جلسة حوارية حول فلسفة التدين

أقام معهد المعارف الحكمية وضمن برنامجه الدوري (المنتدى الفلسفي) جلسة حوارية الاثنين 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، حول فلسفة التدين مع الأستاذ الدكتور حبيب فياض، جمعت مجموعة من المثقفين والمهتمين، بدأت الجلسة بكلمة للدكتور فياض، جاء فيها:

في البداية لا بدّ من التنويه أنّ الوقت المتاح لي لتقديم الكتاب محدود، فهو مؤلف من ستة محاور وأفكار أساسية، واجتزاء التفاصيل والجزئيات من المشهد الكليّ من الممكن أن يؤثر على الرؤية الشاملة والكلية له، من أجل ذلك سأحاول أن أتكلم باختصار عن نقطتين أساسيتين:

 النقطة الأولى: لماذا فلسفة التدين؟ لأن هذه النقطة أثارت ربما استغراب أو تساؤلات أو إشكالات عند البعض.

 النقطة الثانية: ما هي الهندسة المعرفية لفلسفة التدين؟ أي البنى المعرفية المركّبة منها.

 بالنسبة إلى النقطة الأولى، نحن نعرف أنه تاريخيًّا حتى من أيام الإغريق القدامى على امتداد مسار الفلسفة عبر العصور الوسطى، والفلسفات الحديثة والمعاصرة، دائمًا التركيز هو حول الدين؛ يعني فلسفة الدين؛ التي هي نمط من أنماط التفكير الفلسفي تحت عنوان الفلسفات المضافة، أي مثلما يوجد لدينا فلسفة في التاريخ، وفلسفة أخلاق، وفلسفة لغة، وفلسفة علم، وفلسفة فن، هنالك أيضًا شيء اسمه فلسفة الدين، لكن العصر الفلسفي، الذي نعيش فيه يمتاز بأنه يشهد طفرة وتحول نوعي من الإطار النظري في التعامل مع الأفكار، إلى كيفية أو إمكانيه تطبيقها، لدرجة أن الآن هنالك شيء يسمونه الإرشاد الفلسفي، أو التداوي بالفلسفة، العيادة الفلسفية؛ أي في كيفية إدخال الفلسفة في المجالات المعاشة.

  المعنى الثاني لفلسفة الدين هو التفكير الفلسفي حول الدين، هو أن يتخذ الفيلسوف من الدين موضوعًا له فيمارس عليه تفكيرًا فلسفيًّا – أنا برأيي كلا المعنيين حاليًّا لا يعني أنه لا ضرورة لهم – لكن ليسوا هم الذين يعبرون عن إشكاليه الدين؛ لأن إشكالية الدين ليست في الدين نفسه، بل بالتدين؛ بمعنى آخر إذا أردنا الحديث عن التعاليم الداخلية التي جاء بها الوحي، وتندرج ضمن إطار فلسفي وجودي لاهوتي، هذا النمط لا يختلف عن الأنماط الأخرى من التعاليم الدينيه التي لها طابع القيم والأحكام. التعاليم الفلسفية التي جاء بها الدين لا تخرج عن كونها نمط من التعاليم الدينية المتمثلة بالنص المقدّس. في أي معنى؟ بمعنى أن النص المقدس له ماهية عامّة بغض النظر عن كل التأويلات والأقاويل والأفكار والنظريات والإشكاليات التي تمارس أو تثار حول هذا النص. أنا برأيي، النص الديني، وتحديدًا القرآن له ميزتان:

الميزه الأولى: هي الإعجاز، والإعجاز ليس بالضرورة أنه شيء معقد وصعب؛ الإعجاز هو عدم القدرة على الإتيان بالمثل. تحديدًا، إنه هكذا. لا أحد يستطيع عمل شيء، مثلًا عصا موسى معجزة، هي واضحة جدًّا أنها خشبة حوّلها موسى بإذن الله، أو بأمر من الله إلى معجزة.

