ولد الهدى …. شرح فلسفة الهمزية النبوية لأحمد شوقي

ولد الهدى ….  شرح فلسفة الهمزية النبوية لأحمد شوقي

مقدمة

هذا المقال، عبارة عن شرح قصيدة “وُلد الهدى” لأمير الشعراء أحمد شوقي، والتي نراها أهم وأوفى المدائح النبوية الشعرية على مر العصور، ونحاول أن نكون على مستوى مديح النبي (ص). تقع الهمزية النبوية في عشرة أبواب، هي كما يلي:

 الباب الأول: مولد الرسول (ص) استغرق الحديث عن مولد الرسول (ص) واحدًا وعشرين بيتًا من أبيات القصيدة استهلها الشاعر ببيت رائع يقول فيه:

وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ    وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ

والحق أن شوقي أبدع في تصوير مولد الرسول (ص) في هذا البيت، فما أجمل من أن تتحول كل الكائنات إلى ضياء، وأن يتبسم فم الزمان ويثني على الخالق جلّ وعلا ويشكره، إذ أهدى إلى البشرية محمدًا (ص) رحمة للعالمين. بعد ذلك، وعلى مدى ستة أبيات أقحم شوقي خياله في غيبيات لا نعلم نحن البشر عنها شيئًا إلّا ما أخبرنا به المولى عز وجل في القرآن الكريم، أو أخبر به الرسول (ص) في سنته المطهرة، وهذا أول مأخذ على شوقي في همزيته النبوية، فقد تحدّث عن الملائكة والعرش وسدرة المنتهى، وحديقة الفرقان واللوح والقلم، وكلها غيبيات لا أظن أن شوقي أو غيره اطلع عليها ساعة مولده (ص)، ولم يرد شيء مما قاله شوقي في أي من الكتب الصحاح، أما أن أسامي الرسل الكرام (ع) وبينها اسم محمد (ص) بخط الطغراء فلا يعدو أن يكون جموحًا بخيال الشاعر.

أَثنى المسيحُ عَلَيهِ خَلفَ سَمائِهِ    وَتَهَلَّلَت وَاهتَزَّتِ العَذراءُ

إذ إن المسيح عليه السلام بشر ببعثته (ص)، كما قال تعالى في سورة الصف: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾[1].

نحن وجدنا أننا أمام لوحة فنية بديعة صور فيها الشاعر مولد الرسول (ص) في تسعة أبيات، يعدّ كل بيت منها فكرة قائمة بذاتـها وصورة رائعة اجتمع فيها الخيال مع الحب، الذي يكنّه الشاعر، ونكنّه نحن جميعًا لمحمد (ص)، حتى إن بشائر الهادي التي تحدثت عنها بعض الكتب أجملها الشاعر في بيتين دون تفصيل لا يفيد، وبشكل رائع لا يستطيع أحد أن يشكك فيه، وذلك قبل أن ينهي الشاعر حديثه عن المولد النبوي ببيت صوّر فيه نزول القرآن أجمل تصوير وأعمل خياله دون جموح أو تجاوز.

الباب الثاني: أخلاقه (ص)

أشار شوقي في مستهل حديثه عن أخلاق الرسول (ص) إلى حادثة الاستسقاء بوجهه، فقد أخرج ابن عساكر عن جَلْهُمَة بن عُرْفُطَة قال‏:‏ قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش‏:‏ يا أبا طالب، أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهَلُمَّ فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام، كأنه شمس دُجُنَّة، تجلت عنه سحابة قَتْمَاء، حوله أُغَيْلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأضبعه الغلام وما في السماء قَزَعَة فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغْدَوْدَق، وانفجر الوادي وأخصب النادي والبادي، وإلى هذا أشار أبو طالب حين قال‏:

وأبيضَ يُستسقى الغَمَام بوجهه   ثِـمالُ اليتامى عِصْمَةٌ للأرامل

إلا أن إشارة شوقي إلى يُتُم الرسول ربما يؤخذ على أنه السبب فيما حدث، ولكن هذا غير صحيح، فكم من يتامى عاشوا في كفالة كبراء مكة آنذاك، إلا أن أحدًا لم يفكر في الاستسقاء بوجه أي منهم، وإنـما سألوا أبا طالب لمكانته بين قومه، وفعل أبو طالب ما فعل لما توسمه في ابن أخيه من خير، وما لمسه من شمائل، وعلى أية حال فقد أجاد شوقي في عرض هذه الحادثة مشيدًا بأخلاقه (ص)، على مدى سبعة أبيات ختمها بقوله:

زانَتكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ    يُغرى بِـهِنَّ وَيُولَعُ الكُرَماءُ

ثم تحدث الشاعر عن حسنه (ص) فقال: إنه شمس سماء الجمال، ثم جاء ببيت رائع قال فيه:

وَالحُسنُ مِن كَرَمِ الوُجوهِ وَخَيرُهُ    ما  أوتِيَ القُوّادُ وَالزُعَمـاءُ

أما صفاته (ص) فقد ذكر الشاعر منها ما ذكر بشكل تفصيلي على مدى أربعة عشر بيتًا بدأ كل بيت منها بـ إذا الشرطية التي أبرزت ما أراد الشاعر أن يخلعه من صفات هو أهل لها في أحسن صورة.

فكل بيت من هذه الأبيات يستحق وقفة تأمل وشرحًا مطولًا، فإن كل صفة من هذه الصفات اقترنت بواقعة وردت في كتب السيرة أظهرتـها جلية لكل من رآها ومن رواها ومن رويت له بعد ذلك، ومن يطلع على كتب السيرة يجد فيها ما يروي ظمأه من أحداث تجلت فيها أخلاق الرسول (ص) وصفاته التي أجملها الحق تبارك وتعالى فى قوله في سورة القلم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[2].

بعد هذه الأبيات تأتي أربعة أبيات أخرى يستكمل فيها الشاعر ما أراد إبرازه من صفات الرسول (ص) ختمها بقوله:

يأَيُّها الأُمِيُّ حَسبُكَ رُتبَةً    في العِلمِ أَن دانَت بِكَ العُلَماءُ

والحق أن كل بيت حمل صفة من صفات الرسول هو فكرة قائمة بذاتـها في منظومة رائعة كونت صورًا متتابعة له (ص) في مواقف حياتية مختلفة هي في أول الأمر وآخره مثل يحتذى، وسنة تتبع لمن أراد أن يفوز بخيري الدنيا والآخرة.

الباب الثالث: القرآن الكريم ..المعجزة الخالدة

وقع حديث شوقي عن القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة في أحد عشر بيتًا بدأها بقوله:

الذِكرُ آيَةُ رَبِّكَ الكُبرى الَّتي    فيها لِباغي المعجِزاتِ غِنَاءُ

ثم واصل حديثه عن بلاغة القرآن والانقلاب البياني، الذي حدث في الحجاز بعد نزول القرآن، ونظرة الناس إليه فمنهم الحاسد ومنهم المأخوذ ببلاغته. ثم ختم حديثه عن القرآن الكريم بأثره في بناء الدين الإسلامي، ومن ثم في دولة الإسلام، فقد بني الدين من آياته وسوره وعلى أساس من الحق، الذي لا يشوبه باطل، فالله سبحانه هو باني صرحه ومعلي ركنه.

الباب الرابع: الحديث .. علم وحكمة وبلاغة

أما الحديث النبوي الشريف فقد تحدّث عنه شوقي على مدى خمسة أبيات، بدأها ببيت رائع يتضمن صورة بديعة، فنحن أمام نـهر جار من العلم والحكم الغوالي، أما مكان الورود فهو حديث محمد، الذي لا ينطق عن الهوى، يقول الشاعر:

أَمّا حَديثُكَ في العُقولِ فَمَشرَعٌ    وَالعِلمُ وَالحِكَمُ الغَوالي الماءُ

ثم يصفه الشاعر بأنه صبغة الفرقان ونفحة قدسه، وأن من دوحه تجري الفصاحة ويتفجر الإنشاء، وتتوالى الصور البديعة بعد ذلك في إبراز صدارة الحديث في عالم الأدب والبلاغة.

الباب الخامس: دولة الإسلام

تحدث شوقي عن دولة الإسلام فأبدع كما لم يبدع شاعر قبله، ولو أن لي مأخذًا على تبسطه وهو ينادي سيد الخلق، فقد كناه بابن عبد الله؛ وهي كنية لم يعرف بـها في حياته، ويبين شوقي في مستهل حديثه عن دولة الإسلام الأساس، الذي قامت عليه وهو التوحيد يقول شوقي:

بِكَ يا ابنَ عَبدِ اللهِ قامَت سَمحَةٌ     بِالحَقِّ مِن مَلَلِ الهُدى غَرّاءُ

بعد ذلك استطرد شوقي كعادته، فتحدث عن شهداء التوحيد ومناصريه على مر العصور والأزمان، يقصد أولئك الذين عرفوا التوحيد، ودعوا إلى اعتناقه كحقيقة واقعة لا تقبل الشك ولا البطلان، فذكر سقراط، وكهان وادي النيل وإيزيس. وهو استطراد أخلَّ كثيرًا بسياق الحديث، إلا أنه جاء ببيت يعدّ من عيون الشعر، تحدث فيه عن تفاوت العقول واختلاف النفوس، يقول شوقي:

وَمِنَ العُقولِ جَداوِلٌ وَجَلامِدٌ    وَمِنَ النُفوسِ حَرائِرٌ وَإِماءُ

أما دولة الإسلام فقد بدأ الشاعر في وصف ملامحها بقوله:

فَرَسَمتَ بَعدَكَ لِلعِبادِ حُكومَةً     لا سوقَةٌ فيها وَلا أُمَراءُ

واستغرق الوصف عشرة أبيات، إلا أنه جمع أركان الدولة في بيت واحد قال فيه:

وَالدينُ يُسرٌ وَالخِلافَةُ بَيعَةٌ    وَالأَمرُ شورى وَالحُقوق قَضاءُ

الباب السادس: الإسراء والمعراج

تحدث شوقي عن حادثة الإسراء والمعراج فأجمل، وأتى بـما يرتفع بقدر شعره إلى عنان السماء، في البداية أرجع هذه المعجزة إلى الحق تبارك وتعالى، الذي بيده ملكوت كل شيء، وأكد وقوع الحادثة بالروح والجسد معًا، أما وصف الحادثة فقد أعمل الشاعر فيه خياله بصورة رائعة، إلا أن بيت القصيد في هذا الوصف الرائع لمعجزة الإسراء والمعراج قوله:

تَغشى الغُيوبَ مِنَ العَوالِمِ كُلَّما    طُوِيَت سَماءٌ قُلِّدَتْكَ سَماءُ

الباب السابع: محمد (ص) في ميدان القتال

تضمن هذا الباب عدة أفكار؛ أولها تصوير شجاعة الرسول (ص) وحنكته في الحروب، وقد استغرق ذلك من الشاعر خمسة أبيات، عرّج منها على التنويه بأخلاقه في القتال، وأنه مما يجب أن يتحلى به المقاتلون في الحروب، ثم تحدث عن الحرب، وأشار إلى مجمل الحروب التي خاضها محمد (ص)، والأهداف السامية التي قامت من أجل تحقيقها، أما بيت القصيد في هذا الصدد فقوله: 

دَعَموا عَلى الحَربِ السَلامَ وَطالَما   حَقَنَتْ دِماءً في الحُروبِ دِماءُ

ثم تحدث بعد ذلك عن عزم أولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام، وكيف أنـهم هزموا بعزمهم وقوة إيمانـهم عتاة المشركين، وأقاموا للدين دولة ومنعة وعزة وسيادة، والحق أنه أجمل في هذه الأبيات ما يُمكن أن يملأ صفحات كثيرة في هذا المجال.

الباب الثامن: عز الشفاعة

على مدى أربعة أبيات رسم أحمد شوقي صورة للشفاعة التي اختُص بها محمدًا (ص)، وهي صورة ربّما يكون الشاعر قد استقاها مما روي عن الرسول فيما جاء في كتب التراث، ولكن ما لا يقبل الشك أن الله سبحانه وتعالى اختص نبيه محمدًا بأنه سيكون شفيع قومه بإذنه عز وجل يوم القيامة. 

الباب التاسع: دعاء وشكوى من الحال التي أصبح عليها المسلمون

أَدعوكَ عَن قَومي الضِعافِ لِأَزمَةٍ    في مِثلِها يُلقى عَلَيكَ رَجاءُ

فهو يدعو المسلمين الضعفاء باللجوء إلى الله والرسول في أزماتهم.

الباب العاشر: الصلاة على النبي (ص)

ختم الشاعر قصيدته بالصلاة على النبي (ص) في ثلاثة أبيات.  

خَيرُ الوَسائِلِ مَن يَقَع مِنهُم عَلى   سَبَبٍ إِلَيكَ فَحَسبِيَ الزَهراءُ

لا يسعنا ونحن نقدم هذه القصيدة إلا أن نقول إنّها من القصائد رفيعة القدر عالية القيمة اهتم فيها الشاعر باللفظ فاختار الجزل القوي، وتتطرق إلى معاني لم يطرقها شاعر قبله، وأكثر ما يلفت النظر في هذه القصيدة المعاني التي تواكب العصر، فقد رسم الشاعر صورًا للدولة العصرية حين تلتزم الشريعة الإسلامية منهاجًا لها، وفي هذا المجال سجل شوقي سبقًا في عالم الشعر وارتقى مكانة لا ينافسه فيها شاعر.

شرح وتحقيق الهمزية النبوية

مولد الرسول (ص):

وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ وَفَمُ  الزَمانِ تَبَسُّــــــمٌ وَثَناءُ[3]
الروحُ  وَالـمَلَأُ المَلائِكُ حَــولَهُ  لِلدينِ وَالدُنيـا    بِهِ      بُشَـــراءُ[4]
وَالعَرشُ  يَزهو  وَالحَظــيرَةُ   تَزدَهي وَالمنتَهى     وَالسِـدرَةُ    العَصماءُ[5]
وَحَديقَـــةُ  الفُرقانِ ضاحِكَةُ  الرُبـا بِالتُرجُمانِ        شَـــذِيَّةٌ    غَنّاءُ[6]
وَالوَحيُ يَقطُرُ  سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ وَاللَوحُ    وَالقَلَمُ   البَديـــعُ    رُواءُ[7]
نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ في   اللَوحِ وَاســـمُ   مُحَمَّــدٍ   طُغَراءُ[8]
اسمُ   الجَلالَةِ  في   بَديعِ حُروفِهِ أَلِفٌ   هُنالِكَ  وَاســـــمُ  طَهَ   الباءُ[9]
يا  خَيرَ  مَن  جاءَ   الوُجودَ  تَحِيَّةً مِن مُرسَــــــلينَ إِلى  الهُدى بِكَ جاؤوا[10]
بَيتُ   النَبِيّـينَ  الَّذي  لا  يَلتَقـي إلا   الحَنائِفُ     فيـــــهِ   وَالحُنَفـــــاءُ[11]
خَـيرُ   الأُبُــــوَّةِ  حــازَهُمْ  لَكَ آدَمٌ دونَ    الأَنامِ   وَأَحرَزَت  حَـــــــوّاءُ[12]
هُم   أَدرَكــوا  عِزَّ   النُبُوَّةِ   وَانتَهَت               فيها إِلَيكَ   العِزَّةُ     القَعساءُ[13]
خُلِقَت  لِبَيتِكَ  وَهوَ  مَخلوقٌ   لَهـا إِنَّ    العَظـائِمَ    كُفؤُها  العُظَــــماءُ[14]
بِكَ  بَشَّرَ   اللَهُ    السَـــماءَ  فَزُيِّنَت   وَتَضَوّعَتْ مِســكًا  بِكَ    الغَــــــبراءُ[15]
وَبَدا     مُحَيّاكَ   الَّذي   قَسَــماتُهُ    حَقٌّ وَغُرَّتُــــهُ    هُــــدىً وَحَياءُ[16]
وَعَلَيهِ   مِن   نورِ   النُبُـــوَّةِ   رَونَقٌ    وَمِنَ    الخَليلِ    وَهَديِــــهِ   ســـيماءُ[17]
أَثنى  المسيحُ  عَلَيــهِ   خَلفَ  سَمائِهِ            وَتَهَلَّلَت       وَاهتَزَّتِ    العَـذراءُ[18]
يَومٌ  يَتيهُ   عَلى   الزَمانِ صَبـــاحُهُ      وَمَساؤُهُ        بِـمُحَمَّدٍ     وَضّـــاءُ[19]
الحَقُّ   عالي   الرُكنِ  فيهِ   مُظَفَّــــرٌ    في  الـمُلكِ لا   يَعلـــو   عَلَيهِ لِواءُ[20]
ذُعِـرَت عُروشُ  الظالِمينَ  فَزُلزِلَت    وَعَلَت    عَلى  تيجانـِهِــــم أَصداءُ[21]
وَالنارُ  خاوِيَةُ   الجَوانِبِ  حَولَهُـــــــمْ خَمَدَت   ذَوائِبُهــــا   وَغاضَ الـماءُ[22]
وَالآيُ  تَترى   وَالخَوارِقُ   جَمَّــــــةٌ      جِــــبريلُ     رَوّاحٌ    بـِهــــا غَدّاءُ[23]

أخلاقه (ص)

نِعمَ   اليَتيــــمُ  بَدَت مَخايِلُ  فَضــلِهِ   وَاليُتمُ    رِزقٌ    بَعضُـــــــهُ   وَذَكاءُ[24]
في  الـمَهـــدِ  يُستَسقى الحَيا  بِرَجائِهِ    وَبِقَصـدِهِ       تُستَدفَعُ   البَأساءُ[25]
بِسِــوى الأَمانَةِ في الصِبا وَالصِدقِ لَم    يَعرِفْـهُ    أَهلُ    الصِدقِ  وَالأُمَناءُ[26]
يا مَن لَهُ  الأَخلاقُ ما تـَهــوى العُلا  مِنها     وَما     يَتَعَشَّقُ   الكُبَراءُ[27]
لَو  لَم   تُقِمْ  دينًـا  لَقامَت وَحدَهـا     دينًـــا     تُضيءُ    بِنــورِهِ  الآناءُ[28]
زانَتـكَ  في  الخُلُقِ  العَظيمِ شَـمائِلٌ يُغرى    بِـهِنَّ    وَيُولَــعُ   الكُرَماءُ[29]
أَمّا  الجَمـالُ   فَأَنتَ  شَمسُ سَمائِهِ    وَمَلاحَــــةُ    الصِدّيقِ  مِنكَ   أَيــاءُ[30]
وَالحُسنُ  مِن  كَرَمِ الوُجـوهِ وَخَيرُهُ    ما     أوتِيَ   القُوّادُ   وَالزُعَماءُ
فَإِذا سَخَوتَ بَلَغتَ  بِالجودِ المَدى    وَفَعَلتَ  ما   لا   تَفعَـــــلُ   الأَنواءُ[31]
وَإِذا    عَفَوتَ    فَقادِرًا   وَمُقَدَّرًا      لا    يَســتَهينُ    بِعَفوِكَ   الجُهَـــلاءُ[32]
وَإِذا  رَحِمــتَ  فَأَنتَ  أُمٌّ  أَو  أَبٌ     هَذانِ   في   الدُنيــــا  هُمــا  الرُحَماءُ[33]
وَإِذا  غَضِبتَ  فَإِنّـَما   هِيَ  غَضبَــةٌ    في  الحَقِّ  لا  ضِغنٌ  وَلا  بَغضـــــاءُ[34]
وَإِذا  رَضيتَ  فَذاكَ   في  مَرضـاتِهِ   وَرِضا    الكَثيرِ     تَحَلُّــمٌ    وَرِياءُ[35]
وَإِذا    خَطَبتَ    فَلِلمَنـــــابِرِ   هِزَّةٌ    تَعرو   النَدِيَّ    وَلِلقُلــوبِ  بُكاءُ[36]
وَإِذا   قَضَيتَ  فَلا  ارتِيابَ كَأَنَّـمـــا     جاءَ  الخُصومَ  مِنَ  السَـماءِ قَضاءُ[37]
وَإِذا  حَمَيتَ  الـماءَ لَم   يورَدْ  وَلَو     أَنَّ   القَياصِـــرَ  وَالـمُلوكَ    ظِماءُ[38]
وَإِذا  أَجَــرتَ  فَأَنتَ  بَيتُ  اللهِ لَم     يَدخُل    عَلَيـــهِ   المستَجيرَ   عَـــداءُ[39]
وَإِذا  مَلَكتَ النَفسَ قُمتَ بِبِرِّهــــا      وَلَوَ  اَنَّ  ما   مَلَكَت يَداكَ الشـاءُ[40]
وَإِذا   بَنَيتَ  فَخَيرُ   زَوجٍ  عِشـــــرَةً    وَإِذا     ابتَنَيتَ    فَدونَـكَ   الآباءُ[41]
وَإِذا  صَحِبتَ رَأى  الوَفاءَ مُجَسَّــــمًا    في   بُردِكَ  الأَصحـــابُ  وَالخُلَطـــاءُ[42]
وَإِذا   أَخَذتَ   العَهـدَ  أَو  أَعطَيتَهُ فَجَميعُ     عَهـــدِكَ    ذِمَّةٌ  وَوَفــاءُ[43]
وَإِذا  مَشَــيتَ  إِلى  العِـــــدا  فغضنفر      وَإِذا     جَرَيتَ   فَإِنَّكَ    النَكبـــاءُ[44]
وَتَـمُدُّ    حِلمَكَ  لِلسَــــفيهِ مُدارِيًا     حَتّى   يَضيقَ   بِعَرضِكَ  السُــــفَهاءُ[45]
في  كُلِّ  نَفسٍ  مِن  سُــطاكَ مَهابَةٌ   وَلِكُلِّ   نَفسٍ   في   نَداكَ   رَجـــــاءُ[46]
وَالرَأيُ   لَم   يُنضَ   المهَنَّــــــدُ   دونَهُ   كَالسَيفِ  لَم   تُضــــرَبْ  بِهِ الآراءُ[47]
   
