الفروق بين (الكتاب – التوراة- الألواح – الصحف) ودلالاتها في القرآن

الفروق بين (الكتاب – التوراة- الألواح – الصحف)  ودلالاتها في القرآن

تقديم

هذا مقال قصير لموضوعات كبيرة وطويلة ومتعددة ومتنوعة وتمثّل مرجعيات عقائدية للكتب السماوية الثلاثة: اليهودية – المسيحية – الإسلام.

يحاول كثير من المحدثين أن يفرقوا بين دلالة هذه الكلمات في القرآن، وأنها مختلفة ومتغايرة، شكلًا ومضمونًا، وقد بنوا اجتهادهم على أدلة معينة منها قوله تعالى: في سورة آل عمران، الآية 48 ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ﴾، وقالوا: إن عطف التوراة على الكتاب يقتضي أن تكون التوراة مغايرة للكتاب، وهذا رأي له وجاهته، لكنه يقودنا إلى نتائج قد تبدو غير منطقية.

بهذا المفهوم يكون الكتاب غير القرآن في قوله تعالى في سورة الحجر، الآية 1: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ﴾، فهل عطف كلمة القرآن على الكتاب تعني أن القرآن غير الكتاب؟

وإن كان الأمر كما يدعون، فما مضمون هذا الكتاب، أين هو؟ وما مضمون التوراة، وأين هي؟ كي نستطيع التمييز بينهما.

كما يذهب بعض المحدثين في مغالاة مفرطة ليقولوا: إن التوراة لم تنزل على موسى، وذلك لعدم وجود آية قرآنية تنص على ذلك صراحة، فالآيات التي ذكرت فيها كلمة التوراة، تذكر في سياق مثل ما جاء قي سورة آل عمران، الآية 50: ﴿وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾، وفي قوله تعالى في سورة المائدة، الآية 44: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾، وفي قوله تعالى في سورة آل عمران، الآية 93: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.

معاني الكتاب

ولكي نناقش هؤلاء، فلا بدّ أولًا من الاتفاق على بعض المصطلحات قبل استكمال الحوار، فلا بدّ أن نتفق إذن على أن:

  • الكتاب يعني الشيء المكتوب أو المجموع والمضموم.
  • الكتاب قد يكون سطرًا واحدًا مثل قوله تعالى على لسان سليمان في سورة النمل، الآية 30: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
  • وقد يكون الكتاب كبيرًا لدرجة لا يمكن تخيلها مثل اللوح المحفوظ كما في قوله تعالى في سورة الرعد، الآية 39: ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، أو بدرجة أقل حجمًا مثل قوله تعالى في سورة الكهف، الآية 49: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾.
  • وبهذا المعنى فإنه يمكن تسمية اللوح كتابًا، وكذلك الصفحة الواحدة يمكن تسميتها كتابًا.

فاللوح المحفوظ كتاب.

وألواح موسى كتاب.

وصحف إبراهيم كتاب.

والتوراة كتاب.

وزبور داود كتاب.

لكن ما المقصود بكتاب موسى في قوله تعالى في سورة الإسراء، الآية 2: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾، وقوله تعالى في سورة هود، الآية 17، وسورة الأحقاف، الآية 12: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً﴾، وما الفرق بينه وبين التوراة والألواح؟

التفريق بين هذه الكلمات، يأتي تبعًا لاعتبارات عدة، منها المضمون أو المحتوى، ومنها الشكل الذي كتبت فيه.

التوراة والصحف

كتاب موسى (ع)، يشمل التوراة والألواح والصحف، وهو يتضمن قصصًا وأحداثًا وتشريعًا، فكلمة التوراة تتركز في دلالتها (غالبًا) على التشريع والتحريم والتحليل، مثل قوله تعالى في سورة المائدة، الآية 44: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ﴾، وقوله تعالى في سورة آل عمران، الآية 93: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾، وقوله في سورة آل عمران، الآية 50: ﴿وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾.

ومع ذلك فالتوراة أيضًا تحوي أحداثًا ونبوءات، مثل قوله تعالى في سورة آل عمران، الآية 65: ﴿لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلاَ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾. فإبراهيم إذن مذكور في التوراة بعيدًا عن التشريع.

وقوله تعالى في سورة الأعراف، الآية 157: ﴿النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾، فالتوراة أيضًا تحوي نبوءات مكتوبة عن نبي الإسلام الرسول محمد (ص)، فهي كتاب مكتوب ﴿مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾، لكنها مخصوصة.

وكلمة الكتاب أعم. إن دلالة كلمة الكتاب في عهد موسى تختلف عنها في عهد المسيح (ع)، فهي تعني في سياق موسى التوراة المكتوبة والألواح المكتوبة والصحف المكتوبة.

أما في عهد المسيح (ع)، فدلالة كلمة الكتاب تتسع لتشمل الأسفار الأخرى، مثل إشعيا ودانيال وزبور داود وغير ذلك، فحين يقول الله في سورة آل عمران، الآية 48: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ﴾؛ فالكتاب هنا يشمل كل أسفار موسى (ع)، وما يليه من أسفار، أما التوراة فهي تركز على التشريع.

الألواح

إذا تأملنا دلالة كلمة الألواح، فإنها تركز على المادة التي كتبت فيها أوامر الله وتشريعاته، وما قصّه (على موسى) عن السابقين، فهي تشمل التوراة والأحداث المختلفة، كما في قوله تعالى في سورة الأعراف، الآية 145: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾.

السياق إذن هو الذي يفرق بين دلالة الكلمة شكلًا ومضمونًا.

أما الدليل على أن التوراة خاصة بموسى (ع)، فبعيدًا عن إجماع أهل الكتاب والمسلمين، فالقرآن يقول في سورة المائدة، الآية 44: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾؛ والذين هادوا هم قوم موسى، بدءًا من حادثة العجل، فكتاب موسى معناه كل ما هو مكتوب في عصر موسى، وهو يشمل التوراة والألواح والصحف.

لكن دلالة كلمة الكتاب تتسع حتى عصر المسيح (ع) ليشمل الإنجيل كذلك، فقوله تعالى في النداء، يا أهل الكتاب، تعني يا أهل المكتوب، ويشمل (التوراة- الألواح- الصحف الزبور- الأسفار – الإنجيل).

ولأن الموضوع يحتاج إلى مجلدات، فقد سعيت أن أوجزه بقدر ما أستطيع.

ياسر أنور

ياسر أنور

شاعر وباحث ومؤرخ من مصر



المقالات المرتبطة

حضور صدر الدين الشيرازي في الدراسات الفلسفية العربية (المرحلة الأولى)

الحكمة المتعالية مدرسة فلسفية قائمة بذاتها، لها خصائصها الذاتية التي تميّزها عن المدارس الأخرى، فهي وإن تقاطعت أو تواصلت مع غيرها من مشائية وإشراق

ذكرى أبي الشهداء

الألم لذكرى تلك الدماء النقيّة الطاهرة ما ارتوت هذه الأرض بأطهر منها، والعزّة بذلك الشمم العالي، ما شهدت هذه الأرض مثله، وإنّهما لمزيج مقدّس

علاقة السيدة الزهراء (ع) بالشهداء..

كانت تصنع سبّحة من تراب الشهداء وتكون السبّحة بخيوط زرق، أربعًا وثلاثين خرزة وبعد أن قُتل حمزة (ع) عملت من طين قبره سبّحة تسبّح بها بعد كل صلاة”.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<