التطور، الخلق، الإبداع، اليوم بين العرف والواقع

التطور، الخلق، الإبداع، اليوم  بين العرف والواقع

تنوير

  بين يديكم مقال في مجال الخلق والإبداع – يتناوب بينها في الوجود -، وكذلك التطور واليوم، جميعًا بالمعنى الحقيقي لا المشهور.

  نصل إلى نهاية قد تكون خافية لا غائبة، بسبب الفهم العرفي لمصطلح الدين.

البداية: اللفظان

 خلق، أبدع.

أولًا: الإبداع

  عالما الأمر والخلق ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ (سورة الأعراف، الآية 54)، أول التكوين أبدع الله تعالى الخطة العامة لعالم الإمكان، وهو المعنى الأول لـ(خلق)، أي قدَّر، وهذا مثل الخارطة التكوينية لا على مثال سابق، ثم جاء دور إيجاد العالَمَينِ خلقا ـ بمعنى الإيجاد طبق الخارطة ـ إبداعًا.

   ورد اسم البديع مضافًا في كتاب الله تعالى في موضعين، في سورة البقرة ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[سورة البقرة، الآية 117]، وفي سورة الأنعام ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [سورة الأنعام، الآية 101]، فمن الآيتين نفهم أنه غني عن الإتيان بشيء على مثال سابق أو لاحق، وإلا ما كان بديعًا، ولتخلف معنى قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (سورة الشورى، الآية 11)، فلو كان له ولد أو جاء بفرد من أفراد عالم الوجود ما كان بديعًا لوجود من يماثله – ولو على نحو التقدير -.

الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ

 وهما عالما المادة والتجرد، أما عالم التجرد فمعلوم، وأما عالم المادة فنسميه عالم المادة لأن الغالب عليه هذه السمة، والحقيقة أن عالم الخلق فيه مكونان أساسيان وهما:

  1. مكون المادة.
  2. مكون الطاقة.

وهما متلازمان لا ينفكان، ومعهما الزمان والمكان والكيف والكم وما إلى ذلك من الأعراض ـ جمع عَرَض المقابل للجوهر في الفلسفة والتي هي: الكم، الكيف، الأين، المَتَى، الوضع، الجِدة، الإضافة، أن يفعل، أن ينفعل ــــ.

ملاحظة

  إن كلًّا من العرضَينِ: (الأين، المَتَى) عرضان خاصان بالموجودات المادية، وأما المجردة فخارج المحيط تخصّصًا لا تخصيصًا.

عالم إمكان آخر

  ولو أراد الله عز وجل أن يبتدع أي عدد من العوالم فإنه قادر على أن يضع أنظمتها ثم يوجدها خلقًا بعد خلق قادر على الإيجاد لا عن مثال سابق، وأن يكون كل عالم مختلف عن غيره.

ثانيًا: خلق

  في اللغة العربية لها معنيان:

المعنى الأول: التخطيط

ووضع التقدير، أي حسابات جميع الـمُقدَّرات ما لها وما عليها حتى وخز الإبرة للإصبع، ومقدار الدم الخارج، وتطهير الوخز طبيًّا وشرعيًّا، وكذلك متى يندمل، بل وحتى العطاس وما يخرج من رذاذ إذا حصل.

المعنى الثاني: الإيجاد

طبق التقدير، مع إمكان التغيير، أي البداء: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ (سورة الرعد، الآيتان 38 و 39).

تطبيق

خلق في مرحلة التخطيط النظام

  من مفردات النظام الكوني في عالم التقدير (خَلَقَ)؛ أي أوجد خارطة عالم الإمكان وكل ما يلزمه وما يخص مفرداته ومكوناته كما يفعل المهندس عندما يريد أن يشيد بناية، فإنه قبل تشييدها يرسم الخارطة ويحدّد الحاجة إلى المواد وعدد العاملين وما يلزمها من أموال والطاقة الاستيعابية، وهذا الإيجاد (خلق الذي هو الأول) كمرحلة.

خلق في مرحلة الإيجاد طبق التخطيط

حصل كمرحلة هو: (خلق الذي هو الإيجاد الثاني) على طبق الأول، وهذا الإيجاد حصل كمرحلة بعد الأول.

النظام

 الحاكم للوجود وعالم الإمكان بأسره (الدين)، الذي يتمثل في:

الأول: الخالق بـ:

  1. ذاته تعالى.
  2. صفاته.
  3. علاقة الخالق بذاته وصفاته.

الثاني: المخلوق عالم الإمكان

  1. عالم أسماء الله تعالى الحسنى.
  2. علاقة المخلوقين (كل ما دون الخالق) بالخالق.
  3. علاقة المخلوقين بذواتهم كل بذاته.
  4. علاقة المخلوقين بعضهم ببعض.

نظام عالم آدم

 إن الله تعالى أودع النظام العام لعالم الإمكان، والنظام الخاص بالكائنات كجماعة أو أفراد. الذي هو عالم نحن ومن حوله وما حوله أي (محيطه).

أما نحن فالذين يطلق علينا أننا الآدم المادي أنه:

  1. عاقل.
  2. مختار.
  3. مجهز بما يحتاجه ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ (سورة إبراهيم، الآية 34).

  هذا المقال المقتضب يأخذ جانبين:

الجانب الأول: الإيداع

إبداع النظام الجيني بكافة أطيافه ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾ (سورة الروم، الآية 22)، ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ (سورة الحجر، الآية 21)، فلا وجود للاعتباطية في النظام الكوني (الدين)، فـ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (سورة الطلاق، الآية 3).

الجانب الثاني: التفاوت والتغيير والتغيُّر

وضمن وأعطى تبارك وتعالى إمكان التطور والتطوير (تنازليًّا أو تصاعديًّا)، ضمن النظام دون مغادرة الخط الأصلي للصراط ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ﴾ (سورة طه، الآية 50)، فانظر (خَلْقَهُ)، وما يشاع من تطور الحيوانات إلى مرتبة الإنسان مردود علميًّا ولا مجال لسرد البراهين على ذلك.

التطور

ما يفهمه العامة من التطور:

التطور هو تفعّلٌ في طور ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (سورة الرعد، الآية 11)، فالفهم العرفي للتطور هو التقدم والترقي، والحق ليس كذلك فالمتطوِّر صنفان:

الصنف الأول: تلبس بالطور الهابط أو الأدنى، هنا حدث تغيير وتلبس بهذا الطور فهو تطور ولكن في صراط الشقاوة الأبدية.

الصنف الثاني: تلبس بالطور الأعلى هنا حدث تغيير بالطور فتلبس بالطور الأعلى، وتلبس بهذا الطور، فهو تطور ولكن في صراط السعادة الأبدية.

التطور مرة أخرى

 يتلبس عالم آدم بطور آخر تصاعديًّا أو تنازليًّا من حيث التكامل على الصراطين، فيتغير علميًّا وعمليًّا، واللغة من مفردات التغيير، ولكن تبقى الأسس العامة محافظ عليها ضمن الأطر المعرفية الأساسية، التي ليس محل بيانها هنا، وبإشارة عامة نستفيد منها في فهم النصوص الثابتة.

يوم القيامة

    اليوم في اللغة العربية:

  1. المرحلة قبل وجود عالم المادة: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ﴾ (سورة الحديد، الآية 4)، أي ستة مراحل، وعالم المادة هذا وجوده ملازم لوجود الطاقة، فعالمنا هذا تشكل من مكونين: مكون المادة، ومكون الطاقة، ولأننا متعلقون بمكون المادة بشكل عرفي وأغلبي، ولأنه الأصل في تكويننا، نغفل عن المكون الثاني الذي هو الطاقة، وبحسب التحليل نجد أن:
    • مكون المادة هو: نحن وباقي الأجناس: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ﴾ (سورة السجدة، الآية 7).
    • مكون الطاقة المتمثل بالجن: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ (سورة الحجر، الآية 27).
  2. بعد مرحلة وجود عالم المادة بمكونيه، جاء الزمن المتعارف الذي هو القطعة الزمنية ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ (سورة الإسراء، الآية 12).
  3. وأما يوم القيامة أي دخول مرحلة الحساب والجزاء، فله أحكامه التي لا علم لنا بها فقد صرح الله تعالى: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ*عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (سورة الواقعة، الآيتان 60 و61).

النتيجة

  هناك فهم عرفي للألفاظ:

  1. خلق.
  2. تطوَّر.
  3. أبدع.
  4. يوم.

الفهم العلمي:

  1. خلق: (1) صمم وقدَّر، (2) أوجد طبق التصميم.
  2. تطور: (1) تغير وتكامل نحو أحد النجدين الخير أو الشر تلّبس بطور ما، (2) تشكَّل بشكل ما يوم الحساب.
  3. الإبداع: التصميم والتقدير والإيجاد على غير مثال ولا من شيء سابق، والتغيير والاختلاف.
  4. يوم: (1)مرحلة قبل إيجاد العالم المرتبط والمتوافق مع الزمان، (2) بعد إيجاد العالم المرتبط والمتوافق مع الزمان.

محمد جواد فاضل عبد الرسول أبو الشعير الموسوي

محمد جواد فاضل عبد الرسول أبو الشعير الموسوي

محقق وتدريسي في جامعة المصطفى (ص) العالمية.



المقالات المرتبطة

دور عاشوراء في استنهاض الأمة

هذا الموضوع، هو موضوع مركزي أساس في حركتنا باتجاه عاشوراء، ولعلَّ البعض قد فهم من إحيائنا لعاشوراء في المناطق المختلفة بأننا نحاول أن نستحضر العاطفة

آراء في الوجوبات العقلية والأخلاقية

لوجوبات لا تقتصر على العقلية، فالعقلية منها هي تلك “التي تنشأ عن العقل، هذا في مقابل وجوبات غير عقلية وهي تلك الوجوبات الناشئة عن الأوامر، سواء كانت من الشارع أم من غيره.

المفهوم الأخلاقي للحياد ومفاعيله السياسيّة والحواريّة

في خضمّ صراع المحاور الحضاريّة والاقتصاديّة وما يدور حولها من مسارات جيوسياسيّة، يطرح البعض “وضعيّة الحياد” كموقف رسميّ للدولة اللبنانيّة

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<