يأَيُّهـــــا     الأُمِيُّ     حَسبُكَ  رُتبَةً     في العِلمِ  أَن دانَت  بِكَ العُلَمــــــــاءُ[48]

 

القرآن الكريم ..المعجزة الخالدة

  الذِكــرُ   آيَةُ  رَبِّــكَ  الكُبرى  الَّتي           فيهــا    لِباغي   الـمُعجِــزاتِ  غِنَاءُ[49]

صَـدرُ  البَيانِ لَهُ  إِذا  التَقَتِ اللُغى           وَتَقَـــدَّمَ      البُلَغـــــــاءُ    وَالفُصَحاءُ[50]

نُسِخَت  بِهِ  التَوراةُ وَهيَ وَضـيئَةٌ              وَتَخَلَّفَ   الإِنجيـلُ   وَهـــــوَ ذُكاءُ[51]

لَمّا   تَـمَشّى  في  الحِجازِ حَكيمُهُ          فُضَّتْ  عُكاظُ   بِهِ   وَقامَ   حِــــراءُ[52]

أَزرى    بِـمَنطِقِ    أَهلِهِ   وَبَيانـِهِـــــمْ         وَحيٌ    يُقَصِّـــــــرُ    دونَهُ    البُلَغاءُ[53]

حَسَدوا  فَقالوا  شاعِرٌ  أَو سـاحِـــرٌ          وَمِنَ  الحَســــودِ   يَكونُ   الاستِهزاءُ[54]

قَد نالَ  بِالهادي  الكَريمِ وَبِالهُـــدى           ما لَم  تَنَل   مِن   سُـــــــــؤدُدٍ   ســيناءُ[55]
أَمسى  كَأَنَّكَ  مِن  جَلالِكَ أُمَّـةٌ             وَكَأَنَّهُ      مِن      أُنسِـــهِ     بَيداءُ[56]

يُوحَى   إِلَيْكَ  النُّورُ  فيظَلْمـــــائِهِ             مُتَتابِعًـــا     تُجلى    بِهِ    الظَلماءُ[57]

دينٌ     يُشَــيَّدُ     آيَةً   في   آيَةٍ           لَبِناتُهُ      الســــــوراتُ    وَالأَضْـواءُ[58]

الحَقُّ  فيهِ  هُوَ  الأَســاسُ وَكَيفَ لا         وَاللهُ     جَلَّ      جَـــــــــلالُهُ   البَنّاءُ[59]

 

الحديث .. علم وحكمة وبلاغة

أَمّا  حَديثُكَ  في  العُقولِ فَمَشـــرَعٌ   وَالعِلمُ    وَالحِكَمُ    الغَوالي   المـــــاءُ[60]
هُوَ  صِبغَةُ  الفُرقانِ  نَفحَةُ  قُدسِــهِ     وَالســينُ    مِن    سُـــــــوراتِهِ   وَالراءُ[61]

جَرَتِ  الفَصاحَةُ مِن  يَنابيعَ  النُهى     مِن    دَوحِهِ    وَتَفَجَّــــرَ   الإِنشـــاءُ[62]

في   بَحرِهِ   لِلســابِحينَ  بِهِ عَلى          أَدَبِ    الحَياةِ    وَعِلمِهــا   إِرســـاءُ[63]

أَتَتِ   الدُهــورُ  عَلى  سُـــــلافَتِهِ وَلَم      تَفنَ  السُلافُ  وَلا  سَـــــلا  النُدَماءُ[64]

دولة الإسلام


        بِكَ يا  ابنَ عَبدِ اللهِ قامَت سَـمحَـــةٌ   بِالحَقِّ   مِن   مَلَلِ   الهُــــــدى غَرّاءُ[65]

بُنِيَت عَلى  التَوحــيدِ وَهيَ حَقيقَةٌ     نادى    بِـهـا    سُـقراطُ   وَالقُدَماءُ[66]

وَجَدَ  الزُعافَ مِنَ السُمومِ لِأَجلِها    كَالشَهدِ    ثُمَّ    تَتابَعَ   الشُـــهَداءُ[67]

وَمَشى  عَلى  وَجهِ  الزَمانِبِنورِها        كُهّانُ    وادي  النيـــــلِ وَالعُرَفــــاءُ[68]

إيزيسُ  ذاتُ الملكِ حينَ  تَوَحَّـدَت      أَخَذَت    قِوامَ   أُمورِهـا  الأَشــــياءُ[69]

لَمّا   دَعَوتَ   الناسَ  لَبّى   عاقِلٌ     وَأَصَمَّ    مِنكَ    الجاهِــلينَ   نِداءُ[70]
              أَبَوا  الخُروجَ  إِلَيكَ  مِن أَوهامِهِــمْ      وَالناسُ    في    أَوهامِهِـــمْ  سُجَناءُ[71]

وَمِنَ  العُقــولِ جَداوِلٌ وَجَلامِـدٌ         وَمِنَ    النُفوسِ   حَــرائِرٌ    وَإِمـــاءُ[72]

داءُ  الجَمــاعَـــــةِ  مِن  أَرِسطاليسَ لَم     يوصَــــف  لَــهُ   حَـــتّى   أَتَيتَ  دَواءُ[73]
         فَرَسَمتَ   بَعـــدَكَ   لِلعِبـادِ  حُكومَةً      لا   ســــوقَةٌ    فيها   وَلا   أُمَـــــراءُ[74]

اللهُ   فَوقَ    الخَلقِ   فيها   وَحدَهُ     وَالناسُ   تَحتَ   لِوائِهـــــــا   أَكفاءُ[75]

وَالدينُ    يُســرٌ    وَالخِلافَــةُ   بَيعَةٌ     وَالأَمرُ   شــورى  وَالحُقوقُ  قَضــــــاءُ[76]

الاشتِراكِيّونَ       أَنتَ    إِمامُهُــمْ     لَولا    دَعاوي   القَــــــــومِ  وَالغُلَواءُ[77]
            داوَيتَ    مُتَّئِــدًا     وَداوَوا  ظَفـــــرَةً     وَأَخَفُّ  مِن  بَعضِ الدَواءِ   الـــداءُ[78]

الحَربُ   في   حَقٍّ   لَدَيكَ شَــــريعَةٌ    وَمِنَ   السُـــــــمومِ   الناقِعاتِ  دَواءُ[79]

وَالبِرُّ    عِندَكَ     ذِمَّةٌ    وَفَريضَــةٌ     لا      مِنَّةٌ      مـَمنونَـــةٌ    وَجَباءُ[80]

جاءَت   فَوَحَّــــــدَت  الزَكاةُ سَبيلَهُ     حَتّى   التَقى    الكُرَمـاءُ  وَالبُخَــلاءُ[81]

أَنصَفَت أَهلَ الفَقــــــرِ مِن أَهلِ الغِنى     فَالكُلُّ   في   حَقِّ  الحَياةِ  سَــــــــــواءُ[82]

فَلَوَ    اَنَّ    إِنســــانًا  تَخَيَّرَ   مِلَّةً     ما   اختارَ   إِلّا  دينَكَ   الفُقَــــراءُ[83]

معجزة الإسراء والمعراج

يأَيُّها  الـمُســرى  بِهِ   شَـــرَفًا            إِلى   ما   لا   تَنـالُ  الشَمسُ وَالجَــوزاءُ[84]

      يَتَســــاءَلونَ وَأَنتَ   أَطهَـــــــرُ هَيكَلٍ       بِالروحِ    أَم    بِالهَيكَلِ الإِســــــراءُ[85]

     بِـهِما  سَـمَوتَ  مُطَهَّرَينِ كِلاهُمـــــا            نـــورٌ وَرَيحانِيَّـــةٌ      وَبـَهـــــــــاءُ[86]

فَضلٌ  عَلَيكَ  لِذي  الجَلالِ وَمِنَّةٌ   وَاللهُ   يَفعَـلُ  ما   يَرى  وَيَشــــــــاءُ[87]