 الميزة الثانية: بالنص المقدّس هي المبينية؛ أي أنه مبين. عندما نقول مبين؛ يعني الله لم يرسل الوحي لكي يخلق معميات وألغاز أمام العالمين. الله أرسل هذا الخطاب حتى يفهمه البدوي في الصحراء، حتى يأخذ به بغض النظر أنه قد ينطوي هذا النص على ما لا نهايه له من المعارف والعلوم ضمن إطارات محددة، والتي يستدعي فهمها استكناه النص وممارسة التأويل على النص، لكن أنا أتكلم عن التدين، ولا أتكلم عن أن نحوّل النص إلى نظريات فلسفية. إذًا، بالمقابل المعنى الثاني لفلسفة الدين يضعنا أمام حقيقة أن يأتي مجموعة من الفلاسفة يمارسون تفكيرًا فلسفيًّا على الدين وفق رؤى خارج دينية، فيضعونه في مساق، وإلى جانب العلوم والمعارف الأخرى، مثل الأخلاق، التاريخ، اللغة. في حين أنه أنا برأيي لا يمكن فهم الدين من دون الانخراط بالتجربة.

 بناءً عليه، أنا برأيي واحدة من أزمات المسلمين، أو الحضارة الإسلامية هي الانخراط إلى ما لا نهاية في التنظير، وأنا دائمًا أقول لدينا أعمال عميقة على مستوى التنظير بالفكر الديني. واحدة من الأمور التي نحن نقع فيها أنه يا ليتنا ننّظر لديننا وفكرنا بشكل عملي، بدل من أن نتخذ من الآخر خصمًا وخاصة الغرب، بحيث نظن أنه لا يمكن أن تقوم لنا قائمة إلا إذا مارسنا فعل التنظير على الحضارات الأخرى.

العمل وعلاقته بالإيمان هو الموضوع، الذي يجب أن نركز عليه، يعني العمل على الجوانب الإيجابية بدل الجوانب السلبية، يعني بدلًا من نبذ الذين لا يصلّون، لأركّز أنا على صلاتي، بدلًا من أن أبذل كل الجهد من إجل إثبات خطأ الآخرين أركز على الجوانب الإيجابية فيهم[…]  كل الفكرة المركزية في الكتاب هي ربط الدين بالغايات، عدم الوقوف عند الأدوات والوسائل، إذا كانت غاية الصلاة هي الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، علينا أن نؤدي الصلاة مع الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.

وهذا الكلام يعني إذا كان المحور بفلسفة الدين هو الله، وما يرتبط به من مقدسات وأنبياء ووحي ورسل، فالمحور بفلسفة التدين هو الإنسان المتدين. الإشكالية أين؟ عند الإنسان المتدين. كل إشكالية التدين هي كيفية تحويل هذا الخطاب إلى ممارسة مع وجود شرطين: كيف يكون فهم الدين يسيرًا مبينًا؟ وكيف يكون التدين ممكنًا؟ بمعنى آخر، الدين إلهي وجهته الإنسان، والتدين إنساني وجهته الله. ليس أنا الذي يبدأ من عند الله. الله يعرف البدايه الذي بدأها معنا. أنا أبدأ من عند نفسي بالبحث والدراسة.

ختمت الجلسة بنقاش دار بين الحضور والدكتور حبيب فياض اتسم بالجدية والعمق الفلسفي والفكري.



المقالات المرتبطة

مباني الفكر الإسلامي | نظرية المعرفة | قيمة العلم الحصولي (1)

أسئلة الدرس (لا تفوّتوا فرصة الحصول على شهادة تحصيل المادّة عند إجابتكم على الأسئلة في نهاية كلّ درس عبر التعليقات)

المهدوية والخلاص عند أصحاب الأديان والمعتقدات

الحديث عن التداخل بين الثقافات لا يكون على مستوى اعتقادي وإنّما على مستوى تديّن شعبي وبشرط أساسي أن يكون هذا التديّن يعود إلى الأصول، ومنضبط فيها حتى يكون معتبرًا داخل المنظومة الدينية نفسها.

انتهاء ظاهرة العولمة عند التعامل مع أزمة كورونا/ الدكتور طلال عتريسي

 انتهت ظاهرة العولمة عند التعامل مع جائحة كورونا، وصارت كل دولة تشتغل لوحدها، وتنافس الدول الأخرى وتسرق المواد الطبية المرسلة إلى تلك الدول.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<