تقرير موسع ندوة “علم نفس الشذوذ”
أقام معهد المعارف الحكمية الاثنين 25/12/2023، الساعة 6:00 مساء، في مجمع الإمام المجتبى (ع)، ندوة علمية بعنوان: “علم نفس الشذوذ”، شارك فيها البروفسور رائف رضا، والدكتور طارق ادريس، أدار الندوة الإعلامي حسن خليفة. وحضر الندوة نخبة من أهل الاختصاص في العلاج النفسي، وأكاديمين ومثقفين.
بعد الترحيب من مدير الندوة الإعلامي حسن خليفة بالمحاضرين والتعريف بهم، كانت بداية الكلام مع البروفسور رائف رضا، حيث تطرق في محاضرته والتي كانت تحت عنوان: “الشذوذ الجنسي بين الحقائق والأوهام“، إلى الحديث عن المصطلحات التي يتكلمون عنها في الشذوذ الجنسي، لافتًا إلى أنه سيركز على الموضوع الشائع والمهم أن هذا الشذوذ إذا كان بين ذكر وذكر يسمى gay، وبالمصطلح الشعبي يسمى لواط، وإذا كان بين أنثى وأنثى يسمى Lesbian، وبالمصطلح الشعبي يسمى سحاق.
وأشار البروفسور رضا إلى أن هذا الشذوذ في السابق كانوا يضعوه تحت عنوان: الانحرافات الجنسية، وهذا ما يظهر من خلال تعريف الجمعية الأمريكية للطب النفسي، الأمر الذي يعني وجود خلل في السلوك الجنسي، أي إنه ليس مرضًا، مصرّحًا، لكن هذه الجمعية عادت سنة 74 وحذفت من قاموسها الطبيّ مصطلح الانحرافات الجنسية لغايات عديدة يعرفها الجميع، جزء منها ناتج عن سيطرة اليهود على المجتمع الأمريكي، وهي تخضع بالتالي لضغط اللوبي الصهيوني، الذي بعد أن ثبت قراره هذا في الولايات المتحدة الأمريكية، اتصل بمنظمة الصحة العالمية، والمنظمات الأوروبية، وهذه المنظمات وافقت أمريكا وحذفت كلمة الانحراف الجنسي من القاموس الطبي أيضًا، مما أدى إلى تحولات في النظر في عدد من الدول الأوروبية مثل فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، حيث اتفقوا جميعًا على أن الشذوذ ليس مرضًا، بل هو نمط طبيعي، ومنعوا معالجته، حتى منعوا الكلام عنه.
وتساءل البروفسور رضا، هل السلوك الجنسي هو حقيقة طبيعية؟ هل هو جيني، يعني يدخل بعلم الوراثة؟ وهل ممكن أن يكون نظرية هرمونية؟ في البداية بدأوا بالحديث عن أنّ الشذوذ يتعلق بعناصر وراثية، لكن هذا الأمر أثبت عقمه، فذهبوا باتجاه الحديث عن العنصر الهرموني، فقالوا عند الرجال لدينا الهرمون testosterone، وهذا الهرمون عندما يكون هناك نقص به يؤدي إلى حالة أنثوية، ولكن تبين في الدراسات أنّ هذا الهرمون الذكري التستوستيرون بزيد القوة الجنسية، وهذا عكس ما تكلموا عنه، وهذا ما دفعهم للكلام عن الهرمونات الإستروجين والبروجستيرون، الذي يؤدي إلى انحرافات عند المولود، ولم تصب هذه النظرية هدفها، فمالوا إلى القول: إنّ الكروموسومات 13 و14 ممكن أن تكون سبب لذلك. موضحًا، بأنهم أخذوا يحللون هذه المعطيات الجديدة، ولكنّهم لم يصلوا إلى نتيجة، فنحن مع حالة تريد أن تبرر الشذوذ، وعندما تفقد المبررات الموجودة تبحث عن أخرى مكانها، مثلًا الإعلام الأمريكي هلل لشخصية علمية اسمها “همر” تعمل في عالم الأحياء الوراثية، الذي وعد بإثبات وراثية هذا المرض، ولكن عندما لم تأت النتائج بحسب توقعاتهم ولم يجدوا جينًا واحدًا لإثبات الدور الوراثي للشذوذ، بحثوا عن سبب آخر وهكذا دواليك.