تَغشى  الغُيوبَ  مِنَ العَوالِمِ كُلَّمــا    طُوِيَت  سَـــماءٌ   قُلِّدَتْكَ سَــــماءُ[88]

في  كُلِّ   مِنطَقَةٍ  حَواشي نورُهــــا   نونٌ    وَأَنتَ    النُقطَةُ    الزَهـــراءُ[89]
          أَنتَ  الجَمالُ بـِهـــا  وَأَنتَ الـمُجتَلى   وَالكَفُّ       وَالمِرآةُ      وَالحَســــناءُ[90]

اللهُ    هَيَّأَ   مِن    حَظيــرَةِ   قُدسِـهِ    نَزُلًا   لِذاتِكَ  لَم   يَجُــــــزْهُ عَــلاءُ[91]

العَرشُ    تَحتَكَ    سُـدَّةً   وَقَوائِمًا     وَمَناكِبُ   الروحِ    الأَمـــينِ وِطـاءُ[92]
          وَالرُســـــلُ دونَ العَرشِ لَم يُؤذَن لَهُمْ     حاشا     لِغَيرِكَ     مَوعِـدٌ   وَلِقـــاءُ[93]

شجاعته (ص) فى الحروب

الخَيلُ   تَأبى   غَيرَ   أَحمَــــدَ حامِيًا      وَبـِهـــــا   إِذا   ذُكِرَ   اسمُهُ  خُيَلاءُ[94]

شَيخُ    الفَوارِسِ   يَعلَمــونَ مَكانَهُ     إِن    هَيَّجَت    آســـادَها  الهَيجاءُ[95]
          وَإِذا     تَصَدّى    لِلظُبا   فَمُهَنَّدٌ        أَو    لِلرِماحِ    فَصَعدَةٌ   سَــــمراءُ[96]

وَإِذا   رَمى   عَن   قَوسِــــهِ   فَيَمينُهُ      قَدَرٌ   وَما   تَرمى  اليَمينُ   قَضاءُ[97]

مِن  كُلِّ  داعي  الحَقِّ  هِمَّــةُ  سَيْفِهِ        فَلِسَيْفِهِ    في   الراسِـــــــياتِ مَضاءُ[98]

ساقي الجَريحِ وَمُطعِمُ الأَســــرى  وَمَن     أَمِنَت   سَنابِكَ    خَيلِهِ  الأَشــــــلاءُ[99]
           إِنَّ  الشَجاعَةَ  في  الرِجـالِ  غَلاظَـةٌ       ما    لَم   تَزِنـْها  رَأفَـــــةٌ   وَسَخاءُ[100]

وَالحَربُ مِن شَرَفِ الشُعوبِ فَإِن بَغَـوا     فَالمجـــــــــــــدُ   مِـمّا    يَدَّعــــــــــــــــونَ  بَراءُ[101]

وَالحَربُ   يَبعَثُها   القَــوِيُّ تَجَبُّرًا          وَيَنوءُ   تَحتَ    بَلائِهــــــــا الضُعَفاءُ[102]
            كَم   مِن   غَزاةٍ لِلرَســـولِ  كَريمَةٍ        فيهــــا   رِضىً   لِلحَـــــقِّ  أَو  إِعلاءُ[103]

كانَت    لِجُندِ    اللهِ   فيها  شِـدَّةٌ      في     إِثرِهـــــــــا     لِلعالَمــينَ   رَخاءُ[104]

ضَرَبوا الضَـلالَةَ ضَربَةٌ  ذَهَبَت  بـِها     فَعَلى   الجَهالَةِ  وَالضَــــلالِ عَفاءُ[105]

دَعَموا عَلى  الحَربِ السَلامَ وَطالَمـا   حَقَنَت  دِماءً  في  الحــروب  دِماءُ[106]

الحَــقُّ   عِرضُ    اللهِ كلُّ   أَبِيَّـــةٍ      بَينَ   النُفوسِ   حِمىً  لَهُ وَوِقــاءُ[107]

هَل  كانَ  حَولَ  مُحَمَّدٍ مِن قَومِـــهِ      إِلا     صَبِيٌّ     واحِــــــدٌ   وَنِســـاءُ[108]

فَدَعا   فَلَبّى   في  القَبـائِلِ  عُصبـَةٌ     مُستَضعَفونَ    قَلائِـــــلٌ    أَنضـــاءُ[109]
          رَدّوا بِبَأسِ  العَزمِ  عَنــهُ مِنَ الأَذى        ما   لا   تَرُدُّ  الصَخـــــــــــرَةُ  الصَــمّاءُ[110]

وَالحَقُّ  وَالإيـمـانُ  إِن  صُبّا   عَلى     بُردٍ     فَفيهِ    كَتيبَةٌ    خَرســــــاءُ[111]

نَسَــــفوا  بِناءَالشِركِ   فَهوَ  خَرائِبٌ     وَاستَأصَـلـــوا   الأَصنــــامَ  فَهيَ  هَباءُ[112]

يـَمشـــونَ تُغضي الأَرضُ مِنهُمْهَيبَةً     وَبِـهِـــــمْ   حِيالَ  نَعيمِهــــــــــــا  إِغضاءُ[113]

حَتّى   إِذا  فُتِحَت  لَهُـــمْ   أَطرافُهــا    لَم   يُطغِهِـــــــمْ   تَرَفٌ وَلا نَعمــــــــاءُ[114]

عز الشفاعة

يا  مَن   لَهُ  عِزُّ   الشَـفاعَةِ  وَحدَهُ     وَهوَ   الـمُنَـــــــزَّهُ  ما   لَهُ   شُـــــفَعاءُ[115]
           عَرشُ  القِيامَةِ   أَنتَ  تَحتَ لِوائِــهِ       وَالحَوضُ   أَنتَ  حِيـــــــالَهُ  السَـــــقَّاءُ[116]

تَروي  وَتَسـقي  الصالِحينَ  ثَوابَهُــــمْ      وَالصالِحــاتُ     ذَخـائِرٌ    وَجَـــــــزاءُ[117]
           أَلِمِثْلِ  هَذا ذُقتَ  في الدُنيا الطَوى     وَانشَــــــــقَّ مِن  خَلَــــــــقٍ  عَلَيـكَ  رِداءُ[118]

دعاء وشكوى من الحال التي أصبح عليها المسلمون

لي في  مَديحِكَ يا  رَســولُ عَرائِسٌ    تُيِّمنَ     فيكَ   وَشــــاقَهُنَّ  جَــلاءُ[119]

هُنَّ   الحِســــــانُ  فَإِن قَبِلتَ  تَكَرُّمًا    فَمُهورُهُنَّ       شَــــــفاعَةٌ    حَسـناءُ[120]

أَنتَ   الَّذي    نَظَمَ  البَرِيَّةَ    دينُهُ    ماذا   يَقولُ    وَيَنظُـــــمُ    الشُــــــعَراءُ[121]

الـمُصلِحونَ   أَصــابِعٌ  جُمِعَت   يَدًا     هِيَ  أَنتَ بَل  أَنتَ اليَدُ البَيضـــــــاءُ[122]

ما جِئتُ بابَكَ مادِحًـا بَلْ داعِيًـــا       وَمِنَ    الـمَديحِ   تَضَرُّعٌ   وَدُعاءُ[123]

أَدعوكَ عَن قَومي الضِعافِ لِأَزمَــةٍ      في   مِثلِهــا   يُلقى   عَلَيكَ  رَجاءُ[124]

أَدرى   رَســـــــولُ  اللهِ  أَنَّ   نُفوسَهُمْ      رَكِبَت    هَواهـــــا   وَالقُلوبُ  هَواءُ[125]

مُتَفَكِّكونَ  فَما   تَضُمُّ   نُفوسَــــــهُمْ      ثِقَةٌ   وَلا   جَمَعَ  القُلـــــــوبَ  صَفاءُ[126]
        رَقَدوا    وَغَرَّهُمُ     نَعيـــمٌ    باطِلٌ        وَنَعيمُ    قَومٍ    في   القُيـــــــــودِ  بَلاءُ[127]

ظَلَموا   شَريعَتَكَ  الَّتي   نِلنا بـِهــــــــا       ما   لَم   يَنَل   في  رومَةَ الفُقَهــــاءُ[128]

مَشَتِ الحَضارَةُ  في سَـــناها وَاهتَدى      في   الدينِ  وَالدُنيا  بـِها السُــــعَداءُ[129]

في الصلاة على النبي (ص)

صَلّى عَلَيكَ اللهُ ما صَحِبَ الدُجى     حادٍ     وَحَنَّت   بِالفَــــــــلا  وَجناءُ[130]
          وَاستَقبَلَ   الرِضــوانَ  في   غُرُفاتِـهِمْ      بِجِنانِ    عَدنٍ   آلُكَ السُــمَحاءُ[131]
          خَيرُ  الوَسائِلِ  مَن يَقَع  مِنهُم عَلى     سَـبَبٍ   إِلَيكَ   فَحَســــبِيَ  الزَهراءُ[132]

[1] سورة الصف، الآية 6.

[2]  سورة القلم، الآية 4.

[3] الهدى: استعارة تصريحية شبه الشاعر محمدًا (ص) بالهدى وحذف المشبه وصرح بالمشبه به، والهدى ضد الضلال، ومحمد (ص) الرحمة المهداة، وفي التنزيل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، الكائنات: كل المخلوقات وكل الموجودات في هذا الكون، وفم الزمان: استعارة مكنية شبّه فيها الشاعر الزمان بإنسان له فم يبتسم، وتبّسم مصدر حل محل اسم الفاعل (متبسم)، كما في قوله تعالى: ﴿إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ﴾، والمقصود قاعدون، ثناء: شكر وحمد، يقول الشاعر: إن بمولده (ص) ولد الهدى للبشرية جمعاء، وتبّسم فم الزمان ثناءً وشكرًا لله تعالى.

