في سفر التكوين”36:1- 19″.

فقد عاشوا في فلسطين والأردن الحالية، قبل تأسيس مملكة اليهود، ولقد طرد نسل عيسو “الحوريين” من أرض آدوم وسكنوا في موضعهم كما في سفر التثنية “2: 12″، وكان حكام آدوم أمراء، ولكنهم قبل قيام مملكة إسرائيل، صاروا ملوكًا في أورشليم، ومنهم “هيرودس الأول”، ثم ابنه “هيرودس أنتيباس”، وهما اللذان شاهدا معجزات يسوع المسيح وأنكروها، وهربت منهما العذراء مريم بابنها المسيح إلى مصر، وبعد موت هيرودس تلاشى الأدوميون واختلطوا بالنسل الإسرائيلي وصار الجميع يهودًا، يعتقدون أنهم من نسل “الأسباط”، فالنقاء اليهودي أكذوبة الصهيونية.

وهذا ما أكده كتاب “القبيلة الثالثة عشر”، للكاتب اليهودي الديانة، المجري المولد، البريطاني الجنسية “آرثر كوستلر”، الذي ينقد فيه مقولة أن اليهود الحاليين ساميون، أو أنهم من نسل بني إسرائيل القدامى، ويثبت أنهم آريون عامة وقوقازيون من الخزر الأتراك، ازدهرت دولتهم في القرن السابع الميلادي، وتهودوا عندما وجدوا أنفسهم بين الإمبراطورية الرومانية الشرقية في بيزنطة، وبين الدولة الإسلامية، كما عزز خيار التهويد عندهم موقعهم التجاري وأعمالهم في الربا، التي تنسجم مع الأيديولوجيا اليهودية دون سواها”.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الأسباطوحيآياتأنبياءرسلالقرآن الكريم

المقالات المرتبطة

الركائز الفلسفيّة للتوحيد في” نهج البلاغة”

يمثّل الإمام علي(ع) في الثقافة الإسلاميّة قامة عالية جدًّا. ولقد علت هذه القامة ليس عند المسلمين وحدهم، ولكن عند الكثيرين من مثقّفي الديانات الأخرى

المنهج التأويليّ للدكتور حسن حنفي في “النقل والإبداع”

  نحن أمام عمل موسوعيّ مترامي الأطراف يتميّز بالعمق والغزارة والقوّة في التمسك بمنهج إعادة بناء العقل، عبر السفر فيما

مكنز المنطق والفلسفة الإسلامية

فرض العالم الرقميّ نفسه في جميع المجالات الحياتية للإنسان، ولم يعد بوسع هذا الكائن أن ينأى بنفسه عنه، حتى على المستوى التخصصات العلمية أصبح هذا العالم ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، خاصة في ظلّ القدرات التي يقدمها

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<