وقال البروفسور رضا: نحن نعيش في مجتمعات تعمل على تعميم هذه الظاهرة، دون شك أنّ هناك أسباب تدفع إليها، تحدثت عنها نظريات اجتماعية عبر الكلام عن دور الأب وغيابه، وموضوع الطلاق والتعرّض لاغتصاب الأولاد في سن الخامسة من العمر مسببًا الاكتئاب ومقدمة للشذوذ لاحقًا، دون أن ننسى دور الإعلام الفاسد والسجون والمعسكرات وغيرها.
وصرّح أن هناك عمل دؤوب لتعميم الشذوذ، منها ما هو ناتج عن الجندرة ومعاهدة سيداو، أو نشر ثقافة الشذوذ، وهذا ما لاحظناه بالشغب السياسيّ أثناء عرض فيلم”باربي”، عندما حاول وزير الثقافة اللبناني إيقاف عرضه، وكنا من الرافضين بشدة كذلك لعرضه، ولكن مدير عام الأمن العام وافق على عرضه رغم مناشدتنا إياه بسلبيات العرض؛ وهو موضوع تمرير الجندرة ليتقبلها المجتمع اللبناني والتي تشجع على الشذوذ الجنسي عبر اللون الموحد للجنسين في فيلم باربي وهو اللون الزهري، وتشجيع أيضًا على التحوّل الجنسي، ولكن لم يتجاوب معنا أحد، حيث وجدنا أنّ الأ كثرية من المؤسسات الإعلامية والثقافية وشركات داعمة، تقف بوجهنا، كما غيرنا من الرافضين.
وأشار إلى أن هذا قد أدى إلى وجود خلاف عامودي داخل المجتمع اللبناني بأكثريته الساحقة الرافضة، حيث إن فيلم باربي أبطاله من الشاذين والمتحولين جنسيًّا وتقف وراءه أجندات ودول داعمة ليتقبله المجتمع مقدمة لتطبيع الشذوذ الجنسي. ورغم ذلك ما سكتنا وحاولنا نشر وشرح أبعاد وخطورة عرض هذا الفيلم عبر النشر على الإنترنت (غوغل)، ولكن كلما كنت أقوم بالنشر، كانوا يقومون بحذفه حتى لا يصل إلى الناس.
ورأى البروفسور رضا أن هناك جو من القمع، لمنع التصدي للشذوذ الجنسي، نحن نريد أن نتصدى لهذا المشروع عبر القواعد العلمية، فكلّ ما يُشاع عنه لا يتعدى كونه أكاذيب لا تحتوي أيّ رؤية علمية، بل أذهب أبعد من ذلك إلى القول: ما هي سوى مشروع صهيوني قديم، يعمل على ضرب الوجود الإنسانيّ، وهذا المشروع يظهر في سفر التكوين عند اليهود، الذي يركز على القول: إنّ آدم (ع) كان خنثى لا ذكر ولا أنثى، وهذا ما يجعل التحوّل الجنسي جزءًا لا يتجزأ من الثقافة اليهودية.
وختم البروفسور رائف رضا كلامه بالقول: إن موضوع الشذوذ الجنسي هو ليس مرضًا، هو ليس نمطًا طبيعيًّا، بل هو سلوك جنسي غير طبيعي يتأثر بالظروف الاجتماعية والبيئية والثقافية والإعلامية الفاسدة وسواها، له مخاطر على تحديد النسل وتدمير الأسرة والأمراض الناتجة عنه كالإيدز والسرطانات والتهاب الكبد الفيروسي، وهنالك ربط بين الشذوذ والتعاطي على المخدرات، دون أن ننسى أن الحياة الجنسية لدى الشاذين ليست كما يتصور الشاذ؛ فهي غير مستقرة وفاشلة وتنتهي بالهروب عبر الطلاق وأحيانًا بالانتحار، لافتًا إلى أن هنالك ربط بين جدري القرود والشذوذ الجنسي وصلت نسبته إلى 80%. وأخيرًا الشذوذ الجنسي له علاج، وعلى رأس هذا العلاج هو العلاج السلوكي الإصلاحي، بحيث يجب على الشاذ أن يطلب العلاج، ولخبرة الطبيب دور أساسي في ذلك.
وشدّد أن الكلام بأنه لا علاج للشذوذ ليست سوى أوهام وخداع وكذب تقف وراءه جمعيات وسفارات ودول ومنظمات صحية مشبوهة. وما عرضناه هي الحقائق العلمية المبنية على الدراسات، وتبقى الأوهام لمن لا يريد تقبل الواقع العلمي.
بعد ذلك كان الكلام للدكتور طارق ادريس فكانت محاضرته تحت عنوان: “مقالة في المِثليّة والشذوذ الجنسيّين“، فتطرق إلى الحديث بأن موضوع هذه المقالة ليس مما يطرح على أي كان وكيفا كان، فهو من جهة من متفرعات العلاقة التناسلية، وهي فعل مقبول اجتماعيًّا بشروط، مرفوض بانتفائها. يُضافُ أنّها لصيقة بالمكوِّن النفسيّ والشعوريّ (الانفعاليّ) للإنسان فردًا وجماعة؛ لارتباطها مثلًا بالحياءِ من جهتين: من جهة كونه شعورًا عفويًّا (قد يكون مطلوبًا صونُهُ وتعزيزُه)، ومن جهة كونه خُلُقًا مقوَّمًا ومحكومًا عليه في الفلسفة الأخلاقيّة.
وأضاف، ويُضَمُّ إليه أنّها علاقة بين فردَين مختلِفَين- كما يشهد بذلك التشريح والوظائف الحيويّة، وينادي به التكوين النفسيّ، فضلًا من الفهم لحاجة الأنواع إلى هذه الحاجة الغريزة في أفرادها- وهو ما يسترعي الانتباه إلى أبعادها الجسديّة، والنفسيّة (السايكولوجيّة)، والشعوريّة، والجَماعيّة، لدى الإنسان تحديدًا؛ فهي بعيدةٌ عنده عن الفعل الآليِّ المجرّد.
ورأى أنّ شؤونَ الإنسان التي يُقال فيها إنّها من خصائصه أو مِن طبيعته، وتُراعى عند إقرار نظامِ مجتمعه، إنّما هي من مفردات ماهيّته (الإنسان). وهذا ما يوجبُ أيضًا النظرَ في تحديده، لا حيثُ تكوينُه الحيويّ فقط، أو حيثُ تكوينُه النفسيّ، أو غيرهما ممّا يخبر بواقعه الآنيّ والحاليّ، بل فيما يجب أن يكونَ عليه حتّى يُسمّى إنسانًا أيضًا.
ولفت، إلى أن موضوعٌ كهذا- بمنطلقاته ومآلاته- لا يُطرح للحكم عليه إلّا أمام الخاصّة مِن أهل الفلسفة الاجتماعيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة، وأهل العلوم المتعلّقة بعالم الحيوان والإنسان.
وصرّح، بهذا يتأكّد جليًّا أنّ التصريح بالشذوذ دعاءً ونداءً كان عمل تهوّرٍ، إن أُحسنت النيّة وأُخذت إلى أقصى ما يكون من سذاجة، وكان جريمة تربويّة وأخلاقيّة إن قُوِّمَ بموضوعيّة.
وفي معرض حديثه عن اجتماعيّة الإنسان وعقليّته أشار إلى أن القول بأنّ الإنسانَ حيوانٌ (جسمٌ حيٌّ) اجتماعيّ فهو تبسيطيّ وإجماليّ. والأدقُّ أنّه شديد الاجتماعيّة، مقهور عليها، مغلوب على أمره فيها؛ فهو إذا عُزل عن المجتمع، وأُفرد بعيدًا عن أقرانِه وأمثاله، اخترعت له تركيبتُهُ النفسيّةُ مجتمعًا خياليًّا يعيشُ فيه.
واعتبر أن أوّل ما يُرى في الإنسان مع اجتماعيَّتِهِ هو عقليّتُهُ. وأصل معنى العقل هو الربط. فهو إذًا، وأوّلًا، منعُ النفس عن فعلِ ما يشين، وممّا يشين الامتناع عن فعلِ الضروريّ، وشبه الضروريّ. فالعقل- والحال هذه- وازعٌ ودافعٌ. وثانيًا هو ربط المعلومات بعضها ببعض للوصول منها إلى المجهولات، أو للاستفادة منها في المعنى (معنى الحياة)، وفي العيش وأدواته.
ورأى أنه لا يُقابل العقلَ الحرّيّةُ كما يُمكن أن يُتوَهَّمَ متابعةً لتعريفه بأنّه ربط ومنع؛ فالحرّيّة دائمًا معقولة (مربوطة) بشروط على رأسها ألّا يكون في فعلها إضرارٌ بآخر.
وذكر أن بعدَ العقلِ، يُرى في الإنسان خُلُقه، وقيل فيه: صورةُ باطنٍ… كما هو مشاعرُ داخليّةٌ باطنةٌ أو خارجيّةٌ ظاهرةٌ في السلوك وانفعال الجسد، دفينةٌ كمينةٌ مجهولةٌ أو معروفةٌ مكشوفةٌ.
أضاف، ولأنّ الإنسانَ قد تغلبُهُ عاداتُه ونوازعُه، رأينا المجتمعَ يضعُ له قوانين فرضها عليه بالثواب، وأقلّهُ القبول به “مواطنًا”، وبالعقاب، سواءٌ أكانَ جسديًّا أم معنويًّا.
وعن دينيّة الإنسان قال الدكتور ادريس: الكلام على “الدين” كأنّ له تعريفًا وحدًّا نهائيًّا جامعًا مانعًا تهوّرٌ تدهوريّ؛ فالأديان مشتركاتها لا تعمّها جميعًا، بل يكون أحدها في بعض، وثانيها في بعض آخر. كما أنّ عمقًا نظريًّا في بعضها يكادُ يُطغي الفلسفةَ فيها على الدين.
تابع، قد يقترب من الحقيقة القول المتأرجح في احتمالاته: إنّ الدينَ كثيرًا ما هو رأيٌ- حادثٌ في زمنٍ ما- في الوجود، الذي قد يكون فيه ممكنًا يحتاجُ إلى واجبٍ خارقِ الصفات يُقدَّسُ (ينزَّهُ) ويُعبَدُ. وللدينِ عادةً وأوّلًا مؤسِّسٌ معروفُ السيرة محترَمٌ مسموعٌ قولُهُ. وثانيًا نظرةٌ في العيش وخيرِه وشرِّه، قد تلحقها شريعةٌ أو نظامٌ فيه طقوس تبجيل وضابطات تعامل.
وفي معرض حديثه عن قضاء الحاجة التناسليّة قال الدكتور ادريس: لأنّها علاقة بين فردَين مختلفَين، ولانسباكها في النظام العقليّ، والأخلاقيّ، والاجتماعيّ، والدينيّ، ولارتباطها بالشعور والانفعال، مرّ على قضاء الحاجة الجنسيّة أحوالٌ عسّرته (أو يسّرته)، أو حطّت من شأنه (أو قدّسته).
واعتبر أنّ ما يلفت النظر هو تجاوز الإنسان للمقبول في قضاء هذه الحاجة مع تيسّره، وليس ذلك إلّا لدواعٍ نفسيّةٍ- في الأغلب الأعمّ- حادت عن السواء، مثل الرغبة في خرق المحرَّم (التابو)، أو تجربة الجديد، أو احتقار الذات.
وأوضح أن تلبية الحاجة التناسليّة بغير ما رسمته الطبيعة تشريحيًّا ووظيفيًّا (جسديًّا) في الإنسان، وخطّه عقلُهُ وخُلُقهُ ومجتمعُه (نفسيًّا)، تُسمّى شذوذًا. ومن ذلك قضاء الحاجة مع المثيل في الذكورة والأنوثة. وإدراج التشريح والوظيفيّة يُخرج مَن تكوينهم الجسمانيّ مختلفٌ عن المألوف، ومِنهم جامع آلتي الذكورة والأنوثة.
تابع، فالكلام إذًا منحصرٌ فيمن يذهبون إلى الشذوذ لداع نفسيّ. وهو إمّا قهريٌّ، لا يريده صاحبُهُ ولا يرغب فيه، ولكنّه يجد نفسَه مدفوعةً إليه إمّا لميلٍ شديدٍ إلى المماثل واشتهاءٍ، وإمّا لنفور عظيمٍ من المغايرٍ. وإمّا عفويٌّ إراديٌّ، وعن رغبة.
معتبرًا أن حكمهما في المجتمع الإنسانيّ مختلف؛ فالمقهورُ المضطرُّ غيرُ المختارِ المُريد، وهذا في قضيّة النيّة فحسب. لكن في الفعلِ حكمهما واحد؛ لأنّه ما من مجتمع يقضي ويحكم تبعًا للنوايا المضمرة غير الممكن كشفها إلّا بما يزعمُهُ صاحبُها عادةً. ولو كان للنيّة دخالةٌ لأبطلت العقوباتِ المزاعمُ!
وعن زعم طبيعيّة الشذوذ تطرق الدكتور ادريس إلى الحديث عن أنّ الإنسانَ حيوانٌ، ففي هذا ما في ذاك تماثلًا من جهة، وتشابُهًا من أخرى، من غير إنكارٍ للاختلاف بينهما. ولأنّ مِن الحيوانِ ما له أفعالٌ تناسليّة تتجاوز قضاء الحاجة مع المغاير، دعا الداعون إلى حجب صفة الشذوذ عن هذه الأفعال في عالم الإنسان؛ لأنّ وجودها في الطبيعة يقضي بطبيعيّتها.
وأوضح، بل سيغدو عالم الحيوان أرفع من عالم الإنسان؛ ذلك أنّ عالم الحيوان يسيّره قضاء الحاجات غالبًا، كالأكل والهيمنة، فإذا انقضت الحاجة توقّف السير والسعي، ولا دخالة فيه (ذلك العالَم) للميل والمشتهى في الحاجة؛ لأنّ الحيوان غالبًا ما يطلب دفعَ الجوع مِن غير تفضيل للمأكول. وكذا في حاجته التناسليّة. أمّا الإنسان فيتجاوز في طلبِهِ قضاءَ الحاجةِ تفضيلًا ما، تبعًا لاشتهائه ورغبته.
وصرّح، بأن قضاء الشهوة المخالفة للعقل والخُلُق الإنسانيّين ليس سلوكًا حيوانيًّا، بل ما دون الحيوانيّ!
وفي معرض حديثه عن الحقّ في الحبّ قال الدكتور ادريس: وطالبوا بحقّ المثليّ في الحبّ. وهو طلب فيه ما فيه من الغرابة؛ لأنّ الحبَّ انجذابٌ وشعورٌ من تلقاء القلب، ولا قصدَ فيه. وليس لأحدٍ أن يأمُرَ بإخراج ما دخل غصبًا!
تابع، نعم، إنّ في الطلب حذفًا مشبوهًا مُغرضًا؛ فالمقصود هو الحقّ في التعبير “الجسديّ” عن الحبّ، وهذا التعبير ليس إلّا الفعل التناسليّ نفسه.
ولفت إلى أن المُرادُ إذًا نزعُ العقلِ والتحكّمِ عن الشعور وأثره- وإن كانت العلاقة بينهما جعليّةً ووهميّة- للإعلان عنهما، والاعتراف بهما.
وعن سلميّة الشذوذ ولا إضراره في الآخرين تطرق الدكتور ادريس إلى الحديث عن الذين زعموا أنّه لا بأس في شذوذ الفعل التناسليّ مذ كان علاقة بالتراضي، بين راشدَينِ، حُرَّينِ، مختارَينِ له، ولا يتبعها إضرارٌ بالآخرينَ. وهو زعمٌ ظاهرهُ وِفاق، وباطنُه شقاق؛ ذلك أنّهم غفلوا عن تلازم الشذوذ- وفق ما يريدون- والعلنيّة والإباحيّة؛ وهما مِن مظاهر الثقافة المعنويّة الاجتماعيّة.
تابع، إن كانت علاقة بالتراضي والحرّيّة والاختيار، فهذا لا ينفي أنّها شذوذ، والشذوذ لا يأتيه إلّا المضطرّ، والمغترّ، والمُفسدُ. والمضطرُّ يجب الأخذ بيده، ورفعُ الضرورة عنه. والمغترُّ يجب الأخذ على يده، وتعليمه، وتقويمه، ودفع الاغترار عنه. والمفسدُ يجب الحيلولة بين إفساده والمجتمع.
ورأى إن إعلانَ الشذوذ وإباحيّتَه لا ينقلانِهِ- فلسفةً في الإنسان والأخلاق والمتجمع- إلى حيّز المقبول والمصلحة، وإنّما يعنيان الانحرافً بماهيّة الإنسان، وإصابةً لمعناه في مقتل.
وأكّد، أنّ المطالبة بالشذوذ ليست سوى المناداة بحقوق الحيوان في الإنسان!
وعن عموميّة علّة إباحة الشذوذ، نبّه الدكتور ادريس من أن علّة إباحة الشذوذ صالحة لإباحة غيره، عاجزة عن الضبط؛ فالقول بالاستجابة إلى الميل والشعور كالحبّ بالفعل التناسليّ، لا يمنع من إباحة الفعل والعلاقة التناسليّة الشاذّة بين من يجب منعها فيهم؛ كذوات البعل والطامعين فيهنّ، والأبوين (الأب والأمّ) والأبناء، والإخوة والأخوات.
وختم الدكتور ادريس محاضرته بالقول: يبقى في الأخير التأكيد على أنّ الشذوذ التناسليّ لا يصحّ إطلاقه إلّا على الفعل التناسليّ المخالف للطبيعة، فلا يوسم به من كان لديه شعور مخالف؛ لما في الشعور مِن قهريّة ولا إراديّة. وإن كان يُمكن أن يقال للشعور إنّه شاذّ قياسًا إلى غيره من المشاعر. غير أنّه لا يؤاخَذُ صاحبُه عليه، إلّا في حالِ ارتضاه، وتمسّك به، ودافع عنه، ونمّاه. والمُؤاخذة تكون على الدفاع وأعمال التمسّك والإبقاء والتنمية. موضحًا، أن في هذا يكون تمييز بين المِثليّ، وهو ذو الشعور (وإن كان مُرادًا)، والشاذّ، وهو ذو الفعل. ثمّ بين الفعل، والإنسان.
فالمِثليّ الذي لا يرتضي شعوره، ولا ينحدر معه إلى أفعال قبيحة، يُسمّى منتصرًا في جهاده الأكبر، وهو ممدوح مرضيّ.
المقالات المرتبطة
مالك بن نبي والمشروع النهضوي
استضاف معهد المعارف الحكمية عصر أمس المفكر الإسلامي البروفسور رشيد بن عيسى حيث ألقى محاضرة بعنوان: مالك بن نبي والمشروع النهضوي، تطرق فيها إلى أنه تعلم التواضع من مالك بن نبي
الحمد وابتداع الخلق: الدرس الثالث
تابع سماحة الشيخ شفيق جرادي سلسلة الدروس المتعلقة بالحمد وابتداع الخلق، حيث أكمل شرحه في الدرس الثالث من هذه السلسلة للدعاء الأول من الصحيفة السجادية والذي يتمحور حول تحميد الله عز وجل.
التطبيع والإشاعة.. فتنة الغيبة والبهتان
عقد معهد المعارف الحكمية مساء أمس لقاءً حواريًّا مع سماحة الشيخ شفيق جرادي تحت عنوان: “التطبيع والإشاعة.. فتنة الغيبة