[4] الروح: جبريل (ع)، والهاء في حوله متعلقة بِه، بشراء جمع بشير ككريم كرماء، والبشير هو الذي ينبئ بالخير ويخبر به، يقول الشاعر: إنه لدى مولده (ص) كان جبريل والملائكة حوله يبشرون به الدنيا والدين.

[5] العرش: العرش في الأصل شيء مسقف، وسُمي به مجلس السلطان وكني به عن العز والمنعة، وفي التنزيل: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾، وعرش الله المقصود في البيت ما لا يعلمه أحد من البشر على حقيقته إلا بالاسم، وقوله تعالى: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾، وما يجري مجراه إشارة إلى مملكته وسلطانه لا إلى مقر له تعالى عن ذلك، يزهو: الزهو التيه والكبر والفخر والعظمة، الحظيرة: الحظيرة ما يحاط بالشيء ويحظره على الآخرين، وهنا المقصود حظيرة القدس وهي الجنة، وفي الحديث (لاَ يَلِجُ حَظِيرَةَ القُدْس مُدْمنُ خَمْرٍ)، سدرة المنتهى هي شجرة الخلد وهي موجودة في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض، وما ينزل من فوقها فيقبض.

[6] الربا: جمع ربوة وهي المكان المرتفع ولكن دون الجبل، شذية: عطرة، غناء: عشبها كثيف ملتف لأن الريح تـمر بـها غير صافية الصوت وكأن بها غنة.

[7] الوحي: هو القرآن الكريم أوحى به الله سبحانه وتعالى إلى نبيه (ص)، والوحي هنا هو الإخبار بالكلمة والمعنى، ولغةً هو الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام، غير أن الإلهام هو ما يلقى في الروع وهو نوع من الوحي. يقطر: قطر الماء والدمع وغيرهما من السيال. سلسل: السلسل هو الماء العذب، وقيل البارد أيضًا يسهل دخوله إلى الحلق. رواء: الرواء حسن المنظر في البهاء والجمال، والشاعر في هذه الأبيات يصور ما حدث عند مولد الرسول (ص).

[8] طغراء: نوع من الخط العربي تكتب به الكلمات المراد تـميزها، وهذا البيت مما أرى فيه تجاوزًا من الشاعر، فاللوح المحفوظ من الغيبيات التي احتفظ بـها المولى سبحانه وتعالى لنفسه، ولم يطلع عليها أحدًا إلا بالقدر الذي يريده سبحانه وتعالى.

[9] طه: يقصد محمدًا (ص).

[10] تحية: نصبت على المصدر والتقدير نحييك تحية؛ والمخاطب في البيت هو الرسول (ص)، وقد يقصد الشاعر بالمرسلين الهداة والأئمة من البشر الذين يهدون الناس بـهديه (ص). 

[11] الحنفاء والأحناف: الحنيف المسلم، وقيل هو الذى يستقبل البيت الحرام على ملة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقيل: كل من أسلم لأمر الله، وجمعه حنفاء، ولم تعرف اللغة جمعًا غيره، فكلمة الحنائف ليس لها أصل لغوي. 

[12] حازهم: أصل الحوز السير الشديد والرويد، والسوق اللين، وحاز الإبل ساقها رويدًا، أحرزت: حفظت وصانت؛ والمقصود هنا أن آدم (ع) ساق إليه (ص) خير الآباء واحدًا بعد الآخر، وحفظتهم له حواء.

[13] العزة القعساء: الثابتة المنيعة.

[14] خلقت لبيتك؛ أي العزة، والبيت شرح وتأكيد لما قبله.

[15] تضوعت: ضاعت الرائحة، وتضوعت نفحت، وتضوع المسـك انتشرت رائحته، وفى الحديث: جاء العباس فوقف بالباب وهو يتضوع من الرسول (ص) رائحة لم يجد مثلها، ويقول عبد الله بن نمير الثقفي: تضوعَ مسكًا بطنُ نعمانَ أن مشتْ به زينبٌ فى نسوةٍ خفراتِ. الغبراء: الأرض، والمعنى أن الله بشر السماء بـمولده (ص) فبدت في أبـهى زينتها، وبشر الأرض فنفحت منها رائحة المسك.

[16] محياك: وجهك، قسماته: القسمات مجاري الدموع، وقيل ما بين العينين، غرته: الغرة الجبهة، والمعنى واضح.

[17] رونق: الرَّوْنَقُ: ماء السيف وصَفاؤه وحُسنه، ورَوْنَقُ الشباب: أَوّله وماؤه، وكذلك رونق الضُّحى، الخليل هو سيدنا إبراهيم (ع)، والبيت استكمال لما قبله.

[18] أثنى: أثنى عليه مدحه، تـهللت واهتزت كناية عن الفرح والسرور.

[19] يتيه: يفتخر ويزهو، وضّاء: متلألئ النور شديد الإضاءة، يقول الشاعر: إن يوم مولده (ص) موضع فخر وزهو لصبحه على الزمان كله، ومساؤه متلألئ النور.

[20] مظفر: الظفر هو الفوز بالمطلوب، ورجل مظفر: لا يحاول شيئًا إلا ظفر به، وأيضًا صاحب دولة فى الحرب، في الملك: أي في ملك الله عز وجل، لا يعلو عليه لواء كناية عن الرفعة وعلو المكانة؛ أي علا صوت الحق فى ذلك اليوم فلم يعبد غير الله ولم يظلم فيه أحد، وهو تعبير عن قداسة ذلك اليوم وطهره.

[21] ذعرت: الذعر الخوف والفزع، زلزلت: اهتزت بشدة، وفيه استعارة لأن الزلزلة تكون للأرض، وفي التنزيل: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾، أصداء جمع صدأ، وهو تغير يحدث فى المعادن إذا تعرضت لمؤثرات خارجية معينة، والبيت شرح لما قبله.

[22] والنار خاوية الجوانب: يقصد نار الفرس التي يقال إنـها خمدت يوم مولده (ص)، وغاض الماء: يقصد بحيرة ساوة التي يقال: إن ماءها غاض يوم مولده (ص) أيضًا، وهذه روايات لم ترد في كتب السيرة الصحيحة.

[23] الآي جمع آية، والمقصود آيات القرآن، تترى: تتوالى، الخوارق جمع خارقة وهي المعجزة، جمة: كثيرة، روّاح بـها غداء: أي يروح بـها ويغدو،كناية عن كثرة مجيئه (ع) إلى النبي (ص) بالوحي.

[24] مخايل: جمع مخيلة؛ وهي السحابة تحسبها ممطرة، ومخايل فضله: سحائب فضله؛ أي ما يفيض بالخير من فضله، وهذا البيت وإن صح شطره الثانى في كثير من الأحوال إلا أني لا أكاد أقبله، والسبب هو أن اليتم، الذي يتحدث عنه الشاعر ليست له صلة بشخصية الرسول (ص)، فقد أدبه ربه فأحسن تأديبه، وهيأه لتلقي الرسالة التي أنقذت البشرية من الشرك والظلم والطغيان، وكونه (ص) يتيمًا فذلك من مقتضيات الرسالة، فقد روي أن رجلًا من أهل الكتاب هو بحيرا رأى الرسول (ص) صبيًّا، فعرفه مما روي عندهم في التوارة، فسأل عن أبيه فقيل له هو ابن عبد المطلب، فقال لا إن هذا الطفل لا بدّ أن يكون يتيمًا، إلى آخر القصة.

[25] الحيا: المطر، البأساء: شظف العيش.

[26] يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن محمدًا (ص) كان معروفًا في صباه بالصادق الأمين، وقد ورد هذا في الكتب الصحاح.

[27] العلا: جمع العليا، وما تـهوى العلا؛ أي ما يتفق معها في علو القدر، والبيت كناية عن سمو أخلاقه (ص) وعلو قدرها.

[28] الآناء: ساعات الليل، وفي التنزيل: ﴿وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ..﴾، والمقصود أنه لو لم يكن محمد (ص) مرسلًا من لدن المولى عز وجل للبشرية لإقامة دينه في الأرض لكانت أخلاقه بـمثابة دين يضيء بنوره الليل؛ أي الظلام الذي تعيش فيه البشرية.

[29] زانتك: زان جمّل وحسّن، شمائل: طباع جمع شِمال؛ أي أن أخلاق محمد (ص) موضع إعجاب وإغراء وولع للكرماء من الناس، واختص الشاعر الكرماء لأنـهم مجبولون على الأخلاق الكريمة ولا يولعون إلا بـمثلها.

[30] أياء: الأياء النور، أياء الشمس نورها وضوءها وحسنها، وفى البيت استعارة شبه الحسن بشيء له سماء، والرسول (ص) الشمس التي تضيئها. 

[31] سخوت: السخاء الجود والكرم، سخا يسخو: أعطى جودًا وكرمًا، المدى: نـهاية كل شيء وذروته، الأنواء جمع نوء؛ وهو النجم، الذي يأتي بالمطر يقال مطرنا بنوء كذا، والمقصود هنا المطر على سبيل المجاز، والمعنى أن الرسول (ص) إذا أعطى جودًا وكرمًا بلغ ذروة العطاء، وفعل ما لا يفعل المطر بالأرض الجدباء.

[32] عفوت: العفو الصفح والتجاوز، يستهين بكذا: يقلل من قدره، الجهلاء جمع جاهل؛ أي لا يعفو الرسول (ص) عن ضعف ولكن عن قدرة وقوة ويقدّر عفوه الناس جميعًا حتى الجاهلون منهم.

[33] رحمتَ: رأفت وترفقت، وقال الشاعر: الرحماء، ولم يقل الرحيمان ليقصر رحماء الدنيا على الأب والأم، أي حين يرحم الرسول (ص) ضعيفًا يـمثل بين يديه صار كأنه أبوه أو أمه فهذان هما رحماء الدنيا.

[34] ضغن: حقد، بغضاء: كراهية، أي إذا غضب الرسول (ص) فغضبته في الحق دائمًا، وليست بسبب حقد على من غضب منه أو كراهية له.

[35] تحلّم: تكلف الحِلم؛ أي إن رضا الرسول (ص) من مرضاة الله عز وجل، ورضا كثير من الناس تكلف للحلم ورياء لهم.

[36] هزة: رجفة ورعشة، وتـهتز المنابر كناية عن قوة تأثير الخطبة لدرجة أنـها تـهز المنبر، تعرو: تغشى وتنتاب، وفي التنزيل: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾، النديّ: المجلس؛ أي إن الرسول (ص) حين يخطب تـهتز المنابر لخطبه هزة تنتاب المجلس وتبكي لها قلوب الحاضرين.

[37] قضيت: حكمت بين متخاصمين، ارتياب: شك؛ أي لا يرتاب في حكمك أي من المتخاصمين وفيه كناية عن العدل المطلق.

[38] حميت الماء: منعته، لم يورد: لم يشرب منه أحد، يقول الشاعر: إن الرسول (ص) لو منع الماء لم يقترب منه أحد ولو كان الملوك والقياصرة ظماء، وفيه كناية عن القوة والمنعة.

[39] أجرت: أجار فلانًا أدخله في جيرته أي حمايته، واستجار فلان بفلان طلب منه الحماية، وفي التنزيل: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ﴾، وعداء فاعل يدخل والمستجير مفعول أجرت، والمعنى أن الرسول (ص) إذا أجار أحدًا أمن من يجيره كأنه مسجد من دخله كان آمنًا.

[40] ببرها: البر كلمة جامعة لكل معاني الخير، الشاء جمع شاة؛ أي أنه (ص) يعامل من كان ملك يـمينه بالحسنى حتى لو كان حيوانًا.

[41] بنيت: تزوجت وتتعدى لحرف الجر الباء، نقول بنى فلان بفلانة أي تزوجها، ابتنيت: أصبحت لك ذرية، يخاطب الشاعر الرسول (ص) فيقول: إنه خير زوج في عشرته وخير أب لأولاده، وفي هذا البيت إشارة إلى قوله (ص): (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

[42] في بردك: البرد نوع من الثياب، والمقصود بههنا: في صحبته (ص) على سبيل المجاز المرسل، وفي البيت كناية عن وفائه (ص) لكل أصحابه وخلطائه.

[43] ذمة: الذمة الأمان والضمان والحرمة، والمعنى أن الرسول (ص) كان يوفي العهود سواء أخذ العهد على نفسه، أو عاهد غيره.

[44] غضنفر: من أسماء الأسد، والشطر كناية عن الشجاعة والإقدام، النكباء: الريح، والشطر كناية عن السرعة؛ أي أنه (ص) يواجه الأعداء أسدًا ولا يتوانى في مواجهتهم وقتالهم.

[45] تـمد حلمك: تطيله، للسفيه: السفيه نقيض الحليم، وأصل السفه الخفة والحركة وقيل الجهل، وفي البيت كناية عن حلمه (ص).

[46] سطاك: السطو القهر بالبطش، والسطوة المرة الواحدة منه والجمع سطوات وسُطا، نداك: كرمك والمعنى أن بطشته (ص) قاهرة تترك في نفس كل من يلقاه مهابة، وسعة كرمه (ص) تجعل في نفس كل من يلقاه رجاء فيه.

[47] المهند: السيف، ولم ينض أي لم يُخرج من غمده، دونه: قبله، والمعنى أن الرأي يخرج من فم الرسول (ص) قبل أن يُخرج السيف من غمده، وهو قاطع كالسيف ولكن لا تُلغى به آراء الآخرين من ذوي الرأي والمشورة.

[48] حسبك: يكفيك، دانت: دان به أي أحبه، وفي حديث الإمام علي (ع)، محبة العلماء دين يدان به، والمعنى: يكفي الرسول وهو الأمي، الذي لا يقرأ ولا يكتب ما أوتي من علم جعله موضع حب للعلماء لعلمه.

[49] الذكر: القرآن الكريم، والشاعر يبدأ حديثه عن القرآن بـهذا البيت مثبتًا أنه المعجزة الكبرى التي تغني طالب المعجزات عن أية معجزة أخرى.

[50] اللغى: جمع لغة، أي هو في صدر البيان في كل لغات العالم، وليس في اللغة العربية وحدها، وهو في صدر البيان إذا تقدم البلغاء والفصحاء بأدبـهم.

[51] نسخت: النسخ إبطال الشيء بشيء آخر، ذكاء: الشمس، والمعنى أن القرآن الكريم جاء فأبطل التوارة بـما فيها من أحكام وشرائع، وتخلف عنه الإنجيل وكان كالشمس ظهورًا.

[52] عكاز: سوق كان ملتقى الشعراء في الجاهلية، حراء: الغار الذي نزل فيه الوحي على الرسول (ص)، أي حينما تناقل الناس القرآن لم يعد للشعر سوق بينهم، وحل غار حراء محل سوق عكاظ.

[53] أزرى به: قَصَّرَ به وحَقَّرَه وهَوَّنه، وحي: فاعل أزرى والمقصود القرآن، والهاء في أهله متعلقة بالحجاز في البيت السابق، وهو مكان بالجزيرة العربية تقع فيه مكة المكرمة، والمعنى أن القرآن حقر وهون من منطق أهل الحجاز وبيانـهم وكانوا معروفين بالبلاغة والفصاحة.

[54] حسدوا؛ أي المشركون، والمعنى أنّهم قالوا عنه (ص) إنه شاعر، وقالوا ساحر حسدًا من عند أنفسهم، والاستهزاء يأتي من الحاسد دائمًا، أو أن الحاسد هو الذي يُستهزأ منه، ويستقيم المعني في الحالتين، والمعنى الأول أقرب للصحة وأوقع.

[55] فاعل نال هو الحجاز، بالهادي الكريم يقصد محمدًا (ص)، بالهدى: يقصد القرآن الكريم، سؤدد: مجد ورفعة، وذكر الشاعر سيناء لأنّها شهدت نزول الرسالة على سيدنا موسى (ع)، أما الحجاز فقد شهد نزول الرسالة على سيدنا محمد (ص).

[56] الخطاب للرسول (ص)، واسم أمسى ضمير متعلق بالحجاز، بيداء: البيداء الفلاة أو المفازة لا شيء بـها، وسميت كذلك لأنـها تبيد سالكها، يقول الشاعر: إن الحجاز أمسى كأن محمدًا (ص) به أمة، وكأن الحجاز على ما فيه من أنس بيداء مقفرة.

[57] النور؛ أي القرآن الحكيم، والهاء في ظلمائه متعلقة بالحجاز، تجلى: تنكشف.

[58] لبناته: اللبنة هي وحدة البنـاء مثل الطوب أو الصخر ونحوهما، السـورات أي سور القرآن، والأضواء كناية عن الهدى، الذي جاء به محمد (ص). 

[59] الضمير فيه متعلق بدين في البيت السابق؛ أي إن الدين يشيد على أساس من الحق، ولا عجب لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يشيده.

[60] مشرع: مكان ورود الماء، الغوالي: الغاليات، يقول الشاعر: إن الأحاديث النبوية هي المحل، الذي تأخذ منه العقول العلم والحكم الغالية.

[61] الفرقان: القرآن يفرق بين الحق والباطل، وصبغة الفرقان ما يفسره ويوضحه، نفحة: دفعة الريح، قدسه: طهره، والسين والراء أي سر، أي أن الأحاديث النبوية نفحة قدسية من القرآن، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ﴾ (سورة الجم، الآية 3). 

[62] النهى: العقول، دوحه: الدوح الشجر الملتف، يقول الشاعر: إن الفصاحة مستمدة من الحديث النبوي، ومنه تفجر الإنشاء.

[63] إرساء: تثبيت، وأرسى السفينة: ثبتها عند شاطئ البحر، وفي التنزيل: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾، أي من يسبح في الأحاديث النبوية يرسو على أدب الحياة وعلمها.

[64] سلافته: السلافة أجود الخمر، الندماء: جمع نديم، وهو رفيق الشراب، والمقصود من يتعاطون الحديث النبوي قراءة ودراسة، والمعنى أن الأزمنة توالت عليها فلم تبل من كثرة ترديدها ولا سلاها الدارسون وطلاب العلم.

[65] سمحة: ملة، وإنـما قال سَمحة من السماح وهو العطاء والجود عن كرم؛ لأن ملة الإسلام لا تضييق فيها ولا إجبار، فهي ملة سمحة، وابن عبد الله هو الرسول (ص). 

[66] التوحيد هو أس العقيدة الإسلامية، وسقراط من فلاسفة اليونان القدماء، أي أن عقيدة التوحيد هي عقيدة الفطرة التي نادى بـها الفلاسفة من قديم الزمان.

[67] الزعاف: الزعاف من السموم الشديدة القتل، وفاعل وجد ضمير متعلق بسقراط في البيت السابق، والمعنى أنه مات من أجلها بالسم وقد تناوله كأنه يتناول الشهد، ثم تتابع شهداء هذه العقيدة بعد ذلك.

[68] كهان: الكاهن هو الذي يدعي التنبؤ بالغيب، وفي التنزيل: ﴿وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾، والعرفاء هم الذين يدعون معرفة ما حجب عن الآخرين بطريقة أو بأخرى جمع عرّاف، أي مشى واهتدى بنور عقيدة التوحيد كهان وادي النيل والعرفاء، والمعروف أن الحضارة الفرعونية عرفت التوحيد وآمن به شعب مصر من قديم الأزل.

[69] إيزيس من ملكات الفراعنة، والأشياء فاعل أخذت أي استقامت على وضعها الصحيح، والبيت شرح لما قبله

[70] دعوت الناس؛ أي دعوتـهم إلى عبادة الله الواحد، أصم: أصابه بالصمم والمقصود أصم آذانـهم، أي لما دعوت الناس إلى عبادة الله الواحد لبى العقلاء منهم أم الجاهلون فقد أصابـهم النداء بالصمم فلم يستجيبوا للدعوة.

[71] أبوا: رفضوا، والفاعل ضمير متعلق بالجاهلين في البيت السابق، أوهامهم: الوهم من خطرات القلب، والمقصود هنا ضلالاتـهم، والبيت استطراد لما قبله.

[72] جداول جمع جدول وهو النهر الصغير، جلامد: صخور، حرائر جمع حرة وهي المرأة الحرة، إماء جمع أمة وهي المرأة المملوكة ذات العبودية؛ أي إن عقول الناس إما أنـهار تفيض بالعلم والمعرفة، وإما صخور لا تتحرك ولا تستجيب لمن يحركها بسهولة، ونفوسهم إما حرائر يتبعن ما يرين أنه الحق، وإما إماء يعشن مملوكات لغيرهن، وهذا البيت من الأبيات رفيعة القدر لا يتاح إلا لمثل شاعرنا.

[73] داء الجماعة: يقصد الأمراض المتفشية في المجتمعات كالرق والفقر والظلم وغيرها، أرسطاليس من فلاسفة اليونان القدامى؛ أي لم يستطع أحد إصلاح المجتمع وتنظيم حياة الجماعة إلا الرسول (ص).

[74] سوقة: الرعية للواحد والجمع والمذكر والمؤنث، والمقصود عامة الشعب؛ أي وضعت أسس الحكومات العادلة التي يتساوى فيها السوقة مع الأمراء والحكام أمام شريعة الحق تبارك وتعالى.

[75] أكفاء: جمع كفء وهو الند والنظير، أي متساوون، المعنى أن الناس تحت لواء الحكومة الإسلامية متساوون لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، والله وحده فوق الجميع.

[76] هذا بيت جامع لأركان الدولة الإسلامية، فالدين يسرٌ لا عسر فيه، والأمر يُبت فيه برأي الجماعة لا برأي الفرد، قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، أما حقوق الناس فيصونـها قضاء عادل يحكم بـما أنزل الله، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، وهذا البيت يحسب أيضًا لأحمد شوقي لرقيه واجتماع هذه المعاني فيه.

[77] الاشتراكيون: أصحاب المذهب الاشتراكي، الذي يتبنى الكثير من المبادئ التي قامت عليها الدعوة الإسلامية، دعاوى جمع دعوى، بـمعنى قول، وفي التنزيل: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾، الغلواء: سرعة الشباب وفورته؛ أي إن الدعوة التي بعث بـها محمد (ص) سبقت دعوة الاشتراكيين في العصر الحديث بعدة قرون لولا دعاوى الناس والشباب منهم خاصة.

[78] متئدًا: مترفقًا، أصلها تيد بمعنى رفق، يقال تيدك: أي اتئد، طفرة: الطفرة: الوثبة، طفر الحائط أي تخطاه إلى ما وراءه، وفي الحديث: فطفر عن راحلته، والمعنى أن الإسلام داوى أمراض المجتمع برفق وتؤدة، بينما داوى أصحاب المذهب الاشتراكي بطريقة فيها حدة، فنشأت أمراض أخرى فلو تركوا الداء لكان أخف مما أحدثه الدواء، الذي جاؤوا به، وهذا الشطر يصح أن يجري مجرى الحكمة.

[79] الشريعة: ما شرع الله لعباده، ولغة: المواضع يُنحدر إلى الماء منها، نقول: شرع الوارد أي تناول الماء، الناقعات: سم ناقع أي قاتل يفتك بـمن يتناوله، أي أن الحرب في العقيدة الإسلامية شريعة حين لا يكون هناك بد منها لدفع شر أو لاسترداد حق، كما أن من السموم القاتلة تصنع أدوية لكثير من الأمراض.

[80] البر: كلمة جامعة لكل أوجه الخير ويقصد بـها هنا الإحسان إلى الفقراء. ذمة: الذمة هي العهد والضمان والحرمة، منة: المنة هي إظهار الفضل حينًا بعد حين على سبيل الإذلال، وفي التنزيل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾، ممنونة: متبوعة بالشكر والثناء، جباء: فرض أموال أو أشياء على  الناس من قِبل الحاكم بسبب أو بغير سبب تؤخذ بالقوة، وأصلها جبا ومدها الشاعر للضرورة، والفعل جبى يجبي، أي أن نصيب الفقراء من أموال الأغنياء حدده الإسلام في الزكاة التي هي في ذمة الأغنياء وليس من باب المنة أو الجباية.

[81] الضمير في سبيله متعلق بالبر في البيت السابق، والبيت شرح لما قبله.

[82] أنصفت: الإنصاف العدل؛ أي إن الدين الإسلامي أنصف الفقراء من الأغنياء وضمن لهم حق الحياة، والبيت استطراد لما قبله.

[83] ملة: دينًا، والمعنى أن الدين لو كان حسب اختيار الإنسان لاختار الفقراء الدين الإسلامي لما فيه من عدل ومساواة وإنصاف للجميع، وقد يبدو للبعض أن الشاعر قصر اختيار الدين الإسلامي على الفقراء مما يقلل من شأن هذا الدين الذي يختاره كل من يعمل عقله في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (ص) دون تفريق بين غني أو فقير، بيد أن الشاعر قصر الإسلام على اختيار الفقراء، ولم يقصر اختيار الدين الإسلامي على الفقراء.

[84]  المسرى به: أي محمد (ص) أسرى به الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وشرفًا؛ أي لتنال شرفًا، الجوزاء: نَجْم يقال إِنه يعترض في جَوْز السماء. والجَوْزاءُ: من بُرُوج السماء والبيت كناية عن غاية الشرف والمجد والرفعة.

[85] هيكل: يقصد جسد، والمعنى أن الناس يتساءلون هل كان الإسراء بالروح أم بالجسد؟

[86] سموت: ارتقيت، والشاعر يرد على تساؤل الناس بأن المعراج قد تم بالروح والجسد مطهرين، وريحانية: منسوبة إلى الريحان وهو كل بقلة طيبة الريح، والبهاء المنظر الحسن يملأ العين.

[87] ومنة: المنة النعمة والإحسان، والمعنى أن الإسراء فضل ومنة من الله تعالى، والله يفعل ما يشاء.

[88] تغشى الغيوب: غشي الأمر باشره ولابسه، والغيوب جمع غيب، والبيت يصف رحلة المعراج.

[89] حواشي جمع حاشية؛ وهي جانب كل شيء وطرفه، الزهراء: الحسناء البيضاء، يقول الشاعر: إن الرسول (ص) هو الذي يشع منه النور، الذي ينبعث من حواشي كل منطقة يحل فيها في رحلة المعراج.

[90] المجتلى: هو الذي تقع عليه الأنظار، والضمير في بـها متعلق بـمنطقة في البيت السابق، والشاعر هنا يصف الرسول (ص) بأنه الجمال كله.

[91] حظيرة قدسه: من حديث علي بن أبى طالب (ع): “حظيرة القدس في السماء السابعة وبـها ملائكة يقال لهم الروح، وفي لفظ الروحانيون، فإذا كانت ليلة القدر استأذنوا ربـهم في النزول إلى الدنيا فيأذن لهم فلا يـمرون على مسجد يصلى فيه ولا يستقبلون أحدًا في طريق إلا دعوا له فأصابه منهم بركة”، لم يجزه علاء أي لا ارتفاع بعده، والمعنى أن الله هيأ حظيرة القدس ليحل محمد في أعلى مكان بِها.

[92] سدة: السدة باب البيت، وسدة الحكم كرسيّه، المناكب مُجْتَمَعُ عَظْمِ العَضُدِ والكتِفِ، وحَبْلُ العاتِق من الإِنسان والطائرِ وكلِّ شيءٍ، وطاء: الوطاء ما انخفض من الأرض بين النشاز والأشراف، والمعنى: أن رسول الله (ص) حل فوق العرش تحمله مناكب جبريل (ع).

[93] أي أن الرسل (ع) لم يصلوا إلى ما وصل إليه الرسول (ص) بل بقوا تحت العرش.

[94] خيلاء: زهو وافتخار، والمعنى: تأبى الخيل إلا أن يحميها رسول الله (ص)، وإذا ذكر اسمه لها افتخرت، والبيت كناية عن شجاعته (ص).

[95] هيجت آسادها: استفزت شجعانـها وقادتـها، الهيجاء: الحرب، أي هو الفارس المغوار تعلم الخيول مكانه فى الحرب؛ إذ إنه يكون في أشد الأماكن خطورة وأقربـها إلى الأعداء.

[96] للظبا: الظبا جمع ظبة؛ وهي حد السيف، والمقصود هنا السيوف على سبيل المجاز المرسل، مهند: سيف قاطع، صعدة: القناة المستوية؛ أي إنه (ص) يدفع السيوف عنه كأنه سيف ويدفع القنا كأنه قناة ضاربة.

[97] القدر والقضاء بيد الله سبحانه وتعالى، والشاعر يقول: إن يـمين رسول الله (ص) إذا رمت في الحرب كانت قدرًا، وما ترمي به يصيب الأعداء كالقضاء. 

[98] همة سيفه: ما يهم به من أمر، الراسيات: الجبال، مضاء: قطْع؛ أي إن الرسول (ص) لا يهم بسيفه إلا لدواعي الحق فإذا هم لأمر قطع سيفه في الجبال الراسية، وفيه كناية عن القوة.

[99] سنابك خيله: أقدامها، الأشلاء: جمع شلو وهو الجلد والجسد من كل شيء، والمقصود بقايا جثث القتلى في الحرب، والشاعر يصف أخلاق الرسول (ص) في الحرب بأنه يسقي الجرحى ويطعم الأسرى ولا يدوس بسنابك خيله على جثث القتلى لحرمتها.

[100] رأفة: أشد الرحمة أو هي أرق من الرحمة، سخاء: كرم وجود؛ والمعنى أن الشجاعة إن لم تزنـها رأفة وسخاء كانت غلظة في النفس.

[101] بغوا: جاروا على الحق والضمير متعلق بالشعوب في الشطر الأول؛ أي إن الحرب شرف للشعوب يبنون بـها مجدهم إلا أن تكون الحرب ظلمًا وعدوانًا فالمجد بريء ممن يظلمون.

[102] تجبّرًا: تكبّرًا، أو القتال في غير الحق، ينوء: ينوء بالشيء ينهض به بشدة ويثقل عليه، بلائها: البلاء الاختبار ويكون في الخير والشر؛ والمقصود هنا ويلات الحرب؛ أي إن القوي يعلن الحرب تجبّرًا ولكنها تثقل على الضعيف ويقاسي هو ويلاتـها.

[103] غزاة: غزوة، إعلاء: إعلاء لكلمته، أي أن كل الغزوات التي خاضها الرسول (ص) كانت لإعلاء كلمة الحق وإرضاء لله سبحانه وتعالى.

[104] شدة: قوة وبأس، في إثرها: عقبها، والمعنى أن شدة جند الله الذين يحاربون تحت لواء الرسول (ص) كان يتبعها رخاء ولين عيش.

[105] عفاء: العفاء التراب، عليه عفاء كناية عن اندحاره، وفاعل ضربوا ضمير متعلق بجند الله في البيت السابق، والمعنى أنـهم كانوا يضربون الضلالة، ليزيحوها عن طريق الهدى والحق.

[106] حقنت: حقن الدماء منع نزيفها والمراد منع القتال، الذي يؤدي إلى إسالة الدماء، والمعنى أن الحروب التي خاضها المسلمون الأوائل كانت لدعم السلام في البلاد التي كانت ترزح تحت نير الظلم والاستعباد، فكأن هذه الحروب التي سالت فيها دماء حقنت دماء كانت عرضة لأن تسيل جراء الظلم والبغي.

[107] أبية: يقصد نفس أبية تثور للحق وتدافع عنه، والمعنى أن النفوس الأبية تحمي الحق وتصونه لأنه عرض الله في الأرض.

[108] صبي واحد: هو على بن أبي طالب؛ والمقصود أنه في بداية الدعوة لم يكن حول الرسول (ص) إلا صبي واحد هو علي بن أبي طالب، ونساء يقصد زوجته خديجة بنت خويلد.

[109] أنضاء: جمع نضو وهو الهزيل، هنا يستكمل الشاعر ما بدأه في البيت السابق فيقول: إنه (ص) دعا إلى الله فلبى دعوته قوم ضعاف لا حول لهم ولا قوة.

[110] بأس العزم: قوته وشدته؛ أي إن الذين التفوا حول رسول الله (ص) دفعوا عنه الأذى بعزمهم وقوة إيـمانـهم أكثر مما تفعل الصخرة.

[111] برد: نوع من الثياب، وفي البيت كناية عن قوة الحق والإيمان إذا اجتمعا في النفوس.

[112] نسفوا: أزالوه من أساسه، وفي التنزيل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا﴾؛ أي يذريها تذرية ويقتلعها من أصولها، هباء: الهباء التراب الذي تطيره الريح؛ أي إن جند الله من المسلمين الأوائل هدموا بناء الشرك واقتلعوه، وجعلوا الأصنام ترابًا تذروها الرياح.

[113] تغضي: أغضى أطبق جفنيه على حدقته، والشطر الأول كناية عن علو قدرهم ومهابتهم، إغضاء: إدناء الجفون، والشطر الثانى كناية عن تعففهم وزهدهم فى الدنيا.

[114] فتحت لهم أطرافها: أي اتسعت رقعة دولتهم، ترف: تنعُّم ورفاهية؛ أي بعد أن فتحوا الأمصار لحكمهم لم يطغهم ترف الدنيا ولا نعيمها.

[115] الشفاعة لغةً: الطلب، شفع وتشفع بِمعنى طلب، واستشفع بفلان، وتشفع له وإليه، فشفعه فيه، والشفيع الشافع من يطلب لغيره شيئًا، والجمع شفعاء، وفي التنزيل: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا..﴾، والشفاعة: هنا الدعاء وطلب المغفرة والرحمة للمسلمين من الله سبحانه وتعالى، والرسول (ص) هو شفيع أمته يوم القيامة ولا يشفع له أحد لأنه أشرف الخلق أجمعين.

[116] الحوض: هو حوض الرسول (ص) يسقي منه أمته يوم القيامة، وفي الدعاء سقاك الله بحوض الرسول (ص) ومن حوضه، والشاعر يبرز مكانته (ص) يوم القيامة في باب الشفاعة.

[117] الصالحات:كل أعمال البر بـما فيها العبادات، ذخائر: جمع ذخيرة وهي ما ادخر واعتد به، والمعنى أن الرسول (ص) يوم القيامة يسقي الصالحين من الحوض، فالأعمال الصالحة عدة المؤمن يجزى بِمثلها يوم القيامة.

[118] الطوى: الجوع، خَلَقٍ: خلق الثوب بَلِيَ، ومن خلقٍ؛ أي من بِلَى الثوب، والمعنى: لهذه المكانة تحمّل الرسول (ص) الجوع وشظف العيش وانشقاق الثياب عليه من بلاه.

[119] عرائس: استعارة تصريحية، شبه الشاعر قصائده في مدح الرسول الكريم (ص) بالعرائس وحذف المشبه وصرح بالمشبه به، تُيمن: تيم به وفيه؛ أي استولى عليهن حبه، شاقهن: هيج شوقهن، جلاء: الأمر البين الواضح، وفي التنزيل: ﴿لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلا هُو﴾، الشاعر هنا يشبه قصائده في مدح الرسول (ص) بالعرائس التي تذوب فيه حبًّا وعشقًا؛ أي قالها من واقع حبه له، هيج شوقهن إليه ما ظهر للشاعر من مناقب الرسول (ص).

[120] هن الحسان: يقصد قصائده، يقول الشاعر مخاطبًا الرسول (ص): إذا قبلت هذه القصائد تكرّمًا فلا أريد جزاء إلا شفاعة حسناء يوم القيامة. 

[121] البرية: الخلق، دينه: أي الدين، الذي بعث به (ص) وهو الإسلام، يقول الشاعر: إن الدين، الذي بعث الرسول ليقيمه في الأرض قد نظم حياة الناس، والشطر الثاني كناية عن انقطاع أي حديث للشعراء وغيرهم بعدما جاء هذا الدين فوضع أسس الحياة بـما جاء في القرآن وفسرته السنة النبوية.

[122] اليد البيضاء: اليد الكريمة التي تُمد بالخير دائمًا، يقول الشاعر: إن الرسول (ص) جاء بكل ما جاء به المصلحون على مدى تاريخ البشرية وأكثر مما جاؤوا به، فهو يد بيضاء على البشرية كلها.

[123] يريد: ما جئت بابك مادحًا فحسب، بل داعيًا وإنّما حذف فحسب لكونـها مفهومة من السياق، تضرع: تذلل وخضوع وخشوع، وفي التنزيل: ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾. 

[124] الضِّعاف جمع الضعيف، أزمة: ضائقة، رجاء: عقد الأمل في تحقيق غاية، والرجاء أيضًا الخوف والخشية، وفي التنزيل: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾، يقول الشاعر: إنه يدعو الرسول لأزمة تـمر بـها الأمة الإسلامية محدقة الخطر ومنذرة بعواقب وخيمة- يقصد حالة الضعف والهوان التي تـمر بـها الأمة- يدعوه ويرجوه أن تعود للأمة قوتُـها وعزتُـها ومنعتها.  

[125] ركبت هواها: كناية عن عدم تحكيم العقل، يتساءل الشاعر إذا كان الرسول (ص) قد علم بأن الأمة تسير وفق ما يأمرها به هواها.  

[126] متفككون: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم، والبيت يصف تفكك المسلمين وعدم توحدهم فلا ثقة بينهم ولا صفاء بين قلوبِهم.

[127] غرّهم: خدعهم وأطمعهم، بلاء: البلاء والابتلاء الاختبار والامتحان، والبلاء يكون حسنًا ويكون سيئًا؛ أي إن المسلمين في هذه الأيام يتنعمون في ظل قيود وأغلال تحكمهم فاغتروا بـما هم فيه من نعيم هو في الحقيقة نعيم باطل.

[128] ظلموا شريعتك: ظلموها لأنّـهم لم يعملوا بـها واتـهموها بعدم مسايرة العصر، ورومة عاصمة الديانة الكاثوليكية، والمعنى أن المسلمين ظلموا الشريعة الإسلامية بترك العمل بـها وعدم الحكم بـها وهي التي نال المسلمون بـها ما لم ينل فقهاء روما من عزة ورفعة وأمجاد.

[129] سناها: نورها، والضمير متعلق بالشريعة في البيت السابق؛ أي إن الحضارة ازدهرت في ظل تطبيق الشريعة الإسلامية على مدى قرون، وجلبت للناس السعادة في الدنيا والآخرة.

[130] حادٍ: الحادي هو الذي يغني للإبل أثناء سيرها، حنت: حنت الناقة نزعت إلى وطنها، بالفلا: بالصحراء، وجناء: الوَجْنَةُ: ما ارتفع من الخَدَّيْنِ للشِّدْق والمـحْجِرِ، وناقة وجناء: تامة الخلق غليظة لحم الوجنة.

[131] سُمحاء: جمع سَمح، وهو الذي يعطي ويجود عن كرم وسخاء، يدعو الشاعر لآل بيت النبي (ص) أن يستقبلوا الرضوان في غرفاتـهم بجنان عدن.

[132] الزهراء هي فاطمة الزهراء (ع).



المقالات المرتبطة

الفكر العربي الحديث والمعاصر | من الشخصانية الواقعية إلى الشخصانية الإسلامية

نستكمل في هذه الورقة استعراض فلسفة “الحبّابي”، فبعد أن كان البحث عند مفهومي الكائن والشخص، ننقل الكلام إلى بقية العناصر

الحداثة الأبدية من منظور روحاني إسلامي

إذا كانت الحداثة الغربية modernity بكل تطبيقاتها في الغرب الأوروبي والأمريكي، قد وصلت إلى طرق مسدودة، وبلغت أقصى درجات الفشل

مصطلحات عرفانية | الجزء الخامس

* الاسم الأعظم – أول ما يستفيض من حضرة الفيض الأقدس حضرة الاسم الأعظم أي الاسم الله بحسب مقام تعينه